شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
كيف واجَهَنا مسلسل

كيف واجَهَنا مسلسل "أزمة منتصف العمر" بالمسكوت عنه؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

أعتقد أن أكثر ما نجحت فيه الفنانة ريهام عبد الغفور، خلال العامين الماضيين، أنها خلقت ثقة بينها وبين الجمهور الذي بات يقبل على أعمالها دون انتظار تقييمات المشاهدين أو النقّاد. هذا ما حدث معي، فبمجرد طرح مسلسل "أزمة منتصف العمر" الذي يشاركها فيه البطولة كلّ من كريم فهمي ورنا رئيس، تابعت حلقاته التي وصلت إلى ثمانية حتى الآن.

وتدور قصة العمل حول امرأة تعيش مع زوجها وابنته، وبعد مرور عدّة سنوات، تعاني تلك المرأة من التهميش والعلاقة الفاترة مع زوجها الذي يعاملها كـ "آلة في البيت"، ولا يبادلها حتى الابتسام أو الكلمة الطيبة، وهو ما خلق لديها حالة من الحرمان العاطفي، وسرعان ما تنقلب الأحداث حين تتزوج ابنة الزوج من شاب يجسّد دوره كريم فهمي، والأخير سيقع في غرام المرأة التي تحتلّ مقام "حماته"، وستبادله هي الحب في لحظة سينتج عنها إقامة علاقة جنسية وحمل، وبعيداً عن حبكة الأحداث وإطارها التشويقي، وهي أسباب جعلت المسلسل يحصل على نسب مشاهدة عالية، بالإضافة لجدل حول "أخلاقية" تقديم مثل تلك العلاقات الغرامية على الشاشة، فإن أهمية المسلسل بالنسبة لي تكمن في أنه واجهنا بحقائق نعرفها ونعيشها لكننا نرفض أن نتحدّث عنها.

يواجهنا مسلسل "أزمة منتصف العمر" بثلاث حقائق: أحوال الزوجات المنسيات، وهم ضيق الحالة المادية في قلّة الاهتمام بالزوجات وانتشار العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج

أولى الحقائق التي أقصدها، هي أحوال الزوجات اللواتي مرّ على زواجهن عدّة سنوات، وتحوّلت حياتهن إلى مجرد واجبات يومية تجاه البيت والأولاد، أما المشاعر فاقتصرت على العلاقة الجنسية فقط، وهؤلاء لسن بالعدد القليل داخل البيوت المصرية، ويعشن مأساة حقيقية، بين احتياجهن للحب كعاطفة قبل أن تكون جنساً وهذا ما لا يقدمه أزواجهن، وبين كونهن متزوجات، أي لا يحق لهن إقامة علاقة غرامية مع رجل غير الزوج، وإلا وصمن بالكثير من الصفات التي يسقطها عليهن المجتمع والدين.

وما بين النارين، تظل أولئك النسوة يراقبن أعمارهن تمرّ وهنّ محرومات من الكلمة الحلوة واللفتة الرقيقة والابتسامة، وكل ما يطالبن به ألا يعامَلن على أنهن آلات، وهي احتياجات جسّدتها ببراعة ريهام عبد الغفور طوال الحلقات، ولخّصتها من قبل الفنانة هند صبري في فيلم "أحلى الأوقات" عام 2004، حين صكّت جملتها الأثيرة التي وجهتها لزوجها للتعبير عن احتياجاتها غير الجنسية بقولها: "عاوزة ورد يا إبراهيم".

هذا يقودنا إلى الحقيقة الثانية، فتقديم تلك الإشكالية من خلال عائلة ميسورة الحال، ولا تعاني من أي ضيق مالي، يُسقط كل المزاعم التي يردّدها رجال من أن "مفرمة الحياة " و"أكل العيش" أسباب أساسية لعدم إعطاء الزوجة الاهتمام المطلوب، وشخصياً أؤمن أن أغلى شعور في الحياة هو الحب، ولحسن الحظ جميعنا نمتلكه، فلا ضريبة على الابتسامة في الوجه أو المعاملة اللينة.

أما تقديم الشخصيات بصورة طبيعية، فالمرأة التي أقامت علاقة جنسية مع زوج ابنة زوجها ليست متصابية أو لعوب، وكذلك زوج الابنة، يعزّز من رسالة العمل، وهو أن الأمر ليس له علاقة بشهوة أو رغبة قدر احتياج للمشاعر، وليس بعيداً أن يحدث لعدد كبير من الناس.

ثالث الحقائق التي واجهنا بها "أزمة منتصف العمر"، وهي حقيقة نعرفها ونسكت عنها ولا نحب ترويجها، وأقصد العلاقات الجنسية التي تحدث خارج إطار الزواج، بين أفراد عائلة واحدة أو أناس تربطهم ببعضهم صِلة ما، بل وبعض تلك العلاقات تقع تحت تصنيف "زنا المحارم"، أي وقوع العلاقة بين اثنين لا يحلّان لبعضهما شرعاً حسب الشريعة الإسلامية.

نقول لمن اعترض على عدم وجود علاقات مماثلة في المجتمع المصري: لا يمرّ أسبوع تقريباً إلا ويرد بيان من الداخلية يتضمن واقعة "زنا محارم" صريحة

ورغم أن ذلك لا ينطبق على المسلسل لأن البطلة (ريهام عبد الغفور) ليست أم وإنما زوجة أب، لكن ذلك لم يمنع من اعتراض كثيرين ممن اعتبروا أن ذلك ترويج لـ"زنا المحارم"، ولهؤلاء أقول لهم بما إني صحفي أعمل في جريدة مصرية، فلا يمر أسبوع تقريباً إلا ويرد بيان من وزارة الداخلية يتضمن واقعة "زنا محارم" صريحة، وفي الأغلب تستبعد إدارة الجريدة نشر الحادثة تحت مبرّر "عدم الإساءة للصورة العامة للمجتمع"، ولذلك عزيزي القارئ عليك التصديق أن هذا واقع في مصر ويحدث فعلاً.

يبقى القول إن ما شاهدناه رسالة تحذير لأهمية وضع حقوق الزوجات واحتياجاتهن كأولوية كما الرجال، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن نشر تلك الحقائق، حتى لو كره البعض مشاهدتها، عبر وسيط هو الأكثر انتشاراً مثل الفن، لا يجعلنا فقط نرى ما نسكت عنه، بل يفتح الطريق لحقائق أخرى نخشى مواجهتها والحديث عنها، وهي قيمة المسلسل الأولى التي جعلتني أتغاضى عن انتقادات البعض التي تعلّقت بتقديم الشخصيات دون تاريخ درامي أو معرفة خلفياتهم، وهو ما يمكن تداركه برأيي في الحلقات المقبلة، أو حتى في جزء جديد إن قرر صنّاعه ذلك، لكن الأهم أن هناك بعض الأعمال الفنية تكون مهمتها إلقاء الحجر الأول في المياه الراكدة، أن تقول إن ذلك يحدث، وبذلك تكون أدت مهمتها بنجاح.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard