حرق وتكسير لعشرات المنازل والسيارات والممتلكات الخاصة، وحوادث دهس وطعن واعتداءات بالضرب. هكذا قضت بلدة حوارة الفلسطينية (جنوب نابلس بالضفة الغربية المحتلة) ليلتها في ظل هجمات دموية مدمرة من قبل المستوطنين الإسرائيليين واستفاقت على حصار الجيش الإسرائيلي الذي لم يوفر أي حماية لأهالي البلدة الفلسطينيين ضد عنف المستوطنين.
شنّ المستوطنون الهجوم الليلي على بلدات حوارة وعصيرة القبلية وبورين، وسط انتشار مكثف لقوات الجيش الإسرائيلي في المنطقة. لكن حوارة نالت القسط الأكبر من الاعتداءات والخسائر.
بحسب وزارة الصحة الفلسطينية في رام الله، وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، أسفر عنف المستوطنين عن مقتل مواطن فلسطيني عقب إصابته بالرصاص الحي في البطن، عدا إصابة أكثر من 392 آخرين بالرصاص الحي والمعدني المغلف بالمطاط، والضرب والاختناق، أحدهم إصابته بالرأس خطيرة.
"ترجمة لمواقف بعض الوزراء في هذه الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة"... مستوطنون يقتلون فلسطينياً ويصيبون أكثر من 390 آخرين، فضلاً عن إحراق وتدمير عشرات المنازل والسيارات في بلدة حوارة الفلسطينية وقرى مجاورة لها
ونقلت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا) عن مسؤول ملف الاستيطان شمال الضفة، غسان دغلس، قوله إن المستوطنين نفذوا نحو 300 اعتداء في بلدات حوارة وبورين وعصيرة القبلية خلال الليل.
شرح دغلس: "شهدت ليلة أمس هجمة شرسة للمستوطنين واعتداءات غير مسبوقة من إحراق للمنازل واستهدافها، والاعتداء على المواطنين، الأمر الذي أدى إلى استشهاد المواطن سامح حمد لله محمود أقطش (37 عاماً)، وإصابة أكثر من 100 آخرين بينهم أربعة بجروح".
وأردف المسؤول بأن 30 منزلاً تعرضت للاستهداف بالحرق أو التكسير في حوارة، علاوة على إحراق 15 مركبة. كذلك أُحرِق بركس وحظيرة أغنام وثلاث مركبات في بلدة بورين، مع محاولة لإحراق أحد المنازل. أما بلدة عصيرة القبيلة، فشهدت إحراق منزل وخزان مياه، وأخيراً مشطب للمركبات في بلدة أودلا.
وأقرت وسائل الإعلام الإسرائيلية بوقوع "أعمال عنف انتقامية" ارتكبها المستوطنون ليلاً، قائلةً إنها أسفرت عن "مقتل فلسطيني وإصابة نحو 390 فلسطينياً بجروح وحالات اختناق، وتخريب عشرات الممتلكات" بما في ذلك "إحراق أكثر من 35 منزلاً ونحو 100 مركبة"، ما استدعى إخلاء عشرات العائلات الفلسطينية من منازلها.
ليلة دامية وصباح خانق
في الأشهر الأخيرة، تفاقمت الأوضاع بين الجانبين، وارتكب الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن الإسرائيلية عدة مجازر في مخيم جنين ونابلس ومخيم عقبة جبر، رد عليها الفلسطينيين بعمليات انتقامية يرونها "كفاحاً مشروعاً" في مجال "مقاومة المحتل"، بينما تعتبرها إسرائيل "هجمات إرهابية".
"الوضع ينذر بالدخول في دوامة من الفعل ورد الفعل، لا أحد يتنبأ بمصيرها"... نفّذ فلسطيني عملية إطلاق نار أسفرت عن مقتل شقيقين من المستوطنين عند حاجز حوارة، فرّد المستوطنون وجعلوا البلدة تعيش "ليلة رعب"
والأحد 26 شباط/ فبراير 2023، نفّذ مواطن فلسطيني لم تُحدد هويته بعد عملية إطلاق نار عند حاجز حوارة أسفرت عن مقتل شقيقين اثنين من سكان مستوطنة هار براخا غير الشرعية في الضفة الغربية المحتلة، هما هيلل مناحيم (21 عاماً) وييغل يعكوف (19 عاماً).
جاء ذلك رداً على مقتل 11 فلسطينياً بينهم مسنّ وقاصران، وإصابة أكثر من 100 آخرين في "مجزرة نابلس" على أيدي الجيش الإسرائيلي، الأربعاء 22 شباط/ فبراير 2023.
وكان رد المستوطنين فورياً إذ هاجم العشرات منهم في مجموعات البلدات الفلسطينية جنوب نابلس وجنوب غربيها بالأسلحة والحجارة والأدوات الحادة، متسببين في الخسائر المشار إليها سابقاً. كما منعوا أطقم الإسعاف التابعة وغير التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني من الوصول إلى المصابين لإسعافهم، وكذلك عرقلوا وصول فرق الدفاع المدني للمنازل والسيارات والمنشآت المحترقة لمحاولة إطفائها، واعتدوا بالضرب على ضباط الدفاع المدني وحطموا مركبات تابعة له.
وفجر الاثنين 27 شباط/ فبراير 2023، شدد الجيش الإسرائيلي حصاره لمحيط محافظة نابلس واستمر في غلق حواجز بلدتي حوارة وعورتا وطريق المربعة وزعترة، وأغلق مدخل مدينة بيتا جنوب نابلس. كما أعاق تنقل المواطنين عند مدخل بلدة صرة، ونشر قواته على مداخل نابلس.
اعتداءات المستوطنين لم تقتصر على الأهالي بل امتدت للصحافيين الذين يغطون التطورات. صباح الاثنين، قال مصور الوكالة الأوروبية علاء بدارنة لـ"وفا" إن مستوطناً حاول دهس عدد من الصحافيين الأجانب عمداً خلال وجودهم على الطريق الرئيسي في حوارة، فيما أفاد مراسل قناة الغد خالد بدير بأن مستوطناً ترجل من سيارته وحاول الاعتداء على الصحافيين أثناء تغطيتهم الأحداث في البلدة قبل أن يحاول صدم مركبة أحدهم.
دان الرئيس الإسرائيلي عنف المستوطنين في بلدة حوارة قائلاً: "أعمال الشغب والعنف ضد الأبرياء ليست طريقتنا"، وناشد نتنياهو ترك الأمور للجيش. لكن مصادر متطابقة أكدت أن الجيش الإسرائيلي كان يطوق المنطقة ولم يتدخل لوقف عنف المستوطنين أو حماية الفلسطينيين وممتلكاتهم
إدانة دبلوماسية
تزامنت هذه التطورات العنيفة مع انعقاد قمة خماسية في العقبة الأردنية، بمشاركة الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي والولايات المتحدة ومصر والأردن، ضمن مساعي تهدئة الأوضاع. لكن استمرار تصاعد العنف وعجز الحكومة الإسرائيلية عن السيطرة على المستوطنين يهددان نجاح "قمة العقبة".
من جهته، ندد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس بأعمال العنف في الضفة الغربية المحتلة، معتبراً "هذه التطورات تؤكد ضرورة خفض تصعيد التوترات فوراً بالأقوال والأفعال"، متعهداً مواصلة العمل مع الجانبين والشركاء الإقليميين "لاستعادة الهدوء".
وعبر حسابه في تويتر، دان السفير البريطاني لدى إسرائيل نيل ويغان العملية ضد المستوطنين، والمشاهد "المروعة" لاعتداء المستوطنين على أهالي حوارة وحرق المنازل والمركبات، مستدركاً "يجب على إسرائيل أن تتصدى لعنف المستوطنين، وينبغي تقديم المسؤولين عن هذه الاعتداءات إلى العدالة. تشعر المملكة المتحدة بقلق عميق من تصاعد العنف".
ودانت الرئاسة الفلسطينية بدورها "الأعمال الإرهابية التي يقوم بها المستوطنون بحماية قوات الاحتلال الإسرائيلي"، قائلةً إن "هذا الإرهاب ومن يقف خلفه يهدفان إلى تدمير وإفشال الجهود الدولية المبذولة لمحاولة الخروج من الأزمة الراهنة". وأضافت أنه "يؤكد انعدام الثقة بالوعود المقطوعة المتعلقة بوقف إرهاب المستوطنين واعتداءاتهم على المواطنين الفلسطينيين".
كذلك اعتبرت رئاسة السلطة الفلسطينية هذه الهجمات من قبل المستوطنين "ترجمة لمواقف بعض الوزراء في هذه الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة"، محذرةً من أن "الوضع ينذر بالدخول في دوامة من الفعل ورد الفعل، لا أحد يتنبأ بمصيرها".
واستنكر الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ بشدة "تطبيق القانون بأيدينا، وأعمال الشغب والعنف ضد الأبرياء ليست طريقتنا"، مناشداً المستوطنين "يجب علينا أن نتيح للجيش الإسرائيلي ولشرطة إسرائيل وقوات الأمن ملاحقة ‘المخرّب‘ واستعادة الأمن". ومصطلح "مخرب" هو تعبير إسرائيلي يُطلق على الفلسطينيين المتورطين في عمليات ضد أهداف إسرائيلية.
في المقابل، يعتمد الفلسطينيون تسميات أخرى تدل على البطولة مثل "المقاومين" و"الشهداء" لدى الوفاة.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أيضاً ندد بعنف المستوطنين قائلاً: "حتى عندما يكون الدم حاراً والأرواح مشتعلة يجب عدم تطبيق القانون بالأيدي. أطلب أن يُترك هذا للجيش الإسرائيلي وقوات الأمن للقيام بعملهم"، مذكراً بقتل وتصفية عشرات الفلسطينيين في الآونة الأخيرة.
برغم الإدانة الإسرائيلية الرسمية لعنف المستوطنين، أفادت مصادر فلسطينية متطابقة، بينها شهود عيان، بأن الجيش الإسرائيلي كان يطوّق المنطقة ولم يتدخل لوقف عنف المستوطنين أو حماية الفلسطينيين وممتلكاتهم الخاصة. قبل نحو عامين، خلُص تحليل لمنظمة "كسر الصمت" (BtS) الإسرائيلية، إلى إدانة الجيش الإسرائيلي بـ"التواطؤ" مع "التصعيد الكبير لعنف المستوطنين" عبر توفير "عباءة حماية" لهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين