"لا يوجد تحرك ولا إرادة لدى الحكومة أو الجيش (الإسرائيليين) لمنع المستوطنين من الهجوم" على الفلسطينيين. هذا ما أكده أوري جفعاتي، مدير المناصرة في منظمة "كسر الصمت" (BtS) الإسرائيلية، تعقيباً على أحدث إصداراتها والذي يدين الجيش الإسرائيلي بـ"التواطؤ" مع "التصعيد الكبير لعنف المستوطنين" عبر توفير "عباءة حماية" لهم.
عنف المستوطنين يستفحل
عنفهم "لا يرتكب من فراغ" و"لا بروتوكول" لمواجهته... منظمة إسرائيلية ترصد عشرات الشهادات من جنود سابقين على "تواطؤ" الجيش الإسرائيلي و"احتضانه" المستوطنين الذين يزدادون عدوانية وتطرفاً يوماً بعد يوم
ووثق المكتب الأممي 273 حادثة جرح فيها مستوطنون فلسطينيين أو ألحقوا أضراراً بممتلكاتهم في الأشهر الستة الأولى من عام 2021، مقارنة بـ 360 حالة خلال العام الماضي و340 في عام 2019.
لا تقتصر اعتداءات المستوطنين على البشر وإنما تزامنت مع زيادة التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة؛ زادت البؤر الاستيطانية غير الشرعية، وفق مجموعة المراقبة الإسرائيلية "السلام الآن". منذ تموز/ يوليو 2018، رصدت "السلام الآن" إنشاء 42 بؤرة استيطانية غير قانونية جديدة، مقارنة بـ 16 خلال السنوات الثلاث السابقة لذلك.
وقالت هاجيت عفران، من "السلام الآن"، إن "المستوطنين يشعرون أنهم أصحاب العقارات في الضفة الغربية، وإن الجيش والشرطة موجودان لخدمتهم وحمايتهم".
المستوطنون "دولة داخل الدولة"
وفي تقريرها، لفتت BtS إلى خطورة "إفلات المستوطنين العنيفين من العقاب، وعدم وجود أوامر واضحة للجنود في ما يتعلق بالتعامل مع المستوطنين" وما وصفته بـ"العلاقة المزدوجة" بين المستوطنين والجنود، مضيفةً: "في بعض الأحيان كانت هناك علاقة وثيقة (للمستوطنين) مع الجنود، وفي اللحظة التالية يمارسون العنف تجاههم".
وبينما كشفت الشهادات جرائم "الحرق المتعمد والسرقة والاعتداء الجسدي وإطلاق النار" ضد الفلسطينيين، وثّق التقرير أيضاً اعتداءات مستوطنين على جنود إسرائيليين.
من الشهادات التي تمتد على مدار تسع سنوات، منذ عام 2012، قال رقيب أول خدم قرب مستوطنة يتسهار القريبة من نابلس عام 2017: "مهمتك هي حماية المستوطن، فقط حمايته؛ أنت حارس المستوطنات وعليك أن تكون كالملاك الذي يحرس المنطقة".
"المستوطنون يرون أنفسهم دولة داخل دولة. بعضهم يتحدث علانية عن تسليح الميليشيات من أجل محاربة الجيش الإسرائيلي إذا غيّر سياسته وحاول تطبيق القوانين السارية على الفلسطينيين ضدهم"
وقال رقيب أول آخر عمل في نابلس إن اعتقال المستوطن "لم يكن خياراً مطروحاً" حتى إذا كان اعتداؤه على الجنود الإسرائيليين. وزاد ثالث خدم أيضاً في يتسهار أنه "لم يكن حتى خياراً تقديمهم إلى أي نوع من العدالة، أو محاولة التفكير في كيفية منع هذا الشيء (عدوانهم) في المرة القادمة".
وأوضح نقيب سابق، خدم بالجيش الإسرائيلي بين عامي 2009 و2013، وعام 2018 كقائد احتياطي في فصيلة في الضفة الغربية، لصحيفة "الإندبندنت" البريطانية، أن المشكلة تكمن في افتقار الجنود الإسرائيليين إلى بروتوكول تعامل مع المستوطنين لأن "النظام يركز على كيفية التعامل مع الفلسطينيين". وأضاف: "لا يوجد بروتوكول يتعلق باستخدام العنف الجسدي لتقييد المستوطنين. يبدو الأمر كما لو أن النظام القانوني الإسرائيلي على مستوى الدولة لم يكن يتخيل إمكانية حدوث سيناريو يتعين فيه على الجنود التعامل مع عنف المستوطنين. لا تتوفر لنا الأدوات اللازمة للتصرف".
ووصف النقيب السابق كيف أن المستوطنين الذين كانوا يعيشون قرب قرية بورين الفلسطينية، جنوب غربي نابلس، حيث خدم، لم يهاجموا الفلسطينيين بوحشية فحسب، بل منعوا الجنود من الوصول إلى مكان الحادث عبر نشر المسامير على الأرض لمنع سيارات الجيش من الوصول إلى هناك.
كما زعم أنه عثر على كتيب إرشادي كتبه المستوطنون حول كيفية ارتكاب عمل عنيف في قرية فلسطينية مع توزيع "المهمات" على المستوطنين المتاحين، مضيفاً أن الكتيب يحتوي في آخره على شرح للنمط الذي استخدمه الجيش في التعامل مع مثل هذه الهجمات، لإعطاء المستوطنين فكرة عن المدة التي تستغرقها وحدة عسكرية لتلاحظ وقوع هجوم والتحرك تجاه منفذيه.
وشدد النقيب الإسرائيلي السابق على أن العنف في الضفة الغربية "آخذ في الاتساع" وأصبح "أكثر تطرفاً شيئاً فشيئاً"، مضيفاً: "المستوطنون يرون أنفسهم دولة داخل دولة. بعضهم يتحدث علانية عن تسليح الميليشيات من أجل محاربة الجيش الإسرائيلي إذا غيّر سياسته وحاول تطبيق القوانين السارية على الفلسطينيين ضدهم".
من جهته، عقّب أوري جفعاتي، على الشهادات قائلاً إنها أظهرت أنه "لا يوجد عمل ولا إرادة من الحكومة أو الجيش (الإسرائيليين) لمنع المستوطنين من الهجوم" على الفلسطينيين. وزاد: "هذا جزء من مهمة إستراتيجية مخططة بعزم من المستوطنين للاستيلاء على المزيد والمزيد من الأراضي الفلسطينية".
وكجندي سابق في صفوف الجيش الإسرائيلي، أضاف جفعاتي: "عنف المستوطنين لا يرتكب من فراغ. إنهم أكبر مشروع إجرامي في إسرائيل، وليسوا فقط محصنين من التداعيات ولكنهم يتلقون احتضاناً من الجيش والحكومة".
خلال الأشهر الستة الماضية، وثق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إصابة 349 فلسطينياً (خلال 273 حادثة) على أيدي المستوطنين مقابل 248 (في 360 حادثة) في عام 2020
وأردف: "من جانبنا، نحن الجنود، نقف هناك ونحن نعلم أن هذا يحدث، وفي أفضل الأحوال، لا نساعد أحداً (من الفلسطينيين المعتدى عليهم)، وفي أسوأ الأحوال، نشارك بشكل فعال ونهاجم الفلسطينيين"، مشدداً "نحن (الجنود) جزء من هذا النظام البيئي العنيف".
"عنف المستوطنين لا يرتكب من فراغ. إنهم أكبر مشروع إجرامي في إسرائيل، وليسوا فقط محصنين من التداعيات ولكنهم يتلقون احتضاناً من الجيش والحكومة".
الجيش الإسرائيلي ينفي
في غضون ذلك، نفى الجيش الإسرائيلي الاتهامات في التقرير، وقال إن الجيش وقوات الأمن الإسرائيلية الأخرى "يعملان باستمرار، علانية وسراً، للحفاظ على القانون والنظام في الضفة الغربية، ومنع انتهاكات القانون من قبل الفلسطينيين والإسرائيليين على السواء".
وأضاف الجيش الإسرائيلي في بيان: "المزاعم التي أوردها التقرير، والتي تدعي أن الجنود (الإسرائيليين) لا يتصرفون كما هو مطلوب أثناء المواجهات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، معممة بشكل مفرط وغير صحيحة".
وزعم أنه "يحقق بشكل منتظم وشامل في الحوادث المتعلقة بالنشاط الممنهج، لفحص ما إذا كان هناك انحراف عن الأوامر والإجراءات واستخلاص الدروس المستفادة، بما في ذلك الحوادث التي يُزعم أن جنود جيش الدفاع الإسرائيلي لم يتصرفوا فيها على النحو المطلوب ضد الجرائم التي يرتكبها إسرائيليون".
ولفت إلى أن الشرطة الإسرائيلية هي الجهة المنوط بها تلقي الشكاوى من الفلسطينيين بشأن هجمات المستوطنين عليهم وعلى ممتلكاتهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...