يثير المشهد الأخير من فيلم "العودة للمخرج السوري الشاب يزن ربيع التساؤل، عندما يقول "وفقت، وفقنا" وعلى الشاشة الكبيرة في مهرجان برلين السينمائي الدولي تظهر صور لأسرّة خالية من النائمين/ات.
في حديثه لرصيف22 يبيّن يزن أن المشهد يجسد أسرّة السوريين/ات الذين/اللواتي هربوا/هربن من الحرب وبطش النظام السوري وتلاحقهم/ن الكوابيس في ما يتعلق بالعودة، من ملاحقة رجال الأمن أو المخابرات، إلى صور من التظاهرات، وصور من العنف الذي وُجهت به هذه التظاهرات.
أوضح يزن أنه كتب هذا الفيلم بعد أن أجرى عدداً من المقابلات مع سوريين/ات هاربين/ات من بلادهم/ن ويلاحقهم/ن الكابوس ذاته: جري، خوف، ورجل أمن.
توقف يزن عن رؤية الكابوس بعد أن كتب الفيلم وبدأ في تصويره وحتى اليوم: "نعم، قد تكون السينما والفن علاجاً نفسياً يساعدنا في إخراج مشاعرنا والتعامل معها"
منذ أن غادر ربيع وطنه السوري، يلاحقه كابوس متكرر٫ حيث تلاحقه قوى أمن الدولة بينما يبدو بيته في سوريا بعيداً، ويبتعد شيئاً فشيئاً فلا يجد مأوى. وفي محاولة منه لفهم هذا الكابوس ومصدره، كتب سيناريو هذا الفيلم الذي حاول من خلال العودة إلى جذور الموضوع، فوجد أن الموضوع لا يعود للتظاهرات التي انطلقت في سوريا في 2011، بل إلى ما قبل ذلك، إلى الطفولة التي تربى فيها على الخوف من النظام، كما تبين في الفيلم.
وتوقف يزن عن رؤية الكابوس بعد أن كتب الفيلم وبدأ في تصويره وحتى اليوم، عن ذلك يقول: "نعم، قد تكون السينما والفن علاجاً نفسياً يساعدنا في إخراج مشاعرنا والتعامل معها، وتعلم من أين تأتي، كما أنها أداة٫ وكذلك من خلال تفاعل الناس مع العمل الذي أقدمه. ولكن هذا لم يكن الهدف وراء كتابة العمل ولكنه كاف شافياً".
في أحد المشاهد يظهر الفيلم مشاهد من حياة السوريين في ظل الرئيس الوالد، حافظ الأسد، وكيف كان الجميع يسبح بحمده، حتى أن والده أسكته في إحدى المرات عندما سخر من شكل الرئيس على التلفاز، وقال له: "هذا الله، يستطيع أن يفعل بنا كل شيء، أن يمحينا من الوجود". وجاء صوت يزن معلقا في الفيلم: "هكذا كانوا يرضعوننا الخوف في سوريا منذ صغرنا".
وعلّق: "الخوف طغى على جيل والديّ، منذ عهد حافظ الذي بقي في السلطة 30 عاماً، والذي قام بأمور جعلت من الشعب السوري خائفاً جداً من انتقامه أو غضبه عندما ينتقدونه أو يقولون أي شيء لا يعجبه، وقد نقلاه لأبنائهما وبناتهما كما بقية العائلات السورية، فالمشاهد التي تضمنها الفيلم هي للأشخاص المحيطين بالرئيس وهم يصفقون. إنهم دائماً يصفقون، خوفاً ولا حباً أو إعجاباً".
وأشار ربيع إلى أن شخصية والده التي تحدث عنها في الفيلم، الشخصية التي تخاف وتربي أبنائها على حب النظام المبني على الخوف، خوفاً عليهم من الاعتقال أو الملاحقة أو القتل، قد تغيرت بعد الثورة كما كثير من العائلات التي انكسر لديها حاجز الخوف.
"الخوف طغى على جيل والديّ، منذ عهد حافظ الذي بقي في السلطة 30 عاماً، والذي قام بأمور جعلت من الشعب السوري خائفاً جداً من انتقامه أو غضبه عندما ينتقدونه أو يقولون أي شيء لا يعجبه، وقد نقلاه لأبنائهما وبناتهما كما بقية العائلات السورية"
تظهر مشاهد في الفيلم منزلَ ربيع في سوريا وقد طلب فيها من جاره الذي لا يزال هناك أن يصورها له بالهاتف النقال، واستخدمها في الفيلم، وتحدث عنه كالملاذ الذي يهرب في الحلم ويبتعد وكأنه يجري بعيداً عنه.
غادر يزن ربيع سوريا عندما كان في العشرين من عمره، وعاش في تركيا لعدة سنوات، قبل أن يغادر إلى هولندا التي استقر فيها. درس السينما وتخرج في صيف 2022، وبدأ كتابة فيلم "العودة" قبل تخرجه، وهو فيلمه الأول الذي يخرجه بشكل احترافي.
عن وصول فيلمه لمهرجان كمهرجان برلين السينمائي الدولي قال: "شعور عظيم؛ برليناله ليس مهرجاناً عادياً، واختيار فيلمي ضمن عشرين فيلماً قصيراً من آلاف الأفلام هو شيء مهم بالنسبة لي كمخرج جديد، كما أنه يعيد سوريا للواجهة مرة أخرى بعد أن نساها العالم، فالسياسيون والدول الذين قالوا إن الأسد مجرم ويجب أن يُحاكم، يطبعون ويتصالحون معه اليوم".
ويعمل يزن حالياً على فيلم آخر له، عن الحب والموت، يتمنى أن يحظى على فرصته أيضاً من المهرجانات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...