حظي أطباء السلاطين بمكانة كبيرة في المجتمع الإسلامي، باعتبارهم المسؤولين المباشرين عن سلامة أجساد الحكام واستقرار أحوالهم الصحية.
ولم تقتصر مكانتهم على الجانب الطبّي، بل تطوّرت في بعض الحالات لتصل إلى التدخل في صنع القرار، والتأثير في مجريات الأحداث... لكن كل ذلك لم يمنع من تعرض بعضهم لنكبات.
العصر الأموي... القضاء على الخصوم
بدأ اتخاذ أطباء خاصين بالسلاطين في العصر الأموي. يذكر الدكتور حسين فلاح الكساسبة، في دراسته "الطب والأطباء في صدر الإسلام"، أن معاوية بن أبي سفيان (40-60هـ) كان له طبيبان مسيحيان من أهل دمشق.
أحد هذين الطبيبين هو ابن أثال، وكان خبيراً في الأدوية والسموم، واستعان به معاوية للتخلص من خصومه السياسيين. ويروي الكساسبة أن معاوية لما أراد أن يُظهر البيعة لابنه يزيد، قال لأهل الشام "إن أمير المؤمنين قد كبرت سنه، ورق جلده، ودق عظمه، واقترب أجله، ويريد أن يستخلف عليكم. فمَن ترون؟"، فقالوا: "عبد الرحمن بن خالد بن الوليد"، فسكت معاوية وأضمرها في نفسه، ودس ابن أثال على عبد الرحمن، فسقاه سماً فمات. وبلغ ابن أخيه خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد وهو بمكة خبر موت عمه، فتوجه إلى دمشق وقتل ابن أثال انتقاماً.
والطبيب الثاني هو أبو الحكم بن أبي الحكم الدمشقي، وكان طبيب الأسرة الحاكمة، وعمّر طويلاً حتى جاوز المئة سنة، وعاصر خمسة خلفاء أمويين، هم معاوية بن أبي سفيان، وابنه يزيد، ومروان بن الحكم، وعبد الملك بن مراون، وابنه الوليد.
ويروى أن أبا الحكم الدمشقي عالج الخليفة عبد الملك بن مروان من علة أصابته، ومنعه من شرب الماء لمدة يومين، لكن الخليفة لم يلتزم وشرب الماء ومات في ساعته، بحسب الكساسبة.
ويُذكر اسم عبد الملك بن أبجر الهمداني، وهو طبيب أسلم على يد عمر بن عبد العزيز قبل أن يصبح خليفة، ولما تولى الخلافة سنة 99هـ قرّبه إليه وصار طبيبه الخاص، وكان يرسل إليه البول الخاص به كل فترة لكي يفحصه.
العصر العباسي... مكانة مميزة ونكبات
اهتم الخلفاء العباسيون بصحتهم، لذا احتلّ أطباؤهم مكانة خاصة لديهم، ومنهم أولئك الذين انتموا إلى آل بختيشوع. ويذكر الدكتور راغب السرجاني، في كتابه "قصة العلوم الطبية في الحضارة الإسلامية"، أن المؤسس الأكبر لهذه العائلة هو جورجيوس بن جبرائيل آل بختيشوع، وكان يرأس المدرسة الطبية في مدينة جنديسابور في الأهواز (إقليم خوزستان في إيران حالياً)، وبدأ نجمه يرتفع بعدما استقدمه الخليفة أبو جعفر المنصور إلى بغداد عندما أصابه مرض في معدته وعجز الأطباء عن علاجه، فلما قدم جورجيوس شخّص مرض الخليفة ووصف له ما يناسبه.
وبحسب السرجاني، عرض الخليفة على جورجيوس الإسلام إلا أنه رفض وقال: "أنا على دين آبائي أموت".
ولما ذهب جورجيوس إلى بغداد، بأمر الخليفة، استخلف ابنه بختيشوع على المدرسة الطبية في جنديسابور، ولما عزم على العودة إلى جنديسابور، أمر الخليفة المهدي بأن يأتي الابن إلى بغداد ليحل محله، وعندما صار هارون الرشيد خليفة أكرمه وقدره وعينه رئيساً للأطباء في بغداد.
واشتهر جبرائيل بن بختيشوع، وكان ذا مكانة عند الخلفاء، ومما يذكر في هذا المجال أن الرشيد عندما حج قال له: "يا جبرائيل، علمت مربتك عندي؟، قال: يا سيدي، وكيف لا أعلم؟، قال له: دعوت لك – والله- في الموقف دعاءً كثيراً. ثم التفت إلى بني هاشم، فقال: أذكرتم قولي فيه؟، فقالوا : يا سيدنا، ذمي. فقال: نعم، ولكن صلاح بدني وقوامه به، وصلاح المسلمين بي، فصلاحهم بصلاحه وبقائه. فقالوا: صدقت يا أمير المؤمنين"، حسبما روى السرجاني.
طبيب رابع من هذه الأسرة الطبية نال حظوة عند الخلفاء العباسيين هو بختيشوع بن جبرائيل، وكان قريباً من الخليفة المتوكل الذي كان يُجلّه، لذا حصل منه على مال كثير، حتى أنه كان يضاهي المتوكل في لبسه ومظهره.
حظي أطباء السلاطين بمكانة كبيرة في المجتمع الإسلامي، باعتبارهم المسؤولين المباشرين عن سلامة أجساد الحكام واستقرار أحوالهم الصحية
ومن أطباء الخلفاء العباسيين الذين سطع نجمهم أبو زكريا يوحنا بن ماسويه، وكان مسيحياً سريانياً، وعاش بين عامي 190 و243هـ. وبحسب السرجاني، بدأت مهمته في الدولة الإسلامية منذ أوكله هارون الرشيد بمهمة ترجمة الكتب الطبية القديمة التي وجدها في أنقرة وعمورية وسائر بلاد الروم حين سيطر عليها المسلمون، بوصفه أميناً على الترجمة.
وكان يوحنا صاحب النصيحة ببناء دار كبيرة للكتب، فقام الرشيد ببناء دار اتسعت في ما بعد حتى صارت أكاديمية للعلوم، وسميت بـ"بيت الحكمة" في عصر المأمون، وأسند المامون رئاستها إلى ابن ماسويه عام 215هـ.
وبحسب السرجاني، خدم يوحنا الخلفاء الرشيد والأمين والمأمون، وظل إلى أيام المتوكل، وكانوا لا يتناولون شيئاً من أطعمتهم إلا في وجوده، إذ كان يقف على رؤسهم ومعه أنواع من الأدوية المُهضمة.
وكان الخليفة المعتصم يساعد ابن ماسويه في الحصول على القردة من بلاد النوبة لتشريحها في قاعة خاصة بناها الطبيب على ضفة نهر دجلة.
نفي وسجن ومصادرة ممتلكات
ورغم ما حظي به أطباء البلاط العباسي من مكانة عالية، إلا أن ذلك يعفهم من سخط بعض الخلفاء ونقمتهم في بعض الفترات. يذكر محمد بن سليمان الراجحي، في دراسة "أطباء الخلفاء ومكانتهم في البلاط العباسي حتى أواسط القرن الثالث الهجري"، أن أول طبيب تعرّض لنكبة في هذا العصر هو عيسى بن شهلا الذي حلّ محل الطبيب جورجيوس بن جبرائيل، بعد أن تقدمت السن بالأخير ولم يعد قادراً على خدمة الخليفة، فاتجه عيسى لتحقيق أطماعه الخاصة مستغلاً موقعه في البلاط العباسي، فعلم الخليفة المنصور بحاله وأمر بنفيه ومصادرة ممتلكاته.
وتعرض جبرائيل بن بختيشوع لمحن عديدة في بعض الفترات، ففي أواخر أيام الخليفة الرشيد تراجعت مكانته كثيراً، وكان سبب ذلك أن الرشيد سار في السنة الأخيرة من خلافته نحو بلاد المشرق، فمرض أثناء مسيره في مدينة "طوس" في إقليم خراسان، فعالجه جبرائيل الذي كان بصحبته، ولكنه لم يُشفه من مرضه، فقيل له إن ثمة طبيباً ماهراً في بلاد فارس، فأمر بإحضاره. ولما حضر الطبيب ورأى الخليفة قال: "إن الذي عالجك لا يفقه في الطب شيئاً"، وأخذ في علاجه، فازدادت أحواله سوءاً، فقال له "إن مرضك هذا كله بسبب خطأ طبيبك جبرائيل في معالجتك"، فسخط الرشيد على جبرائيل، وأمر بسجنه، وذهبت بعض الروايات إلى أنه أمر بإلحاق أشد العقاب به، لكن وزيره الفضل بن الربيع تغافل عما أمر به الرشيد، واستبقى جبرائيل عنده، وأحسن إليه، لأنه كان يرى أن الطبيب الذي أُحضر من بلاد فارس كاذب في قوله، ويريد أن ينال مكانة عند الرشيد، روى الراجحي.
وحينما تولى المأمون الخلافة سنة 198هـ، وجّه إلى وزيره الحسن بن سهل في بغداد بأن يُلقي القبض على جبرائيل ويودعه السجن، عقاباً له على انحيازه إلى جانب أخيه الأمين، أثناء الصراع بينهما، فامتثل ابن سهل وظل جبرائيل في السجن حتى عام 202هـ، عندما أُصيب ابن سهل بمرض شديد، فأخرج جبرائيل من سجنه كي يعالجه، فشُفي من مرضه في أيام يسيرة، فأكرمه وبعث إلى المأمون يخبره بالأمر، ويشفع لجبرائيل عنده، فأجابه إلى ذلك وصفح عنه.
ورغم ذلك، ظل الخليفة المأمون يبدي بعض السخط على جبرائيل، فحينما قدم إلى بغداد أمر أن يبقى في منزله، وأحضر الطبيب ميخائيل بن ماسويه وجعله مكانه.
بدأ اتخاذ أطباء خاصين بالسلاطين في العصر الأموي. ويُذكر أن معاوية بن أبي سفيان كان له طبيبان مسيحيان من أهل دمشق، أحدهما كان خبيراً في الأدوية والسموم، واستعان به معاوية للتخلص من خصومه السياسيين
لكن الأمر تبدل سنة 210هـ، حين ألمّ بالمأمون مرض صعب، ولم يفلح الأطباء في علاجه، فأشار عليه بعض مَن حوله بالاستعانة بجبرائيل، فلم يوافق في البداية، لكنه ما لبث أن أمر بإحضاره لما تزايدت علته، ونجح جبرائيل هذه المرة في ما عجز عنه الأطباء، فسُر الخليفة وردّ إليه ما صودر من أملاكه، وبالغ في إكرامه والإحسان إليه، بحسب الراجحي.
ومن أطباء الخلفاء الذين لحقت بهم بعض النكبات بختيشوع بن جبرائيل بن بختيشوع، وأوّلها في عهد الخليفة الواثق بالله، وكان سببها أن بعض كبار العاملين في البلاط العباسي كانوا يعادونه ويذكرونه بسوء عند الواثق ويحرضونه عليه، ما أدى إلى تغير موقفه منه، فسخط عليه، وصادر أملاكه ونفاه إلى مدينة جنديسابور.
ومع أن بختيشوع استعاد في أيام الخليفة المتوكل على الله مكانته التي كان يتمتع بها من قبل وصار من كبار أطبائه، إلا أن أحواله انتكست مرة أخرى، فصادر المتوكل أملاكه، وسيّره إلى بغداد، وكان الخليفة يقيم حينذاك في مدينة سامراء، حاضرة الخلافة العباسية في تلك الفترة.
وبحسب الراجحي، يعزو بعض المؤرخين هذه النكبة إلى ما أظهره بختيشوع بن جبرائيل من بذخ وإسراف، وما كان يبديه من اعتداد بنفسه وتجاوز لقدره الحقيقي في البلاط العباسي.
على أن المتوكل ما لبث أن رضى عن بختيشوع، وأعاده إلى مكانته السابقة، قبل أن يعود وينقم عليه من جديد، ويصادر جميع أملاكه وينفيه إلى البصرة، بسبب مكيدة من أعدائه في البلاط العباسي.
ولما تولى المستعين بالله الخلافة سنة 248هـ أعاد الطبيب بختيشوع إلى الخدمة في البلاط العباسي، وأحسن إليه، وحينما اعتلى الخليفة المهتدي بالله العرش سنة 255هـ، التمس منه بختيشوع أن يعيد إليه أملاكه التي صوردت فأجابه.
وممن تعرضوا لنكبات من أطباء الخلفاء الطبيب الشهير حُنين بن إسحاق، بسبب كيد الأطباء له، وتحريضهم الخليفة المتوكل عليه، حتى أنه أمر بضربه مئة سوط، ومصادرة جميع أملاكه، وسجنه، وظل في السجن في حالة سيئة ستة أشهر، لكن الخليفة أعاد النظر وأخلى سبيله.
الفاطميون... مسيحيون ويهود مقربون من الخلفاء
كان للخليفة الفاطمي طبيب يعرف بـ"طبيب الخاص"، يجلس في القاعة المعروفة بـ"قاعة الذهب" في القصر، ومعه أربعة أو ثلاثة أطباء لمعالجة المرضى من الأقارب والخواص، وكان أغلبهم من اليهود والمسيحيين.
ويذكر سلام شافعي محمود، في كتابه "أهل الذمة في مصر في العصر الفاطمي الأول"، أنه اشتهر من بين هؤلاء اليهودي موسى بن إلعازار اليهودي الذي خدم الخليفة المعز لدين الله عند قدومه من المغرب، وكان موضع تقديره وثقته، خاصة بعدما ألف موسى للخليفة مؤلف "الكتاب المُعزي في الطبيخ".
ومن الذين عملوا في خدمة الخليفة العزيز بالله الطبيب أبو الحسن سهلان بن عثمان بن كيسان، وكان من مسيحيي مصر، وحظي بشأن كبير حتى وفاته عام 368هـ، وكانت جنازته مهيبة شارك فيها كبار رجال الدولة.
ويذكر محمود أن الخلفاء الفاطميين قلدوا أطباءهم مناصب تكريماً لهم، ومنهم يوسف النصراني الذي عيّنه الخليفة العزيز بالله بطريركاً على بيت المقدس.
وبرز اسم ابن نسطاس، وكان من أطباء الخاص المقربين من الحاكم بأمر الله، واستطاع إقناعه بشرب النبيذ لما فيه من فوائد، فاستدعى الحاكم المغنين وأصحاب الملاهي إلى مجلسه، وشرب على غنائهم.
ويروي محمود أن ابن نسطاس لقي مصرعه غرقاً في بركة ماء بعدما فقد الوعي لكثرة ما شرب من خمر، وأظهر الحاكم بأمر الله الحزن عليه، وعندما التُقطت جثته من الماء، شُيعت جنازته في شوارع القاهرة، وحول جثمانه سائر رجال الدولة في موكب جنائزي على أضواء الشموع وبخور المداخن.
الأيوبيون... أطباء السلاطين يعلنون إسلامهم
رافق الأطباء السلاطين الأيوبيين في حلهم وترحالهم ونالوا منهم التكريم والرعاية، ما دفع بعض المسيحيين واليهود منهم إلى اعتناق الإسلام طواعية، ومنهم الطبيب موفق الدين أسعد بن إلياس المشهور بـ"ابن المطران" (ت. 587هـ)، والذي خدم صلاح الدين الأيوبي، حسبما ذكرت الدكتورة إسراء حسن فاضل والدكتورة عفاف عبد الجبار عبد الحميد في دراستهما "أهل الذمة وإسهاماتهم الطبية في دولة المماليك".
ومن الذين حظوا بخدمة الأيوبيين الطبيب الموفق بن شوعة (ت. 579هـ)، وهو من مشاهير أطباء اليهود في مصر، وخدم صلاح الدين الأيوبي، وكذلك الطبيب أبو البيان داود بن سليمان بن إسرائيل الملقب بالسديد (ت. 580هـ)، والطبيب هبة الله بن زين.
وخدم مهذب الدين الدخوار ثلاثة من السلاطين الأيوبيين، وهم الملك العادل سيف الدين محمد بن أيوب، وابنه الملك المعظم، ثم الأشرف أبو الفتح موسى بن العادل، بحسب غانم عبد الله خلف في دراسته "مهذب الدين الدخوار. رئيس الأطباء في عهد الأيوبيين 565- 628هـ".
ويروي خلف أن الملك العادل أمر باعتقال قاضي القضاة محيي الدين بن زكي لأمر ما وتغريمه عشرة آلاف دينار، فلم يتمكن القاضي من سداد المبلغ بالكامل، فتوسط لدى العادل فلم تنفع الوساطة، فمرض محيي الدين وكاد يموت من شدة الهم والحزن، فزاره مهذب الدين ووعده بالمساعدة.
ولما كان مهذب الدين قريباً من السلطان العادل وأفراد حاشيته وأسرته، اتفق مع زوجة العادل، وكانت تشكو مرض آنذاك، على حل، وهو أن تتصنع أنها رأت حلماً وتصحو مرعوبة وتبكي وتحكي لزوجها كأن القيامة قامت ونيران كثيرة تُوقد، والناس تقول إن هذه النيران أُعدت للملك العادل لأنه ظلم قاضي القضاة، فيأمر العادل بالعفو عن سجينه ويعيد إليه الأموال ومنصب القضاء، وكذلك الكتب التي باعها لسداد مبلغ الغرامة.
المماليك... منح الأوسمة لا يمنع الضرب
بالغ سلاطين المماليك في الاهتمام بأطبائهم، فكانوا يخلعون عليهم الخُلع النفيسة ويمنحونهم الأوسمة، ابتهاجاً بتوفيقهم في علاجهم، وقد يفرض السلطان أحياناً بمرسوم سلطاني على الأمراء أن يفيضوا بالخُلع والأموال على هذا الطبيب أو ذاك.
ويروي عبد الله أحمد همام في دراسته "الأمراض وأثرها على الحياة السياسية في مصر في عصر سلاطين المماليك البحرية والجراكسة"، أنه حين شُفي السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون سنة 730هـ من كسر يده، أنعم على طبيب تولى علاجه يسمى ابن بسقة بعشرة آلاف درهم، كما أفاض عليه الأمراء بالخلع والمال.
ورغم ذلك، لم يسلم الأطباء من غضب وسخط السلاطين عليهم حال عدم توفيقهم في علاجهم، فتعرضوا للاضطهاد والحبس، وهو ما حدث مع الطبيب الخضر الحكيم الذي تولى الإشراف على حالة السلطان الأشرف برسباي (825-841هـ) المرضية مع رئيس الأطباء ابن العفيف الأسلمي (ت. 841هـ)، وبعد مدة من العلاج ساءت حالة السلطان، وبدأت الوساوس تراوده تجاههما، لا سيما أنه عُرف عنه كثرة خوفه على نفسه وعدم ثقته بأحد، فأمر بـ"توسيط" ابن العفيف، أي ضربه بالسيف تحت الصرة، وبينما هو يعطي هذه الأوامر دخل عليه الخضر الحكيم فأمر بتوسيطه أيضاً.
وسنة 872هـ، ظن الملك الظاهر خشقدم أن سبب تأخّر شفائه هو تقصير أطبائه، ما دفع بأحد رؤساء الطب ويُدعى محب الدين إلى الهرب خوفاً من بطش السلطان، إلا أنه أُمسك به وسُجن في برج القلعة، حتى شُفع فيه وأطلق سراحه واستقر في داره بدون عمل، ذكر همام.
العثمانيون... نفوذ واتهامات
في العصر العثماني، تمتع أطباء السلاطين من اليهود بنفوذ كبير، ومكنهم ذلك من التدخل في صنع القرار، ومنهم إسحاق باشا، رئيس الأطباء في عهد مراد الثاني، ويعقوب باشا الفينيسي الذي حامت الشكوك حول ضلوعه في اغتيال السلطان محمد الفاتح بدس السم له، بإيعاز من حكام البندقية، حسبما ذكر آيتاج أوزكان في كتابه "السلطان محمد الفاتح" (ترجمه إلى العربية أحمد كمال).
إلا أن بعض المصادر العثمانية تؤكد أن السلطان محمد الفاتح لم يمت نتيجة عملية اغتيال، بل وافته المنية جراء إصابته بمرض النقرس الذي كان وراثياً في الأسرة العثمانية، نافين بذلك فرضية تعرضه للاغتيال عبر دس السم له، بحسب أوزكان.
ويذكر أحمد حكمت آر أوغلو في كتابه "اليهود في الدولة العثمانية حتى نهاية القرن التاسع عشر" (ترجمه إلى العربية أحمد عبد الله نجم) أن الأطباء اليهود المنتسبين إلى عائلة حامون احتلوا مواقع مهمة في القصر السلطاني، وعلى رأسهم جوزيف هامون الذي كان طبيباً خاصاً للسلطانين بايزيد الثاني وسليم الأول.
وبرز أيضاً موشيه حامون الذي عمل طبيباً للسلطانين سليم الأول وسليمان القانوني بين عامي 896 و975هـ، واستطاع الحصول على فرمان من السلطان القانوني بوقف الاعتداء على اليهود بعد تعرضهم لمضايقات وقتل في مدينتيْ آماسيا وتوكات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...