تبحث عن الراحة فتجد نفسها وسط دائرة مغلقة من التعقيدات والتنازلات التي تحيط بها من جميع الجوانب. هكذا هو الحال مع العديد من السيدات المصريات اللواتي قررن إنهاء حياتهن الزوجية والبدء بصفحة جديدة تختفي منها آثار كل يوم سيىء مر عليهن. إلا أنه في وسط ترسانة من القوانين التي تزخر بالثغرات ومواضع العوار، تجد الكثيرات أن حياتهن أصبحت تنقضي بين ضربة وأخرى يوجهها إليهن أزواجهن السابقون، إذا أراد هو الانتقام منها، أو التخلص من عبء مسؤولية أطفاله.
وتشير الإحصائيات الرسمية إلى زيادة صادمة في حالات الطلاق في مصر، وصلت إلى أكثر من 254 ألف حالة خلال 2021، حسبما أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إلا أن ما لا ترصده هذه الإحصائيات هو تلك التبعات التي يدفع ثمنها جميع أطراف النزاع، وبخاصة إذا قرر طرف أن ينتقم من الباقين مستغلاً العوار الذي يشوب بعض قوانين الأحوال الشخصية، التي وُضعت قبل سنوات طويلة تغيّر فيها المجتمع المصري.
"ينتهي حق حضانة النساء ببلوغ الصغير أو الصغيرة سن الخامسه عشرة، ويُخيّر القاضي الصغير أو الصغيرة بعد بلوغ هذه السن في البقاء في يد الحاضنة من دون أجر حضانة، وذلك ريثما يبلغ الصغير سن الرشد أو حتى تتزوج الصغيرة"
طرد إلى الشارع بقوة القانون
وواحدة من أهم تلك المواد التي تعتبرها النساء مجحفة بحقوقهن تلك التي تتعلق بمكان الإقامة الذي تعيش فيه السيدة المطلقة مع أطفالها، وبخاصة أن القانون ينص على أحقية الزوج السابق في استراد شقة الحضانة التي تعيش فيها مطلقته وأطفاله لدى بلوغ أصغر الأطفال سن 15 عاماً، ووقتذاك يكون من حقه المطالبة بتخير الطفل بينه وبين والدته، وحتى اذا اختار الصغير البقاء مع والدته فيتم الحكم بأن يعيش معها ولكن مع استرداد الزوج شقة الحضانة. وبالتالي تجد الكثير من السيدات أنفسهن في مهب الريح مع أطفالهن حالما يتخطون سن الخامسة عشرة، دون أي اعتبارات للجوانب الاجتماعية أو النفسية أو حتى الإنسانية.
وتنص المادة 20 من القانون رقم 100 لسنة 1985 ثم المعدلة في الفقرة الأولى من القانون رقم 4 لسنه 2005، على أنه "ينتهي حق حضانة النساء ببلوغ الصغير أو الصغيرة سن الخامسه عشرة، ويُخيّر القاضي الصغير أو الصغيرة بعد بلوغ هذه السن في البقاء في يد الحاضنة دون أجر حضانة، وذلك ريثما يبلغ الصغير سن الرشد حتى تتزوج الصغيرة".
وطبقاً للمادة 20 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985، وعملاً بالمادة 18 مكرراً من المرسوم بقانون المذكور آنفاً، فإن مسكن الزوجية يعود إلى الأب باعتباره مسكن الحضانة – ما لم يكن مسجلاً باسم الأم قانوناً ملكية أو تأجيراً- وبالتالي فإن استبقاء الصغير تحت يد المطعون ضدها (الأم) بعد انتهاء مدة الحضانة الإلزامية، لا يعطيها الحق فى الاحتفاظ بهذا المسكن.
يوم لا يُنسى
تحتفظ ذاكرة آلاء أحمد* بتفاصيل ذلك اليوم الذي نفّذ فيه والدها حكم استرداد مسكن الحضانة، بعدما بلغت شقيقتها الصغرى سن الخامسة عشرة. تحكي لرصيف22: "انفصل أبواي بعد سنوات من المشاكل والجولات القضائية والمعارك الكيدية التي خاضها والدي من أجل إذلال والدتي، وبالتالي إذلالنا معها، من دون النظر إلى تأثير ما يقوم به تجاهي وشقيقتي الصغرى". وأضافت : "لا يمكن أن أنسى ذلك اليوم حينما جاء والدي مع رجال الشرطة لإجباري أنا وأمي وشقيقتي على ترك منزلنا الذي وُلدنا به وأصبح جزءاً لا يتجزأ من ذكرياتنا".
وواصلت الشابة العشرينية أن والدها انتظر حتى بلوغ شقيقتها الصغرى عمر الخامسة عشرة حتى يقوم بطردهما ووالدتهما من شقة الحضانة، بينما لم تفلح توسلاتهن إليه من أجل تركهن داخل المنزل بسبب عدم وجود مكان آخر يقمن فيه. قالت :"لم يفكر أنه يدفع بشابتين ووالدتهما إلى عرض الشارع، ولم يخش تعرضنا للأذى من أجل الحصول على المسكن الذي نقيم فيه، فلم يتأخر يوماً عن طرد ثلاثتنا إلى مصير مجهول".
"القانون يكون في منتهى السرعة عند طرد أم وأطفالها إلى الشارع، إلا أنه شديد التأني عندما يتعلق الأمر بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الأب الممتنع عن النفقة على أطفاله"
قانون لا يٌنصف المرأة المعيلة
أمّا نرمين محمود*، فقد صبّت جام غضبها على قانون الأحوال الشخصية الذي وصفته بأنه "قانون ظالم لا يٌنصف المرأة التي تعيل أطفالها بعدما تخلّى عنهم والدهم"، متسائلة: "أي قانون هذا الذي يحكم بطرد أم كرّست حياتها من أجل رعاية أطفالها بعدما تركهم والدهم، دون أن يشغل نفسه حتى بالإنفاق عليهم، ليكون في نهاية المطاف مصيرها هو الشارع مع أطفالها من أجل أن يسترد الزوج السابق شقة الحضانة".
وروت نرمين تفاصيل ما تعرّضت له. أوضحت أن طليقها حرّك بمجرد أن بلغ أصغر أبنائها سن الخامسة عشرة، دعوى لاسترداد مسكن الحضانة، على الرغم من أنه ميسور الحال ويعيش مع زوجته الجديدة وأطفاله منها في فيلا داخل حي راق في القاهرة، وبالتالي فهو لا يحتاج إلى تلك الشقة الصغيرة التي تعيش فيها مطلقته مع ابنها وابنتها، لافتة إلى أن "القانون يكون في منتهى السرعة عند طرد أم وأطفالها إلى الشارع، إلا أنه شديد التأني عندما يتعلق الأمر بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الأب الممتنع عن النفقة على أطفاله"، بحسب قولها.
كما لفتت إلى أن زوجها السابق حصل على حكم قضائي بالتمكين من مسكن الحضانة بعدما بلغت ابنتها الصغرى سن الخامسة عشرة، وبالتالي كان أمامها هي الاختيار بين البقاء مع طفليها ورعايتهما ولكن دون وجود مأوى لهم، أو تركهما في مسكنهما مع والدهما وزوجته.
كسب الوقت بحثاً عن مأوى
ولم تختلف عنهما وفاء أشرف التي واجهت فقد المأوى: "زوجي السابق كسب القضية الخاصة باستراد مسكن الحضانة ولم يكن أمامي إلا الاستئناف على الحكم، رغم معرفتي السابقة بعدم جدوى تلك الخطوة. إلا أنني لا أملك إلا كسب بعض الوقت، خاصة أنني لا أعرف أين سأعيش مع أبنائي حينما يطردنا من منزلنا الذي نعيش فيه منذ سنوات، والذي تدور حوله كل تفاصيل حياتنا من حيث علاقاتنا الاجتماعية ومدارس الأطفال".
بقاء الأبناء مع الأم بعد انتهاء مدة الحضانة الإلزامية لا يعطيها الحق فى الاحتفاظ بمسكن الزوجية إلا في حالة واحدة، وهي مرض الصغار وعدم قدرتهم على العناية بأنفسهم
وأضافت وفاء أن لديها ابنتين، الكبرى في العشرين من عمرها والصغرى في الـ15 عاماً، موضحة أن طليقها انتظر حتى بلغت الصغيرة السن القانونية من أجل رفع قضية لاسترداد مسكن الحضانة، لافتة إلى أنها حين تخسر الاستئناف – وهو ما تتوقعه- لن يكون أمامها إلا تحريك دعاوى قضائية جديدة باسمَيْ ابنتيها من أجل الحصول على أجر مسكن، إلا أنها تخشى أن يكون الحكم بمبلغ زهيد لا يتناسب مع قيمة بدل الإيجار المرتفع للشقق، كما أنها لا تعرف أين ستعيش حتى يتم الحكم في القضية وتنفيذ الحكم.
عوار قانوني يحتاج للتعديل
وعن الجوانب القانونية الخاصة بتنظيم مسألة مسكن الحضانة، أوضحت سعاد مجدي إبراهيم، المحامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، أنه من ضمن المبادئ والقواعد المتعارف عليها لدى محكمة النقض، إبقاء الصغير أو الصغيرة بعد انقضاء السن المقررة لانتهاء حضانة النساء، في يد الحاضنة، لا يعدّ امتداداً لحقها في الحضانة، وإنما هي مدة استبقاء، بعد أن أصبح في مقدور الأولاد الاستغناء عن حضانة وخدمة والدتهم، وفي هذه الحالة تعتبر الأم متبرعة بالحضانة بدون أجر أو مسكن، بمعنى أن القانون يعتبر الطفل الذي بلغ من العمر 15 عاماً قادراً على الاستغناء عن حضانة وخدمة والدته، وبالتالي فإذا أراد البقاء معها فإن ذلك يحدث دون أن يكون للأم حق في المطالبة بأجر للحضانة أو مسكن للحضانة.
وأوضحت أن بقاء الأبناء مع الأم بعد انتهاء مدة الحضانة الإلزامية لا يعطيها الحق فى الاحتفاظ بمسكن الزوجية إلا في حالة واحدة، وهي مرض الصغار وعدم قدرتهم على العناية بأنفسهم، لافتة إلى أن الإشكاليات الخاصة بمسألة مسكن الحضانة من الأمور المهمة التي تحتاج إلى تدخل المُشرّع من أجل إيجاد حل لها في التعديلات المرتقبة الخاصة بقوانين الأحوال الشخصية، وبخاصة أن القانون يعتبر أن إبقاء الأم أطفالها في رعايتها بعد بلوغهم سن الخامسة عشرة هو عمل تطوعي، وبالتالي لا تحتاج مقابله أجراً أو مسكناً، في حين أن الأم قد لا يكون لديها مكان مناسب تعيش فيه مع أطفالها.
وأضافت إبراهيم أنه إذا أصرّ الأب على استرداد مسكن الحضانة من مطلقته وأبنائه، ففي هذه الحالة يمكن للأبناء تحريك دعاوى قضائية ضد الأب للمطالبة بأجر المسكن، إلا أن الإشكالية هنا هي أنه في كثير من الأحوال تنتهي تلك القضايا بالحكم بمبالغ زهيدة لا تتناسب مع الارتفاعات الحالية في قيمة السكن، حتى يمكن للأبناء مواصلة حياتهم في نفس المستوى الذي عاشوا فيه طوال حياتهم في مسكن الحضانة.
---------
(*) تم تغيير الاسم بناء على طلب المصدر
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...