يصبح الحمل أحياناً مثل لعبة الروليت الروسية، إذ لا توجد وسيلة منع حمل آمنة 100%، كما أن الوسائل التقليدية مثل حساب أيام التبويض ليست دقيقةً تماماً، والقذف الخارجي للرجال أيضاً نسبة فشله مرتفعة، وقد يتمزق الواقي الذكري في أثناء العملية الجنسية، ولهذا فإن نصف حالات الحمل تقريباً على مستوى العالم غير مقصودة، أي نحو 121 مليون حالة كل عام، وذلك بحسب تقرير أصدره صندوق الأمم المتحدة للسكان.
وعليه، يلجأ بعض النساء والرجال إلى خيار معقّد قليلاً، لكنه يشكّل حلاً دائماً لمنع الحمل: التعقيم الجراحي.
الحمل… أسوأ كوابيسها
شكّل الحمل كابوساً حقيقياً بالنسبة لأميرة حمدي (اسم مستعار)، كونه عمليةً مرهقةً ومؤلمةً جسدياً، وفق قولها.
تعيش أميرة (33 عاماً)، في كندا، وعندما فكرت في إجراء عملية قطع قناتَي فالوب للتعقيم، أخبرتها الطبيبة بضرورة أن تكون واثقةً من رغبتها، بحيث أن التأمين الصحي لا يغطي التلقيح المجهري في حال أرادت الإنجاب بعد إجراء العملية، لكن هذه الشابة كانت متأكدةً من قرارها تماماً.
"هل من الطبيعي إني كلما أروح لدكتور أو دكتورة لكشف عادي للالتهابات مثلاً يقولّي إنتي مش هتشيلي اللولب؟ مش هتخلّفي تاني؟"
بعد شهرين، دخلت أميرة المستشفى لإجراء العملية وخرجت في اليوم ذاته، والأمر الجيّد أنها لم تشعر بأنها فقدت امتيازاً ما بسبب العملية، وفق ما قالت لرصيف22: "مشاعري كانت عاديةً جداً... بعدها أنا واخدة القرار من أنا وعندي 13 سنةً".
أما علياء طلعت (38 عاماً)، فبعد أن اختبرت الإنجاب، قررت عدم خوض هذه التجربة مرةً أخرى.
في البداية، استخدمت اللولب النحاسي، والذي يُستبدل بعد خمس سنوات، لكنها شعرت بالانزعاج بعد إلحاح الطبيب وإصراره على سؤالها عمّا إذا كانت لا تريد الإنجاب بالفعل: "هل من الطبيعي إني كلما أروح لدكتور أو دكتورة لكشف عادي للالتهابات مثلاً يقولّي إنتي مش هتشيلي اللولب؟ مش هتخلّفي تاني؟".
من هنا، بدأت بالبحث عن طبيب/ ة آخر/ ى، لا يتدخل في خيارات النساء، وأخبرت طبيبها الجديد بأنها تستخدم اللولب منذ تسع سنوات، وتريد إزالته وإجراء عملية قطع قناتي فالوب، لكنه نصحها بتأجيل العملية لأن اللولب ما زال "لامعاً"، وذلك يعني أنه يعمل جيداً.
لم تشعر علياء بأن الطبيب يملي عليها نصائح أبويةً إذ احترم قرارها. لذا قررت أن تنتظر إلى حين انتهاء صلاحية اللولب.
عبء على النساء
النساء عادةً هنّ من يتحملن عبء الأطفال، هذا ما تقوله د.ياسمين أبو العزم، أخصائية النساء والتوليد، فتلجأ بعض السيّدات إلى التعقيم الجراحي عند فشل وسائل الحمل الأخرى، خاصةً إن كانت المرأة المعنية لا تريد الإنجاب مجدداً، والعملية عبارة عن قطع قناة فالوب حتى لا يتمكن الحيوان المنوي من الوصول إلى البويضة.
وكشفت أبو العزم، أن إحدى السيدات كانت تستخدم حبوب منع الحمل واللولب، لكن ذلك لم يمنع حملها، وفي النهاية لجأت إلى قطع قناتي فالوب.
وفي حديثها إلى رصيف22، أوضحت أبو العزم أنه قد تحدث مشكلات إثر العملية مثل "متلازمة ما بعد التعقيم"، ومن أعراضها وجود احتقان في الحوض ما قد يسبب ألماً مزمناً أسفل البطن، كاشفةً أن هذه العملية لا تلغي الحمل نهائياً: "مع وجود الحقن المجهري، أصبحت هناك طريقة للحمل حتى بعد قطع قناتي فالوب"، على حدّ قولها.
تجربة بعض الرجال مع التعقيم الجراحي
بعض الرجال يلجؤون بدورهم إلى التعقيم الجراحي من خلال ربط القناة الدافقة، الأمر الذي يقلل من إمداد الحيوانات المنوية للسائل المنوي.
لا يرغب هاني فريد (اسم مستعار)، في الإنجاب مجدداً. لمعت الفكرة في رأسه، عندما علم بخيار التعقيم الجراحي من أحد أصدقائه.
عدّ فريد (41 عاماً)، والذي يعيش في دولة أوروبية، أن التعقيم الجراحي سيكون حلاً مناسباً له، لأن العازل الطبي يقلل المتعة الجنسية، كما أنه لا يريد أن يلقي بعبء منع الحمل على زوجته وحدها، وعليه، توجه إلى مركز متخصص في الاستشارات الجنسية ليسأل عن هذه العملية، ووجد أنها عملية بسيطة، وليست لها آثار جانبية، كما أن نسبة نجاحها عالية، ونسبة خطورتها ضئيلة، ويستطيع بعدها العودة إلى حياته الطبيعية خلال وقت قليل.
"التعقيم الجراحي للرجال من عمليات اليوم الواحد، لكنها نادرة في مصر برغم أنها إجراء سهل وبسيط، ويمكن أن يُفكّ هذا الربط أيضاً بمخدر موضعي، ويمكن رجوع الخصوبة بشكل طبيعي بنسبة 60% إلى 95%"
اطمأن فريد عندما أخبره الممرض في المركز بأنه قد أجرى العملية ذاتها، لكنه أراد جمع كل المعلومات عن العملية قبل إجرائها. تزامن ذلك مع زيارته هو وزوجته مصر، وهناك قررا معاً زيارة طبيبة نساء لتخضع زوجته لفحص عادي، وعلى الرغم من أنهما لا يرغبان في الإنجاب مستقبلاً، أخذت الطبيبة تلحّ على زوجته بالإنجاب، وفق ما أخبر رصيف22: "استغربت إزاي طبيبة كبيرة استشارية تتعامل بشكل غير مهني زي ده؟".
وعندما أخبرها هو بنيته إجراء عملية تعقيم اتهمته بالجنون، لكنه ما زال يصرّ على العملية وقد قرر أن يجريها في أقرب فرصة.
قرر محمد فاروق (42 عاماً)، هو وزوجته، عدم الإنجاب مجدداً. فكّرت زوجته في إجراء عملية لقطع قناتي فالوب، لكنه يخشى من خطورتها على زوجته، ويفكر في أن يقوم هو بعملية تعقيم جراحي، لكنه يبحث عن مدى نجاحها بالنسبة إليه، وعن آثارها الجانبية.
اللافت في مجتمعاتنا العربية، أن الذكور نادراً ما يُقبلون على مثل هذه الجراحة، بحيث يرى البعض منهم أن الحمل عملية تخص النساء فقط، غير أن فاروق لا يخشى تعليقات المحيطين به: "إحنا مقررين عدم الخلفة مرة تانية، وحقيقي كلام الناس مش فارقلي".
بحسب مايو كلينيك، فإن عملية التعقيم الجراحي لا تؤثر على الأداء الجنسي ولا تتلف الأعضاء التناسلية ولا تسبب السرطان.
في هذا السياق، تحدث أخصائي الجراحة في جامعة طنطا، د. محمد موسى، عن سهولة هذه العملية: "التعقيم الجراحي للرجال من عمليات اليوم الواحد، لكنها نادرة في مصر برغم أنها إجراء سهل وبسيط، ويمكن أن يُفكّ هذا الربط أيضاً بمخدر موضعي، ويمكن رجوع الخصوبة بشكل طبيعي بنسبة 60% إلى 95% بحسب عدد السنوات بعد الربط".
وأضاف لرصيف22: "في هذه العملية، يمكن أن يخضع المريض لمخدر موضعي أو كلي"، مؤكداً أن هذه العملية بلا مضاعفات، ونسبة نجاحها 99%، كما أنها لا تؤثر على الحياة الجنسية: "يمكن فقط أن يصاب المريض بألم بسيط بعد الجراحة لأيام"، كاشفاً أن العديد من الرجال يعزفون عن إجراء هذه العملية لأن منع الحمل مسؤولية الزوجات، وحينها تلجأ النساء إلى اللولب الذي تُعدّ نسبة نجاحه 99%.
في الختام، تجدر الإشارة إلى أن التعقيم الجراحي لا يمنع انتقال الأمراض المنقولة جنسياً، إلا أنه يشكل خياراً جيداً للّا إنجابيين/ ات أو لمن لا يرغب/ ترغب في الإنجاب مجدداً، من دون الحاجة إلى وسائل الحمل التقليدية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...