تبدأ بعد غد السبت، 4 شباط/فبراير 2023، الدورة الثانية عشرة لمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، تحت شعار "السينما خلود الزمان"، في مدينة ساحرة تحتفظ بصروحها الأثرية القديمة، وتعد أكبر متحف مفتوح في العالم. وكانت "طيبة" ـ الأقصر حالياً ـ عاصمة لمصر بين عامي 1567 و1320 قبل الميلاد. فترة ذهبية يسميها علماء المصريات "عصر الإمبراطورية". وكان أفولها مقدمة لغروب مصري طويل، لا يخلو بالطبع من محاولات لتحرير البلاد.
وفي تموز/يوليو 1952 نجح أقل من مئة ضابط في الجيش المصري في استعادة البلاد بعد خضوعها لسلسلة من الاحتلالات المتصلة طوال 23 قرنا. وفي 25 كانون الثاني/يناير 2011 ثار الشعب لتحرير البلاد من الاستبداد الوطني. ولم تنجح المحاولة، إلى الآن.
مدينة الأقصر تخلو من قاعة لعروض الأفلام
مدينة الأقصر تخلو الآن من قاعة لعروض الأفلام للجمهور طوال السنة، على الرغم من المهرجان السنوي الذي يعرض أفلامه في قصر ثقافة الأقصر، وقصر ثقافة بهاء طاهر، ومركز المؤتمرات، ومكتبة مصر العامة، والنادي النهري، ومواقع أخرى تجهز بشكل مؤقت لإنجاح المهرجان الذي يعرض هذا العام 55 فيلماً، في المسابقات وخارجها. ويتنافس 12 فيلماً في مسابقة الأفلام الطويلة، و15 فيلماً في مسابقة الأفلام القصيرة، وتسعة أفلام في مسابقة أفلام الطلبة، وستة أفلام في مسابقة الدياسبورا وهو القسم الوحيد الذي تشارك فيه أعمال غير إفريقية. وتحل السنغال ضيف شرف المهرجان الذي يكرم المخرج السنغالي منصور سورا واد.
ببلوغ مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية دورته الثانية عشرة نكتشف أننا "هرمنا"، وهي الكلمة الأكثر دلالة على ثورة تونس والثورات العربية عموما. كما نكتشف أن المهرجان يكاد يكون الأثر المصري الوحيد الدال على أن مصر شهدت ثورة، عام 2011. فشلت الثورة، ونجح المهرجان في اختبار القدرة على الصمود، وتحدي موانع الاستمرار.
من آثار الثورة
من البصمات/الآثار الدالة على الثورة المغدورة تغيير اسم محطة "مبارك" في مترو الأنفاق بالقاهرة، إلى "الشهداء"، بإرادة جماهير طالبت بالتغيير والحرية والعدالة الاجتماعية، حين ثارت على الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي نال صفة "حرامي"، بحكم قضائي نهائي لا يجوز الطعن عليه. هذا الحكم القضائي هو الأثر الثالث للثورة. ثلاثة آثار: حكم قضائي. وتغيير تحت الأرض في مترو الأنفاق. وإضافة نوعية، تحت الشمس، يجسدها مهرجان أعاد مصر إلى إفريقيا، وإفريقيا إلى مصر من بوابة مدينة الأقصر.
تبدأ الدورة الثانية عشرة لمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، في 4 شباط/يناير 2023 تحت شعار "السينما خلود الزمان"، في مدينة ساحرة تحتفظ بصروحها الأثرية القديمة، وتُعدّ أكبر متحف مفتوح في العالم
تنظم المهرجان مؤسسة "شباب الفنانين المستقلين"، وهي مؤسسة غير ربحية تعمل في مجالات الفنون والثقافة منذ عام 2006. وفي عام 2011 نظمت المؤسسة ـ باعتبارها عضواً في ائتلاف الثقافة المستقلة ـ أنشطة جماهيرية عنوانها "الفن ميدان" في القاهرة والمحافظات. كانت مصر في تلك الفترة تتعافى، وتجرب مرحلة من التفاؤل الأقصى. وكان مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية تتويجا لأنشطة مؤسسة شباب الفنانين المستقلين، وانطلق المهرجان في شباط/فبراير 2012، بدعم من الدكتور عماد أبو غازي الذي تولى وزارة الثقافة بعد الثورة، وتحمس لأنشطة الجمعيات الأهلية؛ لكسر مركزية القاهرة في احتكار الثقافة والفنون.
أهمية إفريقيا لمصر
قبل تأسيس مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، كان مهرجان القاهرة السينمائي يتيح للسينما الإفريقية، على فترات متباعدة، هامشاً لا يتناسب مع المنجز السينمائي الإفريقي، ولا يعي أهمية إفريقيا لمصر. وكان من الضروري، ومن الإنصاف للسينما الإفريقية، أن تنتقل من هذا الهامش المصري إلى المتن، وأن نرى الاختلافات بين الجنسيات، والأجيال، والتيارات والمدارس الفنية، والألوان والأطياف الاجتماعية، والمواريث الحضارية، وتباين زوايا الرؤى، والمعالجات الجمالية والفكرية للقضايا الإفريقية، بين مخرجين يقيمون في بلادهم، وآخرين في الشتات والأوطان البديلة يرونها من خارج الحدود.
الفرح الإفريقي الكبير بالمهرجان، منذ انطلاقه، يطرح سؤالاً تقليدياً: كم بعدت مصر؟
وما كان الانتقال الإفريقي، من الهامش إلى المتن، ليحدث إلا بثورة، فكانت 25 كانون الثاني/يناير 2011. وأثمرت الثورة، في العام التالي، مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، بحماسة من رئيسه السيناريست سيد فؤاد، ومديرة المهرجان المخرجة عزة الحسيني التي صاغت الحلم، ووضعت أطراً لتطويره. وبقيت معضلة الدعم والتمويل بأشكاله المتنوعة، عقبة تتكرر سنوياً.
في كل دورة تبدأ إدارة المهرجان من الصفر، بتفادي مشكلات بيروقراطية تثبت أن الاستمرار أكثر صعوبة من نشوة الإطلاق. وقد تبدو المؤسسة الرسمية تستكثر على جمعية أهلية النجاح، فتريد الاستئثار به، أو إطفاءه. لو خلصت النية لتم استثمار نجاح المهرجان في بناء دار عرض بالمدينة، أو تشجيع القطاع الخاص على ذلك. مؤسسات الدولة، تمثلها محافظة الأقصر، تملك الأرض والتمويل اللازم لبناء قاعة عرض، لو توفر عاملان: الوعي والإرادة.
مدينة الأقصر تخلو اليوم من قاعة لعروض الأفلام للجمهور طوال السنة، على الرغم من المهرجان السنوي الذي يعرض أفلامه في ومواقع تُجهز بشكل مؤقت لإنجاح المهرجان
ولم يكن التمايز وحده كافياً لإنجاح مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، وإنما إيمان مؤسسيه بأن لهم قضية، وما يترتب على هذا الإيمان من دأب، وإصرار على رعاية النجاح، وتوتّر إيجابي يصاحب كلّ دورة كأنها الأولى، وتعهّد ضمني لشركاء المهرجان المراهنين على دور لمصر بعد الثورة بأن يظل المهرجان محتفظا بحيوية انطلاقته قبل اثني عشر عاماً.
هايلي جريما وسيد فؤاد في تقييم أعمال الورشة
منذ الدورة الأولى (2012) كسب المهرجان الرهان على السينما كأداة ثقافية تقرّب الشعوب، بعد عقود من القطيعة والفتور السياسي. جاء رموز السينما الإفريقية جنوب الصحراء، ومن أمريكا حضر المخرج الإثيوبي هايلي جريما لسنوات متصلة، مع فريق عمل من مساعديه، للإشراف بدون مقابل على ورشة لتدريب أفارقة شبان على الإخراج. في الدورة الأولى تحدث جريما عن آباء إفريقيا، وفي مقدمتهم جمال عبد الناصر.
يسرا في مناقشة هايلي جريما للمتدربين
يكاد مهرجان الأقصر يكون الأثر المصري الوحيد الدال على أن مصر شهدت ثورة، عام 2011
هذا المعنى نفسه شدد عليه المخرج عبد الرحمن سيساكو عضو لجنة التحكيم في الدورة الأولى، قائلا إنه لم يتردد في تلبية الدعوة؛ لأن المهرجان إفريقي، ولأن مصر الثائرة في 25 يناير تستعيد روحها، وتريد تجديد دورها الإفريقي.
مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، الذي يتولى رئاسته الشرفية الممثل المصري محمود حميدة، صار حقيقةً، أكبرَ من نوبات يأس منظميه. والحقيقة تتمرد على محاولات الاحتواء والتحجيم.
أنجز المهرجان إحدى عشرة دورة ثرية بأفلامها وضيوفها وأنشطتها المتنوعة: دعم إنتاج مشاريع أفلام، ورشة السيناريو الإخراج، ورشة التمثيل، ورشة التدريب على النقد السينمائي لصحافيين مصريين وأفارقة بإشراف الناقد السينمائي الفرنسي المتخصص في السينما الإفريقية أوليفيه بارليه، ورشة الرسوم المتحركة، ورشة الرسم لأطفال الأقصر.
وأصدر المهرجان نحو 30 كتاباً لنقاد وباحثين عرب وأفارقة وأجانب. ويصدر في الدورة الجديدة كتاب "أمير الصعاليك" عن المخرج السنغالي جبريل ديوب مامبيتي (1945 ـ 1998)، تأليف نجيب ساجنا، وترجمة شريف عوض.
أصبح المهرجان من حقائق الأقصر وأكثرها ارتباطاً بالمشهد السينمائي الإفريقي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع