ترددت الحكومة المغربية كثيراً في السماح بتداول العملات المشفرة أو الرقمية في المملكة، إذ جرّم بنك المغرب (البنك المركزي)، ومكتب الصرف (حكومي)، في السنوات الماضية، التعامل بهذه العملات.
لكن حدّة هذا المنع تراجعت قليلاً، خصوصا أن والي بنك المغرب (محافظ البنك المركزي)، عبد اللطيف الجواهري، أعلن في الأيام القليلة الماضية، عن جاهزية النسخة الأولى من مشروع قانونٍ للعملات الرقمية، يروم تنظيم استعمال العملات المشفرة.
بعث هذا الإعلان الكثير من الحماسة في صفوف آلاف المغاربة ممّن ينشطون في تداول هذا النوع من العملات، بغرض تحقيق مكاسب مادية، فيما يرى العديد من المراقبين أن التوجه الجديد، عجّل به رهان الحكومة المغربية على جلب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، وتجنّب الفراغ في المجال الرقمي عموماً.
قانون العملات المشفّرة جاهز
خلال حديثه في أثناء مؤتمر صحافي، عقب الاجتماع الرابع والأخير لمجلس بنك المغرب برسم سنة 2022، أكد الجواهري أن المسودة الكاملة جاهزة لوضع إطار تنظيمي مناسب لاستعمال العملات المشفرة.
وأوضح محافظ البنك المركزي الجواهري، أنه "يرتقب الشروع في المناقشات مع كافة الأطراف المعنية، بما فيها الهيئة المغربية لسوق الرساميل، وهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي".
المسؤول ذاته، أشار إلى أنه قد "وُضع تعريف مُحدّد للعملات المشفرة، إلى جانب إعداد استقصاء عام للجمهور حول الخصوصيات وتفاصيل استخدام هذه العملات الافتراضية في المغرب"، إذ لم يتغافل بنك المغرب في هذا الإطار عما قام به الفدرالي الأمريكي والبنك الأوروبي المركزي بشكل خاص.
نتائج عكسية للمنع
يذهب الباحث في المجال الرقمي والتجارة الإلكترونية، فؤاد وكاد، إلى أن "خطوة التقنين هي خطوة إيجابية جداً، وستمنح إطاراً قانونياً لنشاط متداول بكثرة في المغرب، لأن تجربة المنع والتهديد بالعقوبات أدت إلى نتيجة عكسية. فعوض أن يمتنع المغاربة عن تداول العملات الرقمية صاروا يقبلون عليها أكثر فأكثر".
وكانت دراسة أعدّها "مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد"، قد كشفت أن عدد الأشخاص الذين يمتلكون عملات مشفرةً في المغرب، بلغ 1.15 مليون شخص خلال سنة 2022، ما مكّن من تحقيق ناتج داخلي خام يصل إلى 8،612 دولاراً للفرد.
بعد منع لسنوات قرّر المغرب تقنين العملات المشفّرة. في البلد حيث أكثر من مليون شخص يتعاملون بالعملات الافتراضية بشكل "غير قانوني" مشروع القانون يثير الحماسة
الدراسة نفسها، التي جاءت بعنوان "صعود العملات المشفرة في إفريقيا: واقع أم إفراط في التقدير؟"، أوردت أن الرقم المذكور يعني أن نسبة 3.05 في المئة من سكان المغرب يمتلكون عملات مشفرةً، مشيرةً إلى أن فئة الشباب ما بين 20 و30 سنةً، هي غالبية الفئة المستثمرة في مجال العملات المشفرة.
قال وكاد، في تصريحه لرصيف22: "بما أن العديد من المغاربة يعتمدون على منصات أجنبية لفتح محفظة تشفير، فإنه من الضروري القيام بذلك في المغرب، بما في ذلك الكيانات التي يشرف عليها بنك المغرب".
مجال تصعب مراقبته
ظل تجاذب العملات المشفرة بين التداول القانوني وخارج الإطار القانوني، من ضمن ما كانت تتوجس منه السلطات المغربية، خصوصاً مع انتعاش السوق الموازية في هذا المجال الحديث نسبياً في المملكة، "وهو ما عبّر عنه قبل خمس سنوات بنك المغرب (البنك المركزي)، من خلال رغبته في حماية المتداولين من عمليات النصب والاحتيال التي قد يصبحون عرضةً لها"، يقول الباحث في قانون الأعمال والاقتصاد، بدر الزاهر الأزرق.
"بما أن العديد من المغاربة يعتمدون على منصات أجنبية لفتح محفظة تشفير، فإنه من الضروري القيام بذلك في المغرب، بما في ذلك الكيانات التي يشرف عليها بنك المغرب"
في حديثه إلى رصيف22، أوضح الأزرق، أن "مجال العملات المشفرة، هو مجال من الصعب مراقبته، وتالياً يظل مجالاً خصباً لتبييض الأموال وكذلك لتوجيه الأموال إلى وجهات إجرامية وإرهابية".
ضرورة العصر
في هذا الإطار، رأى رئيس لجنة الشباب حاملي المشاريع للجمعية المغربية للاستثمار، عمر بنسونة، أن "وضع القانون المُنظِّم سيعمل على الملائمة بين الابتكار، والتكنولوجيا، وحماية المستهلك، ومدى استعمالها في الأداء والمضاربة، وكذا إتاحة نصوص قانونية يمكن للقضاء اللجوء إليها في قضايا عدة معروضة عليه متعلقة بالتداول بالعملة الرقمية".
هذا الأمر، يستدعي من "البنك المركزي والسلطة التشريعية، تسريع ملائمة سياستهما وإستراتيجياتهما لضمان مواكبة فعلية لهذا السوق الجديد، بالرغم من التدهور الأخير في القيمة السوقيّة للعملات الرقمية، وتنزيل إطار يمكن من خلاله تنظيم الأطراف الفاعلة والأنشطة داخل سلسلة الأنظمة التي تؤطر هذه العملات، وطبعاً سيكون لذلك تأثير مباشر على الاقتصاد الوطني"، يضيف بنسونة، لرصيف22.
نبّه المقاول الشاب، إلى أن "التداول بالعملات الرقمية، ربما تكون عملة البتكوين الأكثر شيوعاً بينها، و'البلوك شين'، أضحى ضرورةً ملحةً، خصوصاً مع المحاولات الأخيرة لمجموعة من المصارف المركزية عبر العالم لسبر إمكانية الخوض في عملات مشفرة خاصة بها لإثبات وجودها في سوق المال اللا مركزي. إذ بحلول 2021 وصلت قيمة سوق العملات المشفرة إلى 2 ترليون دولار".
ميثاق لتحسين الاستثمار
تمضي المملكة في تحسين جاذبية الاستثمار الأجنبي بشكل خاص في عدد من المجالات، إذ دخل "ميثاق الاستثمار" في المغرب حيّز التنفيذ مع نهاية السنة الماضية إثر صدوره في الجريدة الرسمية؛ وهو الميثاق الذي خصّص له قانون المالية مبلغاً يُقدّر بـ3.3 مليارات درهم إضافية (نحو 330 مليون دولار).
تداول العملات الرقمية أصبح ضرورة اقتصادية ولمواكبة العصر خاصة أن هذا التوجه موجود في كبريات الاقتصاديات
هذا الميثاق، الذي يراهن عليه المغرب للخروج من أزمة تداعيات جائحة كورونا والجفاف والتضخم، يهدف إلى تحقيق أهداف رئيسة، وهي إحداث مناصب عمل قارّة، وتقليص الفوارق بين أقاليم المملكة في مجال جذب الاستثمارات، ثم توجيه الاستثمار نحو قطاعات الأنشطة ذات الأولوية ومهن المستقبل.
فرصة للاقتصاد
يسجل الباحث في قانون الأعمال والاقتصاد، بدر الزاهر الأزرق، أنه "إذا توجهنا إلى التداول بهذه العملات الرقمية بشكل مشروع، فستكون فرصة كبيرة بالنسبة للاقتصاد المغربي وللمالية المغربية، خاصةً على المستوى الضريبي، وعلى مستوى الاستثمارات".
في تصريحه لرصيف22، يرى الأزرق أن "مسألة التعاطي مع المجال الرقمي، سواء تعلّق الأمر بالضرائب، أو بالتحويلات المالية، أو بالعملات المشفرة، أو بالاستثمارات، ظل إلى حدود الأشهر الماضية في منأى عن التقنين، وفي منأى عن العمل الرسمي، وتالياً فوّت على الدولة تدفقات ماليةً كبيرةً كان يمكن الاستفادة منها".
تقنين المجال سيساهم في جلب مستثمرين مغاربة وأجانب، وسيعزز ثقة هؤلاء في الاقتصاد الوطني، وتالياً تحسين صورته في الخارج
من جانبه، يعتقد الباحث في المجال الرقمي والتجارة الإلكترونية، فؤاد وكاد، أن "تقنين المجال سيساهم في جلب مستثمرين مغاربة وأجانب، وسيعزز ثقة هؤلاء في الاقتصاد الوطني، وتالياً تحسين صورته في الخارج، مما سيساهم بطريقة غير مباشرة في استقطاب رؤوس الأموال من نوع جديد من المستثمرين الذين غالباً ما يفضّلون أسواق جنوب شرق أسيا لتمتعها باللّيونة والسبق في ملائمة القوانين مع مختلف التطورات الاقتصادية".
المصدر نفسه، أبرز لرصيف22، أن "فئات عريضةً من المغاربة تتعامل مع ما يتعلق بالعملات الرقمية أو المشفرة، بقناعات استثمارية، ومحاولة إنشاء نشاط مالي جانبي على المديين المتوسط والبعيد".
لأجل هذه الغاية، "ينبغي الحرص على إنشاء نظام قوي للمدفوعات والحفاظ على استقلالية القطاع وعدم محاولة احتكاره عند جهة معيّنة والاتسام بالشفافية المالية، لتفادي استمرار السوق الموازية، التي تُعدّ الوجهة المفضلة للراغبين في الحفاظ على خصوصيتهم"، يختم الباحث في المجال الرقمي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين