مثلي مثل كثير من مواليد الثمانينيات والتسعينيات، يمثل عمرو دياب أكثر من مجرّد مغنٍ بالنسبة لنا. كثير من الأشخاص لديهم ثالوث مقدس ترفيهي يحرّك شغفهم كالأطفال، حتى مع التقدم في العُمر، تشجيع الفرق الرياضية وسماع الأغاني المفضلة ومشاهدة الأعمال الفنية المحببة.
يقلّ الشغف تدريجياً بتشجيع الفرق الرياضية، وذلك بسبب اعتزال أبطال الطفولة، وإدراك المرء مع تقدمه في العُمر أن خسارة فريقه المفضل ليست نهاية العالم، وأنها مجرد لعبة، ولكن الشغف بالاستماع إلى المغني المفضل ومشاهدة الأعمال الفنية يظل مشتعلاً طوال العُمر، فلازلنا نرى الآباء والأجداد ينصتون بكل استمتاع إلى أغاني أم كلثوم وعبدالوهاب وفريد الأطرش وصباح وفيروز وعبد الحليم، ولم يقل شغفهم مع مرور الوقت.
هذا كان حالنا، جيل مواليد الثمانينيات والتسعينيات، مع عمرو دياب، الذي خلق لنا شغف سماع أغانيه منذ الطفولة حتى دخولنا العقد الرابع من العُمر.
يقلّ الشغف تدريجياً بتشجيع الفرق الرياضية، بسبب اعتزال أبطال الطفولة، وإدراك المرء أن خسارة فريقه المفضل ليست نهاية العالم، ولكن الشغف بالاستماع إلى المغني المفضل يظل مشتعلاً طوال العُمر
شغفي كان يصل إلى التحديق بالساعات أمام محلات الكاسيت عند طرح بوستر له، تحميل الصورة على الموبايل، اللهاث وراء سماع المقاطع الدعاية وتغيير نغمة رنين الهاتف بها، وإرسالها لجميع أصدقائي من محبي عمرو دياب للتفاخر بأنني أول من حصل عليها.
ومع دخول السوشال ميديا، كنت أطير فرحاً برؤية بوستر بإعلان تشويقي انتظار للألبوم الجديد، مصر كلها تترقب مثل نتيجة الثانوية العامة، أشترك في جميع الـ Groups لمحبي عمرو دياب.
تفاجأت من نفسي منذ أسبوع تقريباً، عندما أصدر عمرو دياب أغنيته الجديدة "بطمن عليك"، وكنت آخر من يسمعها تقريباً بين أصدقائي من محبي عمرو دياب، رغم مرورها لأكثر من مرة أمامي على التايم لاين، وإرسال أحد الأصدقاء الأغنية لي بمجرد طرحها، بالإضافة إلى اشتراكي بالتطبيق الحصري لأغانيه.
أحب عمرو دياب ولا يقارن أي مغنٍ آخر معه، ولكن أتمنى أن يختم مسيرته الفنية بلوحات غنائية متكاملة، تخلد في وجدان محبيه، ولا تخلد في عداد مشاهدات التطبيقات
أمر تكرّر مؤخراً عندما أشاهد أمامي فيديو إعلاني لأغانٍ جديدة سيطرحها، ولكني أكملت Scroll down ثم توقفت لوهلة: ما الذي فعلته؟ هل أصبحت لا أكترث بما يقدمه عمرو دياب لهذه الدرجة؟ من أنا؟ هل أنا شخص آخر مثل فيلم Face/off بملامحي دون شغفه؟
فكرت كثيراً في أسباب تراجع شغفي بـ عمرو دياب في الآونة الأخيرة، لست من مقدسي الحنين للماضي وأغانيه القديمة، لأنه قدم أعمالاً رائعة في السنوات الأخيرة سنحن لها بعد سنوات أيضاً، ألبوم "معدي الناس"، "سهران"، "يا أنا يا لا"، حتى الأغاني السينجل مثل "إنت الحظ" و"أماكن السهر" حققت نجاحاً مبهراً، إذن الأمر ليس في جودة أعماله، لأنها تشعرني بنفس المتعة والشغف.
لست أيضاً من مساندي نظرية "ندرته تكثّف وجوده" خاصة بعد تخطيه الستين من عمره، لأنها لا يجب أن تكون سنوات غياب.
أيقنت أن السبب لا يتعلق بجودة أعمال عمرو دياب أو كثافة حضوره أو حنيني للماضي، الأمر هو إدارة أعماله الفنية.
آخر ما قدمه عمرو دياب في 2022 لا أعرف هل هي سناجل، أم جزء من ألبوم، أم إعلانات؟
الإعلان عن طرح ألبومات قريباً، ثم لا تطرح أبداً، ثم يفاجئك بسينجل، ثم إعلان، ثم تتذكر متى الألبوم الجديد، ثم تفاجئ بعده بالإعلان عن ألبوم بعده، وهو ليس ألبوم فهو Mini Album ، وتظل في هذه الدائرة منذ أن أدارت Nay وفودافون أعماله الفنية بحثاً عن جني أرباح السوشال.
كل هذه الأسباب أفقدت أعماله الفنية قدسية "التوثيق" وهيبة "الألبومات" التي كان يشعر بها كل محب لعمرو دياب.
عمرو دياب بنفسه يدرك أن إدارة أعماله بهذه الطريقة لا تناسب مشواره، بتصريح في 2020 لعمرو أديب: "أنا جيت من بورسعيد عشان أعمل ألبومات مش سينجل".
آخر ما قدمه عمرو دياب في 2022 لا أعرف هل هي سناجل، أم جزء من ألبوم، أم إعلانات؟
أيضاً الألبومات من عمرو دياب كانت عبارة عن لوحة فنية متكاملة لا يدركها إلا الديابي الأصيل، الأغنية رقم 1، رقم 3 ستكون أغنية من نوع معين، رقم 6 تحمل طابعاً موسيقياً محدداً، وهكذا، ترتيب الألبوم كان يكمل بعض كلوحة موسيقية ترضي مختلف أذواق عشاقه، وهذا التناسق بالطبع ضاع نهائياً مع الأغاني الفرط.
لم يسبق لي تدخين السجائر من قبل، ولكني أدرك شعور أصدقائي براحة شراء علبة سجائر كاملة مقارنة بشراء السجائر الفرط.
أحب عمرو دياب ولا يقارن أي مغنٍ آخر معه، ولكن أتمنى أن يختم مسيرته الفنية بلوحات غنائية متكاملة، تخلد في وجدان محبيه، ولا تخلد في عداد مشاهدات التطبيقات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون