استكمل الزلزال حلقةً جديدةً من سيرة الموت التي بدأت مع الحرب الأهلية في سوريا، أو ظهّرها أكثر. وبرغم المأساة وركام الأنقاض، تجاوزت بعض المناطق التقسيمات السياسية المرسومة وشاركت الناجين في أنحاء سوريا قوت أولادها، فيما على جانب آخر، ظّلت حدود الحرب كجدران سجن لبعض المناطق، تنتظر عطف السياسيين بتركهم خلافاتهم جانباً.
"معظم الناس تشاركوا الخيمة نفسها، والتي لا تتسع إلا لعائلة واحدة"؛ هكذا يصف نائب رئيس الإدارة الذاتية في الشهباء في حلب جمال رشيد، حال المنطقة بعد الزلزال، مبيّناً أن المنطقة "في الأساس عبارة عن مخيمات للمهجرين قسراً من عفرين، وهي محاطة بـ3 أماكن للمعارضة تُشكّل خطوط جبهة، ومناطق اشتباك مع مناطق تتبع للنظام، الذي يفرض على المنطقة حصاراً ويمنع وصول المواد منذ فترة طويلة قبل الزلزال، خاصةً المحروقات، فنصف السكان لم يحصلوا على المازوت، برغم البرد".
ويشير رشيد لرصيف22، إلى أن "في الشهباء 5 مخيمات، تُعد الأقل تأثراً بالزلزال، ولذلك توجه إليها سكان حيي الشيخ مقصود والأشرفية، غير أحياء حلب التابعة للنظام، كونها أكثر أماناً، توازياً مع إقبال ضعيف من مناطق المعارضة حيث نجح عدد قليل من الوصول، عبر طريق منبج حلب ومن حلب إلى الشهباء، التي تستقبل النازحين من دون قيد أو شرط".
ويضيف: "في الشهباء عوائل لا تعرف بعضها البعض، ولكنها استقبلت كُل النازحين، لأن المسألة أصبحت إيواء نساء وأطفال، فبرغم 11 سنةً من الحرب لا تزال روح الإنسانية موجودةً"، مشيراً إلى أن "البعض سكن المستودعات والأماكن الأكثر أماناً".
في الشهباء 5 مخيمات، تُعد الأقل تأثراً بالزلزال، ولذلك توجه إليها سكان حيي الشيخ مقصود والأشرفية، غير أحياء حلب التابعة للنظام
تتوفر في المنطقة المياه والخبز مجاناً، ولكن باقي المواد فيها شح كبير نتيجة الحصار لا سيما الأدوية، ويُعدّ النقص الرئيسي في حليب الأطفال، ومع وجود الحواجز، ارتفعت أثمانها وليست لدى المواطن قدرة شرائية للحصول عليها، ولا يُعدّ الوضع الطبي أفضل حالاً من الغذائي، وعلاج أصحاب الأمراض المزمنة الذي كانت تؤمنه الإدارة الذاتية أصبح صعباً اليوم".
تقاسم الخيم والخبز
"أصعب شيء عندما يحتاج طفلك الصغير إلى شيء ولا تستطيع تأمينه"؛ تقول عائشة أبكر، وهي تروي قصة خروجها من حي الشيخ مقصود إلى الشهباء، وهي التي فرّت من منزلها بعد الشعور بالزلزال، وكان الحل الوحيد لعبور حواجز النظام هو دفع الأموال، لتصل إلى مكان إقامة أخت زوجها.
تتقاسم عائشة اليوم الخيمة مع عائلة أخت زوجها، ليصبحوا 10 أشخاص في خيمة صغيرة واحدة، وهمّهم الوحيد نوم الأطفال والحرص على حصولهم على بعض الدفء في طقس بارد لا يرحم، فيما الأهل يتبادلون فترات النوم، تحسّباً لأي طارئ قد يحدث في أثناء لياليهم الطويلة، والقاسية. أما الحصول على الحليب والحفاضات، فهذا من المستحيلات.
وتحركت ليلى محمود، وهي ناشطة حقوقية تسكن حي الأشرفية، سريعاً بعد الشعور بالهزات الأولى للزلزال صوب الشارع، ولكن كانت الصدمة الكبرى أن الشوارع لم تكن أكثر أماناً من البيوت التي فرّوا منها، إذ بدأت الأبنية تنهار وحدها، وتسقط الحجارة على رؤوس المارة والسيارات. كان المشهد مرعباً لها ولأسرتها، والفرار طريقهم الوحيد.
تقول ليلى لرصيف22: "عائلة ابن شقيقها المكونة من زوجين وبناتهم الأربعة، ظلت تحت الأنقاض وبعد ساعتين أخرجت فرق الإنقاذ الأسرة جثثاً لا حياة فيها. فقررت الأسرة التوجه إلى الشهباء، وكان الطريق مزدحماً، وعلى كل عائلة أخذ رقم على حاجز النظام، لكي يضمنوا العودة إلى منازلهم مرةً أخرى في مهمة استغرقت 4 ساعات أخرى في الصقيع".
اختارت ليلى النزول عند أحد أقاربها في الشهباء. كان المنزل الذي استضافهم متصدعاً مما ينذر بكارثة أخرى حال تقلب مزاج الطبيعة، وعليها وأسرتها أن تواجه قلة المواد الغذائية والمحروقات في البرد الشديد، ناهيك عن النقص في الأدوية ومستلزمات الأطفال.
صرنا كالمجانين
"كانت معالم أختي كئيبةً ومتغيرةً عما اعتدت عليها. هي تبكي من دون توقف وكأن الحياة انتهت بالنسبة لها"؛ هكذا يصف رشيد أحمد، أحد سكان المخيم لرصيف22، كيف استقبل أسرة أخته بعد تهدّم منزلها في الشيخ مقصود، وإصابة ابنتها ذات الـ10 أعوام بجرح غائر في ظهرها، لتتحول أسرته من 5 إلى 17 شخصاً يقيمون في خيمة واحدة.
ظل أحمد 3 أيام ينام جالساً لتوفير مكان للوافدين، في ظل عدم توفّر التدفئة. استغنى الرجال عن الأغطية كي تستطيع النساء والأطفال الحصول على القليل من الدفء. في اليوم التالي، حاولوا الوصول إلى أحد المشافي لمداواة ابنة أخته، ولكن كُلها كانت مكدسةً بالمصابين والجثث. مشوا مسافات طويلةً كي يؤمّنوا لها الحد الأدنى من العلاج.
قررت أسرة التوجه إلى الشهباء، بعد خسارة منزلهم وأقربائهم، وكان على كل عائلة أخذ رقم على حاجز النظام، لكي يضمنوا العودة إلى منازلهم مرةً أخرى في مهمة استغرقت 4 ساعات أخرى من الصقيع والخوف
من جهتها، تقول ريم وهي ابنة حي السريان في حلب والخاضع لسيطرة قوات النظام: "نزلنا من بيوتنا كالمجانين، خرج البعض حفاةً، والنساء من دون حجاب مع صرخات غير طبيعية للأطفال، لم يكن هناك مأوى سوى الشارع، ولم يكن أمامنا سوى التوجه إلى الشهباء نحو مخيمات بارخودان".
تروي ريم لرصيف22، أن الاستقبال كان جيداً من قبل أهالي المخيمات برغم قلة الموارد، والوضع في الشهباء أكثر أمناً من حلب التي تحوّل كثر من سكانها إلى مشرّدين بلا مأوى، والمساعدات الخليجية التي يتحدث العالم عنها لم يحصل أهلها في حلب منها على شيء.
وعانى داود عيسو، وهو أحد النازحين من عفرين، في رحلة نزوحه، أو هروبه كما يقول، بعد دفع أموال طائلة ليصل إلى منبج ومنها إلى حلب متجهاً إلى الشهباء، و"أصعب أجزاء الطريق كانت من حلب إلى الشهباء بسبب التدقيق على الحواجز" يقول.
تشارك النكبة
يتعرض حي الشيخ مقصود المنكوب الذي يقع في الجهة الشمالية الشرقية من حلب، منذ شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، لحصار من النظام السوري وخاصةً الفرقة الرابعة، بعد بدء التقارب التركي السوري، ما أدى إلى منع مقومات الحياة الأساسية عن الحي، كالمازوت، وتوقفت ورشات العمل، والقصف جعل المباني غير صالحة للسكن ما جعلها تنهار سريعاً عند حصول الزلزال، بحسب عضوة المجلس الرئاسي لـ"مسد" (الذراع السياسية لقوات سوريا الديمقراطية) فهيمة حمو، التي تسكن الحي.
وتقول لرصيف22: "الزلزال حوّل الحي إلى مأساة، ما اضطر كل الأهالي إلى التوجه نحو الساحات والسيارات خوفاً من تهدّم الأبنية، وفُتحت المدارس وقاعات الأفراح ونُصبت الخيم، ووُضعت لجان في كل مكان، كلجنة الاقتصاد لتوزيع المحروقات والحطب، ولجنة اللوجستيات لتوزيع الأغذية والسندويشات، ووصلت بطانيات وخيم من الهلال الأحمر الكردي، ومساعدات من الأغذية والألبسة من المنتجين، مع غياب المنظمات".
وتشير إلى أن لجنة المهندسين أحصت 120 بنايةً غير قابلة للسكن، ويعاني الحي من نقص المشافي نتيجة الحصار، وأدوية الضغط والسكري مفقودة، والمتاح منها أسعاره باهظة جداً، كما هاجرت عائلات بأكملها إلى منطقة الشهباء نتيجة الخوف على الأطفال والنساء، وبرغم ذلك لجأ إلى الحي بعض ساكني مناطق النظام في حي الكلاسة وبستان باشا.
رئيس الحكومة السورية المؤقتة عبد الرحمن مصطفى، المعروف برجل المخابرات التركية، جاءته الأوامر بمنع دخول مساعدات الإدارة الذاتية
المساعدات الممنوعة
يكشف مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، لرصيف22، أن "الحكومة السورية المؤقتة برئاسة عبد الرحمن مصطفى، المعروف برجل المخابرات التركية، جاءته الأوامر بمنع دخول مساعدات الإدارة الذاتية، ولاحقاً بناءً على وساطة رئيس الائتلاف سالم المسلط، دخلت الإغاثة كمساعدات عشائرية عربية، برغم كونها من كل شرق الفرات من الحسكة إلى دير الزور ولم يُكتب عليها عربي أو سرياني أو آشوري".
ويقول الرئيس المشترك لدائرة الإعلام في الإدارة الذاتية، وعضو القافلة المتوقفة جوان ملا إبراهيم، إن "القافلة أعدّتها الإدارة الذاتية وهي مؤلفة من 30 ناقلةً محملةً بالمازوت، لتشغيل آليات الإغاثة والتدفئة وثلاث شاحنات حملت مواد إغاثيةً من ألبسة وبطانيات".
ويضيف لرصيف22، أن "خلية الأزمة في الإدارة الذاتية جهّزت القافلة، على أساس أن كل المعابر مفتوحة للحالات الإنسانية وإيصال المواد الإغاثية إلى المناطق المنكوبة، لكننا صُدمنا عند بوابة المعبر بعدم وجود أحد لاستقبال تلك المساعدات، وظلت القافلة عند النقطة صفر على معبر ‘أم الجلود’ بين مناطق المعارضة وقسد 9 أيام، وسط الصقيع، والمصير نفسه لاقته قافلة حلب والمحملة بـ50 ناقلة مازوت وبعض المساعدات الطبية، وأوقفها النظام عند معبر التايه".
ويكشف مؤسس منصة "عفرين" وأحد سكان جنديرس، زكريا دادو، أنه توجد في المدينة 3،000 عائلة تحت الأنقاض، و80 بنايةً مهدمةً تمثّل ثلث المدينة بحاجة إلى مساعدات إنسانية، ولكن "هناك إقصاء مقصوداً ومخططاً ضد المدينة، لأن المساعدات عبر باب الهوى متوقفة بحجة الأمور الإدارية"، مشيراً إلى "إغلاق الممرات في وجه مساعدات الإدارة الذاتية، ومساعدات إقليم كردستان لمدينة جنديرس أوقفتها الإدارة الذاتية عند ممر سيمالكا، بحجة عدم سماح الفصائل بدخول مساعدات الإدارة، ما اضطر حكومة إقليم كردستان وتحت يافطة مؤسسات البارزاني الخيرية إلى دخول تركيا وتقسيم الدعم بين مناطق الأتراك وقسم آخر دخل معبر باب الهوى إلى جنديرس وعفرين".
سرقة وإتاوات
"يشكو أهل عفرين وجنديرس من أن فصائل الجيش الوطني، لا تسمح لمحال التحويلات المالية من تلقّي تحويلات من أوروبا، مما يجعل التحويل عبر الفصائل فقط كي يحصلوا على حصة منه، ولا يوجد مجال لأهالي عفرين وجنديرس لينتقلوا إلى الأطراف الأخرى عبر الممرات، إلا بالرجوع إلى الفصائل، خاصةً الكردية، لذلك معظمهم ينتقلون عبر الحدود التركية أو عبر رشوة الفصائل بأموال طائلة"، بحسب دادو.
فصائل المعارضة، حصلت على 13 ألف دولار كرسوم على شحنة مساعدات مؤسسة البارزاني، عدا عن مصادرة فصيل ‘العمشات’ لـ3 شاحنات منها، و’الحمزات’ لشاحنتين، فلم يصل إلى أهالي عفرين إلا القليل
ويحصل المهرّبون على مبالغ تصل إلى آلاف الدولارات لتهريب الأشخاص من عفرين وريفها إلى مناطق النظام، بحسب ما تقول الصحافية السورية لمار أركندي، لرصيف22، بينما يكشف مدير منظمة حقوق الإنسان في عفرين إبراهيم شيخو، أن "فصائل المعارضة، حصلت على 13 ألف دولار كرسوم على شحنة مساعدات مؤسسة البارزاني، عدا عن مصادرة فصيل ‘العمشات’ لـ3 شاحنات منها، و’الحمزات’ لشاحنتين، فلم يصل إلى أهالي عفرين إلا القليل منها".
يختلف سبيل الأموات عن سبيل الأحياء في الشمال السوري، حيث لا طرق مقطوعةً ولا مساعدات ممنوعة، على عكس منكوبي الزلزال من الأحياء، ومنذ اليوم الأول يتم استقبال الجثث من معبر عون الدادات، الفاصل بين فصائل المعارضة والإدارة الذاتية، حيث تنتظر سيارات الإسعاف 24 ساعةً لاستلام الجثث، بحسب الرئيس المشترك لإدارة الصحة في الإدارة الذاتية جوان حسين.
ويوضح لرصيف22، أن "الجثث تأتي من المناطق المنكوبة في تركيا ومناطق المعارضة، وتستلمها إدارة الصحة من المدنيين وتوثّقها، ثم ترسلها إلى مسقط رأسها ليتم دفنها، ولا تضع الإدارة الذاتية أي شروط لاستلامها".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع