شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
فحوصات جنسية على مرأى من الجميع

فحوصات جنسية على مرأى من الجميع

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!


لم أتخيل أبداً أني سأجد نفسي في مثل هذا الموقف: أن أخوض أكثر تجاربي حميمية على مرأى من العائلة والمجتمع والجيران، وسأقف عارية تماماً، أو على الأقل شبه عارية، أمام النظرة الدونية والانتقادات اللاذعة والسخط الذكوري، لكنني امرأة تبلغ من العمر اثنين وعشرين عاماً، تحاول تعلّم معنى أن تكون امرأة تعيش في بلد منهك اقتصادياً وعقائدياً.

نعم، أنا امرأة ككثير من النساء اللواتي يتعرين أمام العبء المجتمعي والعائلي، يأخذنه معهن الى اختطاف القبلة الأولى وسرقة لمسة خاطفة، ثم يسحبنه معهن إلى تبعات ذلك من مداعبة قد تصل الى الإيلاج.

بالمختصر، لا نمارس الجنس وحدنا، بل تتطفّل على خلوتنا القصيرة مع الحبيب أو الحبيبة عقد الذنب كافة، وما تعنيه من محافظة على الذات كيلا نُخدش، لأننا بنهاية المطاف "مرايا"، والمرآة إذا خُدشت لا يمكن أن تصلح بعد ذلك.

لكن الأمر لا ينتهي هنا. يرافقنا الذنب مرة أخرى الى عيادة الطبيب النسائي، لكن بالمجمل هذه العيادة صارت حلماً بظل الانهيار الاقتصادي الذي عصف بلبنان، ولا يمكنني أن أعمل طوال الشهر لأنفق راتبي من أجل ساعة متعة، لذلك، أفضّل زيارة إحدى الجمعيات التي تتولى مهمة إجراء الفحوصات المتعلقة بالصحة الجنسية.

ككل القرارات التي نأخذها عن أجسادنا، لم تكن زيارة إحدى الجمعيات القرار الأسهل. فكّرت في شراء فحوصات من الإنترنت لأجرّبها في المنزل، لكن تيقنت أن ذلك سيتطلب حيزاً من الخصوصية أفتقده بشدة، كما أن لبنان ليس جزءاً من السوق الذي تستهدفه شركات الصحة العالمية، لذا آثرت تحمّل عناء الطريق وخوض التجربة المثقلة بالذنب، حتى أني حذفت من جوجل سجلّ البحث، كيلا يكتشف أحد أني حاولت الحصول على هذه المنتجات.

وصلت الى العاصمة يوم الاثنين لإجراء الفحوصات اللازمة. دخلت المركز خلسة، شاعرة بوجوب تبرير زيارتي حتى للغرباء. من حسن حظي أن لا أحد من معارفي يعمل هناك، ولا أحد منهم ذهب ليتلقى فحصاً. في البداية ظننت أنه فحص واحد فقط أجريه بسرعة، ثم أحصل على النتيجة وأذهب، لكنني اكتشفت أن العملية أكثر تعقيداً بكثير، وأنها تتطلب جهداً نفسياً وعقلياً لم يكن بالحسبان، حتى أكاد أقول إن إجراء الفحوصات كان أصعب من الجنس نفسه.

لم أتخيل أبداً أني سأجد نفسي في مثل هذا الموقف: أن أخوض أكثر تجاربي حميمية على مرأى من العائلة والمجتمع والجيران، وسأقف عارية تماماً أو شبه عارية، أمام النظرة الدونية والانتقادات اللاذعة والسخط الذكوري

تبدأ العملية المتعبة بأسئلة كثيرة، مثلاً: متى كانت آخر مرة مارست فيها الجنس؟ هل لاحظت أي شيء مريب خلالها؟ أي نوع من الجنس مارست (فموي/ إيلاجي الخ...)؟ هل كانت رائحته كريهة؟ ماذا تعرفين عن التاريخ الجنسي لشريكك؟ هل مارست الجنس عن رضى؟ هل تشعرين بأي أمراض أو عوارض مريبة؟ هل تفشّى أي نوع من الحساسية في جسدك؟ هل استخدم واقياً ذكرياً؟

شعرت بتهديد مباشر بعد الإجابة عن سيل الأسئلة التي لم يسألني إياها أحد من قبل، ولم أستطع رفض الإجابة عنها، ولم أجد سبباً مقنعاً أبرّر به هذا التهديد الذي حثّني على المغادرة فوراً، لكنني لم أستطع تمالك نفسي وسألت: "لماذا كل هذه الأسئلة؟".

لكن الطبيبة (لا أعرف إن كانت طبيبة فعلاً) ردّت بمنتهى اللطف، كأن سؤالي مكرّر وطُرح عليها عدة مرات من قبل: "أسأل لأعرف أي نوع من الفحوصات يجب أن أجريها، لأن بعض الأمراض المنتقلة جنسياً تتطلب فحوصاً مختلفة عن الأمراض الأخرى".

هكذا اكتشفت أن الأمراض الجنسية أنواع عدة وليست مرضاً جنسياً واحداً مثلما ظننت، كما اكتشفت أنني يجب أن أجري فحصين: الأول بالبول والثاني بالدم. دخلت الحمام لأتبول عنوة، متخيلة حياة كثيرات لم يجرين مثل هذه الفحوصات من قبل، كما فكرت بنفسي ومصير صحتي الجنسية لو لم أمتلك المال الكافي لدفع المبلغ البسيط الذي تتطلبه فحوصات كهذه. فكّرت بالعائلة والجيران والشركاء السابقين: من منهم أجرى هذه الفحوصات؟ ومن لم يأبه للأمراض التي قد ينقلها لي ولغيري؟ هل سأعاني من مرض ما بصمت إثر الوصمة التي تلاحق هذه الأمراض؟ أم أن عائلتي والمجتمع سيتقبلان حالتي الصحية بحال حملي أي جراثيم؟

طرحت هذا السؤال الأخير بشبه تيقن من الإجابة: على الأرجح لن يتقبله أحد، ما سيثير في نفسي الذعر حول نتائج الفحوصات.

انتهيت من التبول، وأعطيت العلبة للطبيبة لتفحص محتواها، ثم شرعنا بالفحص الثاني. طلبت مني غسل يدي، ومسحت أصابعي بالمحارم المبللة، وطلبت مني الضغط بالإبهام على إصبعي الأوسط لتجميع الدم، كما شرحت أن ذلك يمكن أن يتحقّق عبر شراب ساخن أو القيام ببعض الحركات الرياضية، بعدها، خرزت إصبعي الأوسط بإبرة لتجميع الدم وفحصه. اضطررت لنزف كمية كافية من الدم قبل أن تضمّد الطبيبة إصبعي.

بينما يرافق هلع تام الصحة عامة، تبقى الصحة الجنسية من أكثر المواضيع التي تحكى بالظلام أو لا تحكى أبداً، لذا تبقى تجارب كتجاربي سرية وخاصة، كيلا أُهَدَّد أو أُبتزّ بها من قبل الآخرين

انتظرت ما يقارب الخمس عشرة دقيقة لمعرفة النتائج. بالمجمل، كانت جيدة. توجب عليّ شراء دواء واحد فقط وأخذه على فترة قصيرة نسبياً، لكن معرفتي بالمرض بفترة مبكرة ساعدني على الوصول الى العلاج بسرعة ومعرفة الأخطار المحدقة بصحتي، على المديين البعيد والقريب.

طبعاً، مازالت هذه التجربة سرية، وستبقى كذلك إلى الأبد. أتخوّف من مشاركة هذه التجربة حتى مع أقرب الناس لي، حتى أولئك الذين يعرّفون عن أنفسهم "كمنفتحين"، لأن تابوه الأمراض والعدوى الجنسية (حتى تلك البسيطة وسهلة المعالجة) يبقى ملتصقاً بكل من ابتغى العلاج أو تجرّأ على إجراء فحوصات حتى.

بينما يرافق هلع تام الصحة عامة، تبقى الصحة الجنسية من أكثر المواضيع التي تحكى بالظلام أو لا تحكى أبداً، لذا تبقى تجارب كتجاربي سرية وخاصة، كيلا أُهَدَّد أو أُبتزّ بها من قبل الآخرين، وكيلا تنتهك حميمية جسدي ثانية. يكفي اختراقها مرات عدة من قبل، كتلك التجارب في السرير وغيرها من الأماكن السرية.

لن ينفعني بتاتاً إن اكتشف أحد معارفي إصابتي بالكلاميديا أو بأحد أنواع الهيباتيتيس أو السيدا. على العكس تماماً، سيضعني ذلك في قائمة المحظورات والممنوعات الجنسية إلى الأبد، حتى عندما أشفى، لذلك أفضّل أن تبقى هذه الأحاديث خاصة قدر الإمكان، بيني وبين شريكي. أفضّل أن نؤجل لحظة حب جارفة إلى وقت آخر، يكون فيه الواقي الذكري متوفراً.

أفضّل أن أكون صريحة مع شريكي دون غيره، لأنني أعي العبء المترافق مع حمل أي عدوى أو مرض، ولأنني كنت سأحبّذ لو حذرني أحد من العدوى أو المرض الذي يحمله كيلا ينقله لي دون معرفتي. ربما لو كان أحدهم أكثر صراحة أو انتباهاً لما وصلت إلى هنا، لكن، على ما يبدو، أنه بجميع الأحوال سأضطر إلى تكثيف زياراتي، مع عبء العائلة والمجتمع والجيران، إلى مركز الجمعية هذه، للمحافظة على قدر من السرية والصحة، كامرأة عربية تعيش في بلد منهار.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image