شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
عدّاد الموت شمال غرب سوريا في غرف

عدّاد الموت شمال غرب سوريا في غرف "واتس آب"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والفئات المهمشة

الخميس 16 فبراير 202304:49 م

يجلس نايف الرجب، مكسور القدمين في مجلس عزاء لأقاربه الذين قضوا نتيجة الزلزال، في قرية بسنيا في ريف حارم، والبالغ عددهم أربعين شخصاً. وأنت تنظر إلى نايف، تراه وكأنه فاقد للذاكرة، بسبب هول ما شاهده، فهو يسكن في منزل مؤلف من طابقين، ويبعد عشرين متراً عن قرية بسنيا التي تهدمت بشكل كامل وراح فيها قرابة 400 شخص.

يحاول نايف أن يسأل عمن بقي حياً في غرفة واتس آب تجمع أهالي القرية، وعن صاحب جوال تم إيجاده بالقرب من الأنقاض، فلا يردّ أحد على سؤاله، ليجهش بالبكاء المملوء بالحسرة والقهر، وهذه الحالة لا تفارقه منذ وقوع الكارثة.

بجانب نايف، يجلس أحد أقاربه ويُدعى أحمد صطيف. يقول أحمد لرصيف22: "حمل نايف منذ الدقيقة الأولى أطفاله الصغار للخروج بسرعة إلى خارج المنزل، ولكنه من هول الموقف سقط عن الدرج، وانكسرت قدماه الاثنتين، وهو الآن في حالة نفسية سيئة".

وأحمد هو الآخر، ناجٍ من الكارثة التي حلّت بجنديرس، ولكنه فقد 7 من أفراد عائلته في بسنيا، التي تركها قبل قرابة شهرين للسكن في جنديرس بداعي العمل، وأبقى جزءاً من عائلته في بسنيا. يقول والغصة بادية عليه: "كأن القدر شاء أن ننقسم في منطقتين، ليبقى منا أحد على قيد الحياة".

كل طرف في شمال غرب سوريا يقوم بالإحصاء بشكل منفرد تقريباً، وبما توفّر لديه من إمكانيّات 

كيف نحصي؟

في اليوم العاشر للزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا، لم تهدأ غرف واتس آب أهالي القرى والمدن والبلدات في شمال غرب سوريا، عن تحديث قوائم الوفيات والإصابات والمفقودين، بينما أعلن الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، عن آخر إحصائية للوفيات، وبلغت 2،274 قتيلاً و6،000 مصاب، بعد أن تمت مقاطعة الأرقام مع الجهات الطبية العاملة في المنطقة، كما بلغت الإحصائية بحسب حكومة الإنقاذ قرابة 3،500 قتيل في إدلب، لكن يبدو أن الرقم أكبر من هذا، في حين قال فريق "منسقو الاستجابة الطارئة" العامل في شمال غرب سوريا، أن عدد ضحايا الزلزال بلغ 3،200 شخص.

هذا الاختلاف بالأرقام وعدم قدرة أي طرف في شمال غرب سوريا على إحصاء عدد القتلى بطريقة واضحة، يعبّران عن الواقع المعيش في هذه المنطقة من العالم، والتي تخرج من دمار إلى آخر من دون قدرة على تنظيم بعض ما لدى المؤسسات العاملة فيها من إمكانات من أجل مواجهة الكوارث، وفي الحد الأدنى من أجل إحصاء القتلى والجرحى.

الدفاع المدني الذي انتشر في العديد من الأرجاء، للقيام بعمليات الإنقلاذ ورفع الأنقاض، اعتمد في إحصائياته على المناطق التي يعمل فيها، فكُل ضحية تُنتشل يتم تسجيلها، كذلك الأمر بالنسبة للمصابين، فيما كانت حكومة الإنقاذ تُسجل من خلال وزارة الصحة كُل الواصلين إلى المستشفيات التي تديرها في شمال غرب سوريا، أما فريق "منسقو الاستجابة" فيعتمد على إحصائيات من المناطق والمستشفيات في تقديم أرقام تقريبية للضحايا والمصابين.

سلّم أرقام الضحايا يرتفع

أيضاً بعد الزلزال، أنشأ ناشطون من شمال سوريا غرف واتس آب خاصةً للضحايا والمفقودين. في كل يوم تنزل إحصائية جديدة لقرية أو مدينة ما، فهناك قرى لم تصلها فرق الإنقاذ بسبب حجم الكارثة الكبير، ولم تخضع للتوثيقات التي سجلتها فرق الدفاع المدني أو الفرق التطوعية أو المراكز الصحية، إنما تم انتشالهم من قبل أقاربهم وجيرانهم، في إشارة إلى أن الأعداد قد تفوق الإحصائيات المعلن عنها، حيث أنها لم تخضع لمعايير منظمة، نتيجة الفوضى الكبيرة التي حصلت بفعل الزلزال، فالواقع أكبر من إحاطة حجم الخسائر في الأشخاص والممتلكات، إلا بعد مرور فترة زمنية لاستيعاب الصدمة والعمل وفق مهنية وتنظيم.

يقوم رئيس المجلس المحلي في قرية الكسيبية والمهجر إلى ريف إدلب الشمالي بكر الخليل، بإحصاء قرابة 100 شخص من أبناء منطقته في جنوب حلب، وفي كل يوم يُحدّث القائمة ليتبيّن معه أن الناس التي قضت في تركيا يفوق عددها عدد من قضوا في سوريا، بسبب وجود سوريين كثر في جنوب تركيا، ويقول: "لم نتوقع حجم الكارثة بهذا الشكل، وفي كل يوم يزداد الوضع الإنساني صعوبةً، في ظل ازدياد عدد الضحايا في تركيا وسوريا".

كُل قرية متضررة أنشأ الناجون فيها غرفة على تطبيق واتس آب، يقومون من خلالها بتعداد يومي لعدد الضحايا الذين يتمّ انتشالهم كُل يوم، في محاولة لتوثيق عدّاد الموت بما تيسّر لديهم من إمكانيات

ويروي الناشط الحقوقي محمود أبو المجد، وهو من مدينة الأتارب، أن "الأعداد التي أعلن عنها الدفاع المدني (انتشل 156 ضحيةً من الأتارب)، صحيحة، لكني موجود في الميدان حيث تهدمت الحارة التي أقطنها، وإلى حد هذه اللحظة أحصينا كمجلس محلي ومراكز طبية وناشطين فوق الـ200 ضحية، فمنذ ساعات الزلزال الأولى أحصينا 142، وأنا في حارتي كان العدد 15، أما اليوم فوصل العدد إلى 46 شخصاً".

ويشير المجد، إلى أن "الأتارب منسية ووضعها الإنساني جداً سيئ، بسبب الخسائر الكارثية من الزلزال وقربها من خطوط التماس من قوات النظام، فقد تعرضت لقصف في محيطها بالتزامن مع عمل فرق الإنقاذ وانتشال الضحايا وإسعاف المصابين، وهي تتعرض بشكل شبه يومي لقصف من قوات النظام المتمركزة شرق المدينة".

سلقين الحزينة

تتربّع مدينة سلقين على سفح جبل، وفيها حارات ضيقة وأبنية طابقية شاهقة، وتقطنها قرابة 400 ألف نسمة، أكثر من نصفهم من المهجرين، وفيها سوق قديم يُشبه سوق المدينة القديم في حلب، وكان لها النصيب الأكبر من الزلزال، إذ وقعت فيها خسائر كارثية من ضحايا ودمار جزئي وكلّي في المنازل، وساهم انقطاع شبكة الإنترنت في تأخر فرق الإنقاذ في توجهها إلى المدينة.

يقول مهند سويد، وهو من أبناء قرية العلاني ومقيم في مدينة سلقين: "تركنا أنا وأخوتي قرية العلياني في ريف سلقين، لنسكن في المدينة بداعي العمل، لنصاب بفاجعة فقدان أخي أحمد وزوجته وولده، وبقي طفلهم الوحيد أمير (سنتان) في كنفنا، وعندما عدنا إلى قرية العلاني، وجدنا أن قسماً كبيراً من البيوت قد تهدمت، كما تأثرت المنطقة بطوفان نهر العاصي، فبنينا عدداً من الخيم في منطقة مرتفعة ومتطرفة".

يضيف: "أعداد الوفيات كبيرة، فأنا توفي أخي الصغير وزوجته وأخي الآخر مع زوجته وولده، وقمنا بانتشالهم وحدنا ومن ثم غسلهم ودفنهم، ويوجد الكثير من الحالات بهذه الصورة، ولم تدخل ضمن الإحصائيات الرسمية"، مشيراً إلى أن "سلقين تعيش حالةً من الرعب الكبير من تبعات الزلزال، فالهزات الارتدادية كثيرة وكل يوم تتهدم بنايات، ولم تعد غالبية العوائل ذات البيوت المتصدعة إلى منازلها خوفاً من انهيارها، فإما يجلسون في خيم في العراء أو عند أقاربهم في منازل متطرفة غير طابقية".

وبحسب سويد: "في قرية العلاني توجد 750 عائلةً، بلغت نسبة المنازل المتضررة فيها 45%، وهي لم تعد صالحةً للسكن بسبب التصدع، كما أن العديد من مساحات الأراضي هبطت وحصلت فيها فجوات عميقة، وبدأت تخرج منها تربة أشبه بالرمل، بالقرب من نهر العاصي".

في جولة على بعض القرى، يتبيّن أن قاطني بعضها سجّلوا فقدان أكثر من نصف سكانها

ويقوم السوريون عبر غرف التواصل عبر تطبيق واتس آب، بإرسال أسماء كل ضحية يتم انتشالها إلى غرف تابعة للمنطقة التي تم انتشال الضحية فيها، ويتابع أكثر من عضو في كل مجموعة، عملية تسجيل الأسماء والتأكد منها مع العائلات وأبناء المنطقة.

عمليات الانتشال مستمرة

بحسب الدفاع المدني السوري، فإن عمليات البحث وانتشال الضحايا مستمرة، خصوصاً في جنديرس وحارم وسلقين التي تعرضت لدمار كبير في البنى التحتية، ومن المبكر الحديث عن رفع الأنقاض وفتح الطرقات، فهذا يحتاج إلى أشهر عدة وقدرات عالية وآليات ثقيلة، كما أن هناك عشرات الآلاف من المنازل المتصدعة، وتم تشكيل فريقين من الدفاع المدني ونقابة المهندسين يتابعان تحديد الأبنية المتضررة والمصالحة للسكن، كما تأثرت 40% من المدارس ولم تعد صالحةً للاستخدام، و70% من المشافي تعرضت لضرر بفعل الزلزال.

كما صدر أمس الأربعاء، تقرير الشبكة السورية لحقوق الانسان، وورد فيه أن 6،319 سورياً ماتوا نتيجة الزلزال، منهم 2،157 في المناطق خارج سيطرة النظام السوري، و321 في مناطق سيطرته، و3،841 في تركيا، داعياً إلى فتح تحقيق في تأخر دخول المساعدات الأممية والدولية لأيام، وتحمّل المسؤولية في وفاة المزيد من السوريين.

وتحدث التقرير عن أن فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان الميداني في سوريا، قد تأثر بشكل كبير في المناطق التي أصابها الزلزال، كما تأثر فريقها في جنوب تركيا، وتشرّد العديد منهم، الأمر الذي زاد من صعوبة عمليات التوثيق مقارنةً مع حوادث مشابهة، بالإضافة إلى ارتفاع حصيلة الضحايا الذين ماتوا على امتداد مساحة جغرافية واسعة، وما خلّفه الزلزال من دمار شبه كامل في بعض القرى والبلدات، مثل حارم وجنديرس في شمال سوريا.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

الإعلام بوق السلطة

تهدف وسائل الإعلام المُحتَكرة من قبل الأحزاب السّياسيّة والميليشيات إلى مصادرة الإرادة الشعبيّة، والتعتيم على الحقوق، والاعتداء على الحريات، ونشر الفتنة وبثّ خطاب الكراهيّة.

حتى لا يكون اللاجئون/ ات، وأصحاب الهمم، والأقليات الدينية، ومجتمع الميم-عين وغيرهم/ نّ من مهمّشي المجتمع كبش فداء، ساهم/ ي معنا في إنتاج صحافةٍ أكثر استقلاليةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image