وقف رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، سالم المسلط، وإلى جانبه رئيس هيئة التفاوض بدر جاموس، بالقرب من مبنى مدمّر في قرية جنديرس في منطقة عفرين شمال غرب سوريا، ليتحدثا عن المعاناة السوريّة، وعن المصائب المتلاحقة التي تنزل على السوريين وكأنها عاصفة متواصلة لا تعرف متى توقف زخ أمطارها المميتة فوق رؤوسهم.
وقفا، وكأنهما يعيشان هذه المعاناة، أو أنهما جزء منها. عرفا كيف يختاران المكان، بعد أسبوع من الكارثة، أمس الأول الإثنين في 13 شباط/ فبراير. أبنية مدمّرة، مدينة صارت ركاماً، رمزيتها التاريخية تنفع أكثر للصورة وللخبر الذي سيُكتب عنها لاحقاً. لقد سمحت لهما تركيا بأن يعبرا الحدود، على عكس قوافل المساعدات، ليطمئنّا على ما تبقى من حجر في منطقة يعتقدان أنهما يحكمانها ويحتكران تمثيلها السياسي من دون أن يعطيهما أبناؤها هذا الحق. وقفا وقالا: "المنطقة منهكة ومحتاجة، ونحن طلبنا الدعم من الأصدقاء".
لم تأتِ خطوة الائتلاف السوري بشيء جدي. كتشكيل سياسي انفصل الائتلاف عن الحاضنة الثورية منذ زمن، وحتى عن الجيش الوطني التابع للائتلاف اسمياً، فالأخير لا يمون على أصغر عنصر فيه، وهذا ما أثبتته الوقائع في السنوات الماضية، إن من خلال المعارك أو من خلال السلم المفروض، أو الانكفاء المطلوب لتعبيد طريق أستانة وسوتشي وكُل ما إلى ذلك من اتفاقات بين الدول على حساب ما يريده السوريون.
أتى الائتلاف إلى شمال غرب سوريا، ليذكّر العالم به عن طريق المأساة، وكأنه يُبلغ الدول والقوى الفاعلة بالقضية السورية، بأنهم ما زالوا موجودين، بحثاً عن مكانة أو دور، خاصةً أن شمال غرب سوريا المنكوب ينتظر مساعدات أمميةً ستصل، وقد بدأت بالوصول. والمفارقة أن الائتلاف أتى إلى جنديرس التي زارها أبو محمد الجولاني وأرسل مقاتليه ومؤسسات حكومة الإنقاذ التابعة له للاستجابة لضحايا الزلزال، في الأيام الأولى للزلزال. يا للمفارقة!
وصل الائتلاف السوري وهيئة التفاوض إلى شمال سوريا بعد أسبوع من الكارثة، أمس الأول الإثنين في 13 شباط/ فبراير
ظهور للظهور
انتهى المؤتمر الصحافي لسالم المسلط وبدر جاموس، ومعهما المدير التنفيذي لوحدة تنسيق الدعم محمد حسنو، من دون أي جديد سوى الإحصائيات التي تُنشر في غُرف الأخبار، أمّا عن خطتهم لمواجهة ما يحصل، فهم في انتظار الأصدقاء وعلى تواصل مع الأصدقاء وسيتابعون مع الأصدقاء. كثُر هم الأصدقاء، ككثرة الجثامين التي تيبست تحت الأنقاض.
اللافت أكثر، أن المؤتمر أو الزيارة، كانت مجهولةً أو مُتجاهَلةً. كأن هناك قناعةً لدى كُثر أن هذه الوجوه لن تُقدّم أو تؤخر، وأن الحدث في مكان آخر تماماً، بالرغم من كل الهالة التي حاولوا صنعها عبد الإتيان بمندوبين وصحافيين موالين لهم، إلا أن كُل ذلك لم ينجح. المفارقة المضحكة المبكية أن مؤتمر حكومة الإنقاذ الموجودة في إدلب حضره عشرات الصحافيين من وكالات متعددة.
خلال المؤتمر، وبعد أن أنهى الرجلان التعداد والحديث عن الدعم والأصدقاء ونكبة السوريين، أتى وقت أسئلة الصحافيين، فكان الهروب إلى الأمام هو الجواب الفعلي لكُل ما سُئل من قبل الصحافيين من خارج الكادر الإعلامي الذي أتوا هم به.
سألنا رئيس الائتلاف عن سبب عرقلة دخول المساعدات من الجانب التركي لأيام عدة تلت الزلزال، ولماذا هم كجسم معارض لم يدخلوا منذ اللحظة الأولى لوقوع الكارثة؟ فكان جواب المسلط أن الكثير من عمّال المعابر فقدوا أهلاً أو أصدقاء، لذا تجب مراعاتهم!
أما زميله رئيس هيئة التفاوض الذي كان يصب غضبه على الأمم المتحدة لأنها تحاول تعويم النظام، عن طريق الزلزال، فسأله أحد الصحافيين: وماذا عنكم في هيئة التفاوض فأنتم تجلسون مع النظام وتكتبون دستوراً معه، في قفز على خطة الانتقال السلمي؟ ليتهرب من السؤال عن طريق إلقاء خطبة عصماء عن أهمية لجنة التفاوض للسوريين ودورها في "إسقاط النظام ومساعدة السوريين وإخراج المعتقلين".
يُذكر أن اللجنة التي تحدّث عنها جاموس، ومنذ إنشائها عام 2018، لم تستطع إطلاق سراح معتقل سوري واحد من أقبية التعذيب، وعلى معرفات اللجنة على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يتيم عن مكونات اللجنة الدستورية والفرق بين اللجنة الدستورية الموسعة واللجنة المصغرة.
لا جواب للائتلاف على شيء. اقترب أحد المدنيين من رئيس الائتلاف وهو يشكو وجع الناس، فأنهوا المؤتمر، يصرخ أحد إعلاميي الائتلاف بأعلى صوته: "أطفئوا الكاميرات". وعادوا إلى "بلادهم"، في تركيا
بعد هذه الأسئلة التي لا جواب لها، قرروا التوقف عن الإجابة. اقترب أحد المدنيين من رئيس الائتلاف وهو يشكو وجع الناس لينهوا المؤتمر، ويصرخ أحد إعلاميي الائتلاف بأعلى صوته: "أطفئوا الكاميرات".
جعجعة من دون طحين
من خلال تجولنا اليومي على كل المناطق المنكوبة، يظهر لنا بالملموس أن السوريين صاروا يؤمنون بأنهم وحدهم يواجهون نكبتهم، وأن الائتلاف ومؤسساته لن يقدموا لهم شيئاً وجل ما يفعلونه هو طلب مساعدات يُقتطع منها، والائتلاف ومن معه الذين غادروا الحدود مساءً لن يستطيعوا حتى مساعدتهم برد أبسط حقوقهم.
وهذا ما ثبت لديهم بعد أن قرّع قائد فرقة سليمان شاه، محمد الجاسم المعروف باسم "أبو عمشة"، رئيس الائتلاف على خلفية قيام المجلس الوطني الكردي، أحد مكونات الائتلاف، بتوجيه اتهامات إلى فرقة سليمان شاه وحليفتها فرقة الحمزة بسرقة مساعدات كانت قد قدِمت إلى جنديرس.
يقول أحمد الأسمر، وهو أحد الصحافيين الذين حضروا المؤتمر الصحافي: "لقد أضعت وقتي في مثل هكذا مؤتمر، فلا معلومات جديدةً ولا إجابات عن الأسئلة التي تقلق السوريين كتأخير المساعدات من قبل تركيا ووضع أهلنا السوريين اللاجئين في تركيا أو إعادة الأعمار أو ما هي خطة الائتلاف للمتضررين من الزلزال.
يضيف: "حتى مناشداتهم الإغاثية يستطيع أي ناشط إغاثي في الشمال السوري إجادتها أكثر منهم، كان الأجدر بي أن أكمل في توثيق قصة أحد الناجين أو أهالي الضحايا، بدل أن أشاهدهم يتهربون من الأسئلة وأرى طريقتهم التشبيحية في التعاطي مع الناس"،
انتهى المؤتمر الصحافي، من دون أي جديد سوى الإحصائيات التي تُنشر في غُرف الأخبار، "في انتظار الأصدقاء"
أما الناشط الإعلامي محمد الأحمد، فقد كان "أذكى"، إذ رفض الذهاب إلى المؤتمر الصحافي، ويسأل: "كيف يحدث مؤتمر عن نكبة بعد أسبوع من نهايتها؟ ماذا سيقولون؟ وماذا ينفع القول إن كانوا لا يقدرون على الفعل؟ وهل لديهم القدرة على إعادة إعمار بيت سوري واحد تهدّم في أثناء الزلزال؟"، ويضيف: "لا جواب لديهم عن هذا كله".
وتأسس ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، في إطار الخطوات التي اتخذتها المعارضة السورية حينها لترتيب صفوفها في جسم واحد يمثل الثورة السورية أمام العالم، وظهر الائتلاف في فترة كانت الثورة خلالها في أوجها ضد نظام الأسد الذي أوغل بالقتل والتدمير بحق السوريين، وكان لزاماً على المعارضة تشكيل كيانها السياسي بموازاة التقدم العسكري الحاصل على الأرض آنذاك.
مع انحسار قوات المعارضة وحصرهم في الشمال السوري وزيادة أعداد المهجرين وتزايد الأزمات، بات الائتلاف في ضعف واضح يزداد مع كل أزمة، حتى أضحى دوره شبه معدوم في مناطق مثل إدلب التي تحكمها هيئة تحرير الشام التي يدعي الائتلاف محاربتها، ومناطق عمليات درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام التي يسيطر عليها الائتلاف اسمياً، أما السلطة فهي بيد فصائل الجيش الوطني التي لا سلطة للائتلاف أو حكومته المؤقتة عليها.
أحد المواطنين الذين كانوا في مكان قريب من المؤتمر يقول: "في الأيام الطبيعية لنا، نحن الذين نعيش المأساة اليومية، لم أتابعهم، فهل أتابعهم أو أنصت إليهم في نكبة كالتي نمرّ بها اليوم؟ قطعاً لا".
انتهى المؤتمر، وكأن شيئاً لم يكن، الناس تلملم جراحها، والاتئلاف والتشكيلات السياسية تعود إلى تركيا، لتراقب عن بعد كيف "نموت نحن هنا كُل يوم"، في جنديرس وغيرها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه