شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
في موريتانيا البوليس يقتل... ناشط حقوقي يفقد حياته في مركز للشرطة

في موريتانيا البوليس يقتل... ناشط حقوقي يفقد حياته في مركز للشرطة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 16 فبراير 202303:59 م
Read in English:

In Mauritania, the police are doing the killing

احتشد آلاف الموريتانيين، يوم الثلاثاء14 شباط/ فبراير 2023، في مسجد ابن عباس في العاصمة الموريتانية نواكشوط، لأجل صلاة الجنازة على الناشط الحقوقي الموريتاني الصوفي ولد الشين، وتشييع جثمانه، بعد أيام من الغضب والاحتجاجات والجدل تلت مقتله داخل مفوضية للشرطة، وهو الحدث الذي فجّر حالةً من الغضب بين الموريتانيين، ومطالب بالعدالة للضحية.

الداخل إلى مركز الشرطة مفقود!

اقتادت الشرطة الموريتانية، يوم الخميس 9 شباط/ فبراير الجاري، الناشط الحقوقي الصوفي ولد الشين، إلى مفوضية الشرطة 2، في دار النعيم، ليكون مصيره، بحسب أقربائه، الموت نتيجة تعرضه لعنف عناصر من الشرطة.

تحدث الناشط الشبابي عبد الباقي العربي، إلى رصيف22، عن سبب حضوره تشييع ولد الشين، قائلاً: "للأسف لم يحصل لي شرف التعرف إلى الصوفي ولد الشين من قرب، لكن كل ما سمعته عنه بعد وفاته دفعني إلى محاولة الرجوع إلي ماضيه الحقوقي المشرف. بعد أن بحثت وجدت مداخلات له على وسائط التواصل الاجتماعي، ولفتت انتباهي طيبة الرجل، ومحاولاته الدائمة للحفاظ على تماسك هذا المجتمع، وزرع ثقافة التسامح بين أفراده، هذا من بين أمور أخرى جعلتني أحضر جنازته، ولأعلن بالتأكيد عن تضامني التام معه ومع أسرته حتى تُرفع عنهم هذه المظلمة وتتحقق العدالة".

عند الإعلان عن وفاة الناشط الحقوقي الصوفي ولد الشين، نشرت الإدارة العامة للأمن الوطني الموريتاني، بياناً صحافياً قالت فيه إنه فارق الحياة نتيجة تعرضه لوعكة صحية مفاجئة خلال توقيفه في المفوضية، ونُقل على إثرها إلى مستشفى الشيخ زايد، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة. سرعان ما أحدثت هذه الرواية الرسمية جدلاً كبيراً، فيما رفضت أسرة الضحية أن تتسلم جثمانه قبل التشريح، ورافقت ذلك احتجاجات غاضبة ممّا حصل، ومطالبة بالعدالة للضحية ومعاقبة "قتلته". وفي خضم حالة عامة من النقاش والغضب شُرّح جثمان الضحية من طرف فريق مختص ورجّح التقرير الطبي الصادر عن الفريق أن تكون الوفاة ناتجة "عن اختناق رِضّي بواسطة الخنق".

أثار مقتل الناشط ولد الشين في موريتانيا داخل مركز للشرطة غضبا شعبيا واسعا خاصة أنه كانت هناك محاولات لطمس القضة وتقديم موته على أنه حالة عرضية

تضمنت خلاصات التقرير وجود علامات ملازمة للاختناق "كالإفرازات الدموية، والرغوة في منخري الأنف وفي الفم، والزرقة المفرطة في الوجه، وتحت الأظافر، كما أكد التقرير وجود كسور ورضوض وكدمات في العنق".

في ندوة صحافية عُقدت في وزارة الصحة الموريتانية، قال رئيس فريق تشريح جثمان الصوفي ولد الشين، الدكتور إنجايْ ممدو، إن التقرير الذي أعدّه الفريق بَيَّن وجود كسرين على مستوى العنق، مؤكداً أن هذا النوع من الكسور يحدث عادةً نتيجة خنق عنقي يدويّ شديد.

جريمة مكتملة الأركان؟

رافق جدلَ سبب الوفاة جدلٌ ثانٍ، وهو كيف وصل الصوفي إلى مفوضية الشرطة؟ ولماذا؟ كثرت الأخبار والشائعات حول الموضوع، وراجت أخبار أنه تم استدراجه ليتم الانتقام منه بسبب بعض المواقف والتصريحات، وقالت أخبار أخرى إنه وصل نتيجة شكاية من طرف مواطن آخر بسبب دينٍ، ونشرت وسائل إعلام موريتانية يوم أمس الثلاثاء، تقريراً أرسله المفوض الأمني المعني إلى المدير الجهوي في ولاية نواكشوط الشمالية، في تاريخ 10 شباط/ فبراير، قال فيه إن المشكو منه، أي ولد الشين، وبعد اطلاعه على فحوى الشكاية المتعلقة بدَيْن قدره 800 ألف أوقية، ردّ بإيجابية ووعد بتعويض المبلغ لاحقاً، وأكد المفوض تعذّر وجود ضامن إحضار، وأن التوقيف أثار حفيظة ولد الشين الذي رفض دخول غرفة الحجز الأمني في المفوضية، واستدعى ذلك وضع الأصفاد بيديه خوفاً من هروبه، مضيفاً أنه: "بعد فترة وجيزة لاحظ أحد العناصر سقوطه فقام بالاتصال بالدورية لإسعافه ليتم نقله إلى مستشفى الشيخ زايد، وهناك تمت معاينته من طرف الطبيب المداوم الذي أكد وفاته".

أكد المفوض أن الطبيب الشرعي وبعد معاينة المعني لم يلاحظ ما من شأنه أن يكون سبباً للوفاة ليستقدمه السيد وكيل الجمهورية لذوي المتوفى، وأطلعهم أن سبب الوفاة، بنسبة %99.99، سكتة قلبية.

حسب المعلومات الأولية استُدرج ولد الشين إلى مركز شرطة بعيد عن مسكنه، وتعرض لتعذيب نتجت عنه الوفاة

لكن هذه الرواية الأمنية كانت لتضليل الرأي العام، إذ ظهر لاحقاً أنها كانت للتغطية على أسباب الوفاة الحقيقية، إذ قالت الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب (مؤسسة رسميّة)، إن فريقاً شكّلته للتقصّي والبحث في ظروف اعتقال الضحية ولد الشين، توصل إلى أنه "تعرض للتعذيب وسوء المعاملة خلال توقيفه".

تحدث الناشط الموريتاني باب ولد إبراهيم، إلى رصيف22، عن مسار قضية مقتل الناشط الصوفي ولد الشين، قائلاً إن "مقتل الناشط الحقوقي الصوفي ولد الشين جريمة بشعة ارتُكبت من طرف جهاز يُفترض أنه من يوفر الحماية والاطمئنان لأي مواطن. وقتله ومحاولة التستر على الجريمة أثارا غضب الشارع الموريتاني، الذي رفض أن تتم إدارتها في الأروقة المظلمة وإخراجها على أنها شيء طبيعي. فضحت القضية قطاعات كبيرةً، تُعدّ الأهم في البلاد، من خلال تعاطيها المستفز مع قتل المرحوم الصوفي، وهي قطاعات الأمن والعدالة والصحة، لكن الشعب رفض أي شيء غير مسار جدي يوضح حقيقة مقتل الصوفي، ويوصل إلى من ارتكبوا الجريمة الشنعاء في حقه وعقابهم".

"مقتل الناشط الحقوقي الصوفي ولد الشين جريمة بشعة ارتُكبت من طرف جهاز يُفترض أنه من يوفر الحماية والاطمئنان لأي مواطن"

كما أشار المتحدث إلى أن "الخروقات القانونية صاحبت الملف منذ البداية، إذ استُقدمت الضحية من طرف مفوضية يقيم خارج نطاق اختصاصها، على أساس أنه محوّل من وكيل جمهورية تقيم الضحية خارج نطاق اختصاص حدوده الترابية، وبعد ذلك أوقف أيضاً من دون إذن من وكيل الجمهورية، وهو أيضاً إجراء مخالف للقانون، ليتم ارتكاب الجرم الشنيع في حقه من خلال قتله".

أضاف قائلاً: "حدث غليان في الشارع يعكس حجم الجرح الذي تركه مقتل مواطن بطريقة بشعة من طرف من يُفترض فيهم تأمين المواطنين، وزادت الغليان محاولة التستر على الجريمة، من خلال استصدار شهادة وفاة في وقت وجيز، وتضمينها أن الوفاة حدثت بشكل طبيعي، وبعدها مباشرةً استصدار إذن أيضاً من وكيل الجمهورية بدفنه، وإصدار الشرطة لبيان يتحدث عن رواية كان الهدف منها التستر على الجريمة، وهو أمر أغضب كل الموريتانيين، وخلق حالةً من الاحتقان لم يسبق لها مثيل، وهو ما دفع الناس للنزول إلى الشارع والضغط، حتى اتخاذ مسار مغاير، وهو ما تم تحت ضغط الشارع".

وفق الناشط الموريتاني يسلم محمود، الذي تحدث بدوره إلى رصيف22، فإن "الطريقة التي بدأ بها تسيير الملف كانت مليئةً بالأخطاء، وربما الممالأة. وقد بدأ ذلك بالتقرير الطبي المزيف الذي جزم الطبيب فيه بأن الوفاة ناتجة عن أزمة قلبية، وتلا ذلك بيان الشرطة الذي ادّعى أن الرجل توفي بسبب ظرف صحي طارئ، لكن لولا الهبَّة التي حدثت وكان يقودها أفراد العائلة لما علم أحد بما وقع حقاً، فقد رفضوا استلام الجثمان وأصرّوا على إنجاز تشريح جنائي، ومن هنا انتبه الناشطون في الإعلام البديل إلى ما حصل، وبدأ الضغط في الاتجاه نفسه، وعندها تدخلت السلطة، وأعطت الأوامر بالتحقيق الجنائي، وكان كل ذلك في الاتجاه الصحيح وجاءت النتائج مكذّبةً للشرطة وللطبيب المخادع الذي خان يمين الطب، وكاد يغطي على جريمة".

قضايا شبيهة ومطالب بالعدالة

ذَكَّرت حادثة مقتل الناشط الصوفي ولد الشين، الناشطين الموريتانيين بحالات سابقة، مثل قضية قتل طالب الأكاديمية البحرية أحمد محمد محمود محمد المختار، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وبعد جدل واحتجاجات فُتح تحقيق في القضية، لتنتج عنه إحالة النيابة العامة في مدينة نواذيبو، شمال موريتانيا، ضابطاً متهماً بمقتل الطالب إلى قاضي التحقيق مع تهمة "القتل غير العمد"، وكذلك قضية المشظوفي في مدينة أكجوجت قبل سنوات، والذي توفي في أثناء احتجاجات عمالية، وقيل وقتها إنه مات نتيجة الضرب من طرف الحرس، لكن السلطات قالت إن وفاته كانت طبيعيةً، وفتحت الحادثة الباب على مصراعيه حول ضرورة العناية بقطاع الشرطة الوطنية ومكافحة الفساد فيها، وإنشاء إدارة للأمن العام للدولة وليس للأنظمة السياسية تتحكم فيها عقلية تعتمد على ذوي الخبرة، وطالب البعض بضرورة إقالة واستقالة مسؤولين بعد كل الذي وقع، وقال الناشط باب ولد إبراهيم: "الحديث عن استقالة أو إقالة المسؤولين في مثل هذه الظروف أمر وارد وله وجاهته، حتى لو لم تكن هناك مسؤولية قانونية، فالإجراء الطبيعي أن يقال أي مسؤول له علاقة بهذه الجريمة وإحالته إلى التحقيق، وأن يستقيل من يقودون الأجهزة التي ارتُكبت الجريمة باسمها، أو شاركت فيها بالإشراف أو محاولة التستر، وهو أمر أخلاقي في حده الأدنى، ومهم للمؤسسات ولصورتها ولثقة المواطن بها".

فتحت الحادثة الباب على مصراعيه حول ضرورة العناية بقطاع الشرطة الوطنية ومكافحة الفساد فيها، وإنشاء إدارة للأمن العام للدولة 

وتحدث ولد إبراهيم عن حالة "غليان حقيقي في الشارع سببته هذه الجريمة، جعل المواطن يفقد الثقة بمؤسسات وأجهزة مهمة، وسيتطلب ترميم الثقة بها الكثير من الوقت إن كان هناك توجه لإصلاحها حتى تستعيد ثقة المواطن، مع أن إصلاحها أصبح أمراً ملحّاً، ولم يعد يقبل التأجيل".

بدوره قال الناشط يسلم محمود: "لو أننا في بلد ديمقراطي بحق، لاستقال كل المسؤولين الذين حدثت الجريمة في ظل سلطتهم، فهذا أشرف لهم وأنقى لقيم الجمهورية، والاستقالة لا تعني أن الشخص أجرم أو أخطأ، بل هي لراحة الضمير، كونه لم يستطع السيطرة على طواقمه".

وأضاف: "أظن أن الغليان سيخف شيئاً فشيئاً، لكن قبل أن تتحقق العدالة لن يكون الجوّ مريحاً. الخطوات بسيطة، وهي تقديم الجناة إلى العدالة ليحاكَموا محاكمةً عادلةً لا تتأثر بهتافات الشارع، ويسبق ذلك تحقيق يبيّن هوية الضالعين في هذه الجريمة، وكيف حدث كل هذا، ولكيلا يتكرر الأمر يجب إنشاء محكمة للشرطة، ونصب كاميرات في المفوضيات، وداخل غرف التحقيق".

وخلص المتحدث إلى القول إن من أهم الرسائل التي نتجت عن القضية هي "أن ناشطي الإعلام البديل، والهيئات الحقوقية ليسوا مستعدين للتغاضي عن القضايا الحقوقية، ومنها أيضاً أن الشباب الموريتاني بدأ يتوحد حول مطالب ذات بعد مدني بعيداً عن القبلية، وأظن أن الشباب بدأوا يفهمون أنها لن تقدّم لهم شيئاً". 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image