شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
في المغرب كلنا نحارب كورونا… لكن بعضنا يواصل

في المغرب كلنا نحارب كورونا… لكن بعضنا يواصل "محاربة المثلية الجنسية"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 18 أبريل 202003:33 م

في الوقت الذي أعطت فيه الطبيعة فرصة لإنسان هذا العصر، كي يكتشف قيمة الحياة، يختلي بنفسه ويعيد ترتيب أولوياته، خصوصاً مع إجراءات الحجر الصحي الناتج عن فيروس كورونا، فضّل مجموعة من الناس في المغرب أن يكرسوا وقت فراغهم الجديد لأجل محاربة "التفاهة" و"الفساد" والتبليغ عن الحسابات التي لا توافق توجهاتهم.

ورغم أن حملات التبليغ الممنهجة التي تتعرّض لها حسابات صحافيين ومدونين معروفين بتوجهاتهم المنفتحة في المغرب، بين حين وآخر، هي مزعجة، لكن حتى الآن لم تشكّل ضرراً مباشراً، لأن الحملات لم تتجاوز التبليغ الإلكتروني، فقوبلت هذه الممارسات بالتجاهل إلى أن تعب أصحابها.

لكن ما يحدث هذه الأيام في المغرب من حملات هجوم يثير الهلع، وذلك بعد أن ظهرت عابرة جنسية مغربية (Transwoman) معروفة بشعبيتها الكبيرة، خاصة وسط النساء، عبر تقنية "اللايف" في إنستغرام، تحدثت فيه عن وجود عدد كبير من المثليين في المغرب، ثم أفصحت، بطريقة مفاجئة كي تؤكد صدق كلامها، عن أسماء التطبيقات التي يستعملها المثليون جنسياً للتعارف فيما بينهم، ودعت النساء إلى ولوج التطبيقات من أجل البحث عن أصدقائهم وإخوانهم وسط المثليين.

طبعاً، وكما كان متوقعاً، هجم جيش من جمهور العابرة جنسياً إلى تطبيقات التعارف، وانضموا إليها عن طريق إنشاء بروفايلات وهمية بأسماء وصور ذكور.

نتج عن هذا "الهجوم" تجميع عدد من المعلومات الشخصية والصور عن مستخدمي التطبيقات، ومن ثم نشرها عبر الإنترنت "لفضح ممارساتهم الشاذة"، ما استنفر جمعية "أقليات" في المغرب، ولاقى استنكاراً شديداً وسط المدافعين/ات عن الحريات الفردية، وقد أصدرت منظمات حقوقية مغربية بياناً رسمياً يوم الخميس 17 نيسان/ أبريل.

ما يحدث هذه الأيام في المغرب من حملات هجوم يثير الهلع، وذلك بعد أن ظهرت عابرة جنسية مغربية معروفة بشعبيتها، عبر تقنية "اللايف" في إنستغرام، تحدثت فيه عن وجود عدد كبير من المثليين في المغرب، ثم أفصحت، كي تؤكد صدق كلامها، عن أسماء التطبيقات التي يستعملها المثليون جنسياً للتعارف فيما بينهم

مثل هذه الحملات والممارسات التي تشجع على الكراهية، خاصة ضد المثليين/ات جنسياً والعابرين/ات للجنس، كان من الممكن تجاهلها لو أن أبطالها كانوا من الإسلاميين المتشددين أو السلفيين، لما هو معروف من ازدرائهم ورفضهم لمجتمع الميم، لكن الغريب هذه المرة هو أن أبطال وبطلات الحملة هم شباب وشابات في مقتبل العمر، يعيشون عالماً أكثر انفتاحاً من خلال الإنترنت والتطبيقات المتنوعة.

الأمر الثاني، هو أن الحضور النسائي في "شنّ الهجوم" كان بارزاً، ما أثار حفيظة البعض الذين وجهوا انتقادات لتلك النساء، إلا أن بعضهن المشاركات في مجموعات نسائية مغلقة، أجبن كل من حاول ثنيهن عما يفعلن بأن الفتيات في المغرب كن دائماً ضحية للتشهير والسب والقذف، وأن فضح زوار التطبيق هو الفرصة الملائمة للانتقام من المجتمع الذكوري الذي سبق ونكّل بهن مدة طويلة، وتعوّد ممارسة الوصاية عليهن، جاهلات أو متجاهلات للأسف، أنهن يحاربن العدو الخطأ، وأن المثليين جنسياً في المغرب، كمجتمعات عديدة أخرى، يعيشون اضطهاداً لا يقل عن اضطهاد النساء، وأن الذكوريين الذين يحاولون فرض وصايتهم على النساء، ويتهمون كل امرأة متحررة بالعهر والفساد، يكرهون المثليين وينكلون بهم في كل فرصة.

وبالتالي، وبمثل هذه الخطوة في شنّ الهجوم، تشارك هؤلاء النساء في جلد ضحية من ضحايا المجتمع مثلهن.

بالمقابل، فإن الرجال الذين شاركوا في الحملة، توعدوا كل من وجدوه على التطبيق بتعنيفه في الواقع حين تواتيهم الفرصة، "انتقاماً لكرامتهم ورجولتهم التي أهانها بمثليته"، غير مبالين بالمتابعات القضائية التي قد تجرها عليهم هذه التهديدات.

لكن، الأقبح من كل هذا، هو أن من يقف وراء حملة التشهير منذ بدايتها في الأصل، ترانس امرأة (Transwoman) مغربية تعيش في تركيا، سبق أن عانى/ت من الرفض، ومر/ت بمرحلة الخوف وإخفاء الهوية الجنسية حين كانت تعيش في المغرب، ولم تستطع ممارسة حياتها بشكل طبيعي والظهور بوجه مكشوف، إلا حين استقرت في بلد جديد كغريبة فيه. أي في هذه الحالة، من المفترض أن تكون أكثر شخص متفهم لمعاناة المثليين في المغرب، وتعرف أهمية حماية سرية مستخدمي التطبيقات، لكنها سمحت لنفسها بأنانية أن تُسبب الأذى لآخرين والتشهير بهم.

بين هذا وذاك، يعيش ضحايا هذا التشهير أياماً عصيبة بسبب خوفهم من انكشاف ميولهم الجنسية التي اختاروا إخفاءها اتقاء لرفض المجتمع، خصوصاً وأن الهجوم عليهم تزامن مع فترة الحجر الصحي، التي تفرض العزلة في المنزل وتضعهم في مواجهة مباشرة مع عائلاتهم، ما قد يؤدي إلى تعرضهم للتعنيف

بين هذا وذاك، يعيش ضحايا هذا التشهير أياماً عصيبة بسبب خوفهم من انكشاف ميولهم الجنسية التي اختاروا إخفاءها اتقاء لرفض المجتمع، خصوصاً وأن الهجوم عليهم تزامن مع فترة الحجر الصحي، التي تفرض العزلة في المنزل وتضعهم في مواجهة مباشرة مع عائلاتهم، ما قد يؤدي إلى تعرضهم للتعنيف، وربما القتل، بما أن معظم العائلات لا تتسامح مع هذا النوع من الميول الجنسية وتعتبرها شذوذاً، ولأنهم أيضاً لا يستطيعون اللجوء إلى القانون من أجل حماية حياتهم الشخصية، لأن القانون نفسه يعاقب على المثلية من جهة، ولأن هذا يهدد سرية ميولهم أكثر من جهة أخرى.

أخيراً، لا يسعني أن أقول إلا إنه من المحزن جداً أن يستغل الإنسان وقت الأزمة كي يخلق أزمة أخرى لغيره، دون أي اعتبار للأذى الذي قد يسببه له، ومن المحزن أكثر، أنه في ظل أزمة صحية تهدد البشرية بأسرها، وفي الوقت الذي تسابق فيه المختبرات في الدول المتقدمة الزمن لإيجاد علاج أو لقاح للفيروس، ويجابه الأطباء الموت في المستشفيات من أجل إنقاذ البشرية، لا زال كل هم الأغلبية من سكان مجتمعاتنا، هو التحكم بالميول الجنسية للآخرين وقمع حرياتهم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image