شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
مياه الأولياء الصالحين في تونس... للبركة والشفاء من الأمراض

مياه الأولياء الصالحين في تونس... للبركة والشفاء من الأمراض

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 28 مارس 202303:38 م

لا تكاد محافظة في العاصمة تونس، تخلو من مقام وليّ صالح تقصده فئة كبيرة من التونسيين احتفالاً بما يُسمّى "الزردة"، لطلب قضاء أمر، أو للاغتسال بمياه بئر الولي الصالح لتحقيق أمنية أو للشفاء، حسب قصد كل زائر.

سيدي محمد الصالح، وبن حباس "سيدي بوسعيد"، و"سيدي محرز" و"سيدي بولبابة" وغيرهم من الأولياء الصالحين في تونس، يشاع أنّهم أصحاب تقوى وعمل صالح اصطفاهم الله وجعلهم من أوليائه الصالحين نظراً إلى "قدرتهم على تحقيق المعجزات وهم أموات"، حسب المعتقد الشعبي.

باتت زواياهم معالم دينيةً يقصدها الزائرون يومياً محمّلين بالشموع وما تيسّر من البخور، وأحياناً يختار آخرون جلب أكلة الكسكسي صدقةً لزوّار الضريح والمحتاجين.

ماء البئر لشفاء المرضى

يوم الأربعاء هو يوم السوق الأسبوعي في منطقة الحبابسة التابعة لمنطقة الروحية ومحافظة سليانة شمال غرب البلاد. جميع قاصدي هذا السوق يشترون أضاحي أو دجاجاً يسمّونه باسم مقام الولي لذبحه وتقديمه مطبوخاً في أكلة الكسكسي لزائري المقام، وهي عادة توارثتها الأجيال منذ قرون.

في كل خميس، يقصد واحد من كل عائلة متحدّرة من منطقة الحبابسة مقام بلال، أو كما يحلو لسكان المنطقة تسميته "سيدي بلال"، محمّلاً بديكٍ مذبوح لقضاء بعض الوقت داخل المقام وطلب قضاء بعض حاجاته.

تقول مباركة، وهي من سكان المنطقة، لرصيف22، إن يوم الخميس هو يوم مخصّص لزيارة مقام "سيدي بلال"، وتضيف أن كل سكان المنطقة "يأتون بقوارير فارغة ويقومون بملئها من البئر الموجودة في المقام".

تضيف مباركة، أن مياه بئر مقام الوليّ فيها شفاء للمرضى، وكل من كان يشعر بوجع أو قلق يشرب من هذا الماء المقدّس وفق قولها.

فيما تقول حبيبة، وهي بدورها من سكان المنطقة، لرصيف22: "في الماضي لم يكن هناك طبيب غير الوليّ الصالح، وكل من ارتوى من مياه مقام الوليّ زالت عنه الهموم وأصبح في حالة جيدة".

في كل خميس، يقصد  الشخص مقام "سيدي بلال"، محمّلاً بديكٍ مذبوح لقضاء بعض الوقت داخل المقام وطلب قضاء حاجاته

تواصل حبيبة الحديث قائلةً إنها كانت تعاني من آلام في الماضي على مستوى الظهر، وقصدت مقام الولي الصالح "بلال"، وجلبت منه الماء واغتسلت به، فتحسنت حالتها في ظرف أسبوع.

كلام المرأة، ينتمي إلى الإيمان بالخوارق المنتشر في تونس، كما في بقية الدول العربية، لكنه لا يحمل أي مصداقية علميّة. وبرغم أن المجتمع العلميّ حسم في أن التداوي من الأمراض العضوية عن طريق الإيمان بالغيبيات، لا يتحقّق ويظل جزءاً من "أوهام" المؤمنين به، إلا أن سكان المنطقة مصرّون على البحث عن بركة أوليائهم، والاغتسال بمياه مقاماتهم، لعلّها تعالج داءهم.

في العاصمة أيضاً

الأمر لا يختلف حتى في العاصمة تونس. فإلى مقام سيدي محرز الواقع في باب سويقة في المدينة العتيقة، يتوافد الزوار. ويرجَّح أن "سيدي محرز بن خلف" وُلد ما بين 951 و1022 ميلادية، وينسَب إلى الصحابي "أبو بكر الصدّيق"، وعُرف في الذاكرة الجماعية بأنه عاش حياةً حافلةً بالعلم والصلاح حتى جعله التونسيون في قلوبهم كما أحبّه اليهود لأنه اشتهر بحمايتهم والدفاع عنهم.

رغم أن المجتمع العلميّ حسم في أن التداوي من الأمراض العضوية عن طريق الإيمان بالغيبيات، يظل جزءاً من "أوهام" المؤمنين به، إلا أن السكان مصرّون على البحث عن بركة أوليائهم

يُعدّ الوليّ أحد حراس المدينة العتيقة في الذاكرة الشعبية، وقد اشتهر بحبّه للتعايش بين الأعراق والأديان، وكان عالماً فقيهاً فصيحاً إماماً، ومقصداً للعلماء، لذلك رفعه التونسيون إلى مرتبة الوليّ الصالح.

عند الدخول إلى مقام "سيدي محرز"، تعترضك رائحة البخور ووعاء كبير أسطواني الشكل ممتلئ بالماء قيل إنه مبارك وفيه شفاء للمرضى، هو وعاء وُضع في فناء المقام الذي تليه قاعة فيها قبّة بيضوية الشكل، فيما شريط حديدي مشبّك مع سياج خشبي منقوش يحيط بالقبر.

يعود تاريخ القاعة مع غرفة الضريح إلى نهاية القرن الـ19 تحت حكم الصادق باي.

يقول حارس الزاوية نور الدين، لرصيف22، إن المقام يشهد يومياً إقبالاً لزائرين من مختلف أنحاء محافظات البلاد، للتبرّك به والدعاء فيه لتحقيق أمانيهم، والاستعانة به للدعاء والتقرب إلى الله تبرّكاً بتقواه وقوة إيمانه.

عند الدخول إلى مقام "سيدي محرز"، تعترضك رائحة البخور ووعاء كبير أسطواني الشكل ممتلئ بالماء قيل إنه مبارك وفيه شفاء للمرضى

ويضيف أن أغلب الزائرين يأتون لشرب كأس ماء من بئره المباركة والعذبة، وهي لا تقل أهميةً عن مياه زمزم في الحرم المكي، اعتقاداً بقدرتها على شفاء الأمراض وعلاج الأشخاص وتُقدَّم بالمجّان لكل من يطلبها، لكن بكميات محدودة حتى لا تجفّ البئر.

أولياء "النّجاح" والخصوبة

خلال فصل الصيف، يزداد الإقبال على تلك الزوايا، وحتى قبل امتحانات آخر العام، إذ يقصدها الأهل وتلامذة البكالوريا طلباً للنجاح والتوفيق.

أغلب النساء اللواتي يذهبن إلى مقامات الأولياء، يبحثن عن الشفاء من العقم أو جلب الحظ أو الزواج، وتتبرّك أخريات بالولي لعلاج الأمراض الخطيرة والمستعصية من خلال الارتواء بمياه البئر الموجودة تقريباً في كل مقام.

وتزور المتزوجات أيضاً المقامات طلباً للسعادة الزوجية. ولتحقيق تلك الأمنيات، هناك طقوس عدة تختلف من ولي إلى آخر، على الرغم من أنّ كل الزوايا تقدَّم فيها الذبائح قرابين للتقرب إلى الوليّ، ويتم التبرع باللحوم إلى الفقراء، وإقامة الولائم في الأضرحة خلال طقوس احتفالية ترتبط غالباً بالأعياد الدينية أو بـ"مواسم" سنوية يحتفل فيها الزوّار بدفين المكان.

الطبول في مقامات الأولياء

تتزين مقامات الأولياء الصالحين خلال فصل الصيف بالموسيقى الصوفية وعروض الفروسية، وتقام مهرجانات يستعد لها السكان قبل أشهر، من خلال قيامهم بتحضيرات عدة تتمثل في الأكل وفي اللباس الجديد، حيث تختار أغلب النسوة اللباس الزهري لحضور هذه المهرجانات وفي ذلك رمزية للسعادة والحياة.

يقول أحد منظّمي المهرجانات في منطقة الحبابسة التابعة لمحافظة سليانة شمال غرب البلاد، الطاهر الحبّاسي، إن سكان المنطقة ينتظرون هذه المهرجانات بحلول شهر الصيف وكل العائلات تدّخر ما لديها من نقود للتسوق في يوم "الزردة".

ويقام مهرجان يوم الزردة في جبل بعيد، تختار بعض العائلات التي تقطن بعيداً عن مقام الولي نصب الخيام فيه، استعداداً لهذا الحدث البارز.

وتبدأ الاحتفالات بقراءة سور من القرآن وإشعال الشموع والدعاء ثم استعراض بعض الأغاني والإنشاد والذكر الخاص بكل محافظة وتنتهي باجتماعات ليليّة للعائلات في المخيم على ضوء النجوم وأغاني النسوة التي تتواصل حتى الفجر، فيما تكون المياه في الكثير من مقامات الأولياء تلك، طريقاً للحصول على بركة الدفين، وتحقيق الأماني.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image