يقول المثل الشعبي: "الميت ما بشيل ميّت، ولكن السوريين كسروا هذه القاعدة، فالميت شال الميت لمدة خمسة أيام"؛ كلمات نشرها الناشط والإعلامي ماجد عبد النور، من شمال غرب سوريا، عبر صفحته على فيسبوك، معبّراً عن سعادته من كيف عمل السوريون كخلية نحل في أوج تفانيها، على مدار الأيام الماضية بعد حدوث الزلزال الذي ضرب تركيا وشمال سوريا، وسط موجة من التكاتف والتعاضد، أظهرها آلاف من المتطوعين مع الدفاع المدني لمساعدته في عمليات الإنقاذ.
شهدت مناطق شمال غرب سوريا حالةً أشبه بالاستنفار على كافة الأصعدة؛ رجال ونساء، شباب وشيّاب، وطلاب وطالبات، حتى الأطفال الصغار، الجميع تحملوا مسؤوليتهم وهبّوا لمساعدة المنكوبين، فترى في كل طريق رئيسي أو فرعي أرتالاً من الناس يحملون المساعدات للفقراء والمشردين وخصوصاً من قاطني المخيمات ومن لجأ إليها. في كُل شارع وحي على امتداد المناطق المنكوبة، تتوزع يافطات كُتب عليها "مساعدات من قرية كذا ومخيم كذا".
ولا يغيب عن الساحة، مالكو شبكات الإنترنت من خلال إعلانهم أن شبكاتهم مجانية في الشوارع، ومالكو سيّارات الشحن من خلال إعلانهم عن استعدادهم للمساهمة لنقل من يحتاج ممن تضرّر بالزلزال، ومئات المتطوعين الذي ساهموا بحفر القبور لمن لم ينجوا وما أكثرهم، فتغص غرف تطبيق واتس آب بمن يتقدم للمساعدة والمساهمة بكل ما يستطيع، أو يملك.
شهدت مناطق شمال غرب سوريا حالةً أشبه بالاستنفار على كافة الأصعدة، وهبّ الآلاف لمساعدة المنكوبين جراء الزلزال
أيادٍ سورية
يقول الناشط الإعلامي عامر سليم، إن "الناس كلها كانت يداً واحدةً لمواجهة أضرار الزلزال، ومن دون مساعدة أي جهة عربية أو دولية، فعمليات البحث والانتشال كانت بأيادٍ سورية، واليوم بعد أكثر من خمسة أيام، دخلت بضع شاحنات تحمل مواد إغاثيةً، بعد أن مات كل من كان حياً تحت الأنقاض ولم ينتشله أحد".
من جهته، عمل مدير مخيم النعيمية في منطقة الدانا شمال إدلب، عمار الهجيج، على تجهيز سيارات عدة وملئها بالخيم الزائدة والإسفنجيات والأغطية والمواد الغذائية من مخيمه، ليقوم بإرسالها إلى منطقتي حارم وسلقين لمساعدة الناس المنتشرين بين كروم الزيتون، بعد أن تشردوا وفقدوا منازلهم بفعل الزلزال، برغم ضعف إمكانات قاطني المخيم.
يقول الهجيج الذي هُجّر من ريف حماه، قبل قرابة 7 سنوات: "شكلنا فريقاً تطوعياً من أبناء المخيم، وبدايةً قمنا بالتبرع بالدم في المراكز الطبية والمستشفيات، وعلمنا بوجود 150 عائلةً في العراء في منطقة سلقين، فقمنا بتجهيز أربع خيم مع فرشها الكامل، وبعض الاحتياجات المنزلية والغذائية، وتوجهنا إليهم، وهذه إمكاناتنا وما نستطيع أن نقدمه، برغم ضيق الحال وضعف الوضع الاقتصادي، فقد أنهكنا النزوح وسنوات الحرب الطويلة".
ولم يقف مدير فريق الساروت الطلابي فراس الحسين، مكتوف الأيدي تجاه الأزمة الإنسانية التي يعيشها الشمال السوري، فشكل بدوره فريقاً من طلاب الجامعات في الشمال، وقام بجمع التبرعات من داخل سوريا وبعض أصدقائه في الخارج، وبدأ بحملات الاستجابة للمتضررين من الزلزال.
يقول الحسين، الذي يدرس في كلية الحقوق في جامعة حلب الحرة: "فريقنا يضم العشرات من طلبة الجامعة المتطوعين، هبوا لمساعدة أهلهم المتضررين من الزلزال والمساهمة في رفع الأنقاض، فانتشرت الفرق الطلابية في كل من جنديرس والأتارب وبسنيا في حارم، وسلقين وجسر الشغور، ونعمل بأقصى طاقتنا برغم أن الاحتياج كبير، ولكن همتنا عالية جداً، حتى أن أناساً من أهالي هذه المدن يقدمون لنا المبيت والطعام من دون أن نعرفهم".
الهمّة لم تمت
قدّم فريق همم شبابية استجابةً لـ2،600 عائلة متضررة من الزلزال، وتركزت الخدمات على مساعدة الدفاع المدني في انتشال العالقين تحت الأنقاض، وتوزيع مواد تدفئة ومواد غذائية وتوصيل عائلات مشردة إلى مراكز الإيواء، وهو واحد من عشرات الفرق التطوعية التي عملت على مساعدة المتضررين من الزلزال.
ويؤكد على ذلك رئيس اتحاد الطلبة عبد مرندي، الذي عمل مع كثير من طلاب الجامعات في الشمال على تأمين ما يحتاجه الناس للتخفيف من الأضرار الناتجة عن الزلزال، وقاموا بتجهيز قوافل مساعدات إنسانية عدة وإرسالها إلى مناطق الضرر، كما تطوع عدد من طلاب وطالبات كليات الطب البشري في معالجة الناجين والمصابين وتقديم الرعاية الطبية اللازمة لهم، كذلك أقاموا مطابخ ميدانيةً لتقديم وجبات للمتطوعين العاملين على انتشال الناس من تحت الأنقاض.
يقول المثل الشعبي: "الميت ما بشيل ميّت"، ولكن تبيّن أن السوريين كسروا هذه القاعدة، فالميت شال الميت لمدة خمسة أيام، بعد ما خلّفه الزلزال من موت ودمار
كما لم يتوانَ محمود دكيلة، وهو طالب ماجستير في كلية الحقوق ومقيم في مخيم بكللي في شمال ادلب، عن تقديم المساعدة للمتضررين، فقام برغم وعكته الصحية في البرد القارس بتجهيز عدد من شباب المخيم وتجميع معاول وكريكات والالتحاق بعمل فرق الدفاع المدني في منطقة سلقين لمساعدتهم في انتشال الضحايا، فيما تبرع مدير مخيم في منطقة معرة مصرين، بثمن المحروقات لآليات الدفاع المدني في منطقة حارم وهو مهجر من منطقة الحص، جنوب حلب.
ويتابع أحمد المنذر، وهو أحد المتطوعين في جمع التبرعات، عمله، ليقوم بمساعدة من بقي على قيد الحياة في المدينة، ويقول: "هناك أناس ماتوا تحت الأنقاض بسبب عدم وجود خبرة في انتشال العالقين تحت الأنقاض، ومعدات خاصة بذلك، فأغلب المتطوعين عملوا بمعدات بدائية وبسيطة مثل ‘القزمة والكريك’".
ويضيف الشاب الذي نجا من الموت في جنديرس، والذي آثر متابعة مساعدة الناس تحت الأنقاض وذويهم المشردين في العراء: "نقوم بجمع التبرعات من الناس في الشمال السوري، من مال، طعام، لباس، وخيم وتجهيزاتها، نضعها في مكان ونقوم بتنسيقها، ومن ثم توزيعها بالشكل المناسب للناس المحتاجة، ريثما تنظر المنظمات الإنسانية الكبيرة إلى حال الناس وتساعدهم في تأمين احتياجاتهم.
ويقول: "أعرف رجلاً من سكان جنديرس يعمل تاجراً للغنم له دين على الناس بقيمة 30 ألف دولار، قال بأعلى صوته بعد نجاته من الموت، يا رب أنا مسامح كل شخص لي عنده دين، فقد علمونا أن فاقد الشيء لا يعطيه، فتبين أن فاقد الشيء هو الذي يعطيه".
خيبة أمل
أعلنت إدارة الدفاع المدني السوري في مؤتمر صحافي، عن انتهاء عمليات انتشال العالقين تحت الأنقاض
وأعلنت أمس الجمعة إدارة الدفاع المدني السوري في مؤتمر صحافي لمديرها رائد الصالح، عن انتهاء عمليات انتشال العالقين تحت الأنقاض بسبب انعدام فرصة نجاتهم، وبدء عمليات التجريف وفحص الأبنية الآيلة للسقوط والصالحة للسكن، وفي تقريرها الأخير، "بلغ عدد الوفيات 2،166 حالة وفاة بينها الكثير من النساء والأطفال، كانت الحصيلة الأكبر بينهم في مدينة جنديرس في ريف عفرين التي وصلت فيها أعداد الضحايا إلى أكثر من 513 وفاةً، تليها مدينة حارم وفيها أكثر من 360 وفاةً، ثم مدينة سلقين وفيها 221 وفاةً، تليها بلدة أرمناز وفيها 155 وفاةً، ثم مدينة الأتارب وفيها 150 وفاةً، وبلدة عزمارين وفيها 140 وفاةً، وتنخفض الأعداد بشكل تدريجي في باقي المناطق المنكوبة فتبدأ من 56 وفاةً وتنتهي بأقل الأرقام للوفيات عند عتبة 5 وفيات".
وأضاف البيان، تم إنقاذ وإسعاف 2،950 مصاباً حتى الساعة، مشيراً إلى أن الفرق لم تسجّل إنقاذ ناجين من تحت الأنقاض على قيد الحياة منذ صباح الخميس 9 شباط/ فبراير الجاري، وكانت الحصيلة الأعلى لأعداد المصابين في مدينة جنديرس التي تم إسعاف 831 مدنياً فيها كانوا على قيد الحياة، تليها مدينة سلقين ومنها أنقذنا 258 مدنياً، ثم قرية بسنيا غرب إدلب ومنها أنقذنا 215 مدنياً، تليها مدينة حارم ومنها أنقذنا 210 مدنيين، ثم مدينة مدينة الأتارب وأرمناز في كل واحدة منهما 200 مصاب، ثم مدينة عفرين ومنها 170 مصاباً تم إنقاذهم، وتبدأ الحصيلة بالانخفاض تدريجياً عند 100 مصاب وتنتهي بأقل أعداد الإصابات بواقع 5 إصابات".
وبلغت حصيلة الأبنية المدمّرة في شمال غرب سوريا 479 مبنى سكنياً مدمّراً بشكل كامل وأكثر من 1،481 مبنى بشكل جزئي.
وكانت الحصيلة الأكبر في عدد المباني المدمّرة في مدينة جنديرس بواقع 200 مبنى مدمّر بشكل كامل و500 مبنى بشكل جزئي، و50 مبنى مدمّراً بشكل كامل في مدينة سلقين ونحو 300 مبنى متضرر بشكل جزئي.
وأشار البيان إلى الصعوبات التي واجهته خلال عمليات الإنقاذ على مدى الأيام الخمسة الماضية، وتمثلت في:
- شح الوقود اللازم لتشغيل الآليات الثقيلة لساعات أطول لتسريع عمليات الإنقاذ.
- الانتشار الجغرافي الكبير للدمار في معظم مناطق شمال غرب سوريا وما يتطلبه من مستلزمات كبيرة جداً في معدات البحث والإنقاذ والمعدات التقنية الحديثة لتحديد أماكن المصابين كالمستشعرات الحرارية ومجسات النبض والكاميرات.
- غياب المساعدات الدولية وعدم الاكتراث من المجتمع الدولي بالنداءات الإنسانية التي أطلقها الدفاع المدني السوري طوال فترة الاستجابة.
وعبّر الصالح عن "خيبة أمل جديدة وإحباط للسوريين تجاه تجاهل المجتمع الدولي للمأساة الإنسانية التي خلّفها الزلزال في مناطق شمال غرب سوريا، برغم كل النداءات التي أطلقها الدفاع المدني السوري لتوجيه الدعم اللازم لعمليات البحث والإنقاذ وعمليات الإسناد في البحث عن ناجين تحت جبال من الركام".
مساعدات متأخرة
بعد مرور خمسة أيام على الزلزال، وبعد مناشدات عديدة على كافة منصات التواصل الاجتماعي لعدد من الناشطين والإعلاميين السوريين، بضرورة المسارعة في إنقاذ العالقين تحت الأنقاض في الأيام الثلاثة الأولى من الزلزال على أمل إخراجهم أحياء، لم تستجب أي دولة لمساعدة القاطنين في الشمال السوري، في حين توجهت طائرات دول عربية وأجنبية إلى مطاري حلب ودمشق الدوليين اللذين تسيطر عليهما قوات النظام.
عمليات البحث والانتشال كانت بأيادٍ سورية، واليوم بعد أكثر من خمسة أيام، دخلت بضع شاحنات تحمل مواد إغاثيةً، بعد أن مات كل من كان حياً تحت الأنقاض ولم ينتشله أحد
كذلك، عرقلت تركيا دخول مساعدات بحجة عدم وجود طرق صالحة لاستقبال شحنات المساعدات الأممية، في حين أكد ناشطون أن المعبر لم يتوقف عن استقبال جثث السوريين الذين قضوا في تركيا نتيجة الزلزال والبالغ عددهم 900 شخص إلى الآن، حسب إحصائية نشرها معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا.
كما أجّلت الأمم المتحدة دخول المساعدات الإنسانية التي ترسَل بشكل دوري من مناطق النظام إلى إدلب عبر خطوط التماس (وهي آلية فرضتها روسيا في مجلس الأمن مقابل السماح باستمرار إرسال المساعدات عبر الحدود)، وبحسب وثيقة مُرسلة في 10 شباط/ فبراير، من "مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية" في حلب إلى محافظ المدينة، فقد أُجّل إدخال القافلة إلى مدينة سرمدا حتى إشعار آخر، "بسبب الظروف اللوجستية لدى الطرف الآخر".
ودخلت عبر معبر باب السلامة الحدودي مع تركيا 15 شاحنة مساعدات إنسانية قادمةً من إقليم كردستان شمال العراق إلى منطقة الضرر في جنديرس شمال غرب حلب، يرافقها طاقم إنساني وفريق إعلامي، و14 شاحنة مساعدات أممية تحمل مواد إغاثيةً من إسفنجات وأغطية وبعض المواد الغذائية، بالإضافة إلى انتشار مقاطع مصورة لوصول عدد من الطائرات السعودية والقطرية والكويتية إلى مطارات تركيا، لتقديم المساعدات لتركيا وشمال سوريا، كما دخل فريق إسباني في يوم الزلزال الرابع، مؤلف من بضعة أفراد يحملون أجهزةً تتعرف على الأشخاص الأحياء تحت الأنقاض، وفريق إنقاذ مصري من دون وجود معدات تقنية لرفع الأنقاض.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 9 ساعاتالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت