تطرح الدورة الرابعة والخمسون لمعرض القاهرة الدولي للكتاب (25 كانون الثاني/يناير - 6 شباط/فبراير 2023) الكثير من التساؤلات، حول هوية المعرض المصري الأعرق في المنطقة، وشخصيته الاعتبارية كملتقى فكري وثقافي حرص على مدار تاريخه على أن يكون منصة تنويرية بضيوفه المحليين والعرب والأجانب، ومنبراً للتعبير الحر غير المشروط. كما تثير الدورة الأخيرة للمعرض تساؤلات أخرى، حول تداول الكتب المطبوعة والرقمية ومعدلات تسويقها، في ظل الارتفاع الهائل لأسعارها وضعف القوة الشرائية وتفاقم الأزمة الاقتصادية، التي انعكست بدورها على صناعة النشر في سائر أنحاء العالم. وقد انعقد المعرض تحت شعار "على اسم مصر.. معاً نقرأ، نفكر، نبدع"، واختير الشاعر صلاح جاهين شخصية المعرض، والكاتب كامل كيلاني شخصية معرض كتاب الطفل.
ومن الوجهة الإحصائية المجرّدة، وفق البيانات الرسمية للهيئة المصرية العامة للكتاب (الجهة المنظمة)، فقد شهد المعرض، الذي شاركت فيه 54 دولة، قرابة 500 فعالية متنوعة في قاعاته السبع في إطار مناقشة محاوره الرئيسية المتعلقة بالقضايا الأدبية والصناعات الثقافية والاتجاهات الفكرية والندوات المتخصصة وشؤون النشر ومشروعات الجمهورية الجديدة والتحول الرقمي والأمسيات الشعرية والإبداعات الفنية المتنوعة واحتفالية عميد الأدب العربي طه حسين وعروض الطفل والمهرج والأراجوز وغيرها، إلى جانب ورش العمل، وأنشطة دولة الأردن التي حلت كضيف شرف.
وقد زار المعرض، وفق التقدير الرسمي، حوالي 3.5 مليون فرد، وشهد للمرة الأولى بعض المبادرات الجديدة لتسويق الكتب، منها مبادرة "الثقافة والفن للجميع" للهيئة المصرية العامة للكتاب لبيع بعض الكتب بأسعار مخفضة تبدأ من جنيه واحد إلى 20 جنيهًا (الدولار الأميركي يساوي حوالي 30 جنيهاً مصريّاً)، ومبادرة "الكتب بالتقسيط" لاتحاد الناشرين، لبيع الكتب بالتقسيط على تسعة أشهر بدون فوائد، إلى جانب ما هو مألوف من إتاحة مكان مخصص لسور الأزبكية لبيع الكتب الرخيصة، وحرص معظم الناشرين على تقديم خصومات على إصداراتهم خلال فترة المعرض.
وبالرغم من هذا التفوق الكمي في عدد الفعّاليات المقامة والدول المشاركة، وبالرغم من زيادة عدد الزوار ومحاولات تحفيز الجمهور على شراء الكتب، فإن البرنامج الثقافي للمعرض الذي كان بصمته المميزة على مدار سنوات سابقة قد تعرّض للكثير من الانتقادات بخصوص أدائه الكيفي النوعي وإدارته التنظيمية. وكذلك، فإن مبيعات الكتب لم ترق إلى المستوى المأمول بسبب حالة التضخم وتعثر الحالة الاقتصادية لأغلبية الفئات المجتمعية، وهو الأمر الذي كان سبباً لإحجام بعض الناشرين عن حضور المعرض، لعجزهم عن تغطية تكاليف المشاركة في ظل كساد السوق.
تطرح الدورة الرابعة والخمسون لمعرض القاهرة الدولي للكتاب الكثير من التساؤلات، حول هوية المعرض الأعرق في المنطقة، وشخصيته الاعتبارية كملتقى فكري وثقافي حرص على مدار تاريخه على أن يكون منصة تنويرية، ومنبراً للتعبير الحر غير المشروط
ويعود تراجع البرنامج الفكري والثقافي للمعرض إلى كثرة الغيابات والاعتذارات من الأسماء الفاعلة والمهمة محليّاً وعربيّاً، وتضاؤل هامش الحرية وفرص طرح الآراء المتنوعة في الندوات واللقاءات الجماهيرية، وضعف الأداء التنظيمي حيث تأتي مثلاً أسماء المشاركين في بعض الفعاليات مختلفة عن الأسماء المعلن عنها في البرنامج الرسمي وفي مواعيد غير معروفة مسبقاً وما إلى ذلك.
وعبر هذا الاستطلاع الثقافي لـ"رصيف 22"، يستعرض مجموعة من المبدعين والنقاد والناشرين وجهات نظرهم حول أداء معرض القاهرة الدولي للكتاب في أحدث نسخه، من حيث كونه ملتقى فكريّاً وثقافيّاً من جهة، ومن حيث دوره التسويقي للكتب من جهة أخرى، وما إذا كان المعرض القاهري لا يزال يطل بوجهه المألوف وشخصيته التاريخية العريقة، أم أنه مثلما يرى منتقدوه قد راح يتراجع عن دوره وثقله ورصيده، ليرتدي ثوباً مختلفاً خفيفاً وهشّاً، كمكان للتشمّس والترفيه العائلي لطبقة الأثرياء، والتنزه بين ألعاب الأطفال ومطاعم السوشي والمأكولات الغالية؟!
فقدان البوصلة
ترى الشاعرة والكاتبة سهير المصادفة أنه مثل كل شيء في حياتنا الثقافية، تغير معرض القاهرة الدولي للكتاب كثيراً، حيث فقد في الآونة الأخيرة شخصيته وهويته الرائدة، وأصبح راكداً. وقد كان رواد المعرض ينتظرونه بشغف كل عام لأنهم سيلتقون بشعراء كبار وروائيين عالميين، ومحاور ثقافية وقضايا فكرية تهمهم للغاية، ويريدون المشاركة في مناقشتها ومحاولة فهمها.
سهير المصادفة
وإلى جوار المصريين استضاف المعرض في الماضي القريب نزار قباني ومحمود درويش وأدونيس والطيب صالح وإبراهيم الكوني، والحاصلين على جائزة نوبل للآداب، بل إنه استضاف "أورهان باموق" في العام نفسه الذي حصل فيه على الجائزة. وكانت هذه الفعاليات، وفق د.سهير المصادفة، تحظى بجماهير غفيرة محبة لتحصيل المعرفة الثقافية والسياسية والفكرية. ولم تكن الندوات والمحاور المقامة على هامش المعرض مجرد ندوات، بل كانت بوصلة للقارئ المبتدئ والمحترف، تفتح له آفاقاً للتفاعل الثقافي ولاقتناء الكتب التي تستحق القراءة، كما تفتح للكُتّاب فرصة لقاء جماهيرهم، وتفتح للناشرين آفاق اتجاهات ذائقة القراء. وتحولت آنذاك بعض الندوات إلى خارطة ثقافية لمستقبل صناعة الكتاب وآليات توزيعه ومقروئيته.
لا يزال معرض القاهرة الدولي للكتاب يحتاج إلى الكثير من الدعم والجهد ليستعيد بريقه كفعالية ثقافية كبرى لا كسوق كتاب، وهذا يتطلب العمل عليه طيلة العام والتفكير بشكل جدي في تحديث برنامجه الثقافي والفني
وتضيف د.سهير المصادفة "المدهش في الأمر أن جماهير الشباب من القراء لماحون كالعادة، فسرعان ما فهموا أن الندوات والأمسيات التي تقام الآن في المعرض منزوعة الدسم الفكري والثقافي وراكدة بسقفٍ رقابي عقيم لعناوين فعاليات مكرورة، فانصرفوا عنها، وأخذوا يعدّون لأنفسهم قوائم بأسماء الكتب التي يريدون اقتناءها. نعم قد نختلف مع هذه القوائم المُعدة سلفاً من خلال مجموعاتهم وصفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكنها تظل رد الفعل الوحيد والحرّ على تحجيم حرية التعبير، وفرض أسماء ومواضيع بعينها عليهم، ومحاولة توجيههم إلى محتوى قد لا يهمهم. ورغم الأزمة الاقتصادية فإن الشباب ما زالوا يقتنون الكتب، ونشاهد كل يوم تفاعلهم مع ما يطالعون، على مواقعهم الإلكترونية. وتظل المشكلة خاصة بصُناع الثقافة، وبالمحتوى الذي يتم تقديمه للقارئ".
دائرة جهنمية
ومن جهته، يشير الشاعر مؤمن سمير إلى أنه كان من الطبيعي والمحزن أن تدخل صناعة الكتب دائرة الغلاء الجهنمية التي أحاطت بكل أجزاء حياتنا، وضيقت تحركاتنا وحاصرتنا في مجرد الشكوى حيال أمر لا نملك القدرة على دفعه ولا جعله أقرب للتحمل. ويقول "صناعة الكتب صناعة تتكون من تفاصيل كثيرة، كلها للأسف خضع لزيادة الأسعار، بحيث أصبح المنتج وهو الكتاب عصيّاً على وصوله للقارئ، وذلك باستثناء مؤسسات الدولة الثقافية، التي مازالت تقدم منتجاً أقل سعراً.
مؤمن سمير
وأذكر أننا ونحن في بداية الشباب كنا نجتمع، خمسة أو ستة أشخاص يهتمون بالكتب، ونقوم باقتناء الكتاب بشكل جماعي لنقرأه بالترتيب، وأحياناً كنا نقابل أصحاب مكتبات يرتضون بفكرة أن يحصّلوا أثمان الكتب على دفعات، وهو ما تذكرته عندما علمت بمبادرات تقسيط ثمن الكتاب، التي أحزنتني في البداية لأنها تعبير مباشر عن أزمة خانقة تمتد لكل شيء، لكن في الحقيقة هي حل أقرب للواقع وأظنه سينجح بخاصة أننا الآن وبشكل لافت بتنا نعتمد على التعامل مع الإنترنت كسوق كبير".
سامح محجوب
وبحسب الشاعر والكاتب سامح محجوب، فإن معرض القاهرة الدولي للكتاب 2023 قد "بات يتعافى من الخراب الذي لحق به فى السنوات العشر الأخيرة على يد مجموعة من المديوكر استدعوا أصدقاءهم من المقاهي لتدمير أكبر فعالية ثقافية دولية فى الوطن العربي وربما فى الشرق الأوسط، وذلك لكسر مركزية مصر فى محيطها العربي لصالح مركزيات أخرى تملك لوجستيات ضخمة ليس من بينها العنصر البشري، الذي تتمتع به مصر، التي تنتج وحدها أضعاف ما تنتجه الدول العربية مجتمعة، ليس لأنها الأكبر من حيث تعداد السكان، لكن لأنها الأكبر تاريخاً وحضارة وإبداعاً".
مثل كل شيء في حياتنا الثقافية، تغير معرض القاهرة الدولي للكتاب كثيراً، حيث فقد في الآونة الأخيرة شخصيته وهويته الرائدة، وأصبح راكداً. وقد كان رواد المعرض ينتظرونه بشغف كل عام لأنهم سيلتقون بشعراء كبار وروائيين عالميين، ومحاور ثقافية وقضايا فكرية تهمهم للغاية
ويرى سامح محجوب أن معرض القاهرة الدولي للكتاب لا يزال يحتاج إلى الكثير من الدعم والجهد ليستعيد بريقه كفعالية ثقافية كبرى لا كسوق كتاب، وهذا يتطلب العمل عليه طيلة العام والتفكير بشكل جدي في تحديث برنامجه الثقافي والفني ليناسب ما يطرح يوميّاً على مستوى الكتاب كسلعة، والثقافة كدور وهوية. ويقول محجوب "أظن أن البرنامج الثقافي هذا العام قد تخلص إلى حد كبير من الترهل المفرط فى عدد الفعاليات وحجم المجالات، وأتمنى أن تتم إعادة هيكلة مؤسسة المعرض من جديد بداية من اختيار لجنته العليا مروراً بالقائمين عليه وصولاً إلى تحديد أهدافه وغايته وخطابه الثقافي".
غياب الشغف والحرية
وتلتقط خيط الحديث الكاتبة سعاد سليمان موضحة أن معرض القاهرة الدولي للكتاب "كان هو العيد والبهجة ومقابلة المبدعين الأصدقاء من كل الدول، وبعد نقله إلى منطقة التجمع الخامس النائية فإنه فقد حميميته، ورضينا بما تبقى منه. لكن في هذا العام، وأيضاً في العام السابق، فقدتُ الشغف تماماً بالذهاب إليه، وحتى الآن لا أصدق أنني لم أذهب للمعرض. ففي ظل الغلاء الفاحش، سألت نفسي: لماذا أذهب، وأسعار الكتب نارية، وأسعار المطاعم والمواصلات والخدمات فوق طاقتي واحتمالي؟! بالطبع حزينة لافتقادي الذهاب إلى معرض الكتاب بعد أكثر من عشرين سنة كنت أواظب فيها على الذهاب إليه، ويا لها من خسارة".
سعاد سليمان
وفي تدوينة صارخة له على صفحته بالفيسبوك، يشير الكاتب والباحث الدكتور عمّار علي حسن إلى الانتقائية وفرض الصوت الواحد وغياب التعددية عن معرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث يقول "لا أسعى إلى معرض القاهرة الدولي للكتاب منذ سنوات، وإن كنت أحض الشباب على الذهاب، وأفرح لأي نجاح يحققه، فهذا لمصر.
عمّار علي حسن
ومنذ سنوات، وكلما طرح أحدٌ اسمي لندوة بالمعرض، قامت جهات باستبعاده، وعرفت المؤسسات الثقافية هذا فاعتادت منعاً من المنبع".
النهوض بالنشر
وترى الكاتبة والناقدة الدكتورة ناهد راحيل أنه للعام الثاني على التوالي في معرض القاهرة الدولي للكتاب، يتكشف الاهتمام الواضح باستمرار البرنامج المهني ومؤتمر الترجمة الذي قدم خلال أيام المعرض عدداً من الورش التي تسهم في النهوض بصناعة النشر وحمايتها في ظل التطور الرقمي، وتهتم بمجال الترجمة وتساعد المترجمين في الحصول على حقوق النصوص المترجمة، وتقدم النماذج الناجحة في النشر الرقمي وفي أدب الأطفال، إلى جانب مناقشة الأطر القانونية لمعاملات دار النشر ومواردها المالية.
ناهد راحيل
وخلافاً للتوقعات التي سبقت أيام المعرض وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، وفق د.ناهد راحيل، فقد شهدت دور النشر المشاركة إقبالاً شديداً على مطبوعاتها من مختلف المحافظات والفئات العمرية، وساعدت دور النشر بشكل واضح في الاحتفاظ بجمهورها من خلال تقديم الخصومات على المؤلفات والأعمال الإبداعية طوال أيام المعرض، إلى جانب الإعلان عن بعض المبادرات التي واجهت دعوات المقاطعة قبل المعرض بسبب الحالة الاقتصادية السيئة وغلاء الأسعار.
نورا رشاد
وتعتبر الناشرة نورا رشاد، المديرة التنفيذية للدار المصرية اللبنانية، أن معرض القاهرة الدولي للكتاب مثمر ومفيد من الوجهة التسويقية وترويج الكتب وبيعها، لكن البرنامج الثقافي لم يعد يحظى بالحضور اللائق. وتشير إلى أن اهتمام دور النشر بالإصدارات الإلكترونية قد زاد كثيرًا خلال الفترة الماضية، وزادت مبيعات الكتب الرقمية نسبيّاً في المعرض، لكنْ في المحصلة فإن الكتب الورقية لا تزال لها الأفضلية بالنسبة لأغلبية القراء المصريين والعرب. وتوضح أن التزوير والقرصنة من أبرز العقبات التي تواجه الناشرين، داعية الدولة المصرية إلى تفعيل قوانين أكثر صرامة وردعاً ضد المزورين والقراصنة، الذين سرعان ما يستولون على الكتب الرائجة والأكثر مبيعاً.
رضا أحمد
وتشير الشاعرة رضا أحمد إلى أن معرض القاهرة الدولي للكتاب صار ملتقى للأسر والأهالي الذين يصطحبون أطفالهم بكثافات عالية، ويعتبرونه يوماً ترفيهيّاً للأبناء، إلى جانب مشاركتهم اختيار الكتب وزرع حب القراءة فيهم منذ الصغر لبناء شخصيتهم ومساعدتهم في التحصيل المعرفي والدراسي، والتعرف على العناوين المهمة والمؤلفين، والاستمتاع بأنشطة المعرض المتخصصة للأطفال التي تتمثل في الكتب والفرق الخاصة للترفيه والمهرج والأراجوز وورش الكتابة الإبداعية والحكي والرسم والتلوين، والتمتع بأماكن الألعاب وبيع المشروبات والأطعمة وغيرها.
وترى رضا أحمد أنه رغم أسعار الكتب المبالغ فيها بشكل يدعو للخوف من أن يصير الحصول على كتاب نوعاً من الرفاهية في معظم الدور حتى الحكومية، فقد كانت هناك مجهودات مشكورة من الهيئة العامة لقصور الثقافة في توفير عناوين مهمة ومؤلفات لطه حسين وآخرين وكذلك الروايات والشعر والمسرح العالمي بالإضافة إلى إبداعات أدبية عربية ومصرية متمثلة في سلاسل النشر المختلفة بأسعار مقبولة مدعومة، وكانت هناك كثافات مماثلة في الهيئة العامة المصرية للكتاب، بعكس الدور الأخرى التي شهدت نوعاً من الكساد قد يكسره في بعض الأوقات حضور الجمهور حفلات التوقيع بشكل بسيط أو في طوابير طويلة لمشاهير اليوتيوب والكتاب الجدد لأدب اليافعين وأدب الرعب!
الكتب كقيمة
وبحسب الناقدة والباحثة الدكتورة نانسي إبراهيم، فإن معرض القاهرة الدولي للكتاب يعد واحداً من أهم المعارض الدولية التي لا تقتصر المشاركة فيها على الكتب كسلعة، بل على الكتب كقيمة يذهب إليها الكبير والصغير، الباحث والمتخصص، ومن يذهب لحضور الأمسيات والندوات والملتقيات ليلتقي بكاتبه المفضل أو نجمه المفضل.
نانسي إبراهيم
وتقول إن المعرض "لا يقتصر على الثقافة الأدبية، بل يجمع الكثير من الفعاليات المختلفة المتنوعة التي تناسب كل الفئات العمرية، لاسيما الأطفال والشباب الذين أقبلوا إقبالا ملحوظاً هذا العام مثل الأعوام السابقة. وإذا كان البعض قد بث مخاوفه التي تتصل بسوء الأحوال الاقتصادية وارتفاع أسعار الورق والشحن والنقل في إطار التدهور الاقتصادي العالمي، فإن مصر قد أثبتت قدرتها على الصمود في وقت توقع فيه البعض تراجع نسب الإقبال والشراء، الأمر الذي يساعد صناعة النشر على الاستمرار والبقاء".
وتضيف د.ناسي إبراهيم "في رأيي المتواضع، فقد ضم المعرض الكثير من الفعاليات الجيدة، التي تبدأ منذ دخولنا ساحته بتناول القهوة من تلك العربة التي تقع في أوله، قهوة (فيبي)، الجميلة المثقفة المبدعة التي استطاعت أن تجعل من تلك العربة رمزاً يجمع بين الكتابة ومخالطة الكثير من الحكايات، مروراً ببعض الفعاليات الخارجية كالأغاني والرقص الفلكلوري على المسارح المختلفة وعرض بعض ما يميز ثقافتنا الفنية. أما قاعات النشر، فقد ضمت دور نشر عديدة من بلدان عربية مختلفة وقد استجد بعضها لتوسع دائرة الانتشار، مع غلاء الأسعار نسبياًّ، حيث تختلف قيمة الكتب الشرائية. ورغم أن نسب الحضور ليست دليلا قاطعاً على نسب القراءة والشراء، فإنها صورة فاعلة تدعو إلى التفاؤل لو افترضنا أن كل أسرة ستقتني كتاباً أو قصة أو صورة (أنيمشن) أو كتاباً دراسيّاً على الأقل، فهذا يعني أننا ما زلنا نذهب إلى مكان يجمع الكتب على اختلاف توجهاتها بنسبة تخفيض معقولة، وهذا ما تفعله كل دور النشر بخاصة الحكومية كالهيئة العامة للكتاب، والهيئة العامة لقصور الثقافة".
تطويع التكنولوجيا
وترى الناقدة الدكتورة نهلة راحيل أن معرض القاهرة الدولي للكتاب يعد الحدث الثقافي السنوي الأهم في مصر، الذي يتوافد عليه الباحثون والمثقفون والناشرون من معظم البلدان العربية، كلٌ حسب هدفه ووفق رغبته. ورغم غلاء الأسعار الذي طال صناعة الكتاب وتوزيعه، وبالتالي ضاعف من قيمته الشرائية، فإن معرض القاهرة في دورته الرابعة والخمسين قد شهد هذا العام إقبالا متزايداً من الرواد المنتمين لفئات عمرية مختلفة. وربما يكمن السبب وراء هذا الإقبال في وجود المبادرات التي قامت بها بعض دور النشر الخاصة حتى تسهل على القارئ مهمة الشراء، كالبيع بالتقسيط أو تقديم خصومات عند شراء عدد معين من الكتب، أو منح هدايا من إصدارات محددة تابعة للدار، بالإضافة إلى إجراء مسابقات يومية يحظى الفائز فيها بعدد كبير من الكتب المنشورة لدى الدار.
نهلة راحيل
كما ساعدت الدور الرسمية أيضاً الطلاب والباحثين بخصومات هائلة على الكتب الصادرة عن مؤسسات الدولة، وبطرح كتب مخفضة تبدأ من سعر خمسة جنيهات فقط، وكذلك بتثبيت أسعار بعض الإصدارات القديمة التابعة لسلاسل الكتب والمجلات بالهيئة المصرية العامة للكتاب.
وتختتم د.نهلة راحيل حديثها قائلة "لا شك في أن تطويع التكنولوجيا لخدمة الزائرين للمعرض، بداية من الحجز الإلكتروني لتذاكر الدخول مروراً بتفعيل تطبيقات مخصصة لمعرفة قاعات الناشرين وأماكن المكتبات داخل المعرض، وصولاً لإمكانية الدفع الإلكتروني وتسديد ثمن الشراء عبر الإنترنت أو خدمات شحن الكتب للمحافظات، قد أسهم في زيادة جذب الجمهور من رواد معرض القاهرة الدولي للكتاب. ولعل أهم ما ميز هذه الدورة من المعرض وجود أنشطة متعددة موجهة للطفل، تنوعت بين الرسم والتلوين والغناء، بالإضافة إلى ورش الحكي وسرد القصص ومتحف الطفل والأجنحة المخصصة بأكملها لكتب الأطفال وفق التصنيف العمري للمؤلفات. كما شهدت قاعات المعرض عدة فعاليات ثقافية وأنشطة فنية وترفيهية ضمن برنامج محدد على هامش المعرض. وقد حقق الماراثون الثقافي المصاحب للمعرض هذا العام نجاحا ملحوظا بعد التعافي من أزمة كورونا والعودة إلى ممارسة الأنشطة واقعيّاً".
أسامة جاد
ويتخيل الشاعر والكاتب أسامة جاد صورة لعملية زرع المخ الجراحية، قائلًا "الأمر يحتاج إلى بعض الوقت لكي تلتئم الأطراف، وتحدث الشرارة العصبية. وهذه الصورة شغلت بالي طوال رحلتي في معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام. وما أقصده، هو حالة الحذر المفرط تجاه تجربة إقامة معرض للكتاب في ظل الانفجار السعري غير المسبوق للكتاب. غير أن معرض الكتاب، في تصوري، يحمل قوة دفع ذاتية كونه عيداً في ذاته للثقافة المصرية، وفرصة كبيرة لتلاقي الأطياف الإبداعية والفكرية".
إلا أن أخطر ما في الأمر، كما يرى أسامة جاد، هو انزياح دور المعرض من عرض الكتاب إلى مجرد الإعلان عن وجوده مع افتقاده في صالات العرض. وقد حدث ذلك مع أعمال الشاعر الراحل حلمي سالم مثلاً، ضمن مشروع نشر أعماله الكاملة، وحدث مع د.أحمد مجاهد في كتابه "جماليات شعر العامية" عن هيئة قصور الثقافة، وعيرها من الحالات المتكررة. أما عن الندوات والفعاليات، فقد "كانت وظائفية إلى حد بعيد، ويمكن تقديرها بأنها أدت الغرض".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 4 أيامtester.whitebeard@gmail.com