أعلن اتحاد الناشرين المصريين عن استجابته إلى الفكرة المتداولة ببيع الكتب خلال فترة معرض القاهرة الدولي للكتاب بنظام الأقساط الشهرية.
وقال الاتحاد – المنظم للمعرض بالمشاركة مع الهيئة المصرية العامة للكتاب- في بيان، الإثنين، 16 يناير/ كانون الثاني الجاري، إنه جرى الاتفاق مع بنك مصر – واحد من ثلاثة بنوك حكومية كُبرى- على توفير ماكينات نقاط البيع للناشرين المشاركين ممن وافقوا على الانضمام للمبادرة، يمكن من خلالها لرواد المعرض شراء الكتب بنظام الأقساط المقسمة على تسعة أشهر، بنسبة خصم لصالح البنك تبلغ 1.5% من المبيعات.
تأتى استجابة اتحاد الناشرين لمقترحات التقسيط بعد انتشار دعوات لمقاطعة المعرض الذي يعد موسم المبيعات الأكبر للكتب في مصر، بسبب ارتفاع هائل في أسعار الكتب تصل إلى ضعفين أو ثلاثة أضعاف متوسط ثمن الكتب كما اعتادها القراء. ويأمل الناشرون المشاركون في المعرض من دور النشر المصرية أن تنقذ مبادرة التقسيط الدورة الـ54 من المعرض، المقرر إقامتها بين يومي 25 من الشهر الجاري و6 فبراير/ شباط المقبل، تحت شعار "على اسم مصر... معا: نقرأ، نفكر، نبدع".
واختير الأردن ضيفاً للشرف في دورة معرض القاهرة للكتاب هذا العام، كما اختير اسم الشاعر والفنان متعدد المواهب الراحل صلاح جاهين شخصية العام.
يشكو محبو القراءة في مصر منذ سنوات من ارتفاع كبير في أسعار الكتب، وتراجع الدعم المقدم لمشاريع النشر الحكومية، ولجوء بعضها إلى تسعير الكتب "تجارياً"، في إشارة إلى الهيئة المصرية العامة للكتاب والمركز القومي للترجمة
غلاء بعضه مُبرَّر
تمر مصر مند نهاية العام 2021 بأزمة في توفير العملات الأجنبية، نتيجة ارتفاع إنفاقها مقابل دخلها من تلك العملات، انعكاساً لتراكم مشكلات هيكلية يعانيها الاقتصاد، فاقمتها السياسيات الاقتصادية التي اتبعتها الدولة خلال السنوات الثماني الأخيرة، بحسب بيان لجنة خبراء صندوق النقد الدولي المعلن في 10 يناير/ كانون الثاني الجاري.
ودفع شح العملة الأجنبية إلى اتخاذ عدة قرارات أدت عملياً إلى وقف استيراد العديد من المستلزمات، من بينها أوراق الطباعة والأحبار وغيرها من مستلزمات صناعة النشر، كما تحرى رصيف22 في تحقيق سابق، توقع فيه ناشرون تحدثوا إلينا أن يتأثر معرض القاهرة للكتاب بأزمة نقص الأوراق والأحبار وغلائهما.
ويشكو محبو القراءة في مصر منذ سنوات من ارتفاع كبير في أسعار الكتب، وتراجع الدعم المقدم لمشاريع النشر الحكومية، ولجوء بعضها إلى تسعير الكتب "تجارياً" في إشارة إلى الهيئة المصرية العامة للكتاب والمركز القومي للترجمة. فيما صار سعر الكتاب الصادر عن أي من دور النشر الخاصة يتجاوز أحياناً 25% من قيمة الحد الأدنى للأجور البالغ 3000 جنيه (100 دولار)، وذلك كله قبل موجات الخفض المتلاحقة التي طالت العملة المحلية في العام الأخير لتفقد 50% من قيمتها أمام الدولار خلال 12 شهراً، ما ينذر بارتفاع هائل في أسعار الكُتب مقارنة بمدخول محبي القراءة.
في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلنت الهيئة العامة للكتاب عن زيادة قدرها 12.5% في بدل إيجار الأجنحة للدور والكيانات المشاركة في معرض الكتاب، لكن ردود فعل أعضاء اتحاد الناشرين المصريين واتحاد الناشرين العرب، دفعها للتراجع عن القرار في ديسمبر/ كانون الأول
محاولات إنقاذ
مع انطلاق شرارة دعوات المقاطعة لارتفاع أسعار الكتب، حاول البعض أن يطفئوها في مهدها، ومنهم الكاتب الصحافي سيد محمود الذي كان دعا عبر صفحته في فيسبوك إلى إيجاد حلول عملية لإنقاذ المعرض: "أي كلام عن مقاطعة المعرض في ظل الأزمة الاقتصادية الموجودة كارثة، ومش موقف. وأي نتيجة له هتضاعف من خسائر الناشرين، ومش هتجيب لك كتاب بسعر أقل".
وتابع موجهاً حديثه للقراء: "روح واشتري كتاب واحد أو اتنين بدلاً من 3 كتب أو 4، واعمل تبادل لعناوين معينة مع أصحابك زي ما كنا بنعمل زمان. جمال الكتاب إنه يدور بين أكثر من إيد. ساعد الناشر والمؤلف على تخطي الأيام الصعبة دي. لو مش هيكسب يبقى بلاش يخسر. مش صحيح ان كل الناس اللي في صناعة النشر جشعين، لأن كل دول فاتحين بيوت ناس كتير بتشتغل معاهم، لأن النشر مش تأليف وبست سيلر أوترجمات وسفر وخلاص، دا مطابع ومصححين ومصممي أغلفة وعمال نقل وخلافه... التضامن مدخلنا الوحيد للنجاة من اللي احنا فيه".
زيادة إيجار الأجنحة ليست عائقاً
في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلنت الهيئة العامة للكتاب عن زيادة قدرها 12.5% في بدل إيجار الأجنحة للدور والكيانات المشاركة في معرض الكتاب، لكن ردود فعل أعضاء اتحاد الناشرين المصريين واتحاد الناشرين العرب، دفعها للتراجع عن القرار في ديسمبر/ كانون الأول، لتعلن عن خض لاسعار الإيجارات. وأعلن الدكتور أحمد بهي الدين العساسي، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، أن اللجنة العليا قررت تخفيض الزيادة التي كانت قد أقرت من قبل بالنسبة للناشرين العرب المشاركين في المعرض، لتكون 2% بدلًا من 5%، وبالنسبة للناشرين المصريين 5% بدلًا من 12.5 %.
صناعة النشر تشهد تغيرات كثيرة، فهناك دور نشر تواجه ظروفاً مادية صعبة بسبب ارتفاع أسعار الورق ومواد الإنتاج، وهناك ناشرون خرجوا من السوق وآخرون غير قادرين علي إكمال الطريق
سرعان ما تراجعت اللجنة العليا لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، وقررت تخفيض أسعار إيجار أجنحة دور النشر في الدورة الـ54 للمعرض بناءً على طلب وزيرة الثقافة الدكتورة نيفين الكيلاني.
وبعد التخفيض لم تعد الإيجارات تمثل عائقاً أمام مشاركة الناشرين كما يؤكد سعيد عبده رئيس اتحاد الناشرين المصريين لرصيف22.
ويرى عبده أن اتحاد الناشرين حاول تقديم تسهيلات للناشرين لدفعهم لمشاركة في معرض الكتاب، "أصبح بإمكان دور النشر الناشئة التي لا تمتلك عدداً من العناوين يتيح لها المشاركة في جناح منفرد، أن تشارك ضمن جناح كبير تبلغ مساحته 36 متراً يحمل اسم اتحاد الناشرين وستشارك فيه 16 من دور النشر الصغيرة والناشئة".
ويلفت عبده إلى أن صناعة النشر تشهد تغيرات كثيرة، فهناك دور نشر تواجه ظروفاً مادية صعبة بسبب ارتفاع أسعار الورق ومواد الإنتاج، "هناك ناشرون خرجوا من السوق وآخرون غير قادرين علي إكمال الطريق".
كتب بالتقسيط وأخرى مخفّضة
بحسب قول رئيس اتحاد الناشرين المصريين لرصيف22، يواجه الناشرون في مصر أزمة تتجدد يومياً بسبب الأسعار: "أسعار الورق مثل بورصة يومية، السعر يختلف كل ساعة ويتغير في موعد التسليم".
ويعيش السوق المصري حالة من اضطراب التسعير نتيجة لتسارع التضخم الذي قفز خلال ثلاثة أشهر من 15% في سبتمبر/ أيلول الماضي، إلى 21.3% في ديسمبر/ كانون الأول المنقضي. فيما تقدره تحليلات ستيف هانيكي أستاذ الاقتصاد التطبيقي في جامعة جونز هوبكينز بنسبة 101% على أساس سنوي.
زياد عبد المجيد: على الرغم من عمل الدار منذ 12 عاماً في مجال النشر، لم تستطع الإعلان عن خطط أسعارها للكتب، واكتفت بالإعلان عن الإصدارات الجديدة، نظراً لارتفاع سعر الورق أربعة أضعاف، مما أوقعنا في أزمة تسعير
وضعت التقلبات السعرية التي تظهر في تغير أسعار السلع من يوم إلى آخر وأحياناً أكثر من مرة في اليوم الواحد، الناشرين في "كارثة...الناشر بات لا يستطيع أن يضع ميزانية واضحة قبل أن يدخل أي مناقصة مع هيئة حكومية ليطبع لها، لأن الأسعار متغيرة بشكل كبير، ليس بسبب الدولار فقط ولكن أيضاً بسبب المستوردين الذي من بينهم مستغلون للأزمات"، بحسب رشاد عبده، رئيس اتحاد الناشرين.
ووفقاً لعبده، ينتظر أن يتضمن المعرض تخفيضات على الكتب، تقدمها دار المعارف وهيئات وزارة الثقافة، وخصماً لذوي الاحتياجات الخاصة يصل إلى 30% وخصومات عامة من 20% إلى 70%.
صعوبة تسعير الكتاب
يواجه الناشرون تحدياً مع ارتفاع مدخلات إنتاج الكتاب في وضع أسعار مناسبة تضمن تغطية التكاليف وتحقيق الربح والبقاء في نطاق قدرة القراء على الشراء، وفقاً للناشر زياد عبد المجيد مدير دار بيت الياسمين للنشر.
يوضح زياد لرصيف22 أنه على الرغم من عمل الدار منذ 12 عاماً في مجال النشر، لم تستطع الإعلان عن خطط أسعارها للكتب، واكتفت بالإعلان عن الإصدارات الجديدة، نظراً لارتفاع سعر الورق أربعة أضعاف، مما أوقعه كناشر في أزمة التسعير. لافتاً إلى أن سعر الكتاب من 160 صفحة كان 60 جنيهاً، الآن بعد الأسعار الجديدة يصل سعره إلى 240 جنيهاً، وهو رقم لا يقدر "القارئ العادي" عليه.
ويرى عبد المجيد أن دعوات مقاطعة معرض الكتاب "زوبعة في فنجان" وأن المثقف الحقيقي والقاريء الحقيقي يعرفان أهمية المعرض، متهماً الداعين لها بأنهم "غير واعين وغير مؤثرين... الزيادة ليست من الناشر؛ ولكنها مما يحدث في البلد. كناشر أتمنى أن أبيع الكتاب بعشرين جنيهاً فقط مع ضمان مكسبي".
وأكد أن الناشرين المصريين رفضوا رفع سعر الإصدارات ما قبل 2022 لعدم استغلال القراء.
محاولات فردية للتغلب علي الأسعار
الدكتور عاطف عبيد، مدير دار بتانة للنشر والتوزيع، يلفت إلى طبيعة "المكون الدولاري" للورق، "الناشر لن يرفع نسبة تسعيرته المعتادة للكتاب، لكن سعر المواد الخام هو الذي ارتفع، وخاصة الورق الذي زاد ثلاثة أضعاف بعد أن كان الطن من 4 سنوات بثمانية آلاف جنيه أصبح بـ65 ألف جنيه، بجانب الأحبار والعمالة وباقي مدخلات الإنتاج وبالتالي سعر الكتاب سيزيد".
وأكد عبيد أن "بتانة" تسعى لحل معضلة السعر بشكل منفرد عن طريق إلغاء فكرة الوسيط أو الموزع الذي كان يحصل على 40 % وأكثر من نسبة الربح، وسيكون البيع من خلال المقر بشكل مباشر وفي الجناح الخاص بالدار في معرض الكتاب، أو عبر البيع الإلكتروني، مما يوفر نسبة الموزع التي يمكن أن تتقاسمها الدار مع القارئ.
وأشار أيضاً إلى أن فرق بدل إيجار الجناح بمعرض الكتاب هذا العام عن العام الماضي "ليس كبيراً".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...