شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
العقوبات لم تُرفع عن سوريا... كلّ ما تريد معرفته عن

العقوبات لم تُرفع عن سوريا... كلّ ما تريد معرفته عن "الرخصة الاستثنائية"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 10 فبراير 202305:31 م

يوم أمس الخميس، في 9 شباط/ فبراير الجاري، أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية "أوفاك"، الترخيص السوري لعام 2023، والذي يسمح لمدة 180 يوماً، بجميع المعاملات المتعلقة بالإغاثة من الزلزال، التي كانت محظورةً بموجب لوائح العقوبات المفروضة على سوريا.

وتعود العقوبات الأمريكية والغربية المفروضة على سوريا إلى العام 2011، عندما أصدر الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، في 29 نيسان/ أبريل 2011، أمراً تنفيذياً بفرض عقوبات جديدة على سوريا، وسّع فيه العقوبات المفروضة عليها بموجب القرارات المتخذة في أيار/ مايو 2004، في إطار ما سُمّي حينها "قانون محاسبة سوريا"، وكذلك القرار المتخذ في نيسان/ أبريل 2006، والقرار التنفيذي في شباط/ فبراير 2008.

العقوبات التي فُرضت في 2011 شملت شركة تسويق النفط السورية "سادكوب"، والشركة السورية للنفط، وتجميد كل الأصول السورية الموجودة في الولايات المتحدة أو التي تقع تحت طائلة الاختصاص القضائي الأمريكي، فحظرت الاستثمارات والخدمات الأمريكية في سوريا، واستيراد المنتجات النفطية السورية، بالإضافة إلى صادرات وواردات السلع والمعدات الطبية والأدوية والمواد الكيميائية والتجهيزات والمعدات الإلكترونية بما فيها الحواسب والبرمجيات، وتنمية الموارد النفطية وبيع المشتقات النفطية، والطائرات ومحركاتها وقطع غيارها.

وفي كانون الأول/ ديسمبر من العام 2019، وقّع الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، عقوبات جديدةً على سوريا عُرفت باسم "قانون قيصر"، والذي نص على فرض عقوبات اقتصادية وقانونيةٍ على 39 شخصيةً سوريةً، على رأسها بشّار الأسد وزوجته أسماء، بالإضافة إلى شخصيات حكومية أخرى، كما يطال القانون بالعقوبات أي شخص غير سوري يتعاون مع النظام السوري في مشاريعه الحربية أو السلمية، أو يقدّم أي شكل من أشكال الدعم له.

يشير قانون قيصر إلى إيران وروسيا والصين بشكل خاص، لتعاون هذه الدول مع النظام السوري

ويشير القانون إلى إيران وروسيا والصين بشكل خاص، لتعاون هذه الدول مع النظام السوري، وتتضمن عقوبات "قيصر" الحجز على أي ممتلكات داخل الأراضي الأمريكية لأي شخصية من الشخصيات الـ39 السورية وأي شخص آخر يتعاون معها، كما ينص على منع الحصول على تأشيرة دخول للأراضي الأمريكية، كما يمنع أي شخص من التعاون مع شركات أو كيانات تساهم في تمويل الحرب في سوريا أو تساهم في مشروعات إعادة الإعمار.

النائب الأول لوزير الخزانة الأمريكي، أديوال أدييمو، قال أمس: "في الوقت الذي يتحرك فيه الحلفاء الأجانب والشركاء الإنسانيون لمساعدة المتضررين، أريد أن أوضح أن العقوبات الأمريكية على سوريا، لن تعرقل الجهود المبذولة لإنقاذ حياة السوريين"، مضيفاً أن "العقوبات كانت تنطوي في السابق على عدد من الاستثناءات المتعلقة بتقديم المساعدة الإنسانية من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية".

يثير هذا القرار عدداً من التساؤلات حول كيفية عمل العقوبات على سوريا، وتأثيرها على السوريين، وتأثيرها بعد الزلزال وما إذا كانت تمنع المساعدات أم لا، ومعنى رفعها في هذا الوقت، ومدى استفادة النظام السوري منها عسكرياً وأمنياً.

آليات العقوبات

تستهدف العقوبات المفروضة على سوريا من حيث المبدأ، النظام السوري، وتسمّى "العقوبات الموجهة"، وتهدف إلى التضييق على النظام سياسياً ودفاعياً، وتستهدف التوريدات العسكرية والموارد النفطية والنظام المالي.

القانون الأقوى في العقوبات هو قانون قيصر، ولكنه كبقية العقوبات لا يشمل المساعدات الإنسانية، وهو يعاقب أي جهة تتعامل مع النظام السوري أو من النظام السوري ضمن قائمة من الأسماء تصدرها الخزانة الأمريكية، وتقوم بتجديدها وتحديثها من خلال إضافة أسماء إليها باستمرار.

لكن النقطة المهمة في العقوبات بشكل عام وقانون قيصر، هي البيروقراطية الناتجة عنهما، والتي تظهر بشكل خاص في القطاع المصرفي والبنوك الوسيطة وشركات تحويل الأموال وشركات تدقيق الأموال، والشركات الخاصة بودائع عمليات الاستيراد والتصدير، وهذه البيروقراطية تسبب البطء في أي معاملة مالية تحمل اسم سوريا، سواء كانت من النظام السوري أو أي منظمة أو جمعية سورية، حتى الخاصة منها.

حتى لو كانت العقوبات موجهة إلى النظام السوري ومن يتعاون معه، إلا أنها تُؤدي إلى نوع من البيروقراطية تنعكس على الشعب السوري في كثر من الأحيان... كيف؟

لكن هناك استثناءات يمكن التقدم إليها بشكل مباشر إلى وزارة الخزانة الأمرىكية، عبر مكتب مراقبة الأصول الخارجية "أوفاك"، وهذه الاستثناءات تحتاج إلى وقت طويل للبت فيها، يتراوح ما بين أسبوعين إلى 3 أشهر في بعض الحالات.

يشير المدير التنفيذي لمؤسسة بيتنا، أسعد العشي، خلال حديثه لرصيف22، إلى أن "آليات العقوبات الأمريكية على سوريا تبدأ من حجز الأموال الخاصة بالأشخاص والمؤسسات المستهدفة، وصولاً إلى منع التبرعات لهذه الجهات، ومنع إيصال أي مواد وخدمات أمريكية أو أي مواد يوجد فيها أكثر من 10 في المئة من التكنولوجيا الأمريكية، ومنع أي استثمار أمريكي في سوريا، ومنع استيراد النفط السوري من قبل أمريكا وتوريد النفط الأمريكي إلى سوريا، ومنع أي شركة ترسو سفنها في الموانىء الأمريكية من نقل النفط السوري أو نقل النفط إلى سوريا".

ومن أهم المؤسسات السورية المعاقَبة، بحسب العشي، البنك المركزي السوري، و"هذا ما سبب شللاً للقطاع المصرفي السوري بشكل كامل وإيقاف الحوالات البنيكة من خارج سوريا إلى داخلها أو العكس، بسبب ارتباطها بنظام ‘سويفت’، لذلك لم تعد البنوك السورية قادرةً على استلام أي حوالات خارجية".

من جهته يشير رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية، بول مرقص، في حديثه لرصيف22، إلى أن "قانون قيصر أجاز للرئيس الأمريكي بموجب الفقرة ‘ج’ منه، التنازل عن تطبيق أحكامه على المنظمات غير الحكومية التي تقدم المساعدات الإنسانية للشعب السوري‬ وذلك لفترات قابلة للتجديد لا تتجاوز سنتين، على أن يكون هذا التنازل مهماً لتلبية الحاجة الإنسانية التي من أجلها أُعطي، وأن يكون متسقاً مع مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة".

كما ينص قانون قيصر، على أنه في موعد لا يتجاوز الـ90 يوماً من تاريخ إصدار التنازل المعطى لتلبية حاجات إنسانية من قبل الرئيس، وكل 180 يوماً بعد ذلك، يظلّ التنازل ساري المفعول، وعلى الرئيس الأمريكي أن يقوم بإطلاع لجان الكونغرس المناسبة على ملخص عن الأسباب التي تدعو لإبقاء التنازل الإنساني سارياً، بحسب مرقص.

قبل الزلزال وبعده

النظام في سوريا بشكل عام هو نظام مركزي، لذا فإن جميع الأمور المالية والعمليات المتعلّقة بالاستيراد والتصدير تُدار بشكل مركزي، ولا توجد حرية في الأسواق والقطاع الخاص ضعيف جداً في الاستيراد والتصدير، ويحتاج إلى موافقات حكومية مع وضع ودائع بنكية بالعملات الأجنبية.

من هنا، فإن تأثير العقوبات يرتبط بكيفية إدارة النظام السوري للقطاع المالي، وهو ما يؤثر سلباً على الشعب السوري، ويظهر ذلك بشكل واضح في الاستيراد والتصدير، إذ يحصر النظام هذه العمليات بيد فئة معيّنة، وهي الدائرة المحيطة به من رجال الأعمال، وهنا يقوم نظام العقوبات بالتحقيق في خلفية هؤلاء الأشخاص وما إذا كانوا مدرجين على قوائم العقوبات أم لا، ومدى ارتباطهم بالنظام السوري وما يرتكبه من انتهاكات وتجاوزات وعملية التحقيق تحتاج إلى وقت طويل نسبياً، وهذا ما يعود بالأثر السلبي على السوريين.

أما بعد وقوع الزلزال، فإن الاستجابة لآثاره لا بد أن تكون سريعةً، أي خلال أيام قليلة جداً، ويجب القفز على البيروقراطية، فمثلاً يجب أن يكون هناك تحويل أموال من دون اللجوء إلى الحصول على ترخيص من وزارة الخزانة الأمريكية، وهنا لا بد من التفريق بين المساعدات الإنسانية ونوعها، وما إذا كانت تشمل أدوات كمولدات الكهرباء، ومعدات المشافي، وآليات الإنقاذ، فإذا استطاعت شركة خاصة إثبات أنها ذاهبة إلى جهود المساعدة الإنسانية، تقوم وزارة الخزانة الأمريكية بمنح ترخيص لإدخالها، لكن هذا الترخيص قد يحتاج إلى نحو شهرين لحين الحصول عليه.

جميع برامج العقوبات يأتي من ضمنها ما يُعرف بـ"الاستثناءات الإنسانية"، وهذه الاستثناءات تسمح بدخول المواد إلى سوريا

العشي يرى أن هناك "تأثيرين أساسيين للعقوبات على السوريين، الأول يرتبط بالحوالات المالية والقدرة على القيام بها سواء من خارج سوريا إلى داخلها أو العكس، مما يؤثر على التجارة والاستيراد والتصدير، والثاني توفير المحروقات وقدرة الدولة السورية أو القطاع الخاص على استيراد المحروقات وإيجاد شركات نقل من أجل نقل النفط إلى سوريا، أو تصدير النفط من سوريا والمتوقف أصلاً بسبب سيطرة قوات سوريا الديمقراطية ‘قسد’ على معظم آبار النفط".

من جانب آخر، فإن جميع برامج العقوبات يأتي من ضمنها ما يُعرف بـ"الاستثناءات الإنسانية"، وهذه الاستثناءات تسمح بدخول المواد إلى سوريا، لكن العقوبات عملياً تؤثر على الاستجابة المباشرة لآثار الزلزال، فهي تعقّد استيراد المحروقات ولا تمنعها لأن هذه العملية تحتاج إلى تقديم طلب إلى الخزانة الأميركية وانتظار الموافقة وهو ما يحتاج إلى وقت طويل أحياناً.

أيضاً، فإن استيراد الآليات نفسها والخاصة بإزالة الأنقاض تحتاج إلى رخصة من الخزانة الأميركية، وهذه جوهر العملية البيروقراطية التي تعرقل الاستجابة، لكن غير هذه الأمور لم يكن هناك أثر مباشر للعقوبات على النواحي الإنسانية بعد وقوع الزلزال، ولم يكن هناك ما يمنع دخول فرق الإنقاذ مع معداتها وآلياتها للمساهمة في عمليات الإنقاذ.

آثار القرار الأمريكي

جاء قرار وزارة الخزانة الأمريكية في صفحة واحدة لا تحتوي أي آليات للتنفيذ، ولا بد من الانتظار لمعرفة كيفية استجابة البنوك الوسيطة وشركات تحويل الأموال للقرار، وهذا قد يحتاج إلى بعض الوقت، لكن من حيث المبدأ، فإن القرار سوف يسهّل عمليات الاستيراد والتصدير، وعمليات إرسال الأموال القادمة من خارج سوريا إلى داخلها والتقليل من البيروقراطية وهذه أهم نقطة إيجابية في القرار.

كذلك، من الممكن والمرجح أن يستغل النظام السوري القرار، لكن بشكل غير مباشر عن طريق رجال الأعمال التابعين له، والذين يمكن أن يتمكنوا من استيراد المعدات التي إذا تم استخدامها لاحقاً في العمليات العسكرية والأمنية فمن الصعب مراقبتها.

من جانب آخر، وبالرغم من مخاطر هذه الرخصة الأمريكية لناحية استفادة النظام السوري، لكن القرار جاء بناءً على أن وزارة الخزانة يمكن أن تقبل المخاطر في سبيل الاستجابة لتداعيات الزلزال على السوريين، كما يقول مطلعون على القرار.

أيضاً، من المهم التركيز على أن العقوبات تؤثر بشكل كبير على القطاع المصرفي، والمقصود هنا البنوك الوسيطة وشركات تحويل الأموال، فالعقوبات تزيد من العملية البيروقراطية في تحويل الأموال، وهذا ما يؤثر على الشعب السوري بشكل سلبي، لكن الرخصة الأمريكية تقلّل من هذه البيروقراطية إلى حد كبير.

من الممكن والمرجح أن يستغل النظام السوري القرار، لكن بشكل غير مباشر عن طريق رجال الأعمال التابعين له، الذين قد يتمكنوا من استيراد المعدات التي إذا تم استخدامها لاحقاً في العمليات العسكرية والأمنية فمن الصعب مراقبتها

العشي يبيّن أن وزارة الخزانة الأمريكية لم تقم برفع العقوبات المفروضة على سوريا، إنما ما تم هو إصدار رخصة عامة تجيز بعض المعاملات التي كان يصعب القيام بها بسبب العقوبات وأهمها إلغاء طلب الرخصة أو الإذن من الخزانة الأمريكية، ولكن هذه الرخصة محددة بـ180 يوماً فقط.

بناءً على هذه الرخصة، يمكن للنظام السوري أو أي مؤسسة تريد استيراد النفط أو الآليات أو المعدات لأسباب تتعلق بالزلزال أن تقوم بذلك من دون الحاجة إلى طلب رخصة من الخزانة، وينطبق الأمر أيضاً على الشركات الناقلة للنفط وناقلات النفط، بحسب الخبير الاقتصادي.

النقطة الأخيرة التي يتحدث عنها العشي، ترتبط بالحوالات المالية، وهذه هي النقطة الأقل وضوحاً، حيث تم السماح بالحوالات المالية بشكل كامل بما يخص الاستجابة للزلزال، لكن كيف ستصل هذه الحوالات؟ وكيف سيتم توظيفها من أجل تداعيات الزلزال؟ هذا الأمر لا يزال مبهماً حتى الآن، كما أن هناك تخوفاً من أن تذهب هذه الأموال إلى جهات كالهلال الأحمر السوري، أو الأمانة العامة للتنمية، أو للمؤسسات الحكومية المختلفة وتتم سرقتها أو يتم استخدامها كأداة للعقاب الجماعي للسوريين من خلال توظيف قسم منها، لإنقاذ قسم من السوريين وترك قسم آخر بلا أي مساعدة، كما أنه من غير الواضح حتى الآن كيف ستكون آليات الرقابة على هذه الأموال؟

في المحصلة، ما حصل هو بمثابة رخصة عامة أمريكية تجيز بعض المعاملات التي كانت متوقفةً على موافقة وزارة الخزانة، وليس رفعاً للعقوبات كما يتم التداول، وهذه الرخصة محددة بمدة معيّنة وبموضوع معيّن هو الزلزال والاستجابة لآثاره، في الوقت الذي لا تزال العملية برمتها غير واضحة وتحتاج إلى مزيد من الوقت للكشف عن آلياتها والرقابة عليها.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard