إن كنت من سكان الشرق الأوسط، فلا بد أنك شعرت بالهزة الأرضية العنيفة التي تلت زلزالاً قوياً ضرب المنطقة. وإن كنت من سكان تركيا مركز الزلزال، فمؤكد أن شعورك بالخطر كان أكبر.
في الساعة 4.16 د فجر اليوم الإثنين، 6 شباط/ فبراير 2023، ضرب تركيا زلزال بقوة 7.9 درجات على مقياس ريختر بحسب المركز الأمريكي لرصد الزلازل، ومركزه في منطقة بازارجيك في محافظة كهرمان مرعش، جنوب شرق تركيا، وامتد إلى كل مناطق الجنوب، ووصل إلى مناطق سورية متعددة من الشمال إلى الجنوب.
هذا وقد رُفعت حالة الإنذار إلى المستوى الرابع في تركيا، وهو مستوى يتضمن طلب المساعدة الدولية. أما البلدان المتضررة الأخرى فهي سوريا، لبنان، فلسطين، الأردن، جورجيا، أرمينيا، والمملكة المتحدة.
الخسائر البشرية كبيرة جداً، مع إحصاء إلى غاية كتابة هذا التقرير أكثر من 1000 قتيل، وما يقارب 10 آلاف جريح وآلاف المباني التي وقعت، وتعمل فرق الإنقاذ في كل المناطق المنكوبة على رفع الأنقاض ومحاولة الوصول إلى الجرحى والضحايا الذين لا يزالون تحت الردم.
وأعلنت غالبية دول العالم عن استعدادها لإرسال فرق الإنقاذ والمساعدات اللازمة إلى المناطق المنكوبة في كل من تركيا وسوريا.
على خط الزلازل
كأي حدث جيولوجي، هناك متخصصون يبحثون ويصنفون من أجل فتح مجال المعرفة أمام الجميع، وقد تمّ تحديد خطوط الزلازل في العالم، وتبيان المناطق المعرّضة لحدوث زلازل وهزات أرضية أكثر من غيرها، لكن ماذا عن منطقة الشرق الأوسط؟
حزام الأخدود الإفريقي الشرقي، الممتد من سوريا ولبنان وفلسطين والأردن وتركيا إلى إثيوبيا والكونغو، هو خط تكثر فيه الزلازل
حزام الأخدود الإفريقي الشرقي، الممتد من سوريا ولبنان وفلسطين والأردن وتركيا إلى جبال البحر الأحمر حتى إثيوبيا والكونغو، هو خط تكثر فيه الزلازل.
وعالمياً، هناك ثلاثة أحزمة أخرى: حزام زلازل جبال الألب، وحزام المحيط الأطلسي، أما الأخطر على الإطلاق فهو حزام المحيط الهادي، المتسبب بثلاثة أرباع ما يقع من زلازل في العالم، ويمرّ من اليابان إلى سواحل الولايات المتحدة الأمريكية.
كفّة الحسنات
حين نذكر أي كارثة طبيعية، نعرّج دائماً على الأضرار التدميرية طبعاً وعلى ما وقع من ضحايا، لكن الكوارث الطبيعية ليست بالشرّ المطلق، فالزلازل على سبيل المثال برغم قوّتها التدميرية خلال ثوانٍ، تمدّ الأرض بفوائد ربما تستمر إلى مئات السنين.
فبحسب عالم الجيولوجيا الأمريكي فردريك هـ. بو، والذي تحدث في كتابه "البراكين والزلازل" عن أهمية الزلازل، فإن الأنهار والينابيع ما هي إلا ظواهر ثانوية تحدث نتيجة أعراض أكثر أهميةً، وتلك الأحداث تحفظ لنا قاراتنا، في حين تبقى البحار والمحيطات منخفضةً، فالزلازل تبني الجبال باستمرار، لتبقى صامدةً في حربها الضروس مع الأمطار والثلوج والصقيع التي تحاول كسر قممها ومساواتها مع سطح البحر.
تلك القوى الخفية هي ما يسمى بحركات القشرة الأرضية.
السيزمو والتي تعني الزلزال باليونانية، لو أنك تتابع ما ترصده آلات السيزموجراف تلك لامتلأت رعباً، فتلك الآلة ترصد أضعف الهزات والتي قد لا نشعر بمعظمها وصولاً إلى أقواها شدّةً والتي من شأنها تدمير مدن بالكامل.
وبحسب فريديريك فإن 150 ألف هزة يمكن الإحساس بها في المناطق الآهلة سنوياً، وإذا ما أحصيناها كلّها، حتى الصغيرة منها؛ فقد يزيد عددها على مليون هزة في السنة الواحدة. وبهذا تكون أرضنا فعلياً مصابة بداء الهزّات.
الهروب لا يُساعد
هل يجب أن نهرب؟ الجواب الأصحّ؛ لا يمكننا فعل ذلك، فبالرغم من القوة العلمية الهائلة التي سعى إليها الإنسان الحديث ونال منها ما نال، وقف عاجزاً مع آلات التكنولوجيا التي حاول ابتكارها أمام الزلزال، فالبركان يمكن التنبؤ بثورانه قبل فترة، أما الزلزال وخصوصاً التي من دون سابق إنذار منها، فتضرب عنيفاً وبشكل مفاجئ.
ما توصل إليه العلم من أجهزة، يمكن أن تتنبأ بضيفنا الثقيل قبل نصف دقيقة ليس أكثر، وقد يسمع الأناس القريبون من مركزه صوت طرقطة تعقبه هزّات إلى الأمام والخلف أو حركات تشبه موج البحر، وهنا يشعر المرء بنفسه وكأنه فريسة لدوار البحر، وبأن الأرض ليست ثابتةً بما يكفي كي يمشي عليها، وقد تتساقط الأشياء من على المكتب والإضاءة المتدلية من الأسقف إن لم تكن مثبتةً بما يكفي.
هل يجب أن نهرب؟ الجواب الأصحّ؛ لا يمكننا فعل ذلك، فبالرغم من القوة العلمية الهائلة التي سعى إليها الإنسان الحديث ونال منها ما نال، وقف عاجزاً مع آلات التكنولوجيا التي حاول ابتكارها أمام الزلزال
الطوابق السفلية تحمل الهزات واضحةً لقاطنيها، وقد يشعر الإنسان وكأن الجدران تتحرك من مكانها، أما الطوابق العلوية فتكون الحركة فيها أقل، تبعاً لشدّة الزلزال وقد تتمايل في حالات أشد.
وبدلاً من التفكير بطرق مجدية للهرب، من العملي أن نحرص على الاحتماء وهذا وحده ما يساعد، إما تحت شيء صلب أو إلى جانب جدار إسمنتي قويّ.
حين ننتهي من الكارثة، هناك أسئلة يجب أن توضع برسم مسؤولي البلاد الذين يغضون الطرف عن الأحياء العشوائية والتلاعب بنسب مواد البناء، خاصةً في المناطق الفقيرة حيث تكثر الأحياء العشوائية، وفي البلاد التي يكثر فيها الفساد، وهنا طبعاً بلدان المنطقة تأتي في المرتبة الأولى دائماً، مع الأسف.
ما بعد الزلزال أعتى
ما يعقب الزلزال من حرائق قد يكون أشد فتكاً بالأرواح والممتلكات، ففي سان فرانسيسكو عام 1906، لم يتسبب الزلزال سوى بـ 5% من الأضرار المسجلة، حيث انكسرت المواسير الأساسية للمياه، فتفلّتت زمام النار من الأيدي، لتستعر لثلاثة أيام متواصلة مما اضطر السكان إلى نسف منازلهم بالديناميت حتى لا تكون وقوداً للنار إلى أن حلّ الغيث وأطفأ السعير.
أنابيب للمياه متباعدة، ومركز خاص لإطفاء الحرائق تمكنه خراطيمه استخدام مياه البحر، وخزانات للمياه إضافية تحت الأرض، كل تلك التدابير التي أُنجزت في ما بعد ستكفل عدم تكرار السنياريو في سان فرانسيسكو إن تعرضت لزلزال مجدداً.
وفي طوكيو عام 1923 أيضاً، شبّت النار في 136 مكاناً متفرقاً في غضون نصف ساعة من بدء الهزة ليلجأ الناس إلى قطعة أرض مكشوفة على ضفة نهر حيث أطبقت النيران عليهم من جهاتٍ ثلاث وأمطرتهم بشررٍ كأنه وابل، وفجأةً وكأفلام الرعب سمع الناس صوتاً يرتفع فوق كل هذا، وأظلمت السماء ليشاهدوا إعصاراً مخروطياً أسود، يحمل الشرر ويضرم النار في كل ما يعترضه، وحين مرّ الإعصار كانت الجثث المتفحمة لـ13 ألف شخص تغطي الأرض.
يُعدّ التسونامي والزلزال الذي ضرب اليابان في آذار/ مارس عام 2011، من الأشد عالمياً، ويُطلق عليه أيضاً زلزال توهوكو العظيم
التسونامي أيضاً، من شأنه إغراق المدن وتدميرها عن بكرة أبيها، ويُعدّ التسونامي والزلزال الذي ضرب اليابان في آذار/ مارس عام 2011، من الأشد عالمياً، ويُطلق عليه أيضاً زلزال توهوكو العظيم، أو زلزال سينداي العظيم، وقد بدأت هذه الكارثة بزلزال قويّ ضرب قبالة الساحل الشماليّ الشرقيّ لجزيرة هونشو الرئيسيّة في اليابان، الأمر الذي أدّى إلى حدوث أضرار كبيرة، ثم بدأت بعدها سلسلة من موجات تسونامي الضخمة التي دمرت العديد من المناطق الساحليّة في البلاد، خاصةً منطقة توهوكو، وتسببت في حدوث حادث نووي كبير في محطة الطاقة على طول الساحل.
وتشير وكالة إعادة الإعمار إلى أنّ عدد الوفيات المؤكدة في هذه الحادثة وصل إلى 15،894 شخصاً، وذلك في حزيران/ يونيو عام 2016، وبقي أكثر من 2،500 شخص في عداد المفقودين.
وتسببت أمواج تسونامي على مدى العقدين الماضيين في ما يقارب عشرة في المئة من الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الكوارث وأدت إلى تقويض ما تحقق من مكاسب إنمائية، خاصةً في البلدان الواقعة على المحيطين الهندي والهادئ بحسب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وتُعدّ إندونيسيا من أكثر المناطق المعرضة لموجات تسونامي، بسبب موقعها القريب مما يُعرف بـ"الحزام الناري"، حيث يكثر وقوع الزلازل وثورات البراكين.
تسونامي في المتوسط؟
تكثر الأحاديث في منطقتنا عن احتمال حدوث تسونامي كبير في السنوات القليلة المقبلة، إلا أن علماء عديدين كانوا يعتقدون بأن التسونامي من الصعب حصوله في مناطق المتوسط إلا في حالات نادرة جداً، أي حين تصل قوة الزلزال إلى ما فوق 9 درجات على مقياس رختر، لكن هذا الواقع قد يبدو أنه تغيّر اليوم لا سيما في البلدان الواقعة غرب المتوسط.
ففي آب/ أغسطس من العام الماضي، نشرت دورية "ناتشير كومينيكيشنز" (Nature Communications)، دراسةً حددت لأول مرة الهندسة المعقدة لنظام الصدوع النشطة تحت سطح حوض البوران (Alboran)، الواقع غرب المتوسط بين السواحل المغربية والجزائرية والإسبانية، ووصفت كيفية تحركها على مدى 5 ملايين سنة مضت.
وأظهرت النتائج التي اعتمدت على بيانات عالية الدقة، أن أنظمة الصدوع في المنطقة تمتص معظم التشوه الناجم عن تصادم الصفائح الأوروبية-الآسيوية والإفريقية. وتُعدّ نتائج الدراسة بحسب الباحثين، أساسيةً لإعادة تقييم مخاطر الزلازل وأمواج تسونامي التي تتعرض لها المناطق الساحلية في غرب البحر الأبيض المتوسط، كون معظم الدراسات السابقة لم تأخذ بعين الاعتبار الصدوع الموجودة تحت بحر البوران بسبب نقص البيانات آنذاك.
ونقلت صحيفة الغارديان البريطانية في تقرير لها نشرته في 23 تموز/ يوليو عام 2022، عن خبراء في منظمة اليونسكو، بأن خطر حدوث تسونامي كبير في غضون الـ30 عاماً القادمة يفوق خلاله ارتفاع الأمواج المتر الواحد، يقارب 100%، وستضرب الأمواج على الأرجح مدناً كبيرةً على ساحل المتوسط مثل مرسيليا الفرنسية والإسكندرية في مصر وإسطنبول في تركيا.
لم تعد منطقة المتوسط بعيدة عن مخاطر التسونامي، إذ يؤكد خبراء في منظمة اليونسكو، بأن خطر حدوث تسونامي كبير في غضون الـ30 عاماً القادمة يقارب 100%، فعلى ماذا استندوا؟
وهذه النتائج، عزاها العلماء إلى التغير المناخي الحاصل، حيث يزيد ارتفاع مستوى سطح البحر من مخاطر حدوث تسونامي في البحر الأبيض المتوسط، إذ إن ارتفاعاً بقدر 45 سنتم في مستوى البحر، يمكن أن يضاعف خطر الفيضانات الناتجة عن اجتياح مياه البحر لليابسة بمقدار 1.2 إلى 2.4 مرة، ومن 1.5 إلى 4.7 مرة، إذا زاد معدل المياه بحوالي 90 سنتم.
ماذا نفعل عند وقوعه؟
بحسب الصليب الأحمر، هناك توصيات عدة إن قمنا بها نتجنب مزيداً من المخاطر عند الزلازل، أهمها المكوث في مكان آمن إلى حين انتهاء الزلزال فإذا كنت داخل المنزل عليك البقاء في الداخل مع تغطية رأسك باللجوء إلى تحت طاولة أو ما شابه من أثاث صلب، وتمسّك به، وفي حال لم تستطع الاحتماء بشيء صلب احتمِ بجدار قريب وضع يديك فوق رأسك وعنقك.
في حال كنت في مركز تجاري، ابتعد عن النوافذ والرفوف التي تحتوي على أشياء ثقيلة.
أما إن كنت خارجاً، فابتعد عن الأبنية والجدران الخارجية. وإذا كنت تقود أوقف السيارة بحيث لا تسدّ الطريق وابتعد عن الجسور وكل ما يمكن أن ينهار.
عليك في كل الأحوال تجنّب المصاعد فقد ينقطع التيار الكهربائي فجأةً.
أما إن كنت في منطقة ساحلية وضربها زلزال قوي فاسعَ إلى منطقة آمنة بعيدة عن الشاطئ وابقَ هناك ليعلن المسؤول إمكانية العودة.
بعد الزلازل عليك أن تظل مستعداً للهزات الارتدادية، وحاول تقديم المساعدة لمن يحتاجها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ يومينلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أياممقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ أسبوعحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...