بينما تسبب الزلزال المدمّر بقوة 7.8 درجات على مقياس ريختر الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا في مقتل أكثر من 17 ألف شخص وإصابة وتشريد الآلاف، كان هناك زلزال موازٍ من الأخبار الكاذبة والمضللة يجتاح مواقع التواصل الاجتماعي العربية ويثير فزع المتلهفين على أخبار مطمئنة.
وفق أرقام إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد) المعلنة ظهر الخميس 9 شباط/ فبراير 2023، بلغت حصيلة ضحايا الزلزال الذي وقع الاثنين 14 ألفاً و351 قتيلاً و63 ألفاً و794 مصاباً. وفي مناطق سيطرة النظام السوري، سقط 1250 قتيلاً و2054 مصاباً. أما الدفاع المدني السوري فأكّد أن حصيلة ضحايا الزلزال في شمال غربي سوريا جاوزت 1930 حالة وفاة و2950 إصابة.
في موازاة هذه الكارثة الإنسانية، والتعاطف العربي والعالمي مع المتضررين وذوي الضحايا في تركيا وسوريا، راجت عشرات الأخبار والصور ومقاطع الفيديو المفبركة عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي هدف أصحابها من استغلال الاهتمام بالحدث لجمع متابعين كثر أو الحصول على تفاعلات ضخمة وإن كان عبر إثارة الرعب والهلع في النفوس، وهو ما كانت آثاره أشد قسوة على البعض من الفاجعة نفسها.
وعكفت عدة مؤسسات معنية بمحاربة التضليل عبر الإنترنت على تفنيد العديد من هذه المنشورات الكاذبة والمضللة كان من أبرزها وكالة فرانس برس ومنصة مسبار لتقصي الحقائق.
"يمكن أن تؤثر على سير عمليات الإنقاذ وتكلّف الناس أرواحهم"... تحذيرات من ترويج عشرات الأخبار والصور ومقاطع الفيديو المضللة على خلفية #زلزال_سوريا_وتركيا من قبل هواة إثارة الفزع وجمع اللايكات
فيديوهات قديمة بادعاءات جديدة
ومع وصول المساعدات الخارجية إلى سوريا وتركيا، راجت صورة لطائرة عسكريّة عليها علم تونس وهي تحطّ على مدرج مطار، مع مزاعم بأنها "طائرة عسكريّة تونسيّة تحطّ في مطار دمشق تحمل مساعدات إغاثيّة" في نفس يوم وقوع الزلزال. بينما لم تعلن تونس عن وصول أي طائرات مساعدات منها لسوريا في هذا الوقت، تبيّن أن الصورة نُشرت في نيسان/ أبريل 2020 مع أخبار عن إعادة مواطنين تونسيين من بريطانيا، في ظلّ تفشيّ فيروس كورونا.
كذلك راجت على نطاق واسع صورة لرجال إنقاذ أردنيين في منطقة صخريّة ليلاً، ادعى ناشروها أنها تعود إلى "مساعدة الدفاع المدني الأردني للعالقين تحت الركام في مدينة جبلة" بمحافظة اللاذقيّة السوريةّ الساحليّة خلال عمليات الإنقاذ بعد الزلزال الأخير. لكن تبيّن أنّ الصورة قديمة وتُظهر عمليّة إنقاذ شابّة سقطت عن مقطع صخري في البحر الميت آب/ أغسطس 2022، وفق مواقع إخباريّة أردنيّة.
ونُشر فيديو على أنه لقافلة مساعدات سعودية في طريقها إلى تركيا وسوريا بعد الزلزال. تحققت "مسبار" من المقطع، ووجدت أنه قديم ونُشر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 على أنّه لقافلة مساعدات باسم فاعل خير يُدعى "أبو تركي" خلال وصولها إلى مخيمات الشمال السوري.
وانتشرت جملة من المزاعم حول عمليات إنقاذ مضللة ولا صلة لها بزلزال تركيا وسوريا الأخير. راج فيديو زعم ناشروه أنّه لعملية إنقاذ طفل سوري لا يتجاوز الأشهر تحت عنوان: "الإنقاذ المبكي المفرح، ملاك لا يتجاوز الأشهر نجا بأعجوبة". وجدت فرانس برس أن الفيديو ليس من عمليات الإنقاذ الحاليّة بل يعود لعام 2014. وتحديداً إلى حادثة "إخراج طفلة حيّة من تحت الأنقاض في حي المعصرانية (حلب) 2014".
مقطع آخر يوثّق عملية إنقاذ قط روِّج على أنه أعقب الزلزال الأخير. قبل أن يتضح أنه يعود لعمليات الإنقاذ بعد زلزال ضرب إزمير، غرب تركيا، عام 2020. راج مقطع آخر لسرب من القطط التي تهرع من مكان إلى آخر مع مزاعم بأنها لاستشعار القطط الهزة الأرضية الأخيرة في تركيا وهروبها قبل وقوعها لكن تبيّن أنه قديم ونُشر على أنه تجمع للقطط لا أكثر.
وتداول العشرات صورة لكلب ممسك بيد شخص يبدو أنه عالق تحت الأنقاض، معلقين عليها: "كلب يصرخ من أجل إنقاذ صاحبه من تحت الأنقاض في زلزال تركيا". اتضح أن الصورة نُشرت لأول مرة عام 2018 دون تفاصيل توضح إذا كانت للقطة حقيقية أو مجرد صورة تعبيرية عن وفاء الكلاب.
ومن المنشورات التي ربما حاولت جلب التعاطف مع ضحايا الزلزال لكن عبر التضليل، صورة لطفلٍ يضع رأسه بين كفّيه وهو جالسٌ فوق ركام، راجت بقوة وزُعم أنها لطفل سوري يبكي والديه اللذين فقدهما في الزلزال. اتضح أن الصورة تكرر نشرها على مدار السنوات الماضية كصورة تمثيليّة تعبيريّة وليست حقيقية.
بينما بلغت حصيلة ضحايا #زلزال_سوريا_وتركيا أكثر من 17 ألف شخص، وهي مرشحة للزيادة مع وجود مئات العائلات العالقة تحت الأنقاض في البلدين، كان العديد من الأشخاص يستغلون ذلك لترويج الأخبار والفيديوهات الزائفة. كيف نكتشف المحتوى المضلل؟
وانتشرت صورة لطفلة تبكي بحرقة وهي تحمل كتبها ومن حولها الدمار على أنها من ضحايا الزلزال في سوريا وفقدت أهلها. لكن تبين أنها طفلة فلسطينية وأن الصورة التقطت عقب القصف الإسرائيلي لقطاع غزة عام 2014. وتداولت صورة لامرأة منقبة وابنها وهما مغطيان بالأتربة على أنهما خرجا من تحت الأنقاض في سوريا بعد الزلزال الأخير قبل أن يتضح أن الصورة تعود لفرار بعض أسر مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي في سوريا عام 2019.
كذب لإثارة الفزع
وكانت هناك العديد من المنشورات المضللة والمفبركة التي عمدت إلى إثارة الفزع في ما يتصل بآثار الزلزال. انتشر مقطع يُسمع صوت شخص شخص يبكي أهله متسائلاً "إمي إمي! وينكن يا أهلي" داخل منزل مهدّم. روّج ناشروا المقطع أنه أعقب #زلزال_تركيا_سوريا. لكن تبيّن أنه نُشر على حساب تيك توك لصحافي سوري في أيلول/ سبتمبر 2022 إذ قيل إنه يُظهر آثار قصف روسي على منزل في ريف إدلب، شمال سوريا.
وانتشر فيديو زعم ناشروه أنّه لأمواج مدّ بحريّ (تسونامي) تجتاح الشواطئ التركيّة. وظهرت في الفيديو بالفعل أمواجاً عالية تضرب شاطئاً قرب منتجع سياحي على ما يبدو. تبيّن أن المقطع التُقِط عام 2017 في جنوب إفريقيا للأمواج المرتفعة التي ضربت شاطىء ديربان.
كما تداول كثيرون مشاهد ملتقطة من كاميرا سيّارة توثق اهتزازاً عنيفاً لسيارات على طريقٍ سريع، زاعمين أنها لـ"زلزال تركيا الجديد من كاميرا إحدى السيارات". تبيّن أن الفيديو يعود إلى الزلزال المدمّر الذي ضرب اليابان عام 2011.
وراج مقطع فيديو سجّلته كاميرا أحد المطاعم يظهر ثلاثة عمّال داخل مطبخ المطعم وهم يحاولون الاحتماء تحت الطاولات بعد حدوث هزّة أرضية، زاعمين أنه اُلتُقط حظة وقوع الزلزال الأخير. تأكّد أن الادعاء غير صحيح، وأن المقطع قديم ونُشر ضمن الأخبار عن هزة أرضية ضربت أزمير التركية عام 2020.
ونشر أشخاص مقطعاً مسجلاً من كاميرا مراقبة يُوثق انهيار مبنى ضخم، وأرفقوه بتعليق: "مشاهد أوليّة لزلزال تركيا، دمار كبير جداً". ظهر أن الفيديو نُشر ضمن تقارير إخبارية عن انهيار مبنى في ولاية فلوريدا الأمريكية عام 2021.
كما شارك معلقون كثر مقطعاً يُظهر اهتزاز برجين ضخمين قائلين إنه من تبعات الزلزال الأخير، لكن اتضح أنه قديم ونُشر عبر يوتيوب في آذار/ مارس 2011 على أنه للزلزال الذي ضرب اليابان آنذاك.
وانتشر فيديو لرجل يلقي بنفسه من نافذة، مع تعليق: "الناس رمت نفسها من النوافذ من هول الزلزال". لكن بالبحث تبيّن أنها لقطات نُشرت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 في وسائل إعلام تركية ضمن تغطيتها لزلزال ضرب ولاية دوزجة، شمال غربي البلاد، بلغت قوته 5.9 درجات.
في غضون ذلك، راجت عشرات الحسابات المزيفة التي تستخدم اسم الخبير الهولندي فرانك هوغيربيتس ونشرت جملة من التحذيرات والتنبؤات الزائفة، بما في ذلك تحذير من وقوع زلزال بقوة 9.6 درجات في سوريا وتركيا ولبنان. لكنه هو نفسه حذّر من الانخداع بمثل هذه الحسابات وحثّ على الإبلاغ عنها. علماً أن توقيت وشدة الهزّات الأرضية لا يمكن التنبؤ بهما علمياً.
صورة لكلب يمسك بيد صاحبه العالق تحت الأنقاض، وأخرى لطفلة تمسك كتبها وتنادي صارخةً أهلها الذين قضوا، وفيديو لبرجين ضخمين يهتزان وآخر لبرج عملاق ينهار، وثالث لقطط تهرب قبل لحظات من #هزّة_ أرضية… كلها أخبار كاذبة ولا تمت بصلة لـ #زلزال_سوريا_وتركيا
وبالكثير من السخرية، تداول مغردون صورة من تغريدة مزعومة للاعب كرة القدم البرتغالي برونو فرنانديز، استخدم فيها علمي مصر وتونس بدلاً من علمي سوريا وتركيا مع علامة تضامن، متهمين اللاعب الشهير بعدم القدرة على التمييز بين أعلام الدول. تبيّن أن التغريدة من حساب غير حقيقي لا يمت بصلة للاعب الذي يُظهر حسابه الموثق في تويتر أنه لم ينشر أي شيء متعلق بالزلزال.
كيف نكتشف الأخبار المضللة ونتفاداها؟
وعبر مرصدها لتقصي الحقائق، حذّرت "فرانس برس" من أن الأخبار المضللة تزداد خطورتها في وقت الكوارث الطبيعية مثل الزلازل، مشيرةً إلى أن مئات اللبنانيين قضوا ساعات في الشوارع والساحات المفتوحة وسط عاصفة ثلجية خوفاً من تحذيرات وتنبؤات كاذبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن احتمال حدوث "تسونامي" وهزات ارتدادية قوية.
بلغ انتشار الأخبار المضللة على خلفية الزلزال الأخير أن ناشد رئيس قسم الاتصالات في الإدارة الرئاسية التركية، فخر الدين ألتون، القائمين على "تويتر" أن يتعاملوا بمسؤولية مع البيانات المتعلقة بالزلزال.
غرّد ألتون: "في مثل هذه الحالة الطارئة، من الضروري أن تولي إدارة تويتر اهتماماً خاصاً، بتدقيق المنشورات المتعلقة بالزلزال الذي ضرب تركيا، لمنع نشر المعلومات المضللة عبر المنصة، كونها يمكن أن تؤثر على سير عمليات الإنقاذ، وتكلف الناس أرواحهم".
يرجع ذلك إلى سمة التضخيم والتهويل التي غالباً ما تتسم بها الأخبار المضللة. لذا، في مكافحة التضليل عبر الإنترنت، يُوصى أولاً بالبعد عن كل منشورات أو مواد أو أخبار تتسم بالتهويل والمبالغة غير المنطقية. كما يُنصح بالتشكك في اللغة المعتمدة في صياغة الخبر/ المنشور، لأن التعابير الركيكة وغير الصحافية لا يُعتد بها على الأرجح.
وفي سبيل التحقق من المعلومة، يُفضل العودة إلى مصدرها الأصلي أو البحث عنها في وسائل إعلام ذات صدقية إن تعذرت العودة للمصدر الأصلي أو بالبحث عنها عبر محركات موثوق بها مثل غوغل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...