أكد وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، في آخر تصريحاته كما نقلت وكالة المغرب العربي للأنباء (حكومية)، أن مشروع القانون الجنائي بلغ مراحله الأخيرة، مشيراً إلى إمكانية جاهزيته شهر شباط/ فبراير.
وأبرز وهبي خلال ندوة له، أن القانون الجنائي سيعرف إعادة النظر في عدد من المواد، مع تضمينه جرائم جديدةً، كما تم إلغاء المواد التي أصبحت متجاوزةً وغير مطلوبة.
منذ أعلنت الحكومة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، سحب مشروع القانون رقم 10.16 المتعلق بتتميم وتغيير مجموعة القانون الجنائي، من مجلس النواب، عادت إلى الواجهة المطالب الحقوقية بإلغاء مجموعة من الفصول التي تُعدّ -حسب مجموعة من الحقوقيين- حاجزاً أمام الحريات الفردية، وقد شددوا على ملاءمة القوانين لتحولات المجتمع.
مطالب الحقوقيين تركّز أساساً على فصول (مواد)، بعينها تراها منظمات وشخصيات من المجتمع المدني "عدوةً" للحريات والحقوق من ضمنها، منها الفصل 220 المتعلق بحرية المعتقد، والفصل 222 المجرّم للإفطار العلني، والفصل 490 المجرّم للعلاقات الرضائية، والفصل 492 المجرّم للمثلية الجنسية، والفصول 449، 450، و454، المجرّمة للإجهاض.
أوان التغيير؟
تصريحات عدة أدلى بها وزير العدل عبد اللطيف وهبي، في ما يتعلق بالحريات الفردية، ولعل آخرها رفع عقوبة "السكر العلني"، عدّها حقوقيون إيجابيةً، معلّقين بذلك آمالاً بأن يتم إقرارها قانونياً، من أجل عدالة حقوقية، تلائم متطلبات فئة عريضة من المجتمع.
الحقوقي والباحث في الشأن الديني عبد الوهاب رفيقي، قال في تصريح لرصيف22، في ما يتعلق بانتظاراته لتعديلات القانون الجنائي،إنه يأمل بأن يعرف هذا الأخير تعديلات متعلقةً بما هو حقوقي كأولوية، خصوصاً ما يرتبط بالحريات الفردية.
قد يعرف القانون الجنائي الجديد في المغرب تغييرات تعزز الحريات الفردية. فما هي انتظارات الحقوقيين ؟
يرى رفيقي، أن النصوص المتعلقة بالحريات الفردية في القانون الجنائي الحالي تحدّ من الخصوصية الفردية، لأنها تتدخل في حياة الأشخاص، وفي طريقة تديّنهم وعبادتهم، وهي كلها تتناقض مع حق الإنسان في اختياراته وقناعاته وسلوكياته الفردية التي لا تضرّ بالآخرين، وتتدخل في خصوصيات الناس فتقتحم بيوتهم وتنتهك أسرارهم.
من هذه الزاوية شدد رفيقي، على ضرورة مراجعة كل الفصول التي يتم عبرها التدخل في حرية الآخرين، خصوصاً المرتبطة منها بالعلاقات الجنسية الرضائية (الفصل 490)، والإفطار العلني (الفصل 222).
ضمن السياق نفسه، تقول رئيسة ائتلاف 490، وهي حركة خارجة على القانون، نرجس بنعزو، في تصريح لرصيف22: "ننتظر منذ أكثر من سنة التعديلات التي ينوي تقديمها وزير العدل على القانون الجنائي، خصوصاً الشق المتعلق بالحريات الفردية. فمنذ أن سحب الوزير مشروع القانون الجنائي من البرلمان لمراجعته ونحن نطالب ونتمنى أن تكون لهذه الحكومة الجرأة اللازمة من أجل القطع مع بعض الفصول الجائرة التي لم يعد لها مكان داخل مجتمعاتنا، لا سيما الفصل 490 المجرّم للعلاقات الرضائية بين راشدين خارج إطار الزواج".
تصيف بنعزو، أن تصريحات وزير العدل الإعلامية الأخيرة تصب في هذا الاتجاه، لكن الأمر لم يُحسم ما دام المشروع لم يخرج إلى الوجود، ولم تتم مناقشته والمصادقة عليه.
نحو حماية الخيارات الفردية؟
تعتمد مطالب الحقوقيين المتعلقة بالحريات، على حقوق الأفراد، كونها مدخلاً لاحترام الاختيارات الشخصية، وخصوصية المواطنين داخل المجتمع، بغض النظر عن اختلاف قناعاتهم، مؤكدين على أن القانون لا بد أن يحمي هذه الاختيارات وألا يكون قامعاً لها.
من هذه الزاوية، نبّه الفاعل الحقوقي أحمد عصيد، على أن المداخل الرئيسية لمراجعة فعلية للقانون الجنائي التي ينبغي التشبت بها والدفاع عنها، هي أن الحريات الفردية ذات صلة وثيقة بمفهوم المواطنة وبمعنى "الفرد المواطن"، الذي من دونه لا تكون ثمة عدالة ولا مساواة فعلية، ما يحتم إخراج الموضوع من إطار الوعي التقليدي والفقه القديم الذي كان معمولاً به في ظل الدولة الدينية، والذي يعطي الأولوية لـ"الجماعة" ولمنظومة التقاليد على حساب الفرد، وعدّ التدين اختياراً شخصياً ووضع حدّ للمناخ السلطوي المهيمن على الفضاء العام باسم الدين الرسمي للدولة.
لذلك ينبغي، وفق عصيد، النظر إلى الحريات الفردية بوصفها جزءاً لا يتجزأ من منظومة الحريات والحقوق التي صادق عليها الدستور المغربي، ورافعةً أساسيةً لإنجاح الانتقال نحو الديمقراطية، وعدّها كما ينص على ذلك الدستور كلاً غير قابل للتجزئة وأسمى من التشريعات الوطنية، والاعتراف بحق الفرد في التصرف في جسده بغض النظر عن جنسه، وتجاوز نظرة الوصاية والحجر القديمة التي تجعل من الجسد موضوع رقابة مشددة تنتهي إلى التجريم وتكريس النفاق الاجتماعي، وهدر الكرامة الإنسانية، وإشاعة اللا تسامح والعنف لدى عامة الناس في المجتمع.
حقوق النساء
قضية المرأة تشكّل مطلباً أولياً للحقوقيين، خصوصاً ما يتعلق منها بحق الإجهاض، إذ تجرّم الفصول 449، 450، و454 عملية الإجهاض، ولا تُبيحها إلا في حدود.
في ظل غياب إحصائيات رسمية، تفيد معطيات جمعوية (جمعية محاربة الإجهاض السري)، بأن ما بين 600 إلى 800 عملية إجهاض تتم يومياً.
ترى الناشطة الحقوقية عائشة أشفيعي، في تصريح لرصيف22، أن هذه الأرقام يمكن أن تكون أكثر في ظل الواقع الخطير والضبابي الذي تعيشه النساء اللواتي يرغبن في التخلص من الحمل، بدءاً من وسطهن العائلي المحافظ، مروراً بمجتمع العار والفضيحة، إلى لوبيات ومافيات الإجهاض السرّي.
تطالب الحركة الحقوقية بتعزيز الحقوق الفردية التي تكبلها مواد من القانون الجنائي الحالي في المغرب
تؤكد أشفيعي، أنه في ظل هذه النصوص القانونية المُجرّمة لعملية الإجهاض، تلجأ العديد من النساء إلى استخدام وسائل تقليدية تشكل تهديداً كبيراً على صحة المرأة وفي الكثير من الأحيان تفقد حياتها من جرائها، كما حدث مع الطفلة مريم قبل أشهر.
حسب المتحدثة، خيار الإنجاب والاحتفاظ بالحمل يبقى خياراً شخصياً، وبذلك فمنع الإجهاض وتجريمه، يعدّان مسّاً بالحق في الحياة، لأنه إذا لم يتم منح المرأة حقها في الإجهاض -إن هي أرادت- فإنه يتم الحكم عليها بالموت، نظراً إلى تفكيرها في الانتحار للتخلص من ضغط الأسرة والمجتمع.
تعليقاً على الحالات التي سمح فيها المشرّع المغربي لعملية الإجهاض (الحمل الذي يهدد حياة المرأة، زنا المحارم، الاغتصاب، التشوهات الخلقية الخطيرة والأمراض التي قد تهدد حياة الجنين)، ترى أشفيعي، أن تطبيق هذه الحالات مرتبط بحكم قضائي يأخذ زمناً طويلاً في وقت لا بد فيه من أخذ القرار بشكل سريع قبل استحالة عملية الإجهاض.
تدعو الناشطة إذاً، إلى إرساء حوار مجتمعي قصد الدفع بالمشرّع المغربي إلى القبول بإجهاض طبي آمن، يحفظ كرامة النساء، لأنه لا بد من الحد من كل المآسي النفسية والجسدية والاجتماعية التي تعيشها المرأة قبل ممارسة الإجهاض السرّي وفي أثنائه وبعده.
الحريات الفردية... نحو مزيد من الحقوق؟
إلغاء المواد الجنائية القامعة للحريات الفردية، اتجاهٌ سيمنح المغاربة المزيد من الحقوق؟
تجيب نرجس بنعزو، بالتأكيد وتضيف: "بالطبع هناك أكثر من 15،000 متابعة قانونية كل سنة في المغرب، بمقتضى الفصل 490، ويبقى الشباب والنساء وكذلك الفئات الهشة من المجتمع هم الذين يعانون أكثر من تداعيات هذا الفصل والفصول الأخرى المقيّدة للحرية، فهم يعاقَبون عقوبةً مزدوجةً من طرف المجتمع ومن طرف القضاء".
وتضيف المتحدثة: "يمكن في حالة إلغاء هذه الفصول، تخصيص الموارد البشرية والمادية التي تُهدر لمتابعة هؤلاء الشباب، من أجل محاربة العنف الجنسي ومرافقة ضحاياه، وستكون كذلك إشارةً قويةً إلى أن مغرب اليوم هو بلد يحترم حريات مواطنيه وخصوصياتهم".
من جانبه يُنوّه، عبد الوهاب رفيقي، بالمؤشرات الإيجابية في تصريحات وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، آملاً بأن تتحقق الوعود التي وعد بها، من أجل تلاؤم أكبر مع دولة حديثة عصرية، وتحقيق التوافق، وأن يتم التصويت لصالح تعديل قانوني شبيه بغالبية الأصوات في البرلمان حتى يتحول إلى قانون جنائي يراعي حقوق الناس وإنسانيتهم وحرياتهم.
أما أحمد عصيد، فيرى أنه لتحقيق هذا الانفراج، لا بد أن يكون النص القانوني حامياً للحريات وليس معرقلاً لها، بالإضافة إلى إلغاء المواد المتناقضة مع قوانين أخرى، وألا تكون مجرد تعديلات سطحية، بل أن تكتسي عكس ذلك، طابع المراجعة الشاملة والعميقة حتى تستجيب للتحولات المجتمعية.
وفق هذه الشروط ، يقول المتحدث: سنتمكن من الحصول على نص قانون في مستوى المرحلة، لأن مشكلة القانون الحالي أن مواده المتعلقة بالحريات الفردية كلها وُضعت منذ 1962، في واقع آخر لم يعد موجوداً، مما يقتضي مراجعة تلك المواد وإلغاءها لأنها تجرّم سلوكيات هي من صميم الحريات التي ترتبط بنمط حياة الأفراد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...