شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"المساعدات العاجلة" لسوريا في ميزان السياسة و"تبييض الصفحة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والفئات المهمشة

الثلاثاء 7 فبراير 202305:03 م

عشرات المباني التي تساقطت على الأرض كأحجار الدومينو، والصرخات المكتومة من تحت الأنقاض، وإعلان شمال غرب سوريا منطقةً منكوبةً؛ ليس فيلماً سينمائياً، بل حقيقة تُضاعف من عمق الأزمات التي تعيشها المحافظات الخارجة عن سيطرة النظام السوري، حيث استفاق آلاف السوريين هناك يوم الإثنين 6 شباط/ فبراير الجاري، على زلزال مدمّر أوقع حتى لحظة كتابة هذا التقرير 790 ضحيةً وأكثر من ألفين و200 مصاب بحسب ما أعلن الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، عبر معرفاته الرسمية على وسائل التواصل الاجتماعي.

وناشدت الخوذ البيضاء العالم من أجل التدخل وتقديم الآليات الثقيلة والمساعدات بشكل عاجل، وسط جدل كبير حول نقطة إدخال المساعدات في ظلّ الظروف الحالية.

وعادةً، تدخل المساعدات الأممية إلى الشمال السوري عبر تركيا، بعد معارك نصف سنوية في الأمم المتحدة، تتجدد بين القوى الدولية المتصارعة على الأراضي السورية، وفي ظلّ الكارثة التي يعاني منها الجنوب التركي، أصبح إدخال هذه الآليات أمراً شبه مستحيل، ولم يتبقَّ تقريباً سوى المعابر بين مناطق النظام والمعارضة في سوريا من أجل دخولها، ومن هنا يبدأ الجدال الذي لن ينتهي.

من الطبيعي أن يتجاوز أي نظام حاكم ومعارضة خلافاتهما بشكل استثنائي في ظلّ الكوارث الوطنية التي تجتاح البلاد، لكن سوريا التي تعيش ظروفاً غير طبيعية منذ عشر سنوات على الأقل، لا يبدو أنها تدخل ضمن دائرة هذا الاستثناء أصلاً، خاصةً مع استخدام المساعدات الأممية خلال السنوات الماضية كسلاح للضغط وتحقيق المكاسب السياسية.

في ظلّ الكارثة التي يعاني منها الجنوب التركي نتيجة الزلزال، أصبح إدخال المساعدات إلى الشمال السوري أمراً شبه مستحيل

أسباب الجدل والحلول

أصدرت الأمم المتحدة القرار رقم 2156 لعام 2014، والذي اعتمدت من خلاله إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر أربعة معابر، اثنان منها على الحدود التركية (باب السلام- وباب الهوى)، ومعبران على الحدود مع العراق والأردن وذلك لمدة عام كامل، قبل أن يتم تحديد المعابر في عام 2020، بالمعبرين على الحدود التركية وفق القرار 2504، ثم تحديد معبر باب الهوى فقط في العام نفسه ضمن القرار 2533، وإضافة إدخال المساعدات عبر المعابر من مناطق النظام إلى مناطق المعارضة، وهو ما يعني تحكماً جزئياً للأسد الذي اتهم مراراً بسرقة المساعدات الأممية المقدمة إلى السوريين في الشمال السوري، وتُعدّ هذه النقطة واحدةً من نقطتين أثارتا الجدل حول تسليم المساعدات للشمال السوري حالياً عبر النظام السوري والمعابر بين الطرفين.

هذا الاقتراح يأتي مع الدمار الكبير الذي أصاب مناطق الجنوب التركي، ما جعل وصول المساعدات عبرها صعباً للغاية، فمعبر باب الهوى مغلق بالفعل منذ صباح أمس الإثنين، والكهرباء مقطوعة في الجانب التركي بسبب الأعطال مع دمار ما يقارب الألفي مبنى في مدينة هاتاي الحدودية مع سوريا وحدها، بحسب تصريحات رئيس البلدية لوتفو سافاش، الذي أشار إلى أن المطار نفسه غير صالح للاستخدام، فيما لجأت تركيا إلى ااستخدام السفن التابعة لوزارة الدفاع، وقاعدة "إنجرليك" العسكرية لنقل المعدات اللازمة، وتالياً يبدو أن إدخال المساعدات والمعدات الثقيلة لن يمرّ إلا عبر الأسد ومناطق سيطرته.

تقول الكاتبة والمحللة السياسية عالية المنصور، لرصيف22، إن "الجميع يطالبون بإرسال المساعدات العاجلة إلى سوريا المنكوبة كما تركيا بفعل الزلزال، لكن المطالب شرطها ألا تصل عبر الأسد، على اعتبار أن الأخير لن يسمح بمرورها إلى مناطق يعدّها إرهابيةً لمجرد أن سكانها معارضون حاول قتلهم مراراً، لذا فهناك يقين بأن ما يصل إلى الأسد لن يصل إلى السوريين، خاصةً مع الاتهامات الموجهة إليه بسرقة المساعدات وبالتعاون مع منظمات دولية أيضاً".

وتتساءل حول إمكانية "الثقة بنظام يسرق حتى المساعدات المقدّمة إلى مواليه، فكيف إن كانت مقدّمةً إلى مناطق خارجة عن سيطرته؟".

من يضمن الالتزام؟

يرى مدير البرنامج السوري في مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية كرم شعّار، أن الوضع الحالي "يفرض بأن يكون التصرف بعكس ما يحصل دائماً، فالواقع الحالي لا يسمح بالتصرف من دون المساعدات العابرة لمناطق السيطرة، خاصةً أن الوضع الكارثي ويجب التصرف خلال ساعات، فالموجودون تحت الأنقاض قد لا يعيشون لأكثر من 72 ساعةً، خاصةً مع عدم وصول المياه إليهم".

الجميع يطالبون بإرسال المساعدات العاجلة إلى سوريا المنكوبة، لكن المطالب شرطها ألا تصل عبر الأسد، لأن الأخير لن يسمح بمرورها إلى مناطق يعدّها إرهابيةً، فما العمل؟

ويشير شعار إلى أن المشكلة الأساسية التي يجب التفكير فيها، "هي تواجد المعدات الثقيلة، فمن الضروري التأكد من أن المعدات الموجودة لدى القطاع الخاص مستخدمة إلى أقصى درجة ممكنة، ومثلاً يمكن حالياً أن يكون هناك أشخاص يعملون في مجال البناء، كمحمد حمشو (من أهم رجال الأعمال لدى النظام)، الذي يعمل في هذا الأمر، فهل يساهم من خلال معداته الكثيرة، في مساعدة المناطق المتضررة لدى النظام؟".

ويتجاوز الوضع الحالي في شمال غرب سوريا وصف الكارثة، بحسب ما يقول نائب رئيس الدفاع المدني منير مصطفى، لرصيف22، الذي يؤكد أن المناطق الريفية مثل سلقين وجنديريس وحار وبسينا والدانا مناطق منكوبة بالكامل وبحاجة إلى مساعدات عاجلة لرفع الأنقاض.

وبالرغم من هذه الحاجة، يأمل مصطفى بأن تصل المعدات عبر معابر أخرى تربط تركيا بسوريا كمعبر جرابلس، معرباً عن شكوكه في أن يرسل الأسد كل المساعدات التي تصله إلى مناطق المعارضة، مؤكداً على غياب الثقة بوصولها في ظلّ الفوضى والعشوائية والنوايا السيئة من جهة، ومخاوف من إضاعة الجهود سدى من جهة أخرى.

مكاسب سياسية

بدأ عدد من الدول العربية، بإرسال مساعدات عاجلة إلى المناطق المتضررة التي يسيطر عليها النظام

وإن كانت النقطة الأولى التي تثير الجدل تتعلق بوصول المساعدات، فإن النقطة الثانية والتي قد لا تقلّ أهميةً، تتعلق بمخاوف أخرى تتصل بمحاولة النظام السوري تحقيق مكاسب سياسية في ظل الظروف الحالية، وذلك من خلال تسلّم المساعدات ونقلها، وهو ما يعني بشكل مباشر تخفيف الحصار المفروض عليه عبر العقوبات الدولية (عقوبات قيصر-قانون الكبتاغون).

وبدأ بالفعل عدد من الدول العربية، بإرسال مساعدات عاجلة إلى المناطق المتضررة والتي يسيطر عليها النظام السوري، إذ أعلن العراق عن إقامة جسر جوي إلى دمشق يحمل مساعدات إغاثيةً عاجلةً، تتضمن مواد طبيةً ومستلزمات للإيواء وكميات من الدواء والوقود، بحسب بيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

ووصلت أمس الإثنين طائرة جزائرية محملة بـ17 طناً من المساعدات إلى مطار حلب، وفق وكالة الأنباء الرسمية السورية "سانا"، فيما تلقى الأسد اتصالات تضامنيةً من ملك البحرين وسلطان عمان والرئيسين المصري والجزائري وكذلك الرئيس الفلسطيني.

ويرى أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة باريس رامي الخليفة، أن الأسد "سيعدّ تمرير المساعدات بمثابة خرق للحصار والمقاطعة، وتالياً سيحقق مكاسب سياسيةً لكنها ليست كبيرةً بطبيعة الحال"، ويضيف في حديثه إلى رصيف22، أن قرار "عزل الأسد قرار إستراتيجي من الولايات المتحدة الأمريكية بالأساس وهذا أمر يجب أخذه بعين الاعتبار".

من جهته، يرى شعار أنه "من الوارد للغاية أن يسعى الأسد إلى استغلال الظروف الحالية"، لكنه لا يعتقد أنه "سيحصل على أي تنازلات وذلك بغض النظر عن الجهة التي ستمول العمليات الإنسانية".

اللافت في الجدال الحاصل حول المساعدات وفك العزلة، أن العقوبات لا تشمل المساعدات الإنسانية، التي استمرّت بالوصول إلى كُل سوريا، وبالتالي هل ما يحصل اليوم هو محاولة للاستثمار بالكارثة؟

ويضيف: "لا أتوقع أنه سيطلب تخفيف العقوبات وليست لديه القدرة على ذلك، وهو يحتاج إلى المساعدة في الكارثة الحالية ومقدرته على الاستجابة لكوارث من هذا النوع تحدد شعبيته أيضاً، وهو أمر مهم لأي حاكم حتى لو كان يقمع معارضيه، لكنه يهتم بأن يكون قادراً على الحكم بوجود دعم شعبي".

وكان رئيس منظمة الهلال الأحمر السوري في مناطق النظام خالد حبوباتي، قد قال في تصريحات صحافية أمس الإثنين، إن العقوبات الغربية والحصار المفروض "يشكلان العائق الأساسي أمام مواجهة تداعيات الزلزال المدمر"، مطالباً برفعها وتقديم المساعدات الفورية.

من جهته، يرى المحلل السياسي فراس رضوان أوغلو، أن "النظام السوري سيرسل المساعدات الدولية في حال وجودها، لأن الوضع الحالي لا يسمح بأي خلل، خاصةً أن هذه المساعدات تأتي عبر دول عظمى".

في المقابل، تعتقد منصور أن الأسد "لن يرسل أي مساعدات وإن حدث، فلن تكون سوى تمثيلية فاشلة لن يصدقها أحد، كما أن العقوبات لا تشمل الأدوية ولا المساعدات الإغاثية ولا الإنسانية، وهو فقط يحاول استغلال مأساة جديدة يعيشها السوريون، كما أن العقوبات لم تمنع المساعدات ولا الأدوية خلال جائحة كورونا".

وكان حبوباتي قد أعلن اليوم الثلاثاء، في مؤتمر صحافي، عن استعداد الهلال الأحمر لإيصال المساعدات إلى جميع المناطق السورية بما فيها الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، عادّاً أنه "لا يوجد فرق بين أبناء الشعب السوري والهلال الأحمر للجميع".

وتخطى مجمل عدد ضحايا الزلزال في سوريا وتركيا 5 آلاف قتيل و24 ألف جريح، منهم أكثر من 800 قتيل على الأقل في سوريا، فيما أعلن المركز الألماني للإعلام عن توجه فريق ألماني للمساعدة في سوريا وتركيا على حد سواء.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image