شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"إنه الاقتصاد يا غبيّ"... أوراق اللعب المصرية في العلاقات مع "االشركاء" الإقليميين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 7 فبراير 202305:13 م
Read in English:

“It’s the economy, stupid” Egypt disarmed in its relations with Arab allies

شهدت الأسابيع القليلة الماضية توتراً متصاعداً في العلاقات بين السعودية ومصر، يستعيد ذكرى ما شهدته العلاقات بين البلدين في 2015 من توتر دام أشهراً طويلة، ولم ينته إلا بعد موافقة السلطات المصرية على التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح الجانب السعودي، والقضاء على أية محاولات شعبية لعرقلة الاتفاق، واتخذ التوتر وقتها صورة التلاسن الإعلامي بين صحافيين سعوديين ومقدمي برامج وكتّاب في الصحف الحكومية المصرية، لكنه امتد إلى ضربات اقتصادية وجهها الجانب السعودي إلى الجانب المصري في ذلك التوقيت.

هذه المرة، يظهر الخلاف بين الجانبين – كالعادة- في  شكل سجال إعلامي وسياسي وانتقادات يوجهها محسوبون على السلطتين لنظام الحكم في البلد الآخر، وسط صمت رسمي من حكومتي الرياض والقاهرة، إلا أن هذا السجال تعدى أحياناً "وجهة النظر"، في الوقت التي بات ينظر إلى هذا السجال كإشارة لتغير أوراق وأدوات القاهرة في التعامل مع حلفائها الإستراتيجيين، ومؤشر على وجهة بوصلة الدبلوماسية المصرية في مدى التأثير على صناعة القرار بالمنطقة.

وبينما كانت الدولتان على خط شبه مباشر من المواجهة، يشوب الشد والجذب العلاقات بين مصر وشركاء إستراتيجيين آخرين، في عدد من الملفات الشائكة، ومن أبرز الحلفاء الذين عوّل عليهم دائماً نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، تأتي الإمارات التي يمثل التوتر في العلاقات معها مثاراً للتساؤلات حول سبب قلق الإدارة المصرية البادي من أهم داعميها الإقليميين، في الوقت الذي تدور التساؤلات حول ما تمتلك القاهرة من أدوات تخولها خوض هذه المناورات السياسية.

بينما تعول القاهرة - بحسب كتابات الأصوات الخليجية الناقدة لها- على القوة الضاربة لجيشها في حماية أمن الخليج، يلقى هذا الجيش نفسه نصيباً غير قليل من هجوم الكتاب الخليجيين

في الماضي، كانت مصر لاعباً رئيسياً في السياسة الخارجية في الشرق الأوسط، بفضل قوتها الإستراتيجية وحجمها وموقعها واستقرارها الأمني الذي يكفل استقرارها السياسي، ما مكنها من لعب دور أساسي في العديد من التطورات الإقليمية، إلا أنها بدت غائبة في الفترة الأخيرة إلى حد ما عن الملعب الإقليمي، نتيجة عثراتها الاقتصادية وأوضاعها الداخلية المشحونة، فضلاً عن تحركات متسارعة من دول أخرى للعب دورها في المنطقة، واستغلالها لنفوذها المالي والسياسي الصاعد مع تغير الديناميكيات الإقليمية.

القاهرة – الرياض... تلاسن إعلامي ورسائل مبطنة

كتاب ومسؤولون ووسائل إعلامية من الرياض والقاهرة شنوا حملة انتقادات لاذعة للطرف الآخر، وعلى رأسهم الكاتبان السعوديان المقربان من دوائر صنع القرار في المملكة، تركي الحمد وخالد الدخيل، ومستشار رئاسة أمن الدولة السعودي، بسام عطية. وعلى الجانب المصري تصدى كتاب ومذيعون معروفون بقربهم الوثيق من أجهزة سيادية، لكن تصريحات المعبرين عن الجانب السعودي اتخذت صيغة غير مسبوقة في التعليق على الاوضاع في مصر، مركزين على إهدار الطموحات الشعبية المصرية في العدالة والكرامة عقب ثورة 25 يناير، وتراجع الاقتصاد المصري بفعل "سيطرة الجيش" على حد تصريحاتهم، وهذا الجانب تحديداً، ربما يكشف  أسباب الخلاف الحقيقية بين "الحليفين الاستراتيجيين".

الكاتب السعودي تركي الحمد، المقرب من الأسرة الحاكمة بالمملكة، انتقد بشكل لاذع الأوضاع المصرية على جميع مستوياتها، اقتصادياً وسياسياً ومجتمعياً، قائلاً إن البلاد تواصل "رحلة الصعود إلى الهاوية"، وعزا سبب هذه الأزمات، في سلسلة تغريدات عبر حسابه على تويتر، إلى "هيمنة الجيش" على جميع مقاليد السلطة والثروة.

وينظر الحمد إلى مصر كنموذجين: "مصر المزدهرة قبل عام 1952، ومصر الطموحة بعد ذلك التاريخ، وينقسم المراقبون إلى مؤيد ومعارض لهذا النموذج أو ذاك. في المقابل، هنالك مصر بواقعها الحالي، أي مصر البطالة، وأزمات الاقتصاد والسياسة ومعضلات المجتمع وتقلباته الجذرية العنيفة التي لا تنتمي لأي نموذج، ملكيا كان أو جمهوريا".


يتساءل الكاتب المقرب من الأسرة السعودية الحاكمة، فيما تبدو رسالة موجهة للسلطة المصرية: "ما الذي حدث لمصر الثرية بثرواتها وإمكانياتها، وهي التي كانت تقرض المال وتساعد المحتاج، وها هي اليوم أسيرة صندوق النقد الدولي، مشرئبة العنق لكل مساعدة من هنا أو هناك، وهي أرض اللبن والعسل؟ حقيقة لا يمكن تفسير الحالة المصرية بعامل واحد، وخاصة بعد سقوط الملكية، وبدايات (الصعود إلى الهاوية)".

تتطلع المملكة إلى توسيع نفوذها داخل مصر، عبر استثمارات مباشرة واستحواذات أخرى على أصول وممتلكات تابعة للدولة، إلا أن تحفظات مصرية بشأن طبيعة هذه الاستحواذات أججت خلافات بين سلطتي البلدين.

ينتقد تركي الحمد "هيمنة الجيش المتصاعدة على الدولة، وخاصة الاقتصاد، بحيث لا يمر شيء في الدولة المصرية إلا عن طريق الجيش، وبإشراف الجيش، ومن خلال مؤسسات خاضعة للجيش، ولصالح متنفذين في الجيش، كما يرى بعض المراقبين مكامن الأزمة وجذورها، وكل ذلك على حساب مؤسسات المجتمع الأخرى، سواء كنا نتحدث عن القطاع الخاص، أو مؤسسات المجتمع المدني، والذي كان في أقوى حالاته في العهد الملكي"، حسب تعبيره.

كما يتطرق إلى ما وصفه بـ"البيروقراطية المصرية الهرمة المقاومة للتغيير"، والتي اعتبرها حجر عثرة في وجه أي استثمار اقتصادي ناجح، سواء داخلي أو خارجي، "رغم أن مصر عبارة عن كنز لا ينضب من الفرص الاستثمارية".

ويستنكر الكاتب السعودي ما أسماه "الثقافة الشعبية المستسلمة والمستكينة والمنتظرة لكل ما يأتي من (فوق)، سواء كان هذا الفوق هو السماء ومفاجآتها وأبطالها المقبلين من الغيب، أو الدولة بجلال قدرها وفرعونها ذي الصولجان، (المالك) لمفاتيح التغيير وخزائن (المن والسلوى)، مع غياب شبه تام لحس المبادرة المجتمعية المستقلة.

قبل شهر تقريباً، شن مستشار رئاسة أمن الدولة السعودي هجوماً على السلطة المصرية، ووصفها بأنها "تستجدي قوت يومها على أبواب دول العالم"، قائلاً: "احمدوا ربنا أننا مش زي مصر"

الانتقادات اللاذعة من الكاتب السعودي لم تكن جديدة، ففي وقت سابق شن هجوماً واسعاً على الإعلامي المصري عماد الدين أديب، معتبراً مقاله "مصر: من يعوض الفاتورة المؤلمة للحرب الروسية الأوكرانية"، محاولة مصرية لابتزاز دول الخليج للحصول على مزيد من الدعم المالي، بدعوى حمايتها من تسلل النفوذ الإيراني التركي، معتبراً أن حديث أديب "يحمل إهانة لمصر ذاتها" حين يجعلها تبحث عن راع خليجي أو إيراني أو تركي، متسائلاً: "لماذا لا تستطيع بلاده حل أزماتها المزمنة بنفسها بدل أن تصبح عالة على هذا وذاك".


على الخط ذاته، يرى الكاتب وأستاذ الاجتماع السياسي السعودي خالد الدخيل أن ما يحدث لمصر في السنوات الأخيرة، يعود في جذره الأول إلى “أنها لم تغادر عباءة العسكر منذ 1952"، منتقداً ما وصفه بـ"عدم سماح الجيش لأي بديل آخر بمزاحمته على السياسة أو الاقتصاد"، مشدداً على أن "نقد سياسات أي حكومة ليس نقداً للدولة وأهلها؛ بل للسياسات تطلعاً للأفضل وحسب، وهو ما يجب أن يكون متاحاً للجميع".

?ref_src%3Dtwsrc%255Etfw%257Ctwcamp%255Etweetembed%257Ctwterm%255E1619444641551753217%257Ctwgr%255E052450532263a0b407b84b006086de4239571a22%257Ctwcon%255Es1_%26ref_url%3Dhttps%253A%252F%252Fmubasher.aljazeera.net%252Fnews%252Fpolitics%252F2023%252F1%252F30%252Fd8a8d8b9d8af-d8aad8b1d983d98a-d8a7d984d8add985d8af-d8aed8a7d984d8af-d8a7d984d8afd8aed98ad984-d98ad986d8aad982d8af-d8b3d98ad8b7d8b1d8a9&source=gmail&ust=1675862263359000&usg=AOvVaw36QdZllAsw5t4v6w2zkB_z">

وزير المالية السعودي محمد الجدعان، بدوره وجه رسالة مبطنة إلى السلطة المصرية، على هامش منتدى دافوس، الذي عُقد في 18 يناير/ كانون الثاني المنقضي، كاشفاً عن مراجعة بلاده طريقتها في تقديم المنح المساعدات إلى الدول المجاورة، مشدداً على أن هذه المساعدات ستكون "مشروطة بحدوث إصلاحات"، مضيفاً: "نحن نفرض ضرائب على شعبنا، نريد أن نساعد الدول الأخرى، لكننا نريد أيضاً من الجميع أن يقوموا بدوره."


وقبل أكثر من شهر تقريباً، شن اللواء بسان عطية، مستشار رئاسة أمن الدولة السعودي - والمقرب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان - خلال مشاركته في ندوة في منطقة القصيم، هجوماً على السلطة المصرية، ووصفها بأنها "تستجدي قوت يومها على أبواب دول العالم"، قائلاً: "احمدوا ربنا أننا مش زي مصر"، في الوقت الذي اعتبر المملكة أحد أبرز صناع القرار الدولي.

مع تفاقم الأزمات الاقتصادية في مصر، ولجوء الحكومة إلى تعويم جديد للعملة المحلية رفع بدوره الأسعار إلى مستويات قياسية، انتقد الإعلامي المصري عمرو أديب - المقرب من الذراع اليمنى لبن سلمان ورئيس هيئة الترفيه السعودية تركي الشيخ – عبر برنامجه "الحكاية" على قناة MBC السعودية، أوضاع الاقتصاد المصري، وأكد أن ارتفاع الأسعار أثار جنون المواطنين، الأمر الذي دعا بعضهم للإحجام عن شراء الدواجن والبيض، متوقعاً أن يكون "القادم أسوأ".


تصريحات أديب جعلته مرمى لانتقادات إعلاميين مقربين من السلطة المصرية، إذ شن محمد الباز، رئيس مجلس إدارة صحيفة "الدستور" المملوكة لشركة "المتحدة للخدمات الإعلامية" المملوكة لأحد الأجهزة الأمنية الرفيعة، هجوماً حاداً على أديب الأصغر، واصفاً إياه بـ"العميل للكفيل السعودي"، وأنه أداة للمملكة لتنفيذ أجندتها في المنطقة.


نهم خليجي للاستثمارات المصرية

الانتقادات والانتقادات المضادة من المسؤولين والإعلاميين المحسوبين على سلطتي البلدين، لا يمكن النظر إليها على أنها مجرد "وجهات نظر" أو تعليق أمين منزه عن الغرض على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في مصر، حيث تبدو في مضمونها ضوءاً أخضر من النظامين لاستخدام هذا السجال كوسيلة ضغط للتعبير عن خلافات مبطنة في عدد من الملفات الشائكة بين الحليفين، قد يطول مداها حال عدم حل هذه الإشكاليات.

السجال الحالي سبقته شواهد أخرى على رأسها، غياب ولي العهد السعودي – الذي يراه الكثيرون الحاكم الفعلي للمملكة – عن قمة العلمين التي استضافتها مصر في أغسطس/ آب الماضي بحضور قادة دول الخليج، فضلاً عن غيابه عن قمة أبو ظبي التي استضافتها العاصمة الإماراتية أبو ظبي في 18 يناير/ كانون الثاني المنقضي، التي حضرها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي

كانت السعودية من أبرز الداعمين للسلطة المصرية الحالية منذ الفترة التي تلت 2013، بدعم سياسي واقتصادي واسع، وصل 40 ملياراً من الدولارات، ضمن دول خليجية أخرى عدت دعمها الاقتصادي والسياسي لسلطة المصرية الجديدة الطامحة وتمكينها من دون منافس من حكم البلاد، بمثابة وسيلة لوأد جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها الإخوان المسلمون، إلا أنه بعد موت الجماعة إكلينيكياً، ظهرت تطلعات المملكة وجيرانها في الخليج لحصد مكاسب دعمهم السابق بنفوذ استثماري داخل مفاصل الاقتصاد المصري، فضلاً عن مكاسب إستراتيجية أخرى.

دخلت المملكة بقوتها في صفقات استثمارية للحصول على عدد من الشركات والأصول المصرية، ضمن نهم خليجي شمل الإمارات وقطر لمحاولة توسيع نفوذهم الاستثماري داخل الدولة، وهو ما دفع سياسيين مصريين، من بينهم رئيس حزب الإصلاح والتنمية، محمد أنور السادات، للتحذير من ارتفاع غير المسبوق في سلسلة شراء الأصول والاستحواذات الخليجية على حصص في الشركات المصرية، والتي زادت بشكل ملحوظ هذه الآونة خصوصاً في النصف الأول من 2022.

وأطلق صندوق الاستثمارات العامة السعودي، الشركة السعودية المصرية للاستثمارات، خلال أغسطس/ آب الماضي، بدعوى الاستثمار في قطاعات البنية التحتية، والعقارات، والصحة، والزراعة، والأدوية في مصر، وبعد أيام من تأسيسها أعلنت الاستحواذ على حصص في أربع شركات حكومية مدرجة بالبورصة المصرية بقيمة 1.3 مليار دولار، وفق بيانات رسمية.

التباطؤ المصري في تنفيذ التسليم النهائي لجزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة العربية السعودية، ربما يكون أيضاً أحد أبرز أسباب الخلاف بين القاهرة والرياض

في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كشفت الشركة السعودية المصرية للاستثمار المملوكة للصندوق السيادي السعودي عن اعتزامها زيادة حجم استثماراتها في مصر خلال الفترة المقبلة، من خلال الاستحواذ على حصة بشركة مصر للألومنيوم، ورفع حصتها بالشركة المصرية الدولية للصناعات الدوائية-إيبيكو.

وفي حال تنفيذ صفقة الألومنيوم سيصبح إجمالي الشركات التي تمتلك بها الشركة السعودية المصرية للاستثمارات حصصا بها ست شركات، هي: أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية، ومصر لإنتاج الأسمدة-موبكو، والإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع، وإي فاينانس للاستثمارات المالية والرقمية، والمصرية الدولية للصناعات الدوائية-إيبيكو، وبي تك، والتي حصلت على حصة 34% منها مطلع أكتوبر الماضي.

وإجمالاً، خصصت دول خليجية 22 مليار دولار استثمارات وتمويلات لمصر، مقسمة  خمسة مليارات دولار أودعتها السعودية في البنك المركزي المصري، و10 مليارات أخرى يضخها الصندوق السيادي السعودي، وخمسة مليارات دولار تعتزم قطر استثمارها في مصر، وملياري دولار من صندوق أبو ظبي السيادي لشراء حصص في شركات مدرجة بالبورصة المصرية.

وعلى الرغم من تضاعف استثماراتها داخل مصر، يبدو أن خلافات بشأن طبيعة هذه الاستثمارات، فضلاً عن صفقات أخرى، ما تزال لم تجد طريقها للحل، قد تكون أحد أسباب توتر الأجواء بين سلطتي البلدين، إذ ما تزال هناك تحفظات مصرية بشأن خطة السعودية الاستثمارية في مصر، الأمر الذي قد تراه المملكة "وصاية" على أجندتها.

تيران وصنافير: ورقة مقايضة وتسوية

التباطؤ المصري في تنفيذ التسليم النهائي لجزيرتي تيران وصنافير- الإستراتيجيتين في البحر الأحمر - إلى المملكة العربية السعودية، ربما يكون أيضاً أحد أبرز أسباب الخلاف بين القاهرة والرياض، إذ نقل موقع Axios الأمريكي عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن مصر أبدت تحفظات، معظمها ذات طبيعة فنية، بشأن القوة المتعددة الجنسيات لحفظ السلام بقيادة الولايات المتحدة، والموجودة في تيران منذ سنوات، والتي كان يتعين مغادرتها بحلول نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2022، فضلاً عن تركيب كاميرات من المفترض أن تراقب النشاط في الجزيرتين، وكذلك في مضيق تيران، وهو الأمر الذي كان جزءاً من الاتفاق.

المسؤولون الإسرائيليون النافذون في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية قالوا إنهم يعتقدون أن مصر تعطل الصفقة بسبب قضايا ثنائية بينها وبين الولايات المتحدة، بما في ذلك المساعدات العسكرية الأمريكية، التي جمدت إدارة بايدن 10٪ من مخصصاتها السنوية، البالغة نحو 1.3 مليار دولار، بسبب "مخاوف" أمريكية بشأن أوضاع حقوق الإنسان داخل البلاد.

إلا أن هذا الطرح يبدو أنه لم يلق قبولاً لدى المسؤولين السعوديين، الذين ما يزالون ينتظرون تنفيذ السلطات المصرية تعهداتها لهم، منذ إبرام اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين في 2018، بينما يرون أن القاهرة ما تزال تستخدم القضية كـ"ورقة للمقايضة" في إطار تسويات سياسية واقتصادية.

القاهرة – أبو ظبي: شراكة وتعارض أولويات

على الجانب الآخر، وبينما احتفلت مصر والإمارات بمرور 50 عاماً على علاقتهما الإستراتيجية، تبدو أبو ظبي صاحبة اليد الأعلى في القرار المصري إلى حد ما، حيث تتصدر قائمة الدول التي تستحوذ على أصول مصرية، وتعد أكبر مستثمر في البلاد بقيمة 6.200 مليارات دولار، كما تعمل أكثر من 1250 شركة إماراتية في مصر برؤوس أموال تقترب من 20 مليار دولار.

أبرمت الإمارات نحو 20 صفقة للاستحواذ على أصول مصرية عام 2021 بزيادة بنسبة 67% عن العام السابق عليه، بقيمة تقترب من ملياري دولار، أغلبها في شركات رابحة داخل قطاعات حيوية، وهو الأمر الذي ما يزال يثير قلقاً متنامياً من طبيعة هذه الاستثمارات، خاصة مع الصراع الخفي بين البلدين، إلى جانب السعودية وقطر، على دور اللاعب الأكثر تأثيراً في المنطقة.

وعلى الرغم من الدعم منقطع النظير من الدولة الخليجية لمصر منذ تولي السيسي حكم البلاد في 2013، استخدمت أبو ظبي هذا الدعم كأيديولوجية مشتركة لاستخدام القاهرة حائط صد لها للإطاحة بجماعات الإسلام السياسي وتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة.

على الرغم من ذلك، اتبع البلدان أهدافاً مختلفة في السياسة الخارجية في نقاط متعددة في العقد الماضي، وفي بعض الأحيان، كانت لديهما أجندات متضاربة، حينما رفضت القاهرة إرسال قوات لدعم التحالف الخليجي في اليمن في عام 2015، كما واصلت مصر دعم الرئيس السوري بشار الأسد، على الرغم من معارضة بعض دول الخليج العربية لحكمه، دعمها لفصائل أخرى. كما قررت القاهرة عدم دعمها العلني للإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير في 2018، حتى أصبحت واقعاً، على الرغم من السعي الخليجي المبكر للإطاحة به من السلطة.

على الرغم من احتدام الخلاف بين القاهرة وأديس أبابا، تسابقت الرياض وأبو ظبي على دعم أثيوبيا مالياً، لتحظيا بنسبتيهما في قطاعات متعلقة بمشروع سد النهضة

سد النهضة... المصلحة قبل الحليف

الخلافات بين القاهرة وأبو ظبي والرياض امتدت أيضاً لتشمل قضايا ذات أهمية حيوية لمصر، بما في ذلك تلك الموجودة في ليبيا والقرن الإفريقي، حيث تمتلك السعودية قاعدة عسكرية في جيبوتي، بينما تتمركز قاعدة إماراتية أخرى في ميناء عصب بإريتريا، وهي منطقة بالغة الأهمية للأمن الإستراتيجي والمائي لمصر.

غضب متصاعد ما تزال تكتمه القاهرة بشأن دعم الإمارات والسعودية لإثيوبيا، حيث تعد الحليفتان الإستراتيجيتان لمصر أكثر الدول الخليجية استثماراً في أديس أبابا ذاتها، فعلى الرغم من احتدام الخلاف بين القاهرة وأديس أبابا، تسابقت الرياض وأبو ظبي على دعم أثيوبيا مالياً لتحظيا بنسبتيهما في قطاعات متعلقة بمشروع سد النهضة.

تعد السعودية ثالث أكبر المستثمرين الأجانب في إثيوبيا بنحو 294 مشروعاً، وباستثمارات تقدر بستة مليارات دولار، أبرزها في مجالات الزراعة والإنتاج الحيواني، كما يعد رجل الأعمال السعودي الإثيوبي محمد العمودي أحد أبرز ممولي سد النهضة، وقدمت المملكة ملايين الدولارات من المساعدات لأديس أبابا لاستكمال المشروع، حيث أعلنت منح إثيوبيا قرضين بقيمة 140 مليون دولار لتمويل مشروعات لـ"البنية التحتية والطاقة".

مجلس الأعمال الاستشاري الإماراتي الإثيوبي بإشراف من السفارة الإماراتية في أديس أبابا، أعلن بدوره عن خطة بقيمة مليارات الدولارات، في مشروعات استثمارية في إثيوبيا بمجالات الزراعة والإنتاج الحيواني والطاقة أيضاً، كما تعهدت أبو ظبي بضخ ثلاثة مليارات دولار في الاقتصاد المحلي الإثيوبي، واستحوذت شركات إماراتية على نحو 40 مليون فدان في إثيوبيا بداعي تأمين احتياجاتها من الغذاء.

بالإضافة إلى صفقات التطبيع الأخيرة مع إسرائيل التي ما تزال مصر تتحسس تأثيرها على دورها التاريخي في المنطقة، حيث استغلتها أبو ظبي لتوسيع نفوذها في المنطقة وخارجها، خاصة داخل الأراضي المحتلة بداعي أن مصر لم تعد الآن المفاوض العربي الوحيد مع إسرائيل كما في السابق، بعد توسع قاعدة الدول العربية المطبعة مع تل أبيب.

أوراق مصرية على طاولة اللعبة

وبينما تستغل الرياض وأبو ظبي أوراقهما الاقتصادية والسياسية في لعبة الهيمنة على صناعة القرار بالمنطقة، ما تزال القاهرة أيضاً تمتلك وسائلها التي تمكنها من المناورة للاحتفاظ بمكانة هامة داخل دوائر صنع القرار الإقليمي، وعلى رأسها موقعها الحيوي في المنطقة العربية والإفريقية، فضلاً عن الملفات السورية والليبية والسودانية، وداخل القارة الإفريقية، وملف تسليم "تيران وصنافير" للسعودية، فضلا عن ثقلها التفاوضي لإنهاء الصراعات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهو الأمر الذي لم تمتلك الإمارات تأثيراً مماثلاً له على الرغم من صفقة التطبيع، بالإضافة إلى ملفي غاز المتوسط والمهاجرين اللذين ينظر إليهما الغرب بكثير من الأهمية، وإن كانت القدرة على استخدام هذه الأوراق تراجعت بشكل واضح.

التنافس بين الحلفاء الثلاثة قد يطول أبعد مما يظن البعض، خاصة مع استمرار الخلافات "غير المحلولة"، إلى أن تتلقى أذرعهم السياسية والاقتصادية والإعلامية ضوءاً أحمر لوقف إطلاق "نار الانتقادات" حال التوصل إلى تفاهمات قد تعيد العلاقات إلى نقطة الهدنة، لكن بالتأكيد لن تعود كسابق عهدها بعد الآن.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image