في 24 يناير/ كانون الثاني المنقضي، كشف أيمن سليمان المدير التنفيذي لصندوق مصر السيادي أن السعي جارٍ لجذب استثمارات لفنادق مملوكة للدولة "في صورة زيادات رؤوس أموال"، لافتاً إلى "الاهتمام الكبير" من عدّة تحالفات خليجية وأجنبية للاستثمار فيها بنسبة مئوية قد تصل إلى 30%.
الخبر الذي أعلنه مسؤول الصندوق الذي آلت إليه ملكية أصول كانت تنوب الدولة عن الشعب المصري في إدارتها، وتعود أرباحها إلى الخزانة العامة، يتعلق بفنادق تُعدّ من العلامات التراثية المصرية. وهذه خطوة جديدة تؤكد ما أعلنه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في يونيو/ حزيران 2022 من أنه "سيتم دمج عدد من الفنادق تمهيداً للطرح في البورصة بغية التوسع في حوكمة المؤسسات الحكومية".
وذكر موقع "الشرق" الإخباري، نقلاً عن مسؤول حكومي مصري، أن الفنادق المُخطط طرحها للبيع تتوزع على عدة محافظات، وهي: ماريوت القاهرة (سراي الجزيرة)، ومينا هاوس الهرم، وسيسل بالإسكندرية، ووينتر بالاس الأقصر، ثلاثة فنادق في أسوان هي كتاراكت وموفنبيك وألفنتين.
في ما يلي، نظرة على أبرز المحطات في تاريخ تلك الفنادق التي يتخطى عمر بعضها 150 عاماً، كانت خلالها شاهدة على العديد من الأحداث السياسية والثقافية في التاريخ المصري المعاصر.
ماريوت القاهرة
استعداداً لتدشين قناة السويس، اتخذ حاكم مصر الخديوي إسماعيل عدداً من الإجراءات، منها تأسيس قصر على الضفة الغربية لنيل القاهرة في موقع حي الزمالك الحالي، فظهر للعالم "قصر الجزيرة" عام 1869، بتكلفة خرافية في ذلك الوقت، بلغت 750 ألف جنيه، وذلك لفخامة معماره وديكوراته التي تجمع بين الطرز العربية والأوروبية، صممها المهندسان الألمانيان جوليوس فرانز وكارل فون ديتش.
كان "قصر الجزيرة" ضمن قائمة الممتلكات التي فُرِضت الحراسة عليها ثم جرى تأميمها في عهد عبد الناصر، وتغير اسمه إلى "فندق عمر الخيام"، ثم انتقلت الإدارة في عهد السادات إلى الشركة العالمية "ماريوت"
كان إسماعيل يرغب في إبهار ضيوفه القادمين من مختلف أرجاء العالم لحضور حفل افتتاح القناة؛ ليكون القصر محلاً لاستقبال ملوك وأمراء، أبرزهم الإمبراطوة الفرنسية أوجيني، التي طالما ترددت الأقاويل عن عشق الخديوي لها، مثلما كان القصر نفسه شاهداً على ميلاد أبنائه وزواجهم.
لكن، بعد عقد من الحفل وبسبب تراكم ديون إسماعيل بيع القصر لشركة أوروبية خاصة وتحول إلى فندق يحمل الإسم نفسه. وبيع عام 1919 إلى أحد أمراء الشام حبيب لطف الله الذي حوّله إلى سكن خاص، بعد عام من انتهاء الحرب العالمية الأولى التي حوّله خلالها الإنجليز محتلو مصر آنذاك إلى مستشفى عسكري لجنودهم.
بعد انتهاء العصر الملكي، كان "الجزيرة" ضمن قائمة الممتلكات التي تم فرض الحراسة عليها ثم تأميمها على يد الرئيس جمال عبد الناصر، وتغير اسمه إلى "فندق عمر الخيام"، ثم انتقلت الإدارة في عهد السادات إلى الشركة العالمية "ماريوت"، وإن ظلّت ملكية أرضه ومبانيه للشركة المصرية القابضة للسياحة والفنادق "إيجوث".
شركة ماريوت العالمية قامت ببناء برجين على الطراز الحديث بجوار القصر، لتشغل المباني نسبة 35% من مساحته البالغة أربعة آلاف متر مربع، وأجريت أعمال تطويره في العام 2019 بتكلفة 800 مليون جنيه تقريباً.
ورغم المظاهر الحديثة، بقيت الشركة حريصة على الاستغلال الأمثل لطابعه التاريخي كما يبدو في إعلانها عنه للجمهور كمكان "يمتعهم بحياة الملوك داخل قصورهم"، أو في احتفالها قبل أعوام بمرور قرن ونصف على إنشائه. وقد كان قبلها بعقد كامل (2009) مُضافاً إلى سجلات التراث المعماري لمحافظة القاهرة.
مينا هاوس الأهرام
كان أيضاً واحد من قصور الخديوي إسماعيل، وبناه ليكون استراحة له عندما كان يذهب في رحلات صيد في صحراء الأهرامات، وتم افتتاح القصر في العام نفسه الذي افتتح فيه قصر الجزيرة، لكنه ربما يكون الوجهة الأفضل لأنه قريب من أهرامات الجيزة؛ "ما جعله مقصداً للمغامرين والرحّالة في منذ عصر إسماعيل"، وفقاً لما ورد في رسالة ماجستير بجامعة القاهرة تحت عنوان "عمارة الفنادق في القاهرة الخديوية".
جاء إلى مينا هاوس مشاهير منهم الأميرة ديانا، والفنان الكوميدي شارلي شابلن، والمغني الأمريكي فرانك سيناترا، والكاتبة أغاثا كريستي، كما كان الفندق موقعاً لتصوير أعمال فنية عالمية ومصرية مثل فيلم "وادي الملوك" و"صاحب الجلالة"
الاستراحة تم استغلالها أيضاً بمناسبة تدشين القناة، لاستضافة مَن رغبوا في زيارة الأهرامات من الملوك والأمراء. لكن مصير هذه الاستراحة لم يختلف عن مصير قصر الجزيرة، فالديون أدت إلى بيعها لرجل بريطاني عام 1883، وهذا حوّلها إلى منزل، ونسبه إلى الملك الفرعوني مينا فصار اسمه "مينا هاوس"، ثم بيع مرّة أخرى إلى إنجليزي آخر حوّله إلى فندق تم افتتاحه عام 1886.
بعد عقود من استضافة زوّار إسماعيل، جاء إلى مينا هاوس مشاهير آخرون، منهم الأميرة ديانا، والفنان الكوميدي شارلي شابلن، والمغني الأمريكي فرانك سيناترا، والكاتبة أغاثا كريستي، كما كان الفندق موقعاً لتصوير أعمال فنية عالمية ومصرية مثل فيلم "وادي الملوك" للمخرج روبرت بريوش الذي استعان بالفنانة المصرية الراحلة سامية جمال لتكون ضمن ممثليه، و"صاحب الجلالة للمخرج فطين عبد الوهاب وبطولة فريد شوقي وفؤاد المهندس.
عدا السياحة والفن، كان الفندق محلاً لأحداث سياسية تاريخية، ففيه اجتمع قادة معسكر الحلفاء في الحرب العالمية الثانية وهم الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت ورئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل والقائد السوفياتي ستالين، في منتصف أربعينيات القرن الماضي لوضع شروط الهدنة وخطوط السياسة العالمية الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية فيما عُرف بـ"مؤتمر واستعراض القاهرة".
وبعد ذلك بعقود، في عام 1977، كان محل محادثات السلام بين الرئيس أنور السادات والرئيس الأمريكي جيمي كارتر ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن، فيما عُرِف باسم "مؤتمر مينا هاوس".
الفندق الذي يمتد على مساحة أكثر من 29 فداناً بالإضافة إلى 37 فداناً خاصة بملاعب الغولف، تشابه فيما مرّ به من محطات مع "ماريوت"، حسبما ذكرت عنه الدراسات، إذ تحول إلى معسكر ومستشفى خلال الحرب العالمية الأولى، ثم انتقلت ملكيته إلى شركة نانغوفيتش السويسرية، إلى أن طاله قرار التأميم في الستينيات، وامتلكته في السبعينايت شركة (إيجوث)، التي احتفظت بملكيته وإن كانت إدارته أيضاً مع ماريوت العالمية.
سيسل الإسكندرية
فندق "شتايجنبرجر سيسل" ذو الموقع المتُميز في محافظة الإسكندرية والواقع في القلب تماماً من عروس البحر المتوسط، تم بناؤه عام 1929 بتصميم من المعماري الإيطالي جوسيبى إليساندرو لوريا، الذي صمم مباني أخرى في مصر، منها فرع "بنك دي روما" ومبنى "فرح وسالم" في المحافظة نفسها، ومبنى "ساسون وابنه" في مصر الجديدة بالقاهرة.
استقبل سيسل نزلاء مشاهير مصريين وعالميين، مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والمُلاكم محمد علي كلاي، والمغني إلفيس بريسلي، والكاتبة أغاثا كريستي، والأديب المصري طه حسين
الفندق ذو التصميم الإيطالي الفلورنسي مُمتد على مساحة تتخطى الألف متر مربع، كان مالكه الأول هو الثري الألماني ألبرت متزجر الذي اختار له اسم ابنه "سيسل".
واستقبل سيسل نزلاء مشاهير مصريين وعالميين، حسبما تُوثّق سجلاته، مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والمُلاكم محمد علي كلاي، والمغني إلفيس بريسلي، والكاتبة أغاثا كريستي، والأديب المصري طه حسين، مثلما تحمل بعض غرفه أسماء مشاهير مثل فريد الأطرش، وأم كلثوم.
وبالمثل، تم تأميم الفندق في عهد عبد الناصر، وانتهت محاولات ورثة مُلّاكه الأصليين لاسترداده بخسارة القضية في الثمانينيات إلى أن وصلوا عام 2007 إلى تسوية نهائية مع الشركة القابضة للسياحة والفنادق.
والآن، تمتلك إيجوث كامل أرض ومباني الفندق، بينما إدارته في يد شركة شتيجنبرجر الألمانية، ويعرف باسم فندق "سوفيتيل سيسل الإسكندرية".
وينتر بالاس
لا يقل عمر "وينتر بالاس" كثيراً عن قصور الخديوي إسماعيل، إذ بُني قبل 137 عاماً، تحديداً في سنة 1886، واسمه بالعربية "القصر الشتوي"، في دلالة على الهدف من بنائه وهو وجود استراحة للأسرة الحاكمة في الشتاء؛ وقد وقع الاختيار على مصر العُليا، وتحديداً محافظة الأقصر، لبنائه قريباً من معبدها ومُطلاً على النيل.
تم افتتاحه وتشغيله عام 1895، فيما تُشير دراسة إلى أن بناءه الذي كان على الطراز الفيكتوري جرى عام 1903 بمشاركة رجل الأعمال الإنجليزي الرائد في مجال السياحة توماس كوك وتشارلز بِهلر وجورج نانجوفيتش.
بفضل موقعه المتميز استضاف "القصر الشتوي" العديد من الضيوف، وأبرزهم هوارد كارتر الذي ارتبط اسمه باكتشاف مقبرة توت عنخ آمون عام 1922، ومنه أٌعلن خبر الاكتشاف الأثري. كما نزل به رئيس وزراء فرنسا جورج كليمنصو، وملك بلجيكا ألبرت الأول، وكان أحد مقارّ الملك فاروق الذي ما زال جناحه الخاص الذي اعتاد الإقامة فيه بالفندق يحمل اسم "رويال سويت".
وعام 1996 تمت إضافة ملحق البافليون وجرى تشغيله عام 1997، وتديره الآن شركة "أكور" الفرنسية، لكن ملكيته الكاملة لـ"إيجوث" المصرية، التي مثلما فعلت بشأن "مينا هاوس"، تفاوضت عام 2020 مع عدة بنوك للحصول على قرض بقيمة 400 مليون جنيه لتطوير "وينتر بالاس". وقد تأكدت قيمته التاريخية عبر قرار لتسجيله أصدره المجلس الأعلى للآثار يحمل رقم 1334 لسنة 2010.
يتميز "كتراكت" بطرازه المكون من المزيج الإنجليزي الفيكتوري والشرقي، وبكونه محاطاً بالحدائق والمشاهد الطبيعية للنيل، ومنها الشلال الذي استمد منه اسمه بالإنجليزية "كتراكت" والمعالم الأثرية مثل قبر أغا خان
كتراكت وموفنبيك أسوان
إلى الجنوب من الأقصر، وفي محافظة أخرى غنية بالآثار هي أسوان، يوجد فندق "كتراكت" على إحدى الصخور المُطلّة على النيل، ويعود تاريخ إنشائه إلى عام 1899، وألحق به فندق آخر هو "نيو كتراكت" بعد حوالى نصف قرن، تحديداً عام 1963، ليمتد على مساحة 38 ألف و615 متر مربع.
يتميز الفندق بطرازه المكون من المزيج الإنجليزي الفيكتوري والشرقي فحسب، أو بكونه محاطاً بالحدائق والمشاهد الطبيعية للنيل ومنها الشلال الذي امتد منه اسمه بالإنجليزية "كتراكت" والمعالم الأثرية مثل قبر أغا خان. ويتميّز أيضاً بحفظه مكتبة تضم أعمالاً أدبية لكتاب عالميين وثّقوا تاريخ مصر.
أمّا ما وثّقته تقارير صحافية عن الفندق، خاصة بعد تجديده الذي استمر من عام 2008 إلى عام 2011، فدار حول حكايات من أيام اندلاع الحرب العالمية الثانية وكيف صار الفندق وجهة للجنود الإنجليز، وما كان من ظهور إعلانات للفندق عام 1946 بعد انتهاء الحرب، وقد كانت إدارته سويسرية، بينما موظفوه من اليونانيين والإيطاليين والمصريين النوبيين.
الفندق الذي حضر الخديوي عباس حلمي افتتاح مطعمه الرئيسي عام 1902، كان قِبلة مشاهير مثل الروائية أغاثا كريستي، والرئيس الأمريكي جيمي كارتر، ورئيس الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر. وتمتلكه الآن شركة "إيجوث" المصرية، بينما الإدارة لشركة "أكور" الفرنسية.
أما موفنبيك، فهو فندق حديث نسبياً مُقارنة بالفنادق الخمسة الأخرى، لأنه مبني عام 1975، بجزيرة ألفنتين في قلب النيل بمحافظة أسوان، على بعد 500 متر من جزيرة النباتات، و1.5 كيلومتر من متحف النوبة، ومثلها تقريباً بينه وبين قبر أغا خان.
وينتسب الفندق إلى علامة "موفنبيك" العالمية التي أطلقها صاحب الفنادق السويسرية، أولي براغر عام 1948 مُخصصةً لمطاعم، قبل أن يتجّه في السبعينيات لبيزنس الفنادق أيضاً لتنتشر مبانيه في دول متعددة، مثلما صار له أكثر من فرع في مصر.
الفندق المملوك لـ"إيجوث" والمُدار على يد شركة "أكور"، لم يسلم مما تتعرض له القطاعات الاقتصادية المختلفة من أزمات، إذ شهد عام 2012 اعتصاماً من عماله للمطالبة بـ"وضع حد أدنى للأجور، وزيادة الرواتب ومطالب تخصّ الحوافز"، ثم أعادت الحكومة افتتاحه عام 2016 بعد تطويره بتكلفة 220 مليون جنيه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ 20 ساعةtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...