شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
هكذا ساهم المجتمع بتعرّضي لاعتداء جنسيّ

هكذا ساهم المجتمع بتعرّضي لاعتداء جنسيّ

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء

الثلاثاء 7 فبراير 202301:48 م

  تأتي هذه المدونة كجزء من مشروع "مش عَ الهامش"،
 والذي يسلط الضوء على الحقوق والحريات والصحّة الجنسيّة والإنجابيّة في لبنان.

سبع سنوات مرّت على أسوأ وأقسى ذكرى شاءت أن تطاردني اليوم: الاعتداء الجنسي.

كنتُ أعتقد أن الوقت كفيل بأن ينسيني الحادثة برمّتها، لكنني وجدتُ نفسي بعد سنين، أقف وجهاً لوجه أمام الحدث المؤلم، وجدتُني أمام المشاعر السيئة نفسها وكأنّني أعيشها من جديد... ما الذي حصل؟ لماذا تخونني ذاكرتي الآن بعد أن وهبتني لأعوام القدرة على النسيان؟ 

لم أدرك سوى بعد أشهر من الصراعات الخفيّة أنّ ما أعانيه يندرج تحت اضطراب نفسي يسمى بـ "اضطراب ما بعد الصدمة". عرفتُ بعد جلسة تشخيص لدى مختصّ أن كمّ الذكريات والأفكار التي اجتاحت عقلي ووضعتني في مواجهة مع حقيقة حرصت على إخفائها دوماً، كانت عارضاً أساسياً للاضطراب.

"المعرفة نصف الحل"، هكذا أقنعتُ نفسي أنني اقتربتُ من الشفاء، وسأعمل جاهدةً لكي أصل بنفسي إلى آخر الطريق، لكنّ الأمر ما لبث أن ازداد سوءاً بعد أيام.

فقدتُ شهيّتي على الطعام كما لم يحصل من قبل، وأخذت كلّما أنظر إلى المرآة أرى فتاةً نحيلة يبدو عليها التعب والإرهاق. ما هذا السواد الذي أراه تحت عيوني؟ لماذا أكاد لا أرى وجنتيّ؟

كنتُ أعتقد أن الوقت كفيل بأن ينسيني الحادثة برمّتها، لكنني وجدتُ نفسي بعد سنين، أقف وجهاً لوجه أمام الحدث المؤلم، وجدتُني أمام المشاعر السيئة نفسها وكأنّني أعيشها من جديد...

انتابني حزن شديد، أكاد أقسم أنه لو اجتمعت سعادة الكون كلها ما كانت لتُخرجني من حالتي تلك. شعرتُ بنفسي كالشمعة تذوب على مهل: رغبة شديدة في البكاء، نار تشتعل في صدري وخوف يكبر شيئاً فشيئاً... حاولتُ مراراً أن أسعد نفسي بشتى الطرق لكنني فشلت. كيف باتت طقوسي القديمة تُؤلمني؟ 

 شعرتُ أنني سيئة بنظري وبنظر الآخرين، شعرتُ أن الآخرين أيضاً سيئون. نَمَت في داخلي رغبة جامحة بأن أصرخ، أن أقول لهذه الأرض أن ابلعيني، لم يعد باستطاعتي أن أواجه هذا العالم اللعين ولا أن أواجه نفسي البائسة حتى.

دخلتُ في دوامة من الشعور بالذنب، لم يخلُ ذهني من مئات التساؤلات التي كنت أطرحها باستمرار: كيف سمحتُ للاعتداء أن يحصل؟ لماذا أنا بالتحديد؟ هل أنا مذنبة؟ هل كان من المفترض أن أكشف حقيقة المعتدي أم أنني اخترتُ أهون الشرّين؟ 

في غمرة التساؤلات، توقفت عند سؤال بحدّ ذاته كاد يفقدني عقلي: هل فقدتُ عذريتي نتيجة الاعتداء؟

وفي غمرة التساؤلات، توقفت عند سؤال بحدّ ذاته كاد يفقدني عقلي: هل فقدتُ عذريتي نتيجة الاعتداء؟

حاولتُ استذكار كل التفاصيل التي يمكنها أن تعطيني إجابة واضحة، واكتشفتُ في رحلة البحث تلك كم أنني أفتقد للمعرفة الجنسية، للحدّ الذي يجعلني غير مدركة حتى لطبيعة الاعتداء الذي حصل، وفيما اذا كان قد أفقدني عذريتي أم لا. 

لم يكن حصولي حينها على إجابة "شافية" حلاً جديداً كما اعتقدت، بل بقيتُ سجينة أفكاري السلبية وذكرياتي وآلامي لشهور، وكانت لدائرة اللوم أن اتسعت أكثر لتطال، ليس فقط الجاني والضحية، بل عائلتي، بيئتي، مدرستي وديني. 

ماذا لو كانت تلك الأركان الأربعة قد اجتمعت لتعلمّني أكثر عن جسمي وجسم الجنس الآخر؟ ما الذي جعلها تبني سداً منيعاً بيني وبين الجنس؟ ألم يجدر بها أن تعرّفني على كل أشكال الاعتداءات الجنسية؟ ألم يكن من حقّي أن أعرف دوائر الأشخاص القريبة والبعيدة التي من الممكن أن تنتهك جسدي؟ وماذا عن الردع؟ لماذا لم تعلّمني الرفض وعدم الانصياع؟ لماذا صنعت مني شخصاً يخاف من التصدّي إذا تعلّق الأمر بجسدي؟ لماذا جعلتني أعيش الصدمة بكلّ قوّتها دون أن تسلّحني بأبسط المعارف؟

كيف يمكنني أن أحمي نفسي من فعل غامض لا أفقه عنه شيئاً؟ ولنقل إنني لم أستطع أن أتحكّم بمجريات ما حدث، أليس وقع الصدمة ليكون أقلّ لو امتلكتُ المعرفة المسبقة؟

لماذا علينا أن نتذوق ألم التجربة وتداعياتها اللامتناهية حتى نفهم ما كان يمكن أن نفهمه منذ البداية، حتى نمتلك من الجرأة ما يكفي للمواجهة منذ المرة الاولى؟

 استطعتُ أن أُجيبَ بنفسي عن هذه الأسئلة، حتى أدركتُ كيف أنّ مجتمعي "يكيل بمكيالين": يجب ألا نعرف الكثير عن الجنس، ولكن "أنت وشطارتك" إذا تعرّضت لمحاولة انتهاك جنسي.

ماذا لو كانت تلك الأركان الأربعة قد اجتمعت لتعلمّني أكثر عن جسمي وجسم الجنس الآخر؟ ما الذي جعلها تبني سداً منيعاً بيني وبين الجنس؟ ألم يجدر بها أن تعرّفني على كل أشكال الاعتداءات الجنسية؟

أما بقيّة التساؤلات والأفكار السلبية والهواجس، فحملتُها معي إلى العلاج النفسي، عندما أيقنت أن القوة تكمن في مواجهة الحقيقة وليس في الهروب منها. 

عرفتُ أن ثمة قوة غير مرئية ساعدتني كل تلك السنوات، تمثّلت بحبّ الذات. كنتُ قوية لأنني أحببتُ نفسي في وقت خُضت فيه أصعب المواقف والظروف. ساعدتُ نفسي على تقبّل الجسد الذي انتُهك، دون أن أحمّله مسؤولية ما حصل. منحتُ لنفسي الحب دون أن أنتظره من الآخرين. تقبّلت في جسدي العيوب وقدّستها تماماً كما قدّست المحاسن.

اليوم، أشارك تجربتي هذه وقد دخلتُ في طور العلاج، لا لأشجّع ضحايا الاعتداءات الجنسية للتشافي فحسب، ولا لأعرّي زيف مجتمعنا "المحافظ" الذي يرفض الاعتراف بوجود انتهاكات جنسية فقط، بل لأؤكد أن نشر الوعي الكافي حول المسائل المتعلقة بالجنس قد يُجنّبنا الكثير من الصدمات وتبعاتها المؤلمة، ولأتوجه للأركان الأربعة الغائبة بالقول: لا تجعلوا الجنس "بُعبعاً" ينال من أطفالكم، علّموهم حدود الآخرين في التعاطي مع أجسادهم، حدّثوهم عن المعقول واللا معقول الذي يمكن أن يتعرّضوا له، وسّعوا مدارك معرفتهم كيلا يقعوا فريسةً لوحوش المجتمع.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard