"أنا زي مامتك، نفسي في طلب. ابني في الجامعة، ممكن تساعديني ولو بطقم ملابس"... كانت هذه رسالة سيدة وجهتها للإعلامية الرياضية المصرية مي حلمي، الشهيرة بـ"مذيعة الراديو".
مي حلمي التي لم تتجاوب مع الطلب ولم تكتفِ بتجاهله، قرّرت أن تخرج في مقطع فيديو للردّ على تلك الرسالة، تنتقد فيه السيدة معلنة حيثيات رفضها، الأمر الذي عرّضها لهجوم كبير عبر منصات التواصل الاجتماعي المُختلفة.
في الفيديو الذي خصّصته مي للردّ على السيدة، تطرقت لأكثر من نقطة، أهمها ضرورة تحمّل الشاب لمسؤولياته وعدم ترك الأمر لوالدته لـ"تشحت" عليه، بحسب وصفها، وإن كان يحتاج لملابس فلا بد أن يعمل بجانب دراسته لتوفير ذلك، واعتبرت أن نشأة الأبناء على عدم تحمّل المسؤولية هو بالأساس نِتاج تربية الأم.
"ربي راجل"
"ربي راجل"، كان خلاصة فيديو مي الذي طالبت فيه كل امرأة أن تُربي رجلاً يمكن الاعتماد عليه مُستقبلاً، لا ينتظر مثلاً أن تقوم زوجته بالعمل والإنفاق عليه، وأن تكون هي رجل المنزل، كحالات كثيرة نصادفها بشكل شخصي يومياً.
في الفيديو خاطبت مي السيدة مُنفعلة، وقالت: "ليه تفكريني بأيام سودا... عودي ابنك يكون راجل مش اعتمادي ولا اتكالي، عشان مراته متعانيش، وإلا متخلفوش وتوجعوا دماغنا".
هل أخطأت مي حلمي؟
بعيداً عن حالة الهجوم التي طالت مي حلمي من روّاد التواصل الاجتماعي وصُنّاع المحتوى الذين استغلوا انتشار فيديو ردّها على "السيدة"، وأضافوا الكثير من الموسيقى والتأثيرات الصوتية واقتطاع الفيديو من سياقه والهجوم عليها بشكل مُباشر أو غير مباشر، حتى وصل الأمر بأحد صُنّاع المحتوى للتعليق: "دا أنتِ عايشة على قفا الخلايجة يا مي"، لتتقدم بدورها ببلاغ ضده وتتوعّد بمحاكمته، دعونا نسأل أنفسنا بشكل مُباشر: "هل أخطأت مي حلمي فعلاً في رسالتها؟".
أعتقد أن مي حلمي قد أخطأت جزئياً إذ ألقت بمسئولية التربية على الأم فقط دون الأب، وهو الأمر الذي يُمكن أن نأخذه عليها، لكن أعتقد أنها ربما عنت ذلك من مُنطلق "سلو بلدنا" بأن الأم هي التي تُشكّل الأبناء، وهي المسؤولة عن تصرّفاتهم، وهي بالمناسبة جملة طالما سمعتها من زوجي عندما يُخطيء ابني مثلاً "غلطة" يُمكن التغاضي عنها، لكن في معظم الأحوال يتعمّد "أبو العيال" إلقاء اللوم عليّ في هفوات الصغار، ويُعلق: "تربيتك ياهانم".
ومع تكرار تلك المقولة لي ولغيري، قد تكون تلك الفكرة تأصلت لدى "مذيعة الراديو" أيضاً، كنتاج للخبرات الاجتماعية التي بكل تأكيد قد تكون اكتسبتها من حولها، لذا أعتقد أنها لا تعني تحديداً إقصاء الرجل عن تربية الأبناء.
"ربي راجل"، كان خلاصة فيديو مي حلمي الذي طالبت فيه كل امرأة أن تُربي رجلاً يمكن الاعتماد عليه مُستقبلاً، لا ينتظر أن تقوم زوجته بالعمل والإنفاق عليه، وأن تكون هي رجل المنزل، كحالات كثيرة نصادفها
فالأم ليست فقط هي المسؤولة عن تنشئة رجل اتكالي ينتظر أن تنفق عليه زوجته، كما كانت تفعل والدته في وقت سابق، وهو نتاج تربية مشتركة محورها أم وأب، كيلا ينشأ اتكالياً بسبب أب لا يعي جيداً مسؤولياته، وهو ما تثبته الإحصاءات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فمن بين 24.7 مليون أسرة في مصر، هناك 3.3 مليون أسرة تعولها امرأة، منهن 16.6 من المتزوجات يُعلن أسرهن بالكامل، وقد تكون تلك الأم إحدى هؤلاء.
تجربة ذاتية
المحور الثاني في رسالة مي، والذي عرّضها للهجوم من وجهة نظري، هو اختيارها تلك الرسالة تحديداً وكسر "خاطر الست"، وكان من المُمكن أن تتجنبها مثلاً، وتتجاهل الطلب.
ومن وجهة نظر محايدة تماماً ربما التجربة السابقة لمي حلمي هي التي دفعتها لاختيار تلك الرسالة تحديداً، لما ألقته على نفسها من آلام أعادت إلى ذهنها علاقتها بطليقها المطرب المصري محمد رشاد، التي كانت حديث وسائل التواصل الاجتماعي لما شهدته من شد وجذب بدأ بطلاق ثم عودة ثم طلاق.
لعل هذا ما أشارت إليه عندما خاطبت السيدة: "ليه فكرتيني بأيام سودا، ليه يستنى مراته تصرف عليه"، في إشارة لما أدلت به من تصريحات بأنها في فترة من فترات زواجها كانت تنفق على المنزل، مٌعلقة في حوارها مع إيناس الدغيدي في رمضان 2021: وهو ما نفاه رشاد لاحقاً: "الراجل لو هيبيع مناديل في الشارع ميخليش الست تصرف عليه".
وبصرف النظر عن تصريحاتها السابقة أو ردود طليقها، فمي كما غيرها من النساء اللاتي قد تعرّضن لتجربة زواج فاشلة، وربما ما حدث من اختيارها لرسالة تلك السيدة هو إسقاط نفسي من جانبها على حماتها السابقة، التي قالت بشكل مباشر في إحدى لقاءاتها إنها سبب كبير في طلاقها، وكانت سبباً في تركه لها ليلة زفافها.
اتكالية الرجال
على الرغم من الهجوم على مي حلمي إلا أن كثيرات في مجتمعاتنا عانين من اتكالية الرجال، وربما من بينهن المهاجمات لها، فكم من رجل عاش حياته معتمداً على والدته أو والده في توفير أساسيات حياته حتى زواجه، لينتقل دور الإنفاق من الأم إلى الزوجة، ليصير بعد الزواج "ذكراً" له احتياجات جنسية فقط، يُطالب بها ليلاً ونهاراً، من دون أن يُلبي مسؤولياته تجاه بيته.
كم من امرأة تعاني بيننا وتخرج للعمل يومياً تاركة خلفها زوجاً اتكالياً يُطالبها بتسديد نفقات المنزل كما كانت تفعل أمه، لأنه تربى أن هذا هو دور المرأة، وعليه فقط أن يعمل قدر استطاعته ووقتما شاء
وكم من امرأة تعاني بيننا وتخرج للعمل يومياً تاركة خلفها زوجاً اتكالياً يُطالبها بتسديد نفقات المنزل كما كانت تفعل أمه، لأنه تربى أن هذا هو دور المرأة، وعليه فقط أن يعمل قدر استطاعته ووقتما شاء.
وكم من امرأة انصدمت بتلك الحال، وفي الوقت نفسه ترفض طلب الطلاق، لأن المجتمع سينقلها من خانة الزوجة الناقمة على زوجها إلى خانة المُطلقة، وما أدراك ما المُطلقة وما تُعانيه في المجتمع.
"أ. ع" إحدى هؤلاء السيدات التي يعانين مع زوج نشأ على توفير كل ما يطلب، ورغم عمل الأب والأم في مهنة بسيطة كعمال نظافة، لتجد هي واقعاً مريراً تعيشه يومياً لتوفير احتياجات المنزل.
حدثتني الفتاة التي لم يتجاوز عمرها الـ25 عاماً عن حياتها التي كانت تحلم بها قبل الزواج، وكيف كانت تُخطط لمُستقبلها قبل التعرف على هذا الشاب الذي وعد بمساعدتها على استكمال تعليمها، لكنها اصطدمت بواقع مرير، إذ يرفض العمل ويحملها مسؤولية المنزل كاملة، ناهيك عن وجود طفل يحتاج إلى نفقات خاصة.
حاولت "أ. ع" التحدث مع والدها كثيراً لإنهاء تلك الزيجة، فكان رده عليها: "تنتهي علاقتك بزوجك عند وفاتك فقط، دا سلونا"، لتترك أحلامها وراءها ولأول مرة تعمل كخادمة في أحد المنازل.
"دا سلو عيلتنا وكل اللي حوالينا، الست تساعد جوزها حتى لو هتبيع عفش بيتها"، هكذا ردّت حماتها عند شكوتها، ولم يكن حديثها عن بيع "عفش البيت" مجرّد كلام عابر في نصيحة، لكنه حدث بالفعل عندما عادت "أ" من عملها يوماً لتجد زوجها قد باع عدداً من المفروشات بمبلغ زهيد، كيلا تشتكي هي من عدم ذهابه للعمل، وعند رفضها لذلك كان جزاؤها "علقة سخنة".
هناك مئات القصص لحالات مثل "أ. ع" وربما أقسى، فحواها جميعاً أن نشأة رجل مسؤول لا تأتي مرة واحدة، لكنها نتاج تربية كما قالت مي حلمي، تربية مُشتركة بين الأم والأب، وليس الأم فقط كما قالت مي، أو كما يقول "سلو" العيلة كما يقول البعض.
ليس دفاعاً عن مي حلمي، لكن أجدها محقة نسبياً في تعليقها بضرروة تربية أبنائنا على تحمّل المسؤولية، وإن كانت الأم بمفردها ليست مسؤولة عن ذلك، فالمهمة مُشتركة بين الأم والأب، وعلينا أن نربي رجالا مسؤولين بعيداً عن "سلو بلدنا".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون