شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
فيلم

فيلم "طنطورة"... إسرائيل نشأت على حفر مردومة بجثث الفلسطينيين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والتاريخ

السبت 4 فبراير 202301:24 م

سدّ منيع صنعته دولة الاحتلال حول الأحداث التي رافقت نشأة هذا الكيان على أرض فلسطين المحتلة، لكن هذا السدّ ينكسر فجأة وتندلق من خلاله القصص الوحشية التي مارسها جنود الاحتلال الإسرائيلي خلال مواجهات عام 1948.

بألسنة الجنود الإسرائيليين ذاتهم، تأتينا الحقيقة التي لطالما حاول قادة هذه الدولة حجبها عن العين والوعي في العالم كله، وهذه الحقيقة الصارخة مثل جبل، وردت في الفيلم الوثائقي "الطنطورة" الصادر نهاية 2021، والذي لطالما حاولت إسرائيل إخفاء تفاصيله، وإنكار ما فيه من حقائق.

ميزان

يحمل هذا الفيلم أهمية الميزان في إثبات الأمور أو نفيها، إذ إن الصراع الفكري خلال العقود الماضية كان في الخطاب الذي يتبناه الفلسطينيون لإثبات جرائم المحتل الإسرائيلي بحق المدنيين العُزّل، فكانت الرواية الفلسطينية دوماً مثار استغراب العالم، لربما هناك من قطع آذان الجميع، أو أن العالم لا يعتبر هذا العصر عصر استماع، وبقيت إسرائيل في قناعة الغالبية دولة ديمقراطية، جاء سكانها إلى هذه الأرض، أرض فلسطين، التي تخلو من السُّكّان، فكانت أرضاً دون شعب كما يزعمون.

لكن شهادات العديد من الجنود الإسرائيليين داخل فيلم "الطنطورة"، تكشف الزيف، وتنقل الأمر إلى مربع آخر تبدو الأمور فيه واضحة مكشوفة، ففي هذا المربع تعود إسرائيل بفكرتها وبنيانها وطريقة ممارستها، إلى كرسي المحاكمة الفكرية، الذي لو تحقق، سيتضح كم هو مشبوه ومُقيت سلوك تواجدها على هذه الأرض.

قرية أوروبية

الكارثة التي قدّمها الاحتلال الإسرائيلي للبشرية ضد الفلسطينيين عام 1948، تم فضحها لأول مرة عام 1998، عبر المؤرخ الإسرائيلي تيدي كاتس، حيث قدم لجامعة حيفا، وقتها، تقارير وشهادات من جنود شاركوا في المذبحة، تفيد هذه الوثائق أن هناك قرية أوروبية التفاصيل، متطورة ببنيانها وأهلها، قد تمّ مسحها بالكامل خلال احتلال فلسطين، هذه القرية هي قرية الطنطورة، قضاء مدينة حيفا الفلسطينية.

المشهد الذي تقدمه إسرائيل للعالم، قد يبدو جميلاً حول التطوّر الحاصل في هذا المجتمع، لكن تحت هذه الحدائق والأبنية الفارهة والشوارع النظيفة، هنالك حفر ممتلئة بجثث الفلسطينيين، تم ردمها عميقاً حتى لا تظهر هذه المأساة من جديد للعالم

لكن تيدي كاتس، وحسبما أفاد مخرج الفيلم الإسرائيلي ألون شوارتز، تمّت مقاضاته، بتهمة التشهير بأشخاص وردت أسماؤهم في الأطروحة، وتمّ طمر البحث بكامل تفاصيله، بنيّة التستر على الجريمة، وكما تم مسح القرية عن الخارطة خلال حرب 1948، تم مسح ملف قرية الطنطورة من سجلات دولة الحرب، لضمان عدم ظهورها مرة أخرى.

اهتزاز من جديد

الفيلم بأدواته التقليدية يقدّم للعالم وجهاً آخراً للحقيقة، وتفاصيل تمّ ردم التراب عليها منذ عقود، لربما تكون هذه التفاصيل هي من يدير الصراع من جديد في منطقة الشرق الأوسط خلال العقود القادمة.

والمحتوى الوارد في فيلم "الطنطورة" يعيد دولة الاحتلال إلى الاهتزاز من جديد، فتشتغل المقاربة ما بين تاريخ نشأتها والواقع العصري لها، فالصورة التي تقدمها إسرائيل للعالم عن نفسها هي صورة فائقة الوضوح، لكن ظهور هذه الشهادات في فيلم يترشح لجائزة الأوسكار، يعيد الغبش من جديد إلى عيون العالم، ويصير على الجميع إعادة التقييم مرة أخرى، للوصول إلى قناعة جديدة حول حقيقة الصراع في الشرق الأوسط.

حفرة عميقة

تقدم المقابلات التي قدمها كاتس للعالم وصفاً خالياً من الشك أو الإنكار، حول تسجيلات للمحاربين القدامى في دولة إسرائيل، يتحدثون خلالها عن جنود لواء الإسكندروني الإسرائيلي، الذين داهموا قرية الصيد الصغيرة "الطنطورة" قضاء حيفا، وقاموا باعتقال جميع سكانها، في يوم 22 أيار/ مايو 1948، ثم شرعوا بعد السيطرة على القرية، بقتل وإعدام من وقع بين أيديهم من السكان، ودفن جثث القتلى في حفر حفرة عمقها 35 متراً ومحيطها 4 أمتاراً، ليتمكنوا من دفن الجثث داخلها بطريقة المقبرة الجماعية، وإنهاء وجودهم جميعاً.

وتفيد شهادات الجنود القدامى حول هذا المشهد الديستوبي، بأنه تم دفن ما يقارب 200 فلسطيني خلال هذه الكارثة، وتحولت هذه البقعة المردومة إلى موقف للسيارات لضمان إخفاء معالم الجريمة.

لم آخذ معي أي أسير

أحد الجنود يقول خلال إفادته: "لم آخذ معي أي أسير"، في إشارة منه إلى أنه تم قتل الجميع هناك، فيما يفيد جندي آخر: "لقد تم إطلاق النار على المدنيين الفلسطينيين في منطقة الرأس"، وكأنما يريد أن يترجم تعليمات القيادة الإسرائيلية بقتل الجميع، وتطبيق سياسة أرض دون شعب، فهذه كانت رؤية القائد الإسرائيلي بن غوريون لإدارة الصراع على الأرض الفلسطينية.

هذه الشهادات تضع الكيان الإسرائيلي محط تساؤل من جديد وتعيده إلى هيئة المُعلّق، ففي مضمونها ما يشكل وصمة عار، تلاحق ذيول هذه الدولة ويعرّي تاريخ نشأتها، مثل سيقان تواجه ريح باردة.

فهنا شعب ارتكبت المجازر بحقّه، من أجل أن تحل جماعات مشتتة عاشت الضياع في العالم مكانه، لتأتي وتصنع لها حجر أساس فوق صدور أناس آخرين. هذا لا يمكن بأي حال استساغته. يقول أحد الجنود في شهادته: "لا يمكنك إنشاء ملاذ آمن من خلال خلق كارثة لأشخاص آخرين".

أفاد مخرج فيلم "الطنطورة"، الإسرائيلي ألون شوارتز، أن المؤرخ الإسرائيلي تيدي كاتس، الذي قدّم تقارير وشهادات من جنود شاركوا في المذبحة، تمّت مقاضاته بتهمة التشهير وتمّ طمر البحث بكامل تفاصيله

ومن الواضح أن الجنود الإسرائيليين المتاحين في الفيلم قد تخطوا جميعاً التسعين، ومن الواضح أنهم لا يتذكرون كافة التفاصيل، لكن أحدهم قال بكل وضوح: "لقد أفرغت مخزناً كاملاً من الرصاص، 250 طلقة، في وجه مجموعة من الناس وبشكل عشوائي".

فيما يبين آخر أنه تم ملاحقة الناس بقاذفات اللهب خلال مهاجمة الطنطورة، وتم إحراق العديد منهم. ألا يشبه هذا ما فعله النازيون باليهود من قبل؟

ويكشف جندي آخر عن اغتصاب فتاة فلسطينية عمرها 16 عاماً، خلال مداهمة بيوت الناس في قرية الطنطورة، وقد زامن كل هذه التعديات على الإنسانية تكتيم من قادة الاحتلال وإخفاء لكافة الحقائق التي تمت ممارستها على الأرض، وهي التي أدت إلى تهجير 800,000 فلسطيني في تلك المجازر الممتدة على كافة الأرض الفلسطينية.

دولة فوق حُفر الجثث

إن المشهد الذي تقدمه إسرائيل للعالم، قد يبدو جميلاً حول التطوّر الحاصل في هذا المجتمع، لكن تحت هذه الحدائق والأبنية الفارهة والشوارع النظيفة، هنالك حفر ممتلئة بجثث الفلسطينيين، تم ردمها عميقاً حتى لا تظهر هذه المأساة من جديد للعالم، ويبقى العالم منبهراً بالتطور التكنولوجي والصناعي والبيئي المتحقق حالياً، لكن تحت هذا كله جرائم تتكتم عليها هذه الدولة، لو وصلت للجميع، سينهار هذا البنيان كله وتسقط هذه الدولة في تلك الحفر ذاتها.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

‎من يكتب تاريخنا؟

من يسيطر على ماضيه، هو الذي يقود الحاضر ويشكّل المستقبل. لبرهةٍ زمنيّة تمتد كتثاؤبٍ طويل، لم نكن نكتب تاريخنا بأيدينا، بل تمّت كتابته على يد من تغلّب علينا. تاريخٌ مُشوّه، حيك على قياس الحكّام والسّلطة.

وهنا يأتي دور رصيف22، لعكس الضرر الجسيم الذي أُلحق بثقافاتنا وذاكرتنا الجماعية، واسترجاع حقّنا المشروع في كتابة مستقبلنا ومستقبل منطقتنا العربية جمعاء.

Website by WhiteBeard