شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
وثائق كفر قاسم وخطة

وثائق كفر قاسم وخطة "الخلد"... هكذا تسترت إسرائيل على مجزرتها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 18 أغسطس 202202:09 م

بعد نحو سبعة عقود، كشفت المؤسسة الرسمية الإسرائيلية عن وثائق تحمل شهادات لضباط وجنود إسرائيليين حول مجزرة كفر قاسم، التي نفذها الجيش الإسرائيلي، في 29 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1956، واستشهد فيها 51 مواطناً فلسطينياً، بينهم أطفال ونساء.

والمعتاد في مثل هذه المواقف، لجوء الحكومة الإسرائيليّة والجيش إلى التكتّم على كواليس المجازر التي قام بها تجاه الشعب الفلسطيني والعربي على مدار عقود، لكن يدل المشهد حتى لو متأخراً، على الأساليب التي تتبعها إسرائيل في تنفيذ مجازرها، ثمّ التستر عليها ومحاولة إخفائها فيما بعد.

تخرج الوثائق الكاشفة تباعاً حول المجزرة، لتكشف عن الفكرة والمخطط قبل التنفيذ، وتبدو حياكة لعبة الموت في كل مرة غير مقنعة. الأوراق التي تحمل تاريخاً قديماً نتجت عن تحقيق داخلي في الجيش الإسرائيلي بعد المجزرة، وسمحت محكمة الاستئنافات العسكرية الإسرائيلية بنشرها، إذ تكشف عن واحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين في النكبة، فبمجرد بدء العدوان الثلاثي الإسرائيلي البريطاني الفرنسي على مصر عام 1956، أمر الحاكم العسكري الإسرائيلي بفرض حظر التجول على القرى العربية في منطقة المثلث في الداخل الفلسطيني.

وتؤكد الوثائق المسموح بنشرها من المحكمة الإسرائيلية، واقعية السرد، وصدق الشهادات التي أدلى بها سكان القرى العربية الناجين من المجزرة وقتذاك.

من دون إعلام السكان، قرر قائد حرس الحدود الإسرائيلي في منطقة المثلث، يسخار شيدمي، بتقديم ميعاد حظر التجول على السكان أربع ساعات، لتكون في الخامسة مساءً بدلاً من التاسعة. وكان من الطبيعي أن يكون بعض العمال في هذا الوقت لم يعودوا بعد لمنازلهم، وخلال عودتهم، تم إطلاق النار عليهم بشكل عشوائي، بحجة مخالفة أمر الحاكم العسكري. وكشفت البروتوكولات عن سؤال الجنود حول إمكانية تبليغ السكان ذلك الأمر، من خلال أجهزة الاتصال اللاسلكي، والذين أجابوا بدورهم عن إمكانية حدوث ذلك، لكنهم لم يفعلوا.

تهجير السكان

وتفضح الوثائق رغبة حقيقية لقيادة الجيش الإسرائيلي في إيقاع قتلى في صفوف الفلسطينيين ضمن إطار خطة "الخلد" الإسرائيلية التي كان من أهدافها، تهجير سكان المثلث إلى المناطق التابعة لحكم الأردن في الضفة الغربية، وتعزيز التطهير العرقي.

اعترف أحد ضباط سرية في حرس الحدود، يدعى حاييم ليفي، بأن قائد الكتيبة، شموئيل ملينكي، أخبر بتغيير "خطة الخلد"، ووضع خطة بديلة عنها، وروى ليفي أن قائده بين له عزم الجيش على إسقاط القتلى في المدنيين الفلسطينيين، وعندما سألته المحكمة عن معقولية هذا الطرح أفاد: "فهمت أن هكذا ينبغي أن يكون، وأن هذه هي السياسة، الرغبة، وخلال ذلك قيل إن أي أحد يشاهد سيقتل، وأدركت ذلك من خلال الأمر العسكري الصادر".

المكشوف عنه في هذه البروتوكولات يصل إلى مئات الصفحات، بعدما التمس المؤرخ الإسرائيلي آدام راز تزويده بمعلومات عن مجزرة كفر قاسم التي يؤلف كتاباً عنها، لكن ما يخفيه النظام الإسرائيلي، يُدّعى بأنه يضر بأمن إسرائيل واستقراره، فإسرائيل في هذا الإطار تمنع الكشف عن معلومات مؤرشفة حول القتل العمد، والاغتصاب، والتهجير، والنهب للسكان، بسبب مخاوف محسوبة على أمن نظامهم العسكري.

وقد أثير الجدل، حينما كشف الصحافي الإسرائيلي روبيك روزنطال عن هذه المعلومات قبل عام، حول صحتها من عدمها، إلا أن هذه الوثائق تحمل الوسم الرسمي، وبالفعل تدين قوات الاحتلال، وتضعهم تحت طائلة المسؤولية الدولية، إذ أنّ ألمانيا على سبيل المثال، ما زالت تدفع التعويضات بكافة أشكالها لإسرائيل، مقابل الهولوكوست التاريخي الذي نفذه النظام النازي ضد اليهود.

إسرائيل في هذا الإطار تمنع الكشف عن معلومات مؤرشفة حول القتل العمد، والاغتصاب، والتهجير، والنهب للسكان، بسبب مخاوف محسوبة على أمن نظامهم العسكري

وبالرغم من ادعاء الجيش الإسرائيلي سابقاً بأن شبهات المجازر التي يقوم بها الجيش خلال المواجهات مع العرب، تأتي "نشازاً" عن سياسة عامة يتبعها الجيش، وهي النزاهة وحماية الآمنين، إلا أن مجزرة كفر قاسم والوثائق المسربة تؤكدان عكس ذلك، وأن سياسة القتل والتطهير العرقي ملاصقة لإسرائيل، خاصة أن نفس قيادة الجيش المنفذة لمجزرة كفر قاسم، هي التي احتلت فلسطين عام 1948.

احتلال الأردن

ويفيد حاييم ليفي خلال التحقيق: "كان الحديث يدور عن احتلال الأردن في حال تدخله في الحرب" وقد كانت إسرائيل حصلت وقتها على موافقة بريطانيا، باحتلال الأردن حال التدخل. وحين سُئل ليفي: "كيف بإمكانك القول إن شخصاً ما قال لك أن تقتل أشخاصاً لا يعلمون بوجود حظر تجول؟". أجاب: "لأنه صدر أمر عسكري كهذا لي. واليوم أنا أرى أن هذا ليس منطقياً. وفي حينه اعتقدت أنه منطقي".

وقد أعدت إسرائيل لمجزرتها بالخداع والتضليل، وفرض الأمر الواقع، عبر إبلاغ مختار القرية قبل نصف ساعة من بدء سريان موعد حظر التجوال، وحينما سأل قائد فرقة حرس الحدود عن مصير العمال العائدين لبيوتهم، بعد هذا الوقت، كانت الإجابة:"سنتولى أمرهم". لكن كانت التعليمات الواضحة والتي تؤكدها الوثائق:"احصدوهم، اقتلوهم" وأسفر ذلك عن استشهاد 51 فلسطينياً في ذلك اليوم.

وعندما سُئل "كيف فهمت أن السياسة هي التخلص من العرب؟"، أجاب ليفي أن الأمر العسكري لم يصدر خطياً وإنما شفهياً: "لقد قال قائد الكتيبة إن الجهة الشرقية للقرية (باتجاه الضفة الغربية) ستكون مفتوحة، وعندما يريدون الرحيل، فليرحلوا. وأدركت أن هذه لن تكون كارثة إذا رحلوا في هكذا كيفية".

أما سؤاله عن "العلاقة بين هروب العرب وبين الأمر العسكري بإطلاق النار على من يخرق حظر التجول"، أجاب ليفي أن "العلاقة هي أنه نتيجة لذلك سيصاب قسم من السكان بالهلع ويقرر أنه من الأفضل الوجود في الجانب الآخر من الحدود، هكذا أفسر ذلك". وأضاف:"إن فرض حظر التجول سيشجع العرب على المغادرة وزيادة الرغبة بالهروب". ولكي تتفادى حكومة بن غوريون وقتها الانتقادات، شكلت لجنة تحقيق، كانت مهمتها الأساسية إخراج العجين من الغربال، وتبرئة القيادة السياسية والعسكرية الصهيونية من هذه المجزرة.

الدفع نحو الفرار

ووفق الوثائق المنشورة عبر قناة كان الإسرائيلية، فإن أحد الجنود أدلى بشهادته أمام المحكمة العسكرية الإسرائيلية، قال: "كان هدفنا نشر الخوف في صفوف المواطنين العرب من خلال فرض حظر التجول، وكان التوجه نحو قتل عدد من السكان العرب في كل قرية، بحيث لو تم فتح الحدود في اليوم التالي، من البديهي أن يختار سكان القرى، إما الفرار باتجاه الشرق أو البقاء في قراهم خانعين من دون مقاومة".

المقدم شيدمي، الذي أعطى أمر القتل الفوري للسكان العرب، نال فيما بعد عقوبة مالية بلغت قرشاً واحداً وعوقب القائد ميلينكي بسجن شكلي ثلاثة أعوام، ومع حلول عام 1960 لم يتبق أي مشارك في الجريمة قيد العقاب.

كان الحديث يدور عن احتلال الأردن في حال تدخله في الحرب، وقد كانت إسرائيل حصلت وقتها على موافقة بريطانيا، باحتلال الأردن حال التدخل

وفي شهادته، أكد ذلك، قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي حينها، تسفي تسور، الذي أصبح فيما بعد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، وقال تسور عن احتمالات الحرب مع الأردن: "سيُنظر بعين الرضا إلى السكان العرب وهم يتجاوزون الحدود". وأضاف تسور: "اعتقدنا أنه في حال بدأت الحرب في المنطقة بين الطيبة وكفر قاسم، ودارت معركة مسلحة وكانت هناك مشكلة إجلاء للسكان العرب، وهرب قسم منهم، فأعتقد أنه لم نكن سننظم ورديات من أجل منعهم".

وضمن الوثائق التي طُرحت، فإن الحاكم العسكري العام، ميشئيل شوحام، أدلى في شهادته إن قلائل فقط علموا بخطة "خلد" السرية. وادعى أن هذه الخطة، لم يصادق عليها ولذلك لم يكن بالإمكان تفعيلها".

وجبة جاهزة

أما قائد اللواء 17، ومسيّر جنود كتيبة حرس الحدود من مرتكبي المجزرة، يسخار شيدمي، فقال في شهادته التي أدلى بها بعد المجزرة بأيام قليلة: "قبل أيام معدودة، جاء إلى مكتبي حاكم المنطقة الوسطى العسكري، مارت زئيف، كي يشرح لي ضرورة القيام بخطوات من أجل السيطرة على السكان العرب في منطقة الحدود (في المثلث)".

ويضيف: "وبعد ذلك وصل إليّ الأمر العسكري "خلد". وفي هذه المرحلة فقط امتثل أمامي شموئيل ملينكي كقائد للقوة التي نفذت عمليات الإجلاء والحراسة داخل منطقة الحاكم القريبة من الحدود".

ويؤكد شيدمي حسب الوثائق، أنه أطلع ملينكي على خطة التهجير. ورأى على الفور الأمر العسكري "خلد" كوجبة جاهزة، ويتعين عليه الاستعداد للعمل بموجبها. وهنا، أجاب ملينكي بابتسامة واسعة كتعبير عن رضا من نفسه وأخبره أن كل ما يتضمنه الأمر العسكري "خلد" هو من تخطيطه. وبناء على ذلك، أصبحت أنظر إليه منذ تلك اللحظة على أنه خبير في الموضوع".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard