شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
الهروب ليس حلاً... نحن وأطفالنا في مواجهة تابو الجنس

الهروب ليس حلاً... نحن وأطفالنا في مواجهة تابو الجنس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحريات العامة

الجمعة 24 فبراير 202310:58 ص

من منّا لم يقابل في حياته طفلاً ذكياً، فضولياً، كثير الأسئلة بشكل يثير حرج الكبار ويضعهم في مأزق، مثل كوكي ابن بطل فيلم "محاكمة علي بابا" 1987، والذي لعب دوره طارق الفخراني؟! ماذا لو كنّا محل والديه؟ كيف نتعامل مع أسئلة طفلنا الفضولي؟

معضلة الأسئلة المحرجة، لاسيما المتعلقة بالجنس، واجهت أيضاً ونيس، بطل مسلسل "يوميات ونيس" بالجزء الأول عام 1994، الذي جسّده محمد صبحي؛ حين طرحت عليه ابنته هدى أسئلة عن الزواج، قائلة: "بابا هو الجواز فيه حاجة عيب؟!"، ليجيبها الأب نافياً، لكنها تستمر في طرح الأسئلة حول معنى الزواج وطريقة إنجاب الأطفال، وصولاً إلى سؤال: "الطفل ده بييجي في بطن الأم ازاي؟"، حينها يخجل الأب ويتهرب من الإجابة فينادي الأم قائلاً: "ياماااايسة تعالي بنتك عايزاكي... أنا داخل الحمام".

الهروب ليس حلاً

عادة ما يبدأ الطفل في طرح الأسئلة منذ عامه الثاني أو الثالث؛ حيث يكون لديه فضول وشغف معرفي كبير ورغبة في استكشاف العالم من حوله، ويلجأ الأطفال إلى القائمين على رعايتهم، كالآباء والأمهات والأسرة والمعلمين، لشرح الأشياء التي لا يعرفونها.

وكثيراً ما يتساءل الأطفال عن الزواج ولماذا لم يتزوجوا بعد؟ وما سبب اختلاف جسم الولد عن البنت؟ ومن أين يأتي الطفل؟ وكيف يحدث الحمل؟ ولماذا لا يلد الرجل؟ وغيرها من الأسئلة التي تصيب ذويهم بالإحراج، وربما ينهروهم أو يتهربون من الإجابة بإلهائهم أو اللجوء للسخرية والدعابة، وربما يعطونهم إجابات خادعة.

ولكن لا يعدّ الهروب والتجاهل حلاً مناسباً، ربما يصلح للتخلص من موقف محرج، لكنه يفتح الباب أمام فضول الطفل وتخيلاته، وربما يدفعه للحصول على معلومات مضلّلة من الآخرين، وقد يتعرّض الطفل للصدمة إذا تلقى بالصدفة معلومات تسبب له ارتباكاً أو خوفاً.

وعلى عكس المعتقدات الشائعة لدى معظم الآباء والأمهات، فإن الإجابة على تلك التساؤلات تعد جزءاً من مبادئ التربية الجنسية للطفل، وهي أمر ضروري، كما يوصي خبراء التربية الحديثة؛ حيث يتعلم من خلالها الطفل عن نفسه وجسده، ويعرف العلاقة الصحية المبنية بينهم على الفهم والعلم، وتجنّبه الوقوع ضحية للتحرّش أو الاعتداء الجنسي.

لماذا يجب تثقيف أطفالنا جنسياً؟

يعدّ التثقيف الجنسي أمراً ضرورياً لجميع الأعمار، ولاسيما المراهقين والمراهقات، وهو يبدأ من مرحلة الطفولة ويوفر للطفل المعلومات عن جسده وكيفية عمله؛ فيتعلم أن جسده يخصّه وحده وعليه أن يعتني به جيداً ويحافظ على نظافته، ويكسبه احترام الذات والعلاقات، ويزيد من ثقته بنفسه، ويساعد ذلك الأطفال أو المراهقين على اتخاذ القرار الصحيح عند مواجهة مواقف جنسية غير مناسبة لأعمارهم، ويعلمهم كيفية مقاومة ضغط الأقران وتجنّب المواقف التي يمكن فيها الضغط عليهم للقيام بشيء قد يخاطر بصحتهم.

كثيراً ما يتساءل الأطفال عن الزواج ولماذا لم يتزوجوا بعد؟ وما سبب اختلاف جسم الولد عن البنت؟ ومن أين يأتي الطفل؟ وكيف يحدث الحمل؟ ولماذا لا يلد الرجل؟ وغيرها من الأسئلة التي تصيب ذويهم بالإحراج

وإذا اكتسب أطفالنا مبادئ التربية الجنسية فإنهم سيتعلمون آداب السلوك المسؤولة والطريقة المناسبة للتعامل مع أفراد الأسرة أو الأصدقاء، وكيف يتعاملون مع القضايا الشخصية بطريقة ناضجة دون الشعور بالحرج، ولاسيما في مرحلة المراهقة، والتي يواجه خلالها المراهقون صعوبات البلوغ، ما يجعلهم أكثر تقبلاً للتغيرات الجسدية أو البيولوجية، كما أن نقص المعرفة بقضايا الجسد يجعلهم يستاؤون من أجسادهم أو يقارنون أنفسهم مع الآخرين من نفس الفئة العمرية، بينما يساعدهم التثقيف الجنسي على إدراك ماهية الأمور الطبيعية ومتى يحتاجون حقاً إلى القلق والتفكير في زيارة الطبيب.

ويعتقد خبراء التربية الحديثة أن التربية الجنسية جزء أساسي من التعليم الجيد، وتزود النشء بالمهارات التي يحتاجونها للعيش بشكل جيد، وتعزّز بيئات التعلم الآمنة والعادلة بين الجنسين، وتمتد آثاره لمرحلة الشاب؛ حيث ينعكس بشكل إيجابي على الصحة الجنسية والإنجابية ويجنبهم الكثير من المخاطر الصحية، وتكسبهم القدرة على التمييز بين العلاقات الجيدة والسيئة، وبناء علاقات دائمة وموثوقة، ويؤدي إلى تقدير التنوع الجنسي، ومنع عنف الشريك الحميم.

وتظهر الأبحاث أن التربية الجنسية الشاملة تساعد الشباب على تطوير المهارات الاجتماعية والعاطفية التي يحتاجونها ليصبحوا بالغين مهتمين ومتعاطفين.

ما هي أفضل طريقة للإجابة على الأسئلة الجنسية لأطفالنا؟

عندما يقوم الآباء والأمهات بالتحدث عن الجنس مع أطفالهم، سيشعرون بمزيد من الأمان عند مناقشة مخاوفهم وطرح الأسئلة مع والديهم، ويدركون أنه ليس من المحرّمات التحدث عن القضايا المتعلّقة بالجنس مع كبار السن، وتزداد معدلات الأمان بالنسبة للطفل إذا امتلك وعياً جنسياً؛ يجعله يتعلم ماذا يفعل عندما يواجه مواقف غير مريحة، كالتحرّش أو الابتزاز الجنسي.

وللحديث مع أطفالنا حول الجنس، علينا أولاً التحلي بالهدوء والحكمة، وأن نُفرّق بين مرحلة عمرية وأخرى؛ فالإجابات التي تناسب المراهق قد لا تناسب طفلاً في الرابعة أو الخامسة، ولكن بشكل عام، يجب أن نجيب عن السؤال بطريقة مباشرة، ونحرص أن تكون الإجابة بسيطة وتلقائية، لا تكذب على الطفل أو تضلله، ولكن إذا سأل الطفل سؤالاً لا نعرف إجابته أو كيفية توضيحها؛ فعلينا أن نخبره بأننا سنعود إليه للإجابة على سؤاله في وقت لاحق.

وإذا اكتسب أطفالنا مبادئ التربية الجنسية فإنهم سيتعلمون آداب السلوك المسؤولة والطريقة المناسبة للتعامل مع أفراد الأسرة أو الأصدقاء، وكيف يتعاملون مع القضايا الشخصية بطريقة ناضجة دون الشعور بالحرج

ومن المهم جداً أن يأخذ الآباء والأمهات الوقت الكافي للاستماع إلى السؤال والإجابة بصدق عليه بالطريقة الأنسب للعمر، مع مراعاة تقديم إجابة قصيرة ومفهومة للأسئلة.

وفي البداية لا تكون هناك حاجة لشرح فعل ممارسة الحب لأن الأطفال الصغار لن يتفهّموا ذلك، ولكن مع تقدم الأطفال في السن يمكن مشاركة المزيد من التفاصيل، وتستطيع الأم تعليم أطفالها بشكل علمي عبر الاستعانة بصور أو مقاطع مرئية كرتونية تشرح مراحل تكون الجنين وعملية الولادة.

التربية الجنسية ومرحلة المراهقة

وكلما ازداد عمر الأطفال فإن استيعابهم يزداد، وتلفت انتباههم المواضيع المتعلقة بالجنس التي يشاهدونها مصادفة عبر الإنترنت ووسائل الإعلام، وقد يتبادلون مع أصدقائهم بعض المعلومات الجنسية التي ربما تكون مغلوطة؛ فعلى سبيل المثال، اعتقدت إحدى صديقاتي أن القُبلات تسبب الحمل، واعتقدت أخرى أن مجرد اقترابها من أي رجل سيجعلها حاملاً، لذا يجب على الوالدين التحدث مع أطفالهما عن الموضوعات المتعلقة بذلك والتمهيد النفسي لهم لمرحلة البلوغ والتغييرات الجسدية التي ستحدث لهم للتحول من ولد إلى رجل أو من بنت إلى امرأة.

ويمكننا القول إن مرحلة المراهقة التي عادة ما تبدأ في عمر الـ11، يكوّن فيها المراهقون مفاهيمهم الخاصة حول الجندر والجنس، لذا يتوجب علينا في هذه المرحلة الحساسة متابعة أفكار ومعتقدات أطفالنا وتصحيح معلوماتهم الخاطئة التي يلتقطونها من أقرانهم.

وبحسب اليونسكو فإن اثنتين من كل ثلاث فتيات في بعض البلدان ليست لديهن فكرة عما يحدث لهن عندما يبدأ الحيض، وأن 34% فقط من الشباب حول العالم يمكنهم إثبات معرفة دقيقة بالوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية وانتقاله، لذا يجب الاهتمام بالتثقيف الجنسي الذي يمنح الشباب المعرفة والمهارات التي يحتاجون إليها من أجل التمتع بصحة جنسية جيدة مدى الحياة، ويتعلمون كيفية إقامة علاقات صحية، واتخاذ قرارات مستنيرة بشأن الجنس، ويحبون أنفسهم كما هم.

توفر أسئلة الأطفال فرصاً للآباء والأمهات لشرح ماذا ولماذا ومتى وكيف ومن لأطفالهم، وتمنحنا نحن الكبار نافذة على نظرة أطفالنا للعالم، وتلميحاً حول ما هم أكثر استعداداً للتعرّف عليه

ماذا لو لم يطرح أطفالنا أسئلة حول الجنس؟

بشكل عام، ينصح خبراء التربية بأن ننمي شجاعة أطفالنا على السؤال وتنمية خيالهم وتوسيع مداركهم، وغرس الثقة بيننا وبين الطفل، وأن نشعره بالأمان مهما كان السؤال المطروح، وألاّ نعنّفه عند طرحه لسؤال أو لا نجيبه بـ"لا أعرف"؛ فعندما لا تعرف إجابة سؤال، قل له: قم لنبحث معاً عن الإجابة؛ فذلك مرتبط بزيادة مهارة الطفل وخبراته وبناء شخصيته.

ويشعر بعض الآباء والأمهات بالراحة إذا لم يطرح أطفالهم أسئلة حول الجنس، إلاّ أن خبراء التربية يوصون بعدم تجاهل الموضوع والبحث عن الفرص، مثل عندما ينجب أحد المعارف طفلاً.

وتوفر أسئلة الأطفال فرصاً للآباء والأمهات لشرح ماذا ولماذا ومتى وكيف ومن لأطفالهم، وتمنحنا نحن الكبار نافذة على نظرة أطفالنا للعالم، وتلميحاً حول ما هم أكثر استعداداً للتعرّف عليه. إنها أسهل طريقة لمساعدة طفلك على تطوير فهم أعمق للعالم من حوله.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

شكل حياتنا اليومية سيتغيّر، وتفاصيل ما نعيشه كل يوم ستختلف، لو كنّا لا نساوم على قضايا الحريات. "ثقافة المساومة" هذه هي ما يساعد الحكام على حرماننا من حريات وحقوق كثيرة، ولذلك نرفضها، ونكرّس يومياً جهوداً للتعبير عن رفضنا لها، والدعوة إلى التكاتف لانتزاع ما لنا من قبضة المتسلّطين. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard