شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
بكالوريوس في (حقد) الشعوب

بكالوريوس في (حقد) الشعوب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والنساء

الجمعة 3 فبراير 202311:43 ص

في الفيلم الأميركي "Booksmart" الذي عُرض بالاسم العربي "مثقف" (إخراج أوليفليا وايلد 2019)، تحرم الفتاتان، إيمي ومولي (كايتلين ديفر وبياني فيلدشتاين)، نفسيهما من أي مرح طوال سنوات الدراسة الثانوية، في سبيل الاستذكار، لتحقيق طموحيهما بإحراز درجات ممتازة، تسمح لهما بالالتحاق بجامعة مرموقة.

تنجح الفتاتان في مسعاهما، وفي سبيل ذلك لم تعيشا الحرمان من تسلية المراهقة فحسب، بل تحملتا كذلك إطلاق الأسماء الساخرة عليهما من زملائهما بالمدرسة، بوصفهما فتاتين غريبتي الأطوار، مهووستين بالتعليم "Nerds" وثقيلتي الظل.

لا تزعج تلك السخرية إيمي ومولي، فمن يضحك أخيراً يضحك كثيراً، وقد تلقتا بالفعل خطابات الالتحاق بالجامعة التي أرادتاها، لتكتشفا أمراً يقلب حياتيهما رأساً على عقب. فقد اكتشفتا أن الفتيات المرحات بالفصل، والفتيان الذين لم يفوتوا أي متعة، سوف يلتحقون أيضاً بأرقى الجامعات، فبعضهن، استطعن إحراز درجات رائعة رغم أنهن استمتعن بمراهقتهن خير متعة، أما بعض الفتيان الذين لم يحرزوا درجات علمية جيدة، فقد حصلوا على منح مجانية نتيجة تفوّقهم الرياضي، الذي سيوفر لهم الالتحاق بجامعات قد تفوق ما تأهلت لها إيمي ومولي.

تلقت الطبيبة الشابة نورهان كشك، سيلاً هائلاً من الهجوم الإلكتروني، الذي وصل إلى تهديدات بتقديم بلاغات بتهمة "خدش الحياء العام"! لأنها نشرت صورتها مع كتبها الجامعية

كما لنا أن نتخيل، فقد نزلت تلك الأنباء على الفتاتين كالصاعقة، لقد شعرتا أنهما أضاعتا أفضل سنوات عمريهما، أو على الأقل، السنوات التي ينبغي أن تكون الأكثر جموحاً، من أجل لا شىء، أو للدقة؛ من أجل تصوّر اتضح خطأه بالكامل، افترض أنه لا يمكن الجمع بين التفوق، والاستمتاع بالحياة.

لا نعلم إن كانت نورهان كشك، الطبيبة حديثة التخرج من كلية طب عين شمس بالقاهرة، قد شاهدت فيلم "Booksmart" أم لا. أغلب الظن أنها، كحال معظم طلبة كلية الطب، لم تجد الوقت سوى للدراسة، بين النظري والعملي. برز اسمها فجأة حين التقطت لنفسها صورة، يحب بعض خريجي الطب التقاطها، مع أكوام الكتب التي درسوها طوال سنوات الدراسة الطويلة.

وقفت نورهان إذن أمام مبنى كلية الطب، لتحتفل بالبكالوريوس، وأمامها عمود من الكتب والمذكرات، يبلغ ارتفاع قامتها تقريباً حتى مع ارتدائها كعبين عاليين. لكن "الخطأ" الذي ارتكبته نورهان، أو لنقل أنها ثلاثة أخطاء، هي أنها: (1) بدت في قمة تأنقها. (2) لا ترتدي الحجاب، (3) ارتدت تنورة تعد "قصيرة" بمعايير المجتمع المصري بعد زمن "الصحوة".

إن الكل، كما نعلم، أكبر من مجموع أجزائه، وبجمع أجزاء، أو أخطاء، صورة نورهان، نرى أنها بدت جميلة، مبتسمة، أنيقة، غير ملتزمة بكود الملابس الذي هيمن على الغالبية الساحقة من المجتمع المصري، وهي فوق ذلك تخرّجت من الكلية التي تتربّع على قمّة ما يسمى كليات القمّة، وبالنسبة لقطاع كبير من المجتمع، بدا هذا كله استفزازاً، ولا يمكن السكوت عليه.

هكذا، تلقت الطبيبة الشابة سيلاً هائلاً من الهجوم الإلكتروني، الذي تخطى حتى حجم التنمّر المعروف، والاتهامات الأخلاقية والدينية، والتشكيك في شهادتها العلمية! وصولاً إلى تهديدات بتقديم بلاغات بتهمة "خدش الحياء العام"! لكن الذروة، والتي آلمت نورهان لدرجة أنها ذكرتها في التصريحات الصحفية (بلى بلغ الهجوم حد أن وصل إلى الصحافة والتلفزيون)، قد تمثلت في أن إحدى المعلِّقات تمنت لها أن "تتحرقي مع الكتب بتاعتك"!

لقد بدت صورة نورهان بالنسبة لجمهور الخرافة الدينية، أمراً مستفزاً بلا شك، ولأنه لم يجد إشارة على عقاب دنيوي، فقد تمنى، بصراحة ومواربة، العقاب الأخروي، حيث سوف "تتحرق الطبيبة مع كتبها".

الواقع أن هذه الأمنية الوحشية، لا تختلف عن غيرها إلا في صراحتها فحسب، فكل هذا السباب، هذه الاتهامات، هذا الغضب، هو أشكال متحورة من هذه الرغبة في أن "تحترق نورهان مع كتبها". إن ما مثلته صورتها السعيدة، الجميلة، الأنيقة، مع كتبها وإنجازها المتفوق، هو انعكاس آخر للصدمة التي تلقتها إيمي ومولي في الفيلم، فقد اكتشف هذا الجمهور، أنه يمكن للمرأة أن تتأنّق، أن تتجمل، أن تستمتع بكينونتها، وأن، في الوقت نفسه، تتفوّق دراسياً وعلمياً، وتتخرّج من كلية مرموقة، من دون أن يصيبها عقاب سماوي على عدم التزامها بالكود المحافظ، أو بالانكسار الأنثوي في مجتمع الرجال.

لقد بدا هذا، بالنسبة لجمهور الخرافة الدينية، أمراً خاطئاً للغاية، مستفزاً بلا شك، ولأنه لم يجد إشارة على عقاب دنيوي، فقد تمنى، بصراحة ومواربة، العقاب الأخروي، حيث سوف "تتحرق الطبيبة مع كتبها".

بعد الصدمة التي تلقتها إيمي ومولي في "Booksmart"، تقرران أن تلحقا بما فاتهما ولو لليلة أخيرة، أن تتذوقا وتجرّبا كل ما حرمتا نفسيهما منه طوال السنوات الماضية، أن تفيقا سريعاً من الحقد الذي شعرتا به تجاه زملائهما، وتصلحا الخطأ بالسير عكسه ولو لمرة، لكن هذا كان أمر الفيلم، فهل يستفيق الواقع؟

*عنوان المقال إحالة إلى عنوان مسرحية علي سالم "بكالوريوس في حكم الشعوب".


إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard