ثمة تشابه كبير بين مسيرة النائب الشاب أحمد الطنطاوي ومُعلمه القريب من التقاعد حمدين صباحي. تشابُهٌ يجعل المتابع لمسيرة الطنطاوي يرى فيها انعكاساً لتلك التي انتهجها صباحي، لتبقى خطوة ترشحه لرئاسة الجمهورية مسألة وقت، وهو أبعد ما كان قد وصل إليه صباحي في مسيرته المليئة بالقفزات.
قبل أيام قليلة، في حي الدقي، الواقع بين محافظتي القاهرة والجيزة، سلّم صباحي الراية رسمياً للطنطاوي، ممثِّلاً لجيل الشباب في قيادة "حزب الكرامة" القومي الذي شرع الأول في تأسيسه عام 1997، ولم يحصل على رخصته القانونية كحزب شرعي إلا في عام 2011.
كان المشهد باعثاً على التفاؤل، أقله في المعسكر الناصري. صباحي يتحدث بحماس معتاد عن التجربة التي نمت على أكتافه، وتحدوه آمال كبيرة تجاه النائب الشاب الذي صار ملء الأسماع والأبصار في السنوات الأخيرة من عمر البرلمان المصري، على أنه الامتداد الطبيعي له.
كلاهما من كفر الشيخ، فصباحي من بلطيم والطنطاوي من قلين. ومن هذين المركزين الغارقين في أزماتهما المحلية، كعادة القرى المصرية، صنع الاثنان الشعبية والانتشار.
تَعرِف بلطيم حمدين جيداً، فهو كان نائبها لدورتين متتاليتين بين عامي 2000 و2010، وكان مدافعاً شرساً عن مصالحها، كما هو الحال مع قلين، الواقعة في أقصى الشمال المصري، حيث بدأت هي الأخرى تألف ظاهرة الطنطاوي، بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من تمثيل الدائرة للمرة الثانية على التوالي.
يتشابه الثنائي كذلك في المسيرة المهنية، إذ تخرّج صباحي من "إعلام القاهرة" وامتهن الصحافة وأسّس مركز الوطن العربي "صاعد" ثم أنهى مسيرته الصحافية رئيساً لتحرير "جريدة الكرامة"، الصادرة عن حزبه قبل ترشحه لرئاسيات 2012. أما الطنطاوي فهو ابن "الكرامة" التي انتقل منها إلى فضائيات مصرية، قبل اكتشاف نفسه في دور نائب الشعب.
يتبع الطنطاوي نهج معلمه في الخطاب الناصري، المدافع عن حقوق الكادحين والمناهض للتوسعات الرأسمالية، وإن كان الشاب أقل كاريزماتية من الأب الروحي، بحكم خبرة صباحي في العمل الطلابي، لكن تجربة الشاب في بدايتها، فهو لم يتجاوز الأربعين من عمره.
صحيح أن صباحي صنع تجربته بطريقة مختلفة من خلال نشاطه البارز في الجامعة، حينما كان رئيساً لاتحاد طلاب جامعة القاهرة، وكان معارضاً بارزاً لسياسات الرئيس الراحل أنور السادات منذ وقوفه أمامه في مناظرة شهيرة في الحرم، على خلفية قرارته الاقتصادية عام 1977.
في المقابل، لم يكن الطنطاوي، حتى سنوات قريبة، اسماً كبيراً في المعارضة المصرية، وذلك في ظل وجود أسماء كلاسيكية من أبرزها صباحي وخالد علي وعبد المنعم أبو الفتوح الذين شكلوا التكتلات الكبيرة في التيار المدني عقب ثورة 25 يناير، كما لم يكن مُدرجاً في قوائم الصف الثاني التي تنتظر تسلم الراية مثل حسام مؤنس وزياد العليمي، إلى أن شق طريقه فجأة بمجهود لافت تحت القبة.
تميّز اسم الطنطاوي في الدورة البرلمانية المنتهية بأنه صاحب أجرأ نبرة في الائتلاف المعارض، فالجميع يمتلك القدرة على معارضة الحكومة وانتقاد سياساتها، لكن شخصا واحداً هاجم الرئس، بل صرّح أنه لا يحبه. هكذا خرق الطنطاوي الصمت وشق الصف، باحثاً عن مساحة تخصه وتُقربه أكثر إلى الشارع.
سلّم حمدين صباحي الراية رسمياً لأحمد الطنطاوي، في قيادة "حزب الكرامة"... ثمة تشابه كبير في مسيرة الاثنين، لتبقى الأنظار معلقة على الدور الذي سيلعبه النائب الشاب الذي عُرف بجرأته في البرلمان في إنعاش الحزب وصولاً إلى الاستعداد للانتخابات الرئاسية في 2024
صناعة صباحي آخر في المعارضة المصرية، كانت الشغل الشاغل لحمدين نفسه، خصوصاً في ظل تصلب شرايين العمل السياسي خلال السنوات الخمس الأخيرة، وتضاؤل فرص ترشحه لرئاسيات جديدة.
ترشَّح المعارض الناصري، صاحب الشعر الأبيض مرتين، الأولى كان قريباً لخوض جولة الإعادة بعد حصده قرابه الـ5 مليون صوت، ونجح فيها محمد مرسي بالنهاية، والثانية كانت مغامرة باهتة ضد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، في رئاسيات 2014، حل فيها ثالثاً عقب الأصوات الباطلة.
لذا كان يُنظر لمؤنس، وهو أحد المساهمين في تأسيس "التيار الشعبي"، على أنه البديل الجاهز والنسخة الأقرب إلى صباحي، وذلك كله قبل الصعود المفاجئ لنجم الطنطاوي في الدورة البرلمانية الأخيرة.
تعرض مؤنس للاعتقال في قضية "تحالف الأمل" الانتخابي، بموازاة فرض ابن قلين نفسه للعودة إلى الحزب الذي كان قد غادره عام 2014، بسبب خلافات حول طريقة عمل قياداته حينها، وهو الآن يعود محمولاً على الأكتاف بتجربة "البطل الشعبي".
كيف يشرح الطنطاوي تجربته؟
في حوار له مع رصيف22، لا يعتبر الطنطاوي عودته إلى "الكرامة" بعد أسابيع قليلة من خسارته انتخابات جولة الإعادة في كفر الشيخ، عودة مفاجئة، إذ كانت خطوة مدروسة "عاقلة وهادئة" وفقاً لمعطيات جديدة.
يسير الطنطاوي على نهج صباحي في مقاربة مسألة المشاركة في الانتخابات، إذ يستند إلى أن المشاركة في العمل السياسي هي الأساس والمقاطعة هي الاستثناء. ولطالما استنكر صباحي مقاطعة الاستحقاقات الانتخابية على مدار السنوات الست الماضية، حتى لا تُكرِّس الأحزاب وضع التهميش الذي تريده لها السلطة.
وما إن خسر رئاسيات 2014، أسّس تحالفاً سياسياً بمعاونة يساريين وليبراليين بمسمى "التيار المدني"، لمعارضة السيسي والحفاظ على الكتلة الباقية.
لم يحقق التيار نجاحاً يُذكر، في ظل القبضة الحديدية على نشاط السياسيين وسيطرة الموالين على تركيبة مجلس النواب، ليكرّر المحاولة مرة أخرى بالمساهمة في تأسيس "الحركة المدنية الديمقراطية" بنفس الأهداف والأجندة، والخطاب ذاته، لذا تجرعت مزيداً من الفشل، فلم توفر الإمكانيات المادية اللازمة لخوض الانتخابات البرلمانية، وفشلت في إتمام التحالفات لمقارعة الأحزاب المحسوبة على السلطة.
ولم تدفع الحركة بمرشحين كثر في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، واكتفت بدعم مرشحي "تحالف 25-30" المعارض، الذي لم يفز عنه سوى نائبان فقط هما ضياء الدين داوود وأحمد الشرقاوي.
"ما حدث معي في الحملة الانتخابية كاشف لما رددته حول أهمية الطريق الثالث، والمشاركة لفتح الطريق. الناخبون حققوا الفوز في الجولتين وحققنا المركز الأول بالفعل قبل التدخلات الخارجية التي أطاحت بنا".
جمع ابن قلين 44 ألف صوت في الجولة الأولى في دائرة كفر الشيخ وقلين، بينما حلَّ رابعاً في جولة الإعادة رغم حصوله على 53 ألف صوت، وهي النتائج التي طعن بها النائب، واتهم أنصار السلطة بإسقاطه لإزعاجه لهم في الدورة البرلمانية المنتهية.
"رصدت محبة كبيرة في الانتخابات الأخيرة وهي تكليف بالاستمرار في العمل السياسي من أي منبر، درست قرار عودتي للحزب لكنني كنت أنتظر الوقت المناسب وقد حان".
من يُضيف لمن؟
لاقت عودة الطنطاوي ترحيباً في بعض الأوساط واندهاشاً في أخرى، حتى تساءل البعض ماذا سيضيف "الكرامة" الذي لا يمتلك كتلة برلمانية ويشكو باستمرار من قيود العمل السياسي وقلة الإمكانيات، إلى النائب الطموح.
"أنا والحزب نريد الإضافة للحياة السياسية، لست أنانياً للتنحي وعدم تلبية دعوة المشاركة، رأيت أن تمسكي بالمشروع الفردي سيخذل الجميع وسيحبط من وضعوا ثقتهم في"، هنا يحسم الطنطاوي هذه الإشكالية، مؤكداً أنه يمتلك الطموح والنية والإمكانية لجعل "الكرامة" أكبر حزب شعبي معارض في مصر.
استلم الطنطاوي تركة غير جاذبة للعمل، فحزبه من الأحزاب الفقيرة، ويفتقد للكوادر، كما لا يحظى بظهير إعلامي، في ظلّ هجوم الصحافة المحلية باستمرار على مؤسسه (حمدين صباحي)، رغم احتجابه عن الظهور إعلامياً في السنوات الأخيرة.
مع ذلك، يشعر الشاب بتفاؤل شديد في هذه الأيام بسبب ردود الأفعال، كما بسبب الطلبات المتزايدة للانضمام إلى الحزب في الفترة الأخيرة، مشيراً إلى أن هدفه الأول عام 2021 هو إعادة التأسيس للانطلاق إلى المشاركة في الاستحقاقات الدستورية، والمنافسة في انتخابات المحليات المقبلة.
وتعيش مصر من دون مجالس محلية منذ سقوط نظام مبارك عام 2011، حيث لم تجر انتخابات مطلقاً رغم مناقشة المشرع هذا الملف طوال السنوات الماضية.
الاختلاف بين النائب ورئيس الحزب
بلا شك سيكون دور رئيس الحزب مختلف عن النائب البرلماني، وهو ما يوضحه الطنطاوي بالقول إنه بينما يعمل البرلمان تحت قسم دستوري وهيئته تخضع لقرارات الأغلبية، فإن الأدوات في الحزب أقل والأوضاع سيئة، والناس يحتاجون حلولاً ممكنة وآمنة.
"سنركز على تقديم الحلول وليس على المعارضة فحسب، فنحن لا نتمنى للأغلبية الفشل، سنقدم حلولنا للسلطة التنفيذية والكتل البرلمانية، سنلعب أدوارنا، والسلطة ستبقى في محل اختيار إذا استهدفتنا وعطّلت عملنا... لمصلحة الوطن علينا أن نُبقي النوافذ مفتوحة للخلاف والنقاش".
يستهدف الطنطاوي محو الصورة السلبية التي رسمتها السلطة في مخيلة المواطنين عن صورة المعارضين في هذا البلد، فالعمل الحزبي ليس وظيفة بل هو عمل تطوعي، والأحزاب وسيلة للدفاع عن أفكار وتقديم الحلول، لذا يريد أن يتحول "الكرامة" لمؤسسة فيتخطى واقع أنه حزب أفراد وشعارات.
"كنت أتمنى أن يكون لنا ممثلون في البرلمان لطرح أفكارنا وقوانين، لذا سنخاطب الجميع. لم نلتحق بحزب الأغلبية وهذا لن يمنعنا من تقديم النصيحة. كما لن نتحالف مع الأغلبية، وكذلك لن أصادر رأي من تحالف مع الأغلبية، الكل يتحمل مسؤوليته"، يتابع رئيس حزب الكرامة حديثه.
أحمد الطنطاوي استلم مؤخراً رئاسة "حزب الكرامة" في مصر. يقول إنه يستهدف محو الصورة السلبية التي رسمتها السلطة في مخيلة المواطنين عن المعارضين، لذا يريد أن يتحول "الكرامة" لمؤسسة فيتخطى واقع أنه حزب أفراد وشعارات
يدافع الطنطاوي كذلك عن حق المواطنين في تقييم المسؤولين باستمرار، وهذا الحق ليس حكراً على نائب أو رئيس حزب، لذا "كلما سأكون مختلفاً مع قضية ما سأتكلم. وهذا نهجي ولن أغيره".
رغم تشابهما في محطات كثيرة، لكن الطنطاوي يرفض مصطلح الاستنساخ (لتجربة صباحي) باعتباره غير قائم إنسانياً وسياسياً: "السياسي الناجح ابن تجربته، المعطيات متغيرة والأزمان والأدوات متغيرة، السياسة هي فن إدارة المخاطر المحتملة".
عند ذكر ملامح تشابهه مع صباحي للطنطاوي، سواء القدوم من كفر الشيخ والعمل في الصحافة ثم البرلمان وصولاً إلى الترشح لرئاسة الجمهورية، يجيب ضاحكاً: "الانتخابات المقبلة في 2024، حيث تنتظرنا 4 سنوات ويجب أن تكون هناك ضمانات للترشح والأهم المعايير وليس من يترشح، علينا أن نضمن للناس المعايير قبل الأسماء... أتشرف بأن أكون جندي مشاة في أي معركة شريفة لخدمة البلد من أي منصب".
حديث الطنطاوي يجعل إمكانية رؤيته مستقبلاً كمرشح رئاسي كبيرة، وهو الذي أراد أن ينتقل من كفر الشيخ إلى القاهرة، من خلال عمل سياسي يرتبط بالمركزية التي تحكم كل شيئ في مصر، خصوصاً أن أنصاره بدأوا يمهدون لترشحه في الرئاسيات المقبلة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Apple User -
منذ 9 ساعاتHi
Apple User -
منذ 9 ساعاتHi
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 5 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا