من وحي "محنة" نجلها البكر، أسّست السفيرة المصرية نبيلة مكرم، وزيرة الهجرة السابقة، مؤسسة "فاهم" للدعم النفسي، لدعم الأطفال والشباب في مواجهة المرض النفسي واكتشافه مبكراً، والمساهمة في توعية الأهل والمحيطين حول المرض النفسي وكيفية التعامل معه ودعم الأبناء الذين يعانون الاضطرابات والضغوط النفسية تفادياً لتفاقم وضعهم الصحي.
وفي 19 نيسان/ أبريل 2022 وقعت الجريمة التي وجّهت على إثرها محكمة العدل في كاليفورنيا تهمة القتل من الدرجة الأولى لرامي فهيم (27 عاماً)، نجل الوزيرة مكرم، بقتل زميل له في العمل وآخر يسكن معه (كلاهما بعمر 23 عاماً)، ما يعني الحكم بإعدامه أو السجن مدى الحياة في حال إدانته.
واتهمت والدة أحد الضحيتين شركة بنس لإدارة الثروات التي كان يعمل فيها رامي وضحيّته بأنها وظّفت الأول لتعزيز مصالحها بسبب منصب والدته الحكومي وعلاقة الصداقة التي تربطها بليلى بنس مؤسسة الشركة المصرية الأصل، وغضت الطرف عن تورطه في أعمال عنف وترهيب وتتبع سابقة ضد زملاء له. في المقابل، دفعت أسرة مكرم بأن نجلها "مريض نفسي".
"سفيرة إنسانية فوق العادة"
وفي حضور عدد من الوزراء وأعضاء مجلس النواب وكبار المسؤولين، افتتحت مكرم مؤسستها غير الهادفة للربح التي تشغل منصب رئيسة مجلس أمنائها هذا الأسبوع. ووقّعت مؤسسات رسمية بينها وزارة الشباب والرياضة والمجلس القومي للمرأة بروتوكولات تعاون مع "فاهم"، وأعربت عن تفاؤلها بلعب المؤسسة دور مهم في دعم الصحة النفسية للأطفال والشباب في المدارس والجامعات وخارجهما.
"إنسانة نبيلة آمنت من قلبها أن النجاة في العطاء" vs "سبّوبة جديدة"... تعليقات متباينة حول مبادرة الوزيرة المصرية السابقة #نبيلة_مكرم:.إنشاء مؤسسة للدعم النفسي تأثراً بأزمة اتهام نجلها رامي بقتل اثنين في أمريكا
وأعلنت وزارة التضامن الاجتماعي أنها ستُطلق حملة "لا لوصمة المرض النفسي"، دعماً للصحة العقلية والنفسية، وسوف تُشجّع المؤسسات الصحية والاجتماعية العامة والخاصة على التوسع في توفير الدعم النفسي المجتمعي والفردي لتأهيل المرضى النفسيين، مثمنةً الدور الذي ستقوم به "فاهم".
وعبر حسابها في فيسبوك، أوضحت مكرم الصلة بين إنشائها المؤسسة عقب نحو ستة أشهر من مغادرتها الحكومة، وبين اتهام نجلها بالقتل. كتبت: "اتفقت أنا وهو (تقصد نجلها رامي الذي أرفقت صورة تجمعهما بمنشورها) إننا مش حنضيّع ألم الابتلاء والتجربة، وفى وسط أتون النار، نخدم ونساعد اللى مالوش صوت، واللي بيمر بتعب نفسي أو مرض نفسي ومكسوف يتكلم".
وأردفت بأنها وأسرتها "شاكرين اختيار ربنا لينا، وعارفين أنه مش حيسيبنا. إيماننا بيه مش كلام، ده حياة وواقع بيحاوطنا"، مبرزةً شعار المؤسسة وهو: "افهم، واسمع، واتكلم".
على المستوى الشخصي، قدّم العشرات من أصدقاء مكرم من الشخصيات العامة الدعم لها وأشادوا بـ"سفيرة إنسانية فوق العادة". أبرز هؤلاء وزيرة التضامن السابقة غادة والي، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والمديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة حالياً، وقد امتدحت صديقتها "النبيلة" التي "استطاعت أن تحول محنة شخصية إلى منحة تقدمها للآلاف من المصريين وأسرهم".
"بعد أن كانت تساعد كل من هاجر وترك مصر واغترب وتقدم له الدعم والحماية والعون، ها هي تقدم العون لمن هجرته السكينة ومن اغترب رغم كونه في حضن أسرته ومن يشعر بالوحدة حتى وهو في وطنه"، أضافت والي.
كذلك، أشادت رئيسة المجلس القومي للمرأة في مصر، مايا مرسي بـ"أم حولت محنتها إلى محبة وخير وعطاء ومساعدة" و"إنسانة نبيلة آمنت من قلبها أن النجاة في العطاء"، مستطردةً أن "المريض النفسي عنده مشكلة مش هو المشكلة".
عقب أول حديث إعلامي لها عن اتهام نجلها رامي بقتل اثنين في أمريكا… استياء من محاولة تصوير #نبيلة_مكرم "طائر الفينيق اللي نهض من رماد الابتلاء وهينشر روح التفهم والتسامح بين جموع البشر"
تصريحات مثيرة
كان تعامل السفيرة المصرية مع أزمة نجلها منذ البداية حتى الإعلان عن تأسيس مؤسسة دعم نفسي محل تقدير أو على الأقل تفهّم، حتى من قبل الأشخاص الذين اختلفوا مع الدور الذي لعبته حيال المغتربين وتلميع صورة مصر في الخارج لدى إثارة اتهامات متعلقة بملف سجناء الرأي والمعتقلين السياسيين وملاحقة المعارضة في الداخل والخارج.
لكن تصريحاتها خلال أول ظهور إعلامي لها منذ مغادرتها السلطة، مع الإعلامي خيري رمضان في برنامج "حديث القاهرة" عبر شاشة "القاهرة والناس"، أثارت ضجّةً واسعة واستفزت على نحو خاص عدداً من أهالي المعتقلين السياسيين في البلاد.
في المقابلة، قالت مكرم إنها تخلت عن منصبها الوزاري لتتفرغ للاهتمام بمحنة نجلها، شاكرةً "الدعم والتفهم والتشجيع" من قبل مسؤولي الدولة، وهو الموقف الذي أكدت استمراره حتّى عقب خروجها من الحكومة.
وأسهبت مكرم في مدح نجلها ووصفه بأنه "ولد هادي وشاطر وعمره ما سبّب أي مشكلة" و"محارب كان بيحمل مرضه داخله من غير ما يعرف حد" و"ولد مثالي، ظروف بس المرض هي اللي أدت…"، تقصد إلى قتله ضحيّتيه. وألمحت إلى أنه أخبرها بأنه يعاني من المرض النفسي منذ سن العاشرة وخشي مصارحتها ظنّاً منه بأنها لن تصدقه.
وزادت بأن نجلها كان مريضاً بالشيزوفرينيا، وكان يسمع أصواتاً تأمره بالقتل، وأن توقفه عن تناول الدواء اعتقاداً منه بأنه يستطيع علاج نفسه بنفسه ساهم في تدهور حالته بشدة ودفعه إلى ارتكاب الجريمة. قالت إنه وقت ارتكاب الجريمة "مكنش فاهم، ومكنش مدرك، ومكنش عنده الإرادة… كان مسلوب الإرادة".
ولفتت إلى أنها تزوره مرة كل ثلاثة أشهر، و"تفكّر في كل صغيّرة وكبيرة" خلال الزيارة، بما في ذلك أنها تحرص على ارتداء ملابس منزلية بسيطة لا تتغير في كل مرة مراعاةً لمشاعره وحتى توصل إليه أن حياتها هي الأخرى توقفت مثله ولا تعيش الرفاهية كذلك. ولم تُظهر من قريب أو بعيد أي تعاطف مع ذوي الضحيتين.
وفي ختام المقابلة، طُلب منها توجيه رسالة لرامي، فقالت: "عايزة أقوله إني أنا بحبه، وإن وراه أم جدعة، وإن إحنا حنكمل والقضاء هياخد مجراه، وإن مصر كلها بتدعي له… مسلمين ومسيحيين".
"هندعي لقاتل ليه؟"
وعبر مواقع التواصل، عبّر معلقون عن دهشتهم لتصريحات الوزيرة وتعميمها أن جميع المصريين يدعون له بانتهاء أزمته، كما أظهروا تعاطفهم مع ذوي الضحايا وذوي ضحايا آخرين في مصر لم تدعمهم مكرم حين كانت في السلطة. وبينما أظهر بعض هؤلاء تفهمهم لموقف مكرم، أعربوا عن استغرابهم من موقف الإعلام المصري والمؤسسات الرسمية من التعامل مع القضية المروعة.
منى سيف في رسالة إلى #نبيلة_مكرم: وسط المحبوسين في قضايا سياسة ناس عندهم أمراض نفسية برضو، لا ده شفع لهم عندكم ولا عند اللي حابسهم ولا فرق مع قاضي ولا وكيل نيابة
من هؤلاء الصحافية أميرة أبو شهبة التي كتبت في تويتر: "ماشوفتش حد مهتم يدعي للقتلة غير اللي شبههم. أكيد #نبيلة_مكرم حرّة في مشاعرها لابنها. طبعاً ده طبيعي، وأكيد أي أسرة مش هتحب تكون مكانهم وهتشفق ع أهل القاتل جداً. لكن الإعلام بيتعامل معاهم ع أن ابنها ضحيّة مثلاً ولا إيه الخبل ده!".
وقال حساب باسم "المتغربة": "#نبيلة_مكرم طالعة تقول لابنها في رسالة مصر كلها بتدعيلك. مين قالك إننا بندعي له؟ وبعدين هندعي لقاتل ليه؟ أمه كانت عادلة؟ مش إنتي يا ولية اللي طلعتي وهددتي المهاجرين المصريين بتصريحك الشهير أي حد بالخارج يقول كلمة على بلدنا أنتوا عارفين بيحصل فيه إيه؟ بيتقطع... نسيتي؟".
وأشارت الصحافية أميرة الطحاوي إلى التعاون بين المجلس القومي للمرأة و"فاهم"، معقّبةً بلهجة ساخرة "هيئة حكومية تقرر التعاون مع وزيرة سابقة في ‘سبّوبة‘ جديدة ليه؟ جمعية عاملاها الوزيرة مستغلة قضية ابنها المتهم بقتل شابين مش مكملين 23 سنة؟ واللي وصّل الابن لوظيفته وسهّل له القتل علاقات الوزيرة الأم بصاحبة الشركة".
أما الناشطة السياسية والحقوقية منى سيف، فنشرت مقطع فيديو لمكرم وهي تدلي بتصريحها المثير للجدل الشهير: "أي حد يقول كلمة على بلدنا برة يحصله إيه؟ يتقطّع"، معلقةً عليه "دي الوزيرة اللي دلوقتي مطلوقة علينا على أنها طائر الفينيق اللي نهض من رماد الابتلاء وهينشر روح التفهم والتسامح بين جموع البشر".
وفي منشور مطوّل لاحق، كتبت منى سيف: "الحقيقة أنتو ناس ماعندهاش دم! أنا متفهمة ومقدرة التعاطف مع أم مفجوعة في أن ابنها ارتكب جريمتين قتل وبيتحاكم في بلد بعيد وحياته كلها هتضيع منه، ومتفهمة أنه ممكن فعلاً يبقى مريض نفسي وده السبب الأساسي اللي دفعه لارتكاب الجرائم، وفيّا حتة متعاطفة جداً مع صعوبة ده على إخواته وعائلته، التعامل مع حجم اللي أخوهم ارتكبه، وتصوّر استمرار حياتهم عادي بعده".
واستدركت: "لكن بعد كدة تفهمي عطل! مش قادرة أتفهّم أي حاجة من اللي بتحصل… الست الوزيرة السابقة تروح تفتتح مركز دعم نفسي يحضره ناس كتير من كبارات الدولة وأشخاص في مناصب رسمية، والكل بيحتفي بيها وبه، الترويج له متداخل مع حملة لها ولابنها. كل الإعلاميين مشاركين في حملة تعاطف معاها، بيستقبلوها تتكلم عن ‘محنتها‘ و‘الابتلاء‘ اللي هي وابنها فيه، وبيشكروا في صلابتها وقوة إيمانها وأد إيه حوّلت لحظة صعبة كدة لحاجة تفيد كل الناس".
واعتبرت سيف أن تصريح الوزيرة بأن "مصر كلها بتدعيلك" "رخص ووضاعة"، منتقدةً الأشخاص الداعمين لمكرم إذ هم "نفس المسؤولين والناس والإعلاميين اللي ماعندهمش بربع جنيه تعاطف مع ناس محبوسة بالسنين في السجن عشان بوست أو فيديو أو مقال عبروا فيه عن رأي مش ماشي مع كتالوج الدولة... رأي، كلام يا بشر مش جريمة قتل!".
وهم "نفس الناس والمسؤولين اللي مش قادرين يظهروا بربع جنيه تعاطف مع أهالي محرومين من زيارة عيالهم بالسنين، أو عيالهم مخفيين وما يعرفوش أصلاً هم فين وعايشين ولا ميتين"، منوهةً "على فكرة، في وسط المحبوسين في قضايا سياسة ناس عندهم أمراض نفسية برضو، لا ده شفع لهم عندكم ولا عند اللي حابسهم ولا فرق مع قاضي ولا وكيل نيابة".
وتعجّبت: "الست نبيلة اللي في عز ما أي حد بيكتب كلمة نقد للبلد بيتجر ع السجن ويتعمل عليه حملة تهديدات هو وأهله في الإعلام، راحت في لقاء برة تقولك اللي يقول كلمة على مصر ‘نقطعه‘ وعملت بإيديها إشارة الذبح زيها زي بتوع داعش، جاية دلوقتي تكلمنا عن قيم التفهم والتفاهم والتسامح!".
واسترسلت: "خيري رمضان ولميس الحديدي وجريدة الشروق والمصري اليوم، كله كله فجأة بقى قلبه رهيف على حياة الست دي وابنها اللي هتتشقلب، وآلاف الأهالي حياتهم حرفياً مفشوخة عشان كتبوا كلمتين طق حنك ما بنسمعلهمش حس تجاههم".
واستنكرت سيف التعامل مع الجريمة وكأن ابن الوزيرة السابقة "دبح جوزين فراخ"، وتجاهل إظهار الاحترام والتفهم لشابين فقدا حياتيهما وذويهما الذين يتعاملون "مع فجيعة مرعبة"، مردفةً "لا بقيتوا بني آدمين، ولا عارفين تمثلوا أنكم بني آدمين، وكل حاجة ماشية بالزرار والأمر والمصلحة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...