رمال صفراء وخط لسماء زرقاء تطارده كما يطارد الإنسان أحلامه المستحيلة، عطش أشبه بشارب ماء محيطه.
تلك كانت نظرتي إلى الصحراء، فأنا بطبعي أميل إلى الرحلات في غابات وبساتين أو شواطئ، كنت أبتعد عن فكرة السفاري أو رحلات الصحراء بالرغم من أن مصر تشتهر بها، لكنني كنت دوماً أقوم بها دون شغف أو انبهار.
تعجبني الجبال ولكن تخيفني الرمال.
أتذكر الحرب العالمية وما خلفته من حقول ألغام، وأتخيل أن الدليل أصيب بنوبة قلبية مفاجئة وأصبحنا من الذين ابتلعتهم الصحراء دون رفق، تأتي أفلام مثل الطائرة المفقودة لتشغل جزءاً بعيداً من عقلي حول الرمال المتحركة.
على عكس مما يمكن أن تتوقعه في السفاري، فالرحلة كانت تتمتع برفاهية الفنادق ذات النجوم الخمس وربما السبع، فطوال الرحلة ونحن كأثرياء عرب الجاهلية، نجد من يقدم لنا كل وسائل الراحة حتى قبل أن نطلبها أو تخطر على أذهاننا، أحذية مناسبة للسير، وجبات سريعة على مدار الساعة، أماكن للجلوس والراحة
كنت في زيارتي الأخيرة لدبي مدينة الأحلام كما يصفها البعض، كانت الأجواء صيفية مائلة للبرودة، فقالت لي إحدى صديقاتي أن هذا هو الوقت المثالي لرحلات السفاري وزيارة صحراء أبو ظبي. كنت في حقيقة الأمر منهكة، أشعر بالكسل، مجرد التفكير في خوض مغامرة الصحراء يجعلني ألهث. صارحتها بما يدور في ذهني، فضحكت في سخرية، وقالت لي إن رحلات الصحراء هنا تختلف. تختلف؟
حتى لو كانت الأجواء رائعة والرفقة جيدة فستظل رحلة تكسوها الرمال والجمال والعواصف الترابية، هنا قررت صديقتي الهندية "أمرين" أن تريني شيئاً في هاتفها.
بعض مقاطع الفيديو والصور كانت كفيلة بإشعال حماسي، وبالتالي الاستعداد إلى خوض التجربة مع تأكيد من "أمرين" أنني لن أندم أبداً، وفي صباح اليوم التالي وجدت نفسي أنطلق من دبي إلى مدينة الشارقة لقضاء أفضل ليلة صحراوية لم يتوقعها خيالي.
نزل القمر
مزيج ساحر يجمع بين الكثبان الرملية لصحراء مليحة، القريبة من إمارة الشارقة، ومسحة من الطبيعة الخضراء التي صنعتها الإمارات لتضيف جواً شاعرياً يشفي كل من لديه "فوبيا" من المناطق الصحراوية.
أمام عظمة جبال الفاية، تجد الرحلة أشبه بالأسطورة. الأمان هي كلمة السر للانطلاق في تلك الرحلة.
المخاوف تجعل تجارب المغامرة غير مكتملة، لن تجد السعادة الكاملة حتى يزول الخطر والمخاوف وتنتهي التجربة، وتظل فقط تتمتع بالذكريات، كما يحدث لك داخل الألعاب الخطرة في مدينة الملاهي.
لذلك، إن كان لا بد من وصف نقطة تفوق فريدة داخل منتجع نزل القمر في الشارقة أو رحلات الصحراء في الإمارات بشكل عام فهو تحرير مخاوفك للاستمتاع بالتجربة في وقتها، وليس فقط بعد الانتهاء منها.
قبل البدء في رحلات المغامرة في غابات أو صحراء، غالباً ما أقوم بتأهيل جسدي للمشقة حتى قبل البداية، أحاول أخذ قسط أكبر من النوم، أتحدث مع خلايا مخي كي تخبر أطرافي أننا سنسير وقتاً أكبر من المعتاد، سنحمل حقيبة أثقل وزناً، وربما سنتعرض للجوع أو العطش قليلاً.
ولكن هذا لم يحدث، فالرحلة كانت تتمتع برفاهية الفنادق ذات النجوم الخمس وربما السبع، فطوال الرحلة ونحن كأثرياء عرب الجاهلية، نجد من يقدم لنا كل وسائل الراحة حتى قبل أن نطلبها أو تخطر على أذهاننا، أحذية مناسبة للسير، وجبات سريعة على مدار الساعة، أماكن للجلوس والراحة، بل وسيارات مجهزة إذا رغبت أنا أو أحدهم في عدم مواصلة تلك الرحلة.
كنت أحارب النوم حرباً شرسة حتى لا تضيع لحظاتي الأخيرة
بعد قضاء أمسية حالمة بين الموسيقى والنجوم وحفلة الشواء، كنت أحارب النوم حرباً شرسة حتى لا تضيع لحظاتي الأخيرة في هذه البقعة الساحرة، فجلست بجوار المسبح حتى شروق الشمس.
وفي صباح اليوم التالي رحلت مع عدد من أصدقائي، ويبدو أن الليلة التي تسبق رحيلي عن دبي سنقضيها في أجواء مشابهة.
فلأستعد مرة أخرى.
"باب الشمس"
كانت تلك تجربتي الثانية، ولم تكن أقل سحراً من الأولى، كانت أشبه بقرية ريفية لديها طابع عربي عريق، وتمتاز الأجواء بحالة من الهدوء الذي تقدمه جلسات التأمل واليوغا، ولكن دون ممارستها، فخامة المطاعم أمام نوافير المياه جعلتني أرغب بأن تتوقف الساعة، فأنا في أسعد لحظاتي وأتمني أن تدوم تلك اللحظة إلى الأبد.
أشياء لا تتوقع أن تراها في وسط الصحراء، وتجارب حررتني من الفوبيا المرتبطة بتلك المناطق، ولك أن تتساءل: كيف لكل تلك الفخامة أن تكون في قلب الصحراء؟
ورغم أن منتجع "باب الشمس" في دبي مكتظ بالزائرين فإنك لن تشعر بأي نوع من توتر الزحام، ستجد الخصوصية أينما جلست، كيف لكل تلك الفخامة أن تكون في قلب الصحراء؟!
ركوب الجمال في هذا الوقت تجربة لن تتكرر، كذلك جلسات التأمل التي يمكنك الانضمام إليها إذا رغبت في ذلك، برفقة أنماط مختلفة من الموسيقى، والنيران المنبعثة من بقاع مختلفة، وهمس الأصدقاء ببعض الحكايات القصيرة، إنها ليلة لن ترغب أبداً في أن تنتهي.
في نهار اليوم التالي، وبينما كنا نتأهب للرحيل وسط توديع حار من العاملين بهذا المكان، طلب مني الدليل الخاص وعداً بأن الزيارة القادمة سأخصص له ثلاث ليال، حتى يتمكن من أن يجعلني أزور صحراء أبوظبي الأشهر بين إمارات المملكة، حيث تم تصوير الفيلم الهندي ساهو، وذلك بعد أن تبادلنا الحديث حول طبيعة عملي وخبرتي بالسينما الهندية، كما أنه كان متحمساً كثيراً بعدما علم أن بطلي الهندي المفضل هو برباهاس، بطل الفيلم الذي تم تصوير أكثر من 70% من مشاهده في صحراء دبي بإشراف من الحكومة الإماراتية.
انعكست الأولوية التي تعطيها دولة الإمارات للبيئة والثروة الطبيعية على قطاع السياحة الصحراوية، حيث تتنافس المرافق السياحية الصحراوية في الدولة على تطبيق أعلى المعايير الصديقة للبيئة، مما تسبب في جذب عدد أكبر من الزوار الراغبين في العودة إلي الطبيعة البكر، والبعد عن صخب المدينة.
وليس غريباً ما قرأته في بيانات مجلس السياحة والسفر العالمي، إذ وصلت نسبة المساهمة الكلية لقطاع السياحة والسفر في الاقتصاد الإماراتي خلال عام 2020 إلى نحو 71 ملياراً و 600 مليون درهم، فيما بلغ الإنفاق على السياحة الداخلية نحو 23 ملياراً و800 مليون درهم، والدرهم الإماراتي يساوي 0.27 دولار أمريكي.
وقرأت أن العاملين في القطاع السياحي بالإمارات حريصون على إدراج زيارة الصحراء ضمن برامجهم السياحية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه