شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
ماذا يحدث بعد فقدانكِ 45 كيلو من وزنك بعملية تكميم؟

ماذا يحدث بعد فقدانكِ 45 كيلو من وزنك بعملية تكميم؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

الأحد 29 يناير 202301:57 م

"خنتُ صديقي الوحيد في الحياة، الملجأ الذي كنت أحتمي به من الخذلان واليأس والكآبة"، تلك كانت طريقة ليال (38 عاماً) في تعبيرها عن الحالة النفسية التي عاشتها بعد خضوعها لعملية تكميم المعدة شهر آب/ أغسطس من عام 2019.

ترى ليال وهي صحافية، وتعيش في محافظة اللاذقية على الساحل السوري، أن تجربتها كانت مختلفة من حيث الأسباب، فقد عاشت شبابها بوزن زائد وتزوجت حين كان وزنها 109 كغم، وكانت تعيش أقصى درجات التصالح مع ذاتها قبل أن تتخذ قرارها بقص معدتها وإنزال وزنها الذي كان قد وصل إلى 138 كغم حين أجرت العملية.

حال ليال هو حال العديد من النساء اللواتي يحلمن بجسد مثالي ويتعرضن يومياً للضغوطات الصغيرة التي تجعلهن يعشن في جحيم المقارنة مع الصور والفيديوهات التي تروج على مدار الساعة للجسد المثالي.

مخاطر عمليات القص كثيرة، بعضها قابل للتوقع ويجب على الطبيب القيام بكافة الفحوصات التي تسبق الإجراء الجراحي لتجنبها، وبعضها قد يكون مفاجئاً، كالموت تحت العملية أو الالتهابات، أو النزيف، أو ارتفاع الضغط والجلطات، لكن هناك ما لا يقال عن الجانب النفسي ما بعد عملية التكميم، وعن ترهلات الجلد الشديد، وعن فقدان الشعور بمتعة الطعام.

"أجريت العملية لأنني أردت الركض مع طفلتي"

تقول في حديثها مع رصيف22: "كنت مع طفلتي ذات الخمسة أعوام والنصف، على الطريق حين ركضَت ولم أستطع اللحاق بها، فصرخت بها وعادت إليّ حزينة، ثم سألتني: إنتي ليش ما فيكي تركضي معي يا ماما بدل ما تصرخي".

هناك الكثير مما لا يقال عن الجانب النفسي ما بعد عملية قص المعدة، وعن ترهلات الجلد الشديدة، وعن فقدان الشعور بمتعة الطعام، وعن الاكتئاب المفاجئ

عاشت ليال لحظة نفسية حادة للغاية، وكما تصف فقد تحول الكون من حولها إلى فراغ، فكيف ستجيب طفلتها على هذا السؤال، وهي التي اعتادت الإجابة على أسئلتها الوجودية والمحرمة بسلاسة لا متناهية.

تستدرك: "استيقظت في صباح اليوم التالي، وبدأت بالبحث عبر الإنترنت، عن تفاصيل العملية ومخاطرها، استمر الحال كذلك قرابة الأسبوعين، حيث حددت موعداً مع طبيب مختص بإجراء هذا النوع من الجراحة".

بعد زيارة الطبيب حصلت على كل المعلومات التي تخص العملية، حتى أنها حددت موعداً لها، إلا أنها اختارته بعد شهرين، بحيث تكون قد تأكدت من رغبتها بشكل كامل، ولتمنح نفسها المزيد من الوقت.

خلال تلك الفترة تناولت ليال الكثير من الأطعمة، كانت تودعها وتودع لحظات سعادتها معها، حان وقت العملية، تم الأمر بسهولة، لم تحدث أية مضاعفات غير المعروفة، وعادت إلى عملها بعد أسبوع واحد فقط.

زوجي ينظر إلي باستهتار

في أول أزمة عاشتها بعد العملية، نتيجة خلاف حاد مع زوجها، لم تجد ليال صديقها الطعام موجوداً، خانتها معدتها التي خسرت 85% من حجمها، في إشباع الرغبة الداخلية بتناول الطعام كوسيلة تعويض، وكان الحال هذا يتكرر مع كل أزمة نفسية جديدة.

تقول ليال التي خسرت نحو 45 كغ من وزنها بعد عام ونصف من العملية: "في لحظة أدركت أني خنتُ صديقي الطعام، بملء إرادتي، وأنني رميتُ سعادتي دون حصولي على أي مقابل، ازدادت علاقتي بزوجي توتراً، ولم يسعفني دخلي المادي في إيجاد تعويض جديد مثل شراء الملابس والمباهاة بوزني الجديد".

"ازدادت علاقتي بزوجي توتراً، ولم يسعفني دخلي في إيجاد تعويض مثل شراء الملابس والمباهاة بوزني الجديد".

تنظر ليال اليوم بحرقة إلى مائدة الطعام، بينما لا تستطيع تناول أكثر من عدة لقمات بسيطة، إن زادت عنها بمقدار لقمة واحدة، ستضطر للتقيؤ مباشرة بعدها، تضيف: "نادمة جداً، أريد أن يسامحني صديقي الطعام، أود لو أستطيع إعادته لحياتي، أنا أركض اليوم مع طفلتي، حققت رغبتها، لكن رغباتي ذهبت أدراج الرياح، كما كل رغبات النساء في هذا الشرق اللعين".

إخوتي وزملائي تحرشوا بي

في العاصمة دمشق، اتخذت ليندا (33 عاماً) قرارها بإجراء عملية قص المعدة، بعد أن وصل وزنها إلى 125 كغم، لعلّ وعسى تحسن من علاقتها بزوجها التي تدهورت كثيراً، والتي اعتقدت أن السبب هو وزنها الزائد.

"كنت مع طفلتي ذات الخمسة أعوام حين ركضَت على الطريق ولم أستطع اللحاق بها، فصرخت بها وعادت إليّ حزينة، ثم سألتني: إنتي ليش ما فيكي تركضي معي يا ماما بدل ما تصرخي"

لجأت ليندا إلى الطبيب بعد أن حصلت على قرض شخصي من المؤسسة الحكومية التي تعمل بها، وأجرت عملية قص المعدة لتبدأ بعدها حياة جديدة، تقول عنها: "تحول إخوتي إلى متحرشين بي، من كنت أسلم عليهم بتبادل القبل في كل المناسبات، باتوا ينظرون إلي بريالة شاطة".

تغيّر شكل ليندا بالكامل، اهتمت بنفسها وبملابسها، ومن وجهة نظرها باتت جميلة جداً، لدرجة أن أصدقاءها في العمل والذين كانوا لسنوات طويلة "مثل إخوتها" على حد تعبيرها، بدأوا يمازحونها ذلك المزاح المعجون بالجد، عسى أن تتجاوب معهم.

الوحيد الذي لم يشعر بالتغيير كان زوجها، والذي بدا وكأنه محايد تماماً، تقول: "علاقتنا تدهورت جداً، ما جعلني أمرّ بلحظات ضعف كبيرة، فبدأت بمواعدة أحدهم، وحين أدركت أنني أتجه نحو الخيانة، قطعت علاقتي الجديدة وحاولت إصلاح العلاقة مع زوجي، كنت أرتدي ملابس النوم الجميلة، وأقوم بمغازلته والرقص له، لكنه لم يكن يكترث، كان يكتفي بالنظر إليّ والضحك، ما كان يستفزني جداً".

"مع جسدي الجديد حاولت إصلاح العلاقة مع زوجي، كنت أرتدي ملابس النوم الجميلة، وأقوم بمغازلته والرقص له، لكنه لم يكن يكترث، كان يكتفي بالنظر إليّ والضحك"

عادت ليندا إلى صديقها الجديد يائسة، أخبرته كم هي ضعيفة ومحطمة، وتجاهلت زوجها الذي دفعها إلى حضن عشيقها -كما تقول-.

تضيف "في لحظة واحدة استفقت، حين أدركت أن الصديق الجديد مجرد مستغل، وأقصى ما يريده إمضاء ليلة معي، اكتشفت الأمر مصادفة وقررت الابتعاد بشكل نهائي، والتركيز أكثر على عملي وأطفالي".

عملية شد الجلد تكلف 1200 دولار

أما بتول (28 عاماً) التي فقدت 50 كغم من وزنها، فتقف اليوم عاجزة عن إتمام حلمها بالحصول على جسد رشيق، ففقدان الوزن الكبير سبب لها ترهلاً شديداً منعها من ارتداء الملابس التي كانت تحلم بها حين قررت إجراء العملية.

تحتاج بتول اليوم 8 ملايين ليرة سورية، أو ما يعادل (1200 دولار أميركي) تقريباً لعملية شد الجلد، وهو مبلغ لن تستطيع امتلاكه مهما حاولت وسط الظروف المعيشية الحالية السائدة في سوريا، والسبيل الوحيد للحصول على المبلغ هو أن يبيع أهلها قطعة من الأرض، وهو ما لم يوافقوا عليه على الإطلاق.

وبحسب كلماتها لا تستطيع بتول ارتداء التنانير والفساتين القصيرة، ولا التيشرتات المكشوفة، بالكاد تختار ملابس ضيقة لحشر جلدها المترهل بها، هذا بالإضافة إلى المعاناة لاحقاً من الفطريات والأمراض الجلدية نتيجة الاحتكاك خصوصاً في فصل الصيف.

تقول: "لم أدرك أن الحلم مكلف لهذه الدرجة، ولم يخبرني أحد عن باقي التفاصيل ما بعد فقدان الوزن، اتخذت قراراً بالخضوع للعملية، دونما أية ثقافة عنها، وأنا اليوم أعيش بجسد متهدل يمنعني من إتمام حياتي أو حتى التفكير بالزواج، فكيف سأتزوج بأعضاء تناسلية مهدلة، وصدر يصل حتى منتصف بطني تقريباً".

اتخذت قراراً بالخضوع للعملية، دونما أية ثقافة عنها، وأنا اليوم أعيش بجسد متهدل يمنعني من إتمام حياتي أو حتى التفكير بالزواج، فكيف سأتزوج بأعضاء تناسلية مهدلة، وصدر يصل حتى منتصف بطني تقريباً

مشكلة بتول هي واحدة من المشاكل التي يتعرض لها من يخسرون نسبةً كبيرة من أوزانهم بسرعة فائقة، لذا تنصح المواقع الطبية بالرياضة المكثفة، والمشي لفترات طويلة وشد الجلد بالمشدات والنايلون عقب العملية، إلا أن هذه الإجراءات لا تقدم حلاً جذرياً بقدر عملية الشد أو الخضوع لجلسات الليزر المكثفة والتي قد تتسبب بحروق ولا تؤدي لنفس نتيجة العملية



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image