الهجوم المسلح الأخير على السفارة الأذربيجانية في طهران أعاد إلى الأذهان التاريخ الطويل من الهجوم على السفارات الأجنبية في إيران، من إضرام النار إلى الرهائن واقتحام المباني حتى كتابات الشعارات على جدران السفارات.
وقد تربعت كلٌّ من سفارات أمريكا وروسيا وبريطانيا والسعودية على سلّم الترتيب لأكثر أعمال الهجوم التي شهدتها البعثات الدبلوماسية لدى إيران طوال 200 عام.
البداية مع آخر حادث من هذا النوع، إذ تعرضت السفارة الأذربيجانية لدى طهران إلى هجوم مسلح برشاش كلاشنكوف أدى إلى مقتل مسؤول أمن السفارة وإصابة اثنين من الحراس يوم الجمعة 27 كانون الثاني/يناير الحالي.
قالت وزارة الخارجية الأذربيجانية إن "الحملة المعادية لأذربيجان" في الإعلام الإيراني طوال الفترة الأخيرة أسهمت في هذا الهجوم. وفي بيان شديد اللهجة أضافت: "للأسف، يظهر العمل الإرهابي الدامي العواقبَ الوخيمة لعدم إيلاء الاهتمام اللازم لنداءاتنا المستمرة في هذا الصدد"
وتم اعتقال منفذ الهجوم ياسين حسين زاده (50 عاماً) الذي أعلن أنه متزوج من امرأة أذربيجانية، وقد هاجم السفارة بعد محاولات كثيرة منه للوصول إلى زوجته التي ذهبت إلى سفارة بلادها في آذار/مارس 2022 ولم تعد إليه، فكان يعتقد أنها ما زالت في مبنى السفارة حسب تصريحاته. وعلى هذا الأساس أكدت المصادر الإيرانية أن الهجوم وقع بدوافع "شخصية وعائلية".
أما ابنة منفذ الهجوم، إسراء (22 عاماً) التي كانت برفقة أخيها الصغير داخل السيارة حين هاجم والدها السفارة، صرحت في حديثها إلى التلفزيون الإيراني، أن والدتها تقطن حالياً في باكو عاصمة أذربيجان، وقد تحدثت معها قبل ثمانية أيام من تنفيذ العملية، كما أنها أخبرت والدها بذلك، بيد أنه أكد لها أننا سنذهب إلى السفارة كي نحررها من هناك.
بدورها قالت وزارة الخارجية الأذربيجانية إن "الحملة المعادية لأذربيجان" في الإعلام الإيراني طوال الفترة الأخيرة أسهمت في هذا الهجوم. وفي بيان شديد اللهجة أضافت: "للأسف، يظهر العمل الإرهابي الدامي العواقب الوخيمة لعدم إيلاء الاهتمام اللازم لنداءاتنا المستمرة في هذا الصدد".
وتضم إيران الملايين من أفراد العرقية الآذرية، ولطالما اتهمت باكو بتأجيج النزعات الانفصالية على أراضيها. كما يهيمن الفتور على العلاقات بين باكو وطهران، إذ إن أذربيجان الناطقة بالتركية تعد حليفة مقربة لتركيا، المنافسة التاريخية لإيران. وساهم في زيادة هذا التوتر، علاقات أذربيجان مع إسرائيل، والحرب الأذربيجانية-الأرمينية.
روسيا القيصرية
ربما يمكن اعتبار مقتل السفير الروسي لدى طهران سنة 1829، أول هجوم على دبلوماسيين في الأراضي الإيرانية، حيث عقدت طهران اتفاقية سلام مع موسكو بعد خسارتها في حربها مع الروس، منحت فيها أراضيَ جمهورية نخجوان ذاتية الحكم وأرمينيا في شمال غرب البلاد، إلى روسيا القيصرية.
وغضب المجتمع الإيراني من تلك الاتفاقية التي اعتُبرت أنها كانت خسارة فادحة في تاريخ البلاد. وعلى غرار ذلك طالب السفير ألكسندر غريبيدوف الذي نضم نص الاتفاقية، بإرجاع الإيرانيين من أصول تلك المدن الذي ضمتها روسيا.
ووقعت صدامات بين المتظاهرين وبين عناصر السفارة الروسية، مما أدى إلى مقتل 3 من المتظاهرين، واستطاع المحتجين اقتحام السفارة وقتل طاقمها على رأسهم السفير، سوى السكرتير الأول في السفارة.
الولايات المتحدة
بادر مساعد القنصل الأمريكي لدى طهران روبرت ويتني إمبري، سنة 1924، في التقاط الصور من طقوس طائفية في إحدى المناطق بطهران، فحين وصوله برفقة أحد زملائه، أشيع وسط الجماهير أنه جاء لتسميم مياه المراسيم، فهاجمته الجموع الحاضرة بالضرب والركل والصفعات والحجارة حتى قُتل.
وبعد 55 عاماً، وفي اليوم الثالث من إعلان انتصار الثورة الإيرانية سنة 1979، هاجم مسلحون ثوريون السفارة الأمريكية، قبل أن ينسحبوا منها بأوامر قيادية دون سقوط ضحايا. ولكن عاد أتباع آية الله الخميني من الطلاب الجامعين الإسلاميين باقتحام السفارة بعد 8 أشهر فقط، وحجزوا طاقم السفارة كرهائن لفترة 444 يوماً.
وصف الخميني سفارة واشنطن أنها "وكر التجسس الأمريكي ضد إيران"، واعتبر عمل الطلاب أنه بمثابة "ثورة ثانية". ومنذ ذلك اليوم حتى الآن بقيت البعثات الدبلوماسية لدى البلدين في إغلاق تام. كما حولت طهران السفارة الأمريكية إلى مركز منظمة البَسيج الطلابي.
موسكو مجدداً
عند احتلال أفغانستان من قبل الاتحاد السوفياتي، هاجم أفراد من الجالية الأفغانية المقيمة في إيران، سفارة موسكو في نهاية عام 1980، أثناء إقامة وقفة احتجاجية أمام مبنى السفارة. وقد كشف الاتحاد السوفييتي عن إشعار إيران المسبق بالحادث.
السعودية والكويت
وقعت اشتباكات عنيفة في موسم الحج 1987 بين مجموعة من الحجاج الإيرانيين وقوات الأمن السعودية. تباينت ردات الفعل تجاه الأحداث حيث يصفها المتعاطفون مع الجانب السعودي بأعمال الشغب، بينما يصف المتعاطفون مع الحجاج الشيعة الأحداث بالمجزرة.
لكن في عام 1987، أغلق طوق من الشرطة السعودية جزءاً من مسار المظاهرة السنوية ضد إسرائيل وأمريكا رافعين شعارات الثورة الإسلامية والدعوة إلى الوحدة الإسلامية، رافعين صور المسجد الأقصى والمسجد الحرام وصور الخميني. أدى ذلك إلى مواجهات بينهم وبين الحجاج. وتصاعدت هذه التصادمات حتى أدت إلى اشتباك عنيف تلاه تدافع مميت. وهناك جدل حول تفاصيل الحادث. وتفيد بعض المصادر بأن عدد القتلى في الحادث كان 402 شخصاً: 275 حاجاً إيرانياً و85 شرطياً سعودياً و42 حاجاً من جنسيات أخرى.
وإثر ذلك هاجمت الجماهير الغاضبة في طهران، سفارة الرياض وقُتل دبلوماسي سعودي، كما أُضرمت النار في السفارة الكويتية.
روسيا للمرة الثالثة
من جديد وقعت سفارة الاتحاد السوفياتي في العاصمة الإيرانية وقنصليتها في مدينة أصفهان في مرمى غضب الإيرانيين سنة 1988 عبر الحجارة والمواد الحارقة، وذلك بعد أن تسربت أنباء تشير إلى بيعها الصواريخ للجيش العراقي الذي قصف بها المدن الإيرانية أثناء الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينيات القرن المنصرم.
الدنمارك والنمسا
عندما نشرت مجلة دنماركية رسوماً كاريكاتيرية تسخر من النبي محمد في عام 2006، عمت موجة الغضب في البلدان المسلمة وهاجم إسلاميون متشددون سفارات الدنمارك في بعض البلدان، وفي طهران هاجم بعض الأفراد سفارتي الدنمارك والنمسا، والدليل في الهجوم على الأخيرة هي رئاسة النمسا للاتحاد الأوروبي آنذاك.
باكستان
نظم بعض طلاب المدارس الدينية وقفة احتجاجية أمام السفارة الباكستانية، تنديداً بأعمال العنف ضد الشيعة في باكستان، وكذلك مقتل أحد موظفي القنصلية الإيرانية في مدينة بيشاور الباكستانية عام 2009. وشهد التجمع هجوماً بالحجارة ضد السفارة الباكستانية.
وفي عام 2010 تعرض السفير الباكستاني لجروح طفيفة في إحدى شوارع طهران عقب هجوم مسلح من قبل مواطن أفغاني.
المملكة المتحدة
مع تصاعد التوترات بين إيران والغرب على الملف النووي، هاجم بعض المتشددين مبنى السفارة البريطانية وكذلك موقع حديقة السفارة في شمال العاصمة عام 2011، حيث تم تدمير بعض ممتلكات السفارة هناك.
السعودية مجدداً
بعد إعدام رجل الدين الشيعي والمعارض الشيخ النمر في الرياض عام 2016، تم حرق مقر السفارة السعودية في العاصمة وكذلك القنصلية السعودية في مدينة مشهد. وخلفَ هذه الأحداث قطعت الرياض علاقاتها الدبلوماسية مع طهران حتى اليوم.
بريطانيا وفرنسا
بعد احتجاجات إيران الأخيرة وتوسيع رقعة الخلافات بين بريطانيا وطهران، أدرج نظام الجمهورية الإسلامية قناة بي بي سي الفارسية وقناة إيران إنترناشيونال في قائمة الإرهاب لحثهما الإيرانيين على "أعمال الشغب" وفق قولها، وبما أن القناتين تتخذان من لندن مقراً لهما، فاحتجت طهران على ذلك، وبادر بعض من أنصار النظام بكتابات شعارات مناوئة وشتائم ضد البريطانيين على جدران السفارة.
وصف الخميني سفارة واشنطن أنها "وكر التجسس الأمريكي ضد إيران"، واعتبر عمل الطلاب أنه بمثابة "ثورة ثانية". ومنذ ذلك اليوم حتى الآن باتت البعثات الدبلوماسية لدى البلدين في إغلاق تام
وعندما قام السفير البريطاني بمحو الشعارات من الجدران، رافقه بعض المارة بهذا العمل، ليعود المتشددون بكتابة الشعارات من جديد على جدران ومدخل السفارة.
وبات أسلوب كتابة الشعارات على حيطان السفارات في طهران عادةً يلتزم بها البعض وسط صمت حكومي، حيث قد تكرر مع السفارة الفرنسية بعد نشر مجلة شارلي إبدو رسوماً من المرشد علي خامنئي مطلع عام 2023.
تداول المغردون صوراً من جدران السفارة الفرنسية في طهران، تعكس كتابات تندد بالحكومة الفرنسية، وتظهر الصور شعارات منها: "للبيع"، "ماكرون الحيوان"، "الإبادة في الجزائر"، "دار المثليين"، "داعمي الإرهاب"، "فرنسا الاستعمارية".
وانتقد الكثير من الناشطين الأعمالَ الأخيرة واعتبروها بلطجية مدعومة حيث أنها تؤثر سلباً على العلاقات الدبلوماسية بين البلاد والعالم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين