شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
من أذربيجان إلى سوريا... الصراع

من أذربيجان إلى سوريا... الصراع "الصفوي-الإيراني والعثماني-التركي" يطلّ برأسه من جديد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 10 أكتوبر 202204:08 م

أعادت القذائف المتقطعة بين أرمينيا وأذربيجان، ذكرى حرب 2020، بين الدولتين، وعاد معها الحديث عن الصراع التركي-الإيراني، في إطار جهود الطرفين لتوسيع دائرة النفوذ ومراكمة أوراق القوة الشاملة اللازمة للصعود إلى مرتبة الدولة الإقليمية المهيمنة.

فبالرغم من التعاون بين أنقرة وطهران في عدد من القضايا، إلا أن حدة المنافسة تتعالى بينهما من القوقاز إلى سوريا مروراً بإقليم كردستان العراق الذي رفع الصراع إلى ذروته، فأطلقت إيران، وللمرة الأولى، من أراضيها صواريخ باليستيةً في اتجاه الإقليم العراقي.

في انتقاده للعملية التركية في شمال العراق، في شباط/ فبراير 2021، قال السفير الإيراني السابق في بغداد إيرج مسجدي، إن إيران "لا تقبل إطلاقاً بأن تتدخل تركيا أو أي دولة أخرى في العراق عسكرياً، أو أن تتقدم وتحظى بوجود عسكري فيه"، ورد عليه السفير التركي في العراق أيضاً، فاتح يلدز، عبر تغريدة على تويتر، بالقول إن إيران "آخر شخص يحق له إعطاء تركيا دروساً بشأن احترام حدود العراق".

قبلها بعام، كانت الدولتان على وشك المواجهة المباشرة في إدلب شمال سوريا، وتحديداً في شباط/ فبراير 2020، بعد انتشار الميليشيات المدعومة من إيران للمرة الأولى في المحافظة للمشاركة في القتال ضد الفصائل المناهضة لنظام الأسد المدعومة من تركيا.

حدة المنافسة تتعالى بين إيران وتركيا من القوقاز إلى سوريا مروراً بإقليم كردستان العراق الذي رفع الصراع إلى ذروته

جذور تاريخية

شهد التاريخ صراعاً دامياً بين المشروعين الصفوي الإيراني من جهة، والعثماني التركي من جهة أخرى، ومثّل الشاه عباس الصفوي ذروة المشروع الأوّل والسلطان مراد الثالث ذروة الثاني. وفي تجذير للتناقض بين المشروعين مع تثبيت هوية معادية للسلطنة العثمانية، عمد السلطان إسماعيل الصفوي إلى إعلان تشيّع إيران ضماناً لاستقرار الحكم، في ظل وجود القزلباش الترك أصحاب السطوة والحظوة في الدولة الفارسية.

وبعد حروب أعقبتها معاهدات لتثبيت الحدود بين البلدين، تم اعتراف كل طرف بالآخر كحامٍ مذهبي للشيعة أو السنة، ولتطعيم التصادم المذهبي والإمبراطوري بالبعد الرمزي، اختار الشاه الصفوي الشمس رمزاً للعلم الفارسي، فالشمس الفارسية نقيض رمزي وبصري للهلال العثماني.

مع تشكل دول المنطقة عقب الحرب العالمية الأولى، انشغلت الدولتان الوليدتان، تركيا وإيران، بترتيب أوضاعهما الداخلية مع تقارب لم يفضِ إلى تحالف بينهما، بالرغم من انضوائهما في المحور الأمريكي المعادي للمحور السوفياتي. وبسقوط الأخير وتولّد دول جديدة ناجمة عن انفراط عقد الاتحاد، برز التنافس مجدداً بين تركيا وإيران، ضمن مساعيهما لمد نفوذهما إلى هذه الدول المرتبطة بالذاكرة التاريخية أو العرقية لهما.

شكّل الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وهيمنة القوى الموالية لإيران، منعطفاً حاسماً في العلاقة بين الجانبين، نظراً إلى تبدّل موازين القوى الإقليمية لصالح طهران، ما يعرّض تالياً المصالح التركية للخطر. ورفع الربيع العربي منذ العام 2011 درجة التنافس بين الدولتين درجةً، لا سيما في الساحة السورية التي تناقضت فيها مواقف الجانبين.

وأخيراً، ألقت الحرب الأوكرانية، والانسحاب الأمريكي من أفغانستان، بظلالهما على علاقة الدولتين، في إطار تنافسهما لملء الفراغ الأفغاني، وجهود الإفادة من أزمة الطاقة العالمية التي خلّفتها الحرب الأوكرانية، من قبل طهران، تقابلها جهود أنقرة لتحويل تركيا إلى مجمع مركزي للطاقة الإقليمية وخطوط توريدها إلى الغرب.

الصراع على الطاقة

بحسب الباحث والمحلل السياسي التركي، طه عودة أوغلو، تشهد العلاقات التركية الإيرانية خلال الأشهر الأخيرة الماضية توتراً متعدد الأسباب، منها التوازنات الجيو-سياسية الناشئة حديثاً في منطقة القوقاز، والتي لا ترحب بها طهران ولا تنظر إليها بشكل إيجابي، لا سيما تعزيز تركيا وأذربيجان قوتهما وثقلهما هناك، وهو ما يقلق إيران، بالإضافة إلى آثار الهجوم الأذربيجاني الأخير على أهداف إستراتيجية جنوب أرمينيا. وعليه، تتخوف طهران من أي تغييرات جيو-سياسية على حدودها، وتعارض ممر زنغزور، لما له من تأثير على أمنها القومي واقتصادها المتدهور.

الأخطر والمقلق من وجهة نظر طهران، هو وجود تفاهمات حول خط أنابيب الغاز بين أنقرة وأربيل، تراه طهران تهديداً لمصالحها في مجال الطاقة

وكان السفير الإيراني الأسبق في أذربيجان، محمد باقر بهرامي، قد اتهم تركيا وعدداً من الدول الغربية بالعمل على خلق "عالم تركي" عبر إنشاء ممر يمتد حتى تركمانستان وإحدى المقاطعات الصينية ذات الأغلبية الأيغورية. مفضلاً تسمية ممر زنغزور، الذي يربط الأراضي الأذرية بالتركية، بـ"الممر التركي للناتو".

يُشير أوغلو في حديثه إلى رصيف22، إلى أنه "خلال السنوات الأخيرة، تحولت الساحة العراقية إلى ساحة تنافس تركي إيراني ووصلت الأمور بينهما إلى مرحلة الصدام المباشر مؤخراً، بعد العمليات العسكرية التي شنها الجيش التركي لملاحقة فلول منظمة حزب العمال الكردستانية الإرهابية في شمال العراق".

لكن، برأيه، "الأخطر والمقلق من وجهة نظر طهران، هو وجود تفاهمات حول خط أنابيب الغاز بين أنقرة وأربيل، تراه طهران تهديداً لمصالحها في مجال الطاقة، فتركيا أحد أبرز مشتري الغاز الإيراني، وهي بذلك مصدر دخل مهم للاقتصاد الإيراني الواقع تحت العقوبات الدولية، بالإضافة إلى ما تفضي إليه هذه التفاهمات من تقويض قدرة طهران على استخدام الطاقة كورقة ضغط على تركيا بحسب خبراء الاقتصاد الأتراك".

مع عودة الدفء إلى العلاقة التركية الإسرائيلية، عاد الحديث عن إحياء فكرة خط الأنابيب التركي-الإسرائيلي (خط ليفياثان) لخلق بدائل للغاز الإيراني والروسي، إذ صرّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في شباط/ فبراير 2022، بأن تركيا وإسرائيل يمكنهما العمل معاً لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا.

أوراق الضغط

وفي تفسيره لاستخدام القوة المسلحة في شمال العراق، يعتقد الباحث في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، الدكتور عبد الرؤوف مصطفى الغنيمي، في دارسة له، أنها رسالة تركية لإيران، بأن الغاز الكردستاني مصلحة حيوية لأنقرة، بالإضافة إلى مصالح فرعية تصب في:

مع عودة الدفء إلى العلاقة التركية الإسرائيلية، عاد الحديث عن إحياء فكرة خط الأنابيب التركي-الإسرائيلي

- إفقـاد ورقة الضغط الإيرانية قيمتها، من خلال تحلل أنقرة من الضغط الإيراني عليها، في حال استخدمت طهران غازها المصدَّر إلى تركيا كورقة ضغط ضد أنقرة، للتأثير على مواقفها في بعض القضايا التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بإيران في إطار التنافس التركي-الإيراني على موقع الريادة الإقليمية.

- الحسم من معدل القوة الإيرانية: من خـلال مباحثات أنقرة للحصـول على الغاز الكردسـتاني بدلاً عن الغاز الإيراني للحسم من معدل القوة الإيرانية التي تسعى إيران إلى تعزيزها في إطار تنافسها مع تركيا في العديد من ساحات التنافس داخل الإقليم وخارجه.

الأكاديمية ناديا حلمي، أستاذة العلوم السياسية في جامعة بني سويف، والخبيرة بالشؤون السياسية الصينية والآسيوية، ترى التركيز الإيراني والتركي، على حد سواء، مُنصبّاً على توسيع التعاون الاقتصادي مع دول آسيا الوسطى، ودفع الخطط لإنشاء روابط نقل إقليمية، كممر شمال جنوب الإيراني، الذي يربط الهند بروسيا عبر إيران وأذربيجان. وبالرغم من الترحيب الإقليمي بهذه الجهود لما توفره من منافع اقتصادية لجميع دول المنطقة، بما فيها إيران وتركيا، لا تزال التوترات الجيو-سياسية الكامنة عاملاً في عدم الاستقرار ومعرقلاً لجهود التكامل الاقتصادي.

وتضيف خلال حديثها إلى رصيف22: "مؤخراً، تبدو المنافسة التركية الإيرانية قضيةً أكثر إلحاحاً، وتحتاج إلى حسن إدارة الجانبين لتهدئة الأوضاع الساخنة في جنوب القوقاز. إذ تنظر تركيا إلى أذربيجان كحلقة مهمة وجوهرية لتعزيز علاقاتها بدول وسط آسيا، مع كونها مصدراً مهماً للطاقة، مما دفع أنقرة لتوقيع اتفاقية "الشراكة الإستراتيجية والمساعدة المتبادلة" مع باكو عام 2010. وفي عام 2011، وقّع الطرفان اتفاقيات خاصةً بنقل الغاز الأذربيجاني إلى السوق الأوروبية عبر الأراضي التركية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون العسكري بينهما".

وتشير حلمي إلى أنه "على الضفة الإيرانية، تلوّح طهران بورقة العبور السلس تجاه ‘البحار المفتوحة’ اللازمة لدول وسط آسيا في مشاريعها لنقل الطاقة إلى الغرب الأوروبي، والمسؤولون الإيرانيون دائمو التأكيد على الموقع المركزي لبلادهم، بما يسمح لها بالعمل كجسر برّي لطرق العبور التي تربط غرب آسيا بكلٍّ من أوروبا وشرق آسيا".

غياب الثقة

في كانون الأول/ ديسمبر 2020، ألقى الرئيس التركي خلال "احتفال النصر" في أذربيجان أبياتاً من قصيدة "آراس آراس"، أشار فيها إلى تمزق الآذريين بين ضفتي نهر آراس. مما فجّر أزمةً دبلوماسيةً بين أنقرة وطهران تلاشت بسرعة، ولكنها كشفت عن "توتر دفين" لدى الطرفين.

وفي رده على القصيدة، غرّد محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني حينها، على حسابه على تويتر بالقول: "ألم يُبلِغوا أردوغان بأن القصيدة، التي أسَاءَ في ترديدها في باكو، تُشير إلى الانفصال القسري لمناطق في شمال آراس عن وطنها الأم إيران. ولا يمكن لأحد التحدث عن أذربيجان العزيزة".

المخاوف الإيرانية تجاه خطط تركية لتوسيع نفوذها فى أذربيجان وجنوب القوقاز، قد تثير توترات جديدةً وتؤدي إلى فصل جديد من فصول التوترات في تلك المنطقة

فيما أشار الكاتب المقرب من الحكومة التركية، إبراهيم قراغول، عبر حسابه على "تويتر"، إلى أنه يجب فتح "ممر باكو- ناخشيفان" على الفور، عادّاً أنه "يجب منع إيران من تقسيم العالم التركي".

"غياب الثقة"، أبرز ما يميز العلاقة بين تركيا وإيران في الوقت الراهن، بحسب أوغلو، فما أن يتفق الطرفان حتى يختلفا مجدداً، ومن المرجح أن تستمر حالة التوتر بين أنقرة وطهران بالتصاعد خصوصاً مع وجود ملفات شائكة عدة بين البلدين وعلى رأسها التدخل الإيراني في المنطقة، لا سيما في سوريا والعراق، وفي المحصلة فإن النتائج التي ستسفر عنها تفاعلات الوضع الراهن في سوريا ستلعب الدور الأبرز في إعادة هيكلة شبكة التحالفات الإقليمية. وبعد أن كان الأمل يداعب الكثير من المراقبين في استقرار الأوضاع في المنطقة، عادت أجواء الصراع بعد الحرب الروسية الأوكرانية لتلقي بظلالها على المنطقة التي لا تكاد تعرف إلى الهدوء والاستقرار طريقاً على الأقل في المدى القريب.

من جانبها، ترى حلمي أن المخاوف الإيرانية تجاه خطط تركية لتوسيع نفوذها فى أذربيجان وجنوب القوقاز، قد تثير توترات جديدةً وتؤدي إلى فصل جديد من فصول التوترات في تلك المنطقة، فمن وجهة نظر طهران، انتصار أذربيجان في حرب عام 2020 ضد أرمينيا لم يكن ليتحقق لولا الدعم التركي والإسرائيلي، مع عجز روسيا عن منع هزيمة أرمينيا. ومع الاستنزاف الروسي في أوكرانيا، يتوقع البعض في طهران أن توسع أنقرة وباكو دعمهما للوحدة التركية، ما يضعهما في مسار تصادمي مع طهران.

وتخشى إيران من بث وتشجيع النزعة الانفصالية في أوساط الأقلية الآذرية التي تبلغ نسبتها نحو 25% من عموم سكان إيران، لذا تعي إيران جيداً خطر زيادة التدخل التركي على حدودها المجاورة، واحتمال التدخل التركي في الشأن الداخلي الإيراني، بذريعة حماية الهوية الآذرية، بحسب حلمي.

تخشى إيران من بث وتشجيع النزعة الانفصالية في أوساط الأقلية الآذرية التي تبلغ نسبتها نحو 25% من عموم سكانها

إسرائيل والخليج

في سياق ليس ببعيد عن مسار تركيا، قامت الأخيرة مؤخراً بإنهاء قطيعتها للدول الخليجية وعلى رأسها السعودية والإمارات مع بدء نقاش فعلي لاستثمارات متبادلة وتوقيع اتفاقيات طويلة الأمد، فيما كان إعلان عودة التمثيل الدبلوماسي مع إسرائيل تتويجاً للتوجه التركي في إنهاء كل المشكلات مع غالبية دول المنطقة والتفكير في ما ستدرّه العلاقات من فوائد على الاقتصاد التركي المترنح والذي وصل فيه التضخم إلى ما يقارب 83%.

في ردها على سؤال رصيف22، حول الاستدارة التركية تجاه الدول الخليجية وإسرائيل وأحاديث عودة العلاقات مع حكومة دمشق، وتأثيرها على العلاقة التركية الإيرانية، ترى الكاتبة والإعلامية، صبا مدور، أن تركيا وايران دولتان إقليميتان كبيرتان متنافستان، إلا أن هذا التنافس لا يتسبب في انهيار مطلق للعلاقات، بعد أن أثبتت العلاقات التركية الايرانية أنها تسير بملفات منفصلة عن بعضها، إذ يتم عزل الملفات السياسية عن الاقتصادية والأمنية.

وتضيف: "لذا، تجد التبادل التجاري بين تركيا وايران لم يتأثر بأي خلل في الملفات الأمنية. إذ دعمت إيران خلال السنوات الماضية حزب العمال الكردستاني في العراق، ولم يتأثر التبادل التجاري، ولم يتأثر التبادل التجاري بسبب صراعهما في سوريا أيضاً".

برأيها، فإن "أي تحرك إيراني أو تركي على المستوى الإقليمي، بما في ذلك علاقة تركيا بأذربيجان، سيبقى ضمن السياق ذاته ولن يُعدّ استدارةً، بما فيها عودة العلاقات المحتملة بين أنقرة وحكومة دمشق، التي يضعها البعض في خانة حسم نفوذ طهران في الساحة السورية، من دون النظر إلى تغلغل النفوذ الإيراني الذي يتعدى الأسد إلى مواقع الدولة الأمنية والاقتصادية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image