يعتقد القيادي في الحرية والتغيير ــ الكتلة الديمقراطية، مبارك اردول، أن مصر لن تدعم الحكومة المدنية المقبلة التي ستُشكل بناء على الاتفاق الإطاري، وبالتالي لن تحظى بدعم عدد كبير السودانيين.
هذا الظن ناجم من رفض الجناح الآخر في ائتلاف الحرية والتغيير، والذي وقع مع قوى سياسية أخرى الاتفاق الإطاري مع قادة الجيش، مبادرة من السُّلطة المصرية تتعلق بعقد ورشة عمل في القاهرة بين الأطراف السودانية في الأسبوع الأول من فبراير المقبل.
ولم تُعلن القاهرة عن تفاصيل المبادرة التي يقول المحلل السياسي مصعب محمد علي إن غرضها الأساسي، إتاحة الفرصة لمصر للضغط على الأطراف السودانية، لتوقيع اتفاق جديد يتجاوز الاتفاق الإطاري.
تزامن المبادرة مع المرحلة النهائية
وفي 4 يناير/ كانون الثاني، طرح مدير المخابرات المصرية عباس كامل، الذي يُوصف بأنه ظل الرئيس عبد الفتاح السيسي، على جناحي الحرية والتغيير استضافة القاهرة لقاءات بينهما لحل خلافاتها.
وتتعلق هذه الخلافات برفض الحرية والتغيير بعض أطراف الكتلة الديمقراطية لتُوقع على الاتفاق الإطاري، بحجة إنها قوى مُصنوعة من العسكر، فيما لم تمانع من انضمام جماعتي تحرير السودان والعدل والمساواة المسلحتين إلى العملية السياسية؛ لكن الكتلة تتمسك بانخراطها كائتلاف كامل في العملية.
وبالفعل، هيأت الكتلة الديمقراطية الأوضاع في السودان للانقلاب العسكري في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، من خلال الاعتصام أمام القصر الرئاسي وإغلاق شرق السودان. ولاحقًا، بعد الرفض الشعبي لحكم العسكر ودخول البلاد في أزمات اقتصادية وسياسية وإنسانية وأمنية اقترحت تقاسم السُّلطة مع قادة الجيش.
وابتعدت مصر وبعض أطراف الكتلة الديمقراطية، عن مبادرة أطلقها قانونيون مستقلون صاغت مشروع دستور انتقالي، قبّل الحكام العسكريون والحرية والتغيير أن يكون أساسًا لنقل السُّلطة إلى المدنيين، وبناء على هذا القبول دخلا في مشاورات أفضت إلى توقيع الاتفاق الإطاري، ضمن عملية سياسية تيسرها آلية ثلاثية مؤلفة من بعثة الأمم المتحدة في الخرطوم والاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيقاد، وبدعم كبير من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي والسعودية والإمارات.
ونص الاتفاق الإطاري على نقل السُّلطة إلى المدنيين بمجرد التوافق على قضايا: تفكيك البنية الاقتصادية والسياسية للنظام السابق، العدالة والعدالة الانتقالية، حل أزمة شرق السودان، إصلاح قطاع الأمن والدفاع وتقييم اتفاق السلام المُبرم بين حكومة السودان والجماعات المسلحة في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020.
وفي 8 يناير/ كانون الثاني، أعلن موقعو الاتفاق الإطاري عن انطلاق المرحلة النهائية للعملية السياسية، حيث عقدوا مؤتمرا لتفكيك النظام السابق فيما ينتظر أن تُيسر الآلية الثلاثية ورش عمل لتقييم اتفاق السلام وأزمة الشرق بنهاية هذا الشهر أو بداية فبراير/ شباط.
وتأمل هذه الأطراف من انتهاء عقد ورش العمل ومؤتمرات قضايا المرحلة النهائية، قبل نهاية الشهر المقبل، من أجل إعلان حكومة مدنية في السودان في مارس/ آذار.
الحلفاء الجُدد
يقول المحلل السياسي مصعب محمد علي لرصيف 22: "إن الغرض من مبادرة السُّلطة المصرية هو محاولة ايجاد أكبر قدر من حلفاءها في القاعدة السياسية للحكومة المدنية المقبلة، بعد عودة قادة الجيش إلى الثكنات".
ويشير إلى أن السُّلطة المصرية ظلت تدعم قادة الجيش وربما حرضتهم على الانقلاب، لاستنساخ تجربتها في الحكم، لكن الحكم العسكري قُوبل برفض شعبي ودولي. وبعد هذا الفشل، حاولت التدخل في الأزمة عبر حليفها القديم رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي محمد عثمان الميرغني الذي أرسلته إلى الخرطوم بمبادرة منه، لكنها تعثرت.
نجحت الكتلة الديمقراطية في استقطاب نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي جعفر الميرغني إلى صفها، وسمته رئيسًا للائتلاف، وعبره نجحت مصر في اختراق الكتلة برمتها وجعلها مؤيدة لسياساتها، وفقًا لمصعب.
ووصل الأمر بالكتلة الديمقراطية في تأييدها لمصر إلى حد دعوة نائب رئيسها محمد الأمين ترك، رئيس السُّلطة المصرية عبد الفتاح السيسي بالإسرع في المبادرة أو ضم شرق السودان إلى القاهرة.
لماذا التمسك بالمبادرة؟
ترى المراقبة للشأن العام إيمان الكباشي إن مُبادرة القاهرة تصب في صالح أطراف الكتلة الديمقراطية، لذا تُعارض الاتفاق الإطاري الذي نص على أن تُشكل الحكومة المدنية من مستقلون مما يعني فقدانهم مناصبهم، كما أن الحرية والتغيير والتي ستكون القاعدة السياسية للحكومة المقبلة لا تُميل إلى التعامل مع زعماء العشائر في الشأن السياسي.
وتقول لرصيف 22: "لا تملك الكتلة الديمقراطية نفوذ في أوساط السودانيين بعد تأييدها الحكم العسكري، ولهذا ستتمسك بالمبادرة المصرية لأنها طوق نجاة بالنسبة لهم".
وارتفعت عداء الكتلة الديمقراطية إلى الاتفاق الإطاري بعد عقد مؤتمر التفكيك الذي أوصى بمراجعة جميع قرارات الحكم العسكري، وهذا يعني بالنسبة إلى الكباشي، كشف الفساد المالي والإداري الذي جرى خلال الفترة الماضية بما في ذلك قطاع المعادن الذي تسيطر عليه الجماعات المسلحة ومبارك اردول الذي يشغل منصب مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية ــ حكومية.
ويحاجج اردول بأن مبادرة القاهرة يمكنها أن تتوصل إلى وثيقة تحظى بإجماع القوى السياسية لقيادة الفترة الانتقالية، ويقول إن: "القيادة المصرية ترمي من خلال اللقاء المرتقب لتسهيل جلوس السودانيين مع بعضهم للبحث عن حلول للأزمة".
وبينما تعمل الحرية والتغيير على إبعاد العسكرعن السُّلطة ومشاركة المدنيين في إصلاح قطاع الأمن والدفاع والوصول إلى جيش واحد بنهاية فترة الانتقال المحدد وقتها بـ 24 شهرًا، يُطالب بترحيل قضايا الإصلاح والعسكري والجيش الواحد إلى ما بعد فترة الانتقال.
وتعلق إيمان على هذه المطالبة: "لا يمكن إجراء انتخابات في ظل تعدد الجيوش، حيث لا تزال الجماعات المسلحة تحتفظ بجيوشها وأسلحتها بعد مرور أكثر من عامين على توقيع اتفاق السلام، إضافة إلى وجود قوات الدعم السريع بصورة شبه مستقلة. وهذا لا يُهدد العملية الانتخابية فقط بل السودان ككل".
وتشير إلى أن السُّلطة المصرية ستعمل بكل السبل على ضمان نجاح مُبادرتها، لضمان الحفاظ على مصالحها في السودان، كما أن أي حكومة مدنية في الخرطوم يُمكن أن تدفع المصريين إلى الثورة على نظام السيسي الذي يُعاني من الأزمات.
ووصل الأمر بالكتلة الديمقراطية في تأييدها لمصر إلى حد دعوة السيسي الى ضم شرق السودان إلى القاهرة.
هل تملك الحرية والتغيير القوة في مواجهة مصر؟
وبررت الحرية والتغيير مبادرة السُّلطة المصرية بأنها ستشكل منبرًا للقوى المرتبطة بالنظام السابق لتقويض جهود استعادة الحكم المدني، حيث يتوقع أن يُشارك فيها العشرات من قادة النظام السابق في القاهرة؛ كما أن الكتلة الديمقراطية نفسها تضم أطراف شاركته الحكم.
وقفز الائتلاف إلى أن "الموقف المصري من التطورات السياسية في السودان في أعقاب الثورة، يحتاج لمراجعات عميقة تتطلب تفاكراً حقيقياً على المستوى الرسمي والشعبي بين البلدين"، وذلك في إشارة واضحة إلى دعم الرئيس السيسي الحكم العسكري.
وفي يونيو/ حزيران 2021، قاطع ائتلاف الحرية والتغيير جلسات الحوار المباشر بين الأطراف السودانية في الخرطوم، بتسير من الآلية الثلاثية، بدعوى أنها تضم أطراف مؤيدة للعسكر وأخرى تقاسمت الحُكم مع نظام الرئيس المعزول عمر البشير.
وهذه المقاطعة، قادت إلى إفشال هذه الجلسات لينفض السامر دون التوصل لشيء. وهذا جعل الجيش يتأكد من تصميم الحرية والتغيير على عدم التحاور مع القوى التي تدعمه، ليُقرر التخلي عن السُّلطة في الشهر التالي؛ لتقود هذه التطورات مجتمعة، إضافة إلى استمرار الاحتجاجات، إلى توقيع الاتفاق الإطاري.
واستطاعت الحرية والتغيير إفشال المبادرة المصرية بمجرد إعلان رفضها، حيث أن عدم مشاركتها تعني أن تتحاور قوى متوافقة أصلا وبالتالي لن يكون شيئًا للنقاش حوله؛ فيما لا يملك العسكر القوة الكافية للضغط عليها للمشاركة في الورشة، بعد فشله في جمعها في طاولة واحدة مع الكتلة المصرية.
وتمتلك الحرية والتغيير تأييد الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيقاد القارية، إضافة إلى دعم أميركا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي والسعودية والإمارات؛ لذا لن توافق على المبادرة المصرية لتقويض الاتفاق الإطاري الذي عملت على مدى أشهر أشهر لإنجازه متحملة انتقادات القوى المؤيدة للديمقراطية التي من بينها الحركة الاحتجاجية الرافضة لأي تفاوض مع العسكر.
ستجد مصر الرسمية صعوبة في التعامل إن لم تغيير منهجية ما اعتادت عليه.
عتادت مصر التعامل مع الحكومات العسكرية السودانية حيث حكم الجيش البلاد 53 عامًا من أصل 67 سنة منذ الاستقلال، ومع النخب مثل قادة الحزب الاتحادي الديمقراطي؛ وهؤلاء كانوا استعداد لتنفيذ مصالحها مقابل حصولهم على دعمها، لعدم امتلاكهم تقويض من الشعب.
ومع تطورات أوضاع السودان منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية في ديسمبر/ كانون الأول 2018، برزت قوى جديدة بما في ذلك ائتلاف الحرية والتغيير الذي يستمد قوته مع أحزاب سياسية تشكلت حديثًا وقوى مهنية تضررت من سياسات النظام السابق والحكم العسكري؛ لذا ستجد مصر الرسمية صعوبة في التعامل إن لم تغيير منهجية ما اعتادت عليه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...