ارتفع صوت قرع طبول الحرب بين السودان وإثيوبيا الأسبوع الماضي، إلى حد تردد صداه داخل المؤسسات الأممية، ما ينذر بأن بلدي الهضبة والسفح، في طريقهما أكثر من ذي قبل إلى مواجهة مسلحة. وهذا ما يطرح التساؤل التالي: لماذا قد يكون سيناريو الحرب خياراً محبذاً لدى قادة البلدين؟
آحدث التطورات
الأسبوع الماضي، أعلن الجيش السوداني إعدام سبعة من عناصره المأسورين على يد قوات إثيوبية، ليس هذا فحسب، وإنما بثت القوات صورهم على الملأ في انتهاك صريح للقوانين والأعراف الإنسانية.
وإزاء هذا الإعلان، كثف الجيش السوداني وجوده في الشريط الحدودي الملتهب بين البلدين، وسارع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان لزيارة المنطقة، متعهداً "اتخاذ رد عملي" إزاء ما جرى لجنوده، ما جعل الأمور في ذروة التصعيد والتوتر.
تتوزع القراءات الإستراتيجية للتوتر بين السودان وإثيويبا، بين سيناريوهات شديدة التباعد والتناقض، أحدها يتهم مصر مباشرة بتصعيد التوتر بين الجانبين
أما إثيوبيا فقدمت منظوراً آخر للقضية زاعمة توغل القوة السودانية داخل أراضيها بمعية قوات جبهة تحرير تيجراي المناوئة لنظام رئيس الوزراء آبي أحمد، ما أدى لنشوب قتال مسلح أدى لسقوط الجنود السودانيين. وأسفت وزارة الخارجية الإثيوبية للحادث، وتعهدت إجراء تحقيق بشأن ملابساته.
أسباب التوتر
بعد فترة من شهر العسل بين السودان وإثيوبيا خلال حقبة الرئيسين المعزول عمر البشير، والراحل ميليس زيناوي، الذي ظهر في التوافق الكبير وقتذاك بشأن سد النهضة الإثيوبي.
وصل أحمد إلى رئاسة وزراء إثيوبيا، وبعده استولى البرهان على الحكم في السودان، وبعد شهر عسل قصير أيضاً بين الطرفين، بدأت المواقف في التبدل إلى النقيض، إذ تحول السودان من مساندة السد إلى القول بمخاطر جمة تترتب عليه جراء انفراد إثيوبيا بقرارات الملء والتشغيل.
هناك سيناريو يرى أن قادة البلدين يدفعان نحو الحرب، كونها تضمن بقاءهما فوق مقاعدهما، فالبرهان يحتاج إلى امتصاص التظاهرات الرافضة لانقلابه عبر التلويح بضرورة التماسك الداخلي للحفاظ على الحدود. وآبي أحمد لا يختلف عنه كثيراً
ومع نهاية عتم 2020 بدأت العلاقة تنحو للتوتر والمواجهة المباشرة أكثر من ذي قبل، وذلك بعدما استعاد الجيش السوداني أراضي منطقة الفشقة الشديدة الخصوبة من أيدي الجيش الإثيوبي ومليشيا الشفتة.
المفارقة إن إثيوبيا التي وضعت يدها على المنطقة في عز انشغالات البشير بخوض الحروب الأهلية ضد مواطني دولته، احتجت على إعادة الجيش السوداني لانتشاره في المنطقة، واستعادة أكثر من 90% منها في عز انشغال الجيش الفيدرالي بخوض معارك في إقليم تيجراي.
وبعد عقود من سيطرة المزارعين الإثيوبيين على المنطقة، فقدت إثيوبيا واحداً من مصادر دخلها الغذائي وأمنها القومي، إذ من المعروف أن الأراضي الإثيوبية ذات طبيعة جبلية غير صالحة للزراعة لأغراض ربحية.
حقيقي أم مصطنع
تتوزع القراءات الإستراتيجية للتوتر بين السودان وإثيويبا، بين سيناريوهات شديدة التباعد والتناقض. السيناريو الأول هو أن قادة البلدين ضد سيناريو الحرب، لكنهما لا يمانعان خوضها في حال اضطرتهم الظروف.
يقول الباحث في الشؤون الدولية، وائل النور، لرصيف22، إن قادة السودان وإثيوبيا زاهدون تماماً في سيناريو الحرب، جراء المشكلات الداخلية العويصة في كلا البلدين.وفالبرهان يخوض معركة داخلية شرسة لتثبيت دعائم حكمه المجابه بمناهضة شعبية متواصلة ضد انقلابه على المدنيين منذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أضف إلى ذلك حالة العزلة الدولية التي يعانيها نظامه.
أما آبي أحمد، فيعاني من تمرد الأقاليم ضد حكمه الذي اقترب التيجراي من الإطاحة به لولا تدخلات الخارج. زد على ذلك تنامي الصراعات القبلية، والنزعات الانفصالية في دولة تحكم فيدرالياً، ويحق لأقاليمها اتخاذ قرارات بشأن تقرير مصيرها في حال الحصول على نسبة أصوات محددة داخل برلمانها.
ويضيف النور: "يعاني كلا النظامين من الإرهاق، ورغم تلويحهما المتكرر بالحرب، لن يذهبا إلى هذا السيناريو، ليس خوفاً من المواجهة، لكن خوفاً من إطاحتهما لدى الالتفات خارج صندوق الأزمة الداخلية".
هروب للأمام
لكن هناك نظرة أخرى ترى أن البرهان وأحمد يعملان على تجاوز أزماتهما الداخلية "بالهروب إلى الأمام" من خلال حشد الناس حول قضية قومية، وهنا تكون الحرب الحدودية مهرباً متاحاً.
يؤيد هذا السيناريو، الأستاذ بمركز بحوث السلام، أمير محجوب، الذي يؤكد أن نظاميّ الخرطوم وأديس أبابا، مندفعان إلى سيناريو الحرب لتجنب دفع فواتير الداخل. وقال لرصيف22 إن أحاديث مستشار الإعلام بمكتب البرهان الأخيرة، خير مصدق لهذا السيناريو.
وصرح العميد الطاهر أبو هاجة بأن إعدام الجنود السودانيين في إثيوبيا، وما خُطط له في الخرطوم قبل تظاهرات 30 يونيو/ حزيران الماضي، مصدره واحد. في إشارة إلى تساوي حالة العداء بين الجيش الإثيوبي والمحتجين في نظر القادة العسكريين بالسودان.
بدوره، يحتاج آبي أحمد إلى تجاوز سيناريو تمزيق إثيوبيا من خلال دفع قومياتها للتوحد في حرب خارجية، شعارها الدفاع عن الوطن.
حرب بالوكالة
قبل المبارحة يلزمنا طرح سيناريو أخير، خاص بوجود طرف خارجي يدفع البلدين نحو سيناريو الحرب، لتحقيق مصالحه ولو على حساب أرتال من الضحايا.
يقول بهذا السيناريو المحلل السياسي، حيدر الماحي، الذي يؤكد لرصيف22 ضلوع مصر في دفع السودان إلى خوض حرب ضد إثيوبيا، تستفيد منها القاهرة وحدها.
وأضاف الماحي أن مصر تضغط على عسكر السودان للذهاب إلى الحرب، للحيلولة دون وصول المدنيين مجدداً للحكم، مخافة من انتقال السيناريو الديموقراطي إلى أرض الكنانة.
وتابع: "تحقق الحرب كذلك لمصر مصالح جمّة في سد النهضة، حيث سيخسر السودان الاستفادة من كامل نصيبه من مياه النيل في إضافة دورة زراعية جديدة، ما يعني عملياً استمرار تدفق حصته نحو الأراضي المصرية. علاوة على ذلك تجنب الحرب نظام عبد الفتاح السيسي الخسائر البشرية الناجمة عن خوض حرب برية مباشرة مع إثيوبيا".
وختم: "على مستوى إثيوبيا، فإن دخولها في حرب مع السودان تعني وضع نهاية لمشروع سد النهضة، وبذرة لتفتتها إلى دويلات صغيرة، غير قادرة على إثارة قلق القاهرة بمشروعات تهدد أمنها المائي".
الوضع الآن
عقب انقضاء مليونيات "30 يونيو" في السودان، خفت صوت طبول الحرب مع إثيوبيا رغم دويها العالي قبلها بأيامٍ فقط، فهل هو الهدوء الذي يسبق العاصفة أم هو الهدوء القلق الذي ينتظر البعث متى تكرر الضغط الشعبي على البرهان وأحمد؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومينحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 5 أيامtester.whitebeard@gmail.com