يأتي هذا التقرير كجزء من مشروع "مش عَ الهامش"،
والذي يسلط الضوء على الحقوق والحريات والصحّة الجنسيّة والإنجابيّة في لبنان.
"بعد مرور أكثر من سنة على الموضوع، لم أتقبّل إلى اليوم فقدان خصيتي وأنا في عمر الـ18"، هذا ما قاله طارق (اسم مستعار) الذي خسر إحدى خصيتيه لأسباب غير معروفة بعدما عانى من نوبات ألم عدة مرات.
في الربيع الماضي، أجرى هذا الشاب عملية جراحية لاستئصال الخصية التي أصابها الالتواء، وبالرغم من تطمينات الأطباء وتأكيدهم على قدرته على الإنجاب بشكل طبيعي، لا يزال طارق يشعر بالقلق من إمكانية إصابته بالعقم.
لم تمرّ نوبة التواء الخصية "على خير"
يحدث التواء الخصية Testicular Torsion نتيجة التفاف الحبل المنوي الذي يغذّي الخصيتين بالدم حول نفسه، ما يؤدي إلى انقطاع إمدادات الدم عن الخصية.
قد يؤدي التشخيص الخاطئ إلى تلف الخصية الكلي، كما أن استمرار التواء الخصية لأكثر من ست ساعات، يمكن أن يؤدي إلى تلف الخصية بشكل دائم، ومن الضروري عندها إزالة الخصية التالفة.
في العام 2021، شعر طارق بنوبة التواء الخصية الأخيرة خلال خروجه مع أصدقائه في عطلة الأعياد، كما شرح لرصيف22: "استحممت وخرجت معهم إلى أحد المقاهي، خلال الجلسة شعرت بعوارض قوية كالدوخة ووجع الرأس، وبعدها بدأت أشعر بوجع غير محمول في فخذي الأيسر، وامتدّ الألم إلى بطني وكافة المنطقة المحيطة بالعضو الذكري".
لم يكترث طارق للموضوع باعتبار أنها ليست النوبة الأولى. في المرات السابقة، اعتاد على النوم لفترة معيّنة وكان يستيقظ دون الشعور بأي ألم. لم يجرِ أي أبحاث عن التواء الخصية، ولم يسمع بهذا المصطلح من قبل.
وعن أبرز ما يستذكره في ذلك اليوم، كشف أنه دخل المرحاض عدة مرات لمحاولة فهم ما يحدث، واستمرّت الأوجاع لثلاثة أيام، دون أن يخبر أهله. بعدها بدأ الورم، ما أثّر على مرونة المشي والحركة.
"بعد مرور أكثر من سنة على الموضوع، لم أتقبّل إلى اليوم فقدان خصيتي وأنا في عمر الـ18"، هذا ما قاله طارق (اسم مستعار) الذي خسر إحدى خصيتيه لأسباب غير معروفة بعدما عانى من نوبات ألم عدة مرات
خفّت حدّة الأوجاع خلال ليلة رأس سنة، فظنّ طارق أن النوبة "مرقت على خير"، غير أن الألم عاد في الأيام الأولى من السنة: "أخبرت أمي بعدما لاحظت ازدياداً واضحاً في الورم، وبقيت في السرير نتيجة الألم الشديد والدوخة التي شعرت بها".
تزامن ذهابه إلى المستشفى مع فترة الأعياد، واحتاج التنقّل بين أربعة مستشفيات لإيجاد واحد يعمل طاقمها الطبي، بخاصة وأن الأزمة في لبنان أثرت بشكل كبير على القطاع الصحي.
اللافت أن إدارة المستشفى طلبت من طارق 100 دولار قبل وصول الطبيب، في مشهد يعكس الخفّة التي باتت تتعامل فيها معظم مستشفيات لبنان مع المرضى بعد الأزمة الاقتصادية: "أخبرني الطبيب بإصابتي بالتواء الخصية، ولم أفهم هذا المصطلح في البداية. مرّ أكثر من ست ساعات، وبالتالي ماتت الخصية نتيجة مرور وقت طويل دون وصول الدم إليها".
بعد الأعياد، زار طبيباً أعطاه بعض الإبر لتخفيف الورم: "بدأ حجم الخصية يصغر تدريجياً، ولم أعد أشعر بها عند لمسها".
خسر طارق خصية وانخفض عدد الحيوانات المنوية، ولا يزال يشعر ببعض التنميل في منطقة الخصيتين.
وعن حياته الجنسية، قال: "أمارس الاستمناء المكثّف، فمن خلاله أشعر بأنني لا أزال قادراً على الممارسة الجنسية".
ماذا نعرف عن التواء الخصية؟
أشار موقع MayoClinic إلى أنّ السبب الواضح لحدوث التواء الخصية ليس واضحاً. معظم الذكور الذين يصابون بهذا المرض، لديهم سمة موروثة تسمح للخصية بالدوران بحرية داخل كيس الصفن.
غالباً ما يحدث التواء الخصية بعد عدة ساعات من ممارسة نشاط قوي، أو بعد إصابة طفيفة في الخصيتين أو أثناء النوم. قد تلعب درجة الحرارة الباردة أو النمو السريع للخصية دوراً أيضاً.
في حديثه مع رصيف22، أشار طبيب المسالك البولية، روبير حران، إلى أن "تعرّض إحدى الخصيتين لأي ضربة قد يكون محفزاً لحصول التواء الخصية"، مشدداً على "ضرورة إزالة الخصية بأسرع وقت، لأنها قد تفرز مواد تضر بالخصية الثانية".
من الأعراض الرئيسية لالتواء الخصية، الظهور المفاجئ للألم الشديد في الخصية، ويحدث في حالات الوقوف أو الجلوس أو النوم. غالباً ما يؤثر الالتواء على خصية واحدة فقط، وتكون الإصابة أكثر شيوعاً في الخصية اليسرى.
من الأعراض البارزة أيضاً: تورم في كيس الصفن، وجع بطن وغثيان، وضع الخصية أعلى من الطبيعي أو بزاوية غير عادية وكثرة التبول.
وبحسب موقع Cleveland Clinic الطبي، يصيب التواء الخصية حوالي واحداً من كل 4000 ذكر تحت سن 25. يعتبر التواء الخصية أكثر شيوعاً بين المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و18 عاماً، وهي مجموعة تمثل 65% من جميع الحالات، مع العلم بأن هذا المرض قد يصيب الأطفال قبل الولادة، أو حديثي الولادة خلال السنة الأولى من العمر. على الرغم من ندرة حدوث الأمر، يمكن أن تؤثر هذه الحالة أيضاً على الرجال الذين تزيد أعمارهم عن 25 عاماً.
غالباً ما يفقد الأطفال حديثو الولادة المصابون بالتواء الخصية خصيتهم بسبب انقطاع تدفق الدم لفترة طويلة جداً وموت الأنسجة.
من الأعراض الرئيسية لالتواء الخصية، الظهور المفاجئ للألم الشديد في الخصية، ويحدث في حالات الوقوف أو الجلوس أو النوم. غالباً ما يؤثر الالتواء على خصية واحدة فقط، وتكون الإصابة أكثر شيوعاً في الخصية اليسرى
يشير الأطباء هنا إلى وجوب إجراء الجراحة لإزالة الخصية الميتة، وخياطة الخصية الأخرى حتى لا تلتوي في وقت لاحق، كما كشف موقع American Family Physician أن التواء الخصية يمثل 10% إلى 15% من أمراض كيس الصفن الحاد لدى الأطفال، كما ينتج عنه معدل استئصال الخصية بنسبة 42% لدى الأولاد الذين يخضعون لجراحة التواء الخصية، وبالتالي، فإن التعرّف على المشكلة والعلاج الفوري هو أمر ضروري لإنقاذ الخصية.
في هذا الصدد، كشف الدكتور عباس عبيد لرصيف22، وهو يعمل ضمن جمعية "سلامة" لخدمات الصحة الجنسية، أن حالات كثيرة من الأمراض الجنسية تصل الى المراكز، خصوصاً تلك التي تنتقل من خلال العلاقات الجنسية. ولفت عبيد إلى أنه يعمل في الجمعية منذ العام 2017، وعدد الأشخاص يزداد مع ازدياد حدة الأزمة.
آثار نفسية لالتواء الخصية رغم إمكانية الإنجاب بشكل طبيعي
لم يتقبل طارق فكرة أن يعيش من دون خصية، فطرح طبيبه إمكانية تركيب خصية اصطناعية لتخفيف وطأة الآثار النفسية عليه: "لمستها مختلفة، فهي تختلف عن خصيتي الطبيعية بشكل كبير"، كاشفاً عن قلقه من أن يصيب الالتواء الخصية الثانية أيضاً أو عدم الإنجاب.
في هذا الصدد، شدد روبير حران على إمكانية الإنجاب بشكل طبيعي في حال إزالة خصية وبقاء أخرى بصحة جيّدة، رغم تراجع أعداد الحيوانات المنوية: "تعتبر الصورة الصوتية أساسية بعد إزالة الخصية للتأكد من ثبات الخصية الثانية".
خلال العام الماضي، شكّلت الفحوصات هاجساً لطارق لكونها ضرورية بشكل مستمر للاطمئنان على صحته الجنسية، إلا أنه ومنذ بدء الأزمة الاقتصادية، ارتفعت تكلفة الفحوصات بشكل كبير في لبنان، وهو ما يمثّل ضغطاً إضافياً على طارق، خصوصاً أنه اليوم من دون وظيفة.
"في الدول العربية، غالباً ما يتم ربط الرجولة بصحة الرجل وقدرته الجنسية، ويسود التنميط في حالة وجود الأمراض"
"للأمراض الجنسية أثر كبير على الثقة بالنفس والصحة النفسية بشكل عام، خصوصاً عندما يتعلق الموضوع بالإنجاب"، هذا ما قالته الدكتورة بعلم النفس العيادي والمعالجة النفسية، تيريز ورد، لرصيف22.
وأوضحت أنه بالنسبة لموضوع التواء الخصية، فإن هذا المرض يؤثر على نظرة الرجل لنفسه الذي يربطها دائماً بقدراته الجنسية والإنجابية.
وعليه، شدّدت ورد على أهمية أن يصارح المرضى شركاءهم/نّ في حال وجود أي مرض جنسي، وهو ما يتحول إلى دعم في حال نضج الشريك/ة.
هذا وتفرّق ورد بين آثار الأمراض الجنسية في المجتمعات الأجنبية والمجتمعات في معظم الدول العربية: "في الدول العربية، غالباً ما يتم ربط الرجولة بصحة الرجل وقدرته الجنسية، ويسود التنميط في حالة وجود الأمراض".
ما يتوافق عليه الأطباء والمواقع الطبية والجمعيات التي تعنى بالصحة الجنسية والإنجابية، هو حتمية اللجوء إلى الاستشارة الطبية عند الشعور بأي ألم في منطقة الخصيتين، بخاصة وأن معظم الحالات التي لجأت للعناية خلال مدة ست ساعات، تمّ إنقاذ الخصية ولم تتطلب الخضوع لأي جراحة.
وفي النهاية، يجب التأكيد على أن الرجال بوسعهم الإنجاب بشكل طبيعي بحال تمت إزالة إحدى الخصيتين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...