تتنوع أسباب الأمراض الجلدية بين التغيرات البيولوجية كالاضطرابات الهرمونية، والتأثيرات المناخية وتلوث البيئة، كما أنّ العوامل الوراثية تلعب دوراً أساسياً في انتقال الأمراض الجلدية، حالها حال الأمراض الصحية الأخرى.
كما تتأثر صحة الجلد بالنظام الغذائي المعتمد وطبيعة العمل والإجهاد النفسي.
"توقعت أن البهاق أقل تأثيراً على الرجال"
خلال التواصل مع عينّة من الرجال الذي يعانون من مختلف الأمراض الجلدية، طغى عدم التقبل و"الاشمئزاز من الذات" على معظم الحالات، في مشهد يناقض الصور النمطية التي تصبغ الرجال بـ"غير المهتمين" و"غير المتأثرين" بشكلهم ومظهرهم الخارجيين.
"أُصبت بالبهاق قبل 4 سنوات. حاولت التعايش معه إلا أن هذا المرض ‘طلع على قدي’، وبالفعل تغيّر كل شيء بعده"؛ هذا ما قاله غسان (38 سنةً)، لرصيف22، وهو حال كثر أصيبوا بأمراض جلدية كانت كفيلةً بقلب حياتهم العاطفية والمهنية والاجتماعية.
بدأت علامات البهاق عند غسان بعدما لاحظ ظهور بقعة بيضاء تحت عينه: "ظننت أنها مجرد بقعة ستختفي بعد أسبوع، خصوصاً أنّ معرفتي بهذا المرض كانت شبه معدومة".
"أُصبت بالبهاق قبل 4 سنوات. حاولت التعايش معه إلا أن هذا المرض ‘طلع على قدي’، وبالفعل تغيّر كل شيء بعده"
يعمل غسان في مجال الزراعة ويتعرّض للشمس بشكل كبير خلال فصل الصيف، وهو ما دفعه للظن بأنّ أشعة الشمس تتسبب في ظهور هذه البقع إلى حين بدء انتشارها في مختلف أنحاء جسده. وبعد إصرار زوجته، زار طبيباً مختصاً وأخبره بإصابته بالبهاق.
يصاب الشخص بالبهاق Vitiligo، نتيجة موت أو توقف الخلايا الصيغية التي تنتج الميلانين، وهو لا يُعدّ من الأمراض المعدية.
تظهر البقع البيضاء في مختلف مناطق الجلد خصوصاً في العنق والفمّ واليدين. يصيب كافة أنواع الجلد إلا أنه أكثر وضوحاً لدى أصحاب البشرة الداكنة. لا يمكن منع المرض، وتختلف وسائل العلاج من شخص إلى آخر بحسب نوع البهاق (القطعي وغير القطعي).
أوضح طبيب الأمراض الجلدية والتجميل، الدكتور حسين ياسين، في حديثه إلى رصيف22، "أنّ البهاق يُعدّ من أبرز الأمراض الجلدية وسببه خلل في جهاز المناعة حيث توجَّه المضادات على الخلايا التي تفرز لوناً في الجلد"، مشيراً إلى أن العلاجات تختلف وفق كل حالة، ويُعدّ أبرزها العلاج بالضوء وأخرى بيولوجية بحسب مدى انتشاره في الجسم.
لا ينكر غسان التأثيرات النفسية التي تركها البهاق عليه، خصوصاً من الناحية العاطفية وتقبّل شريكته له، فقد انفصل عن زوجته في بداية العام 2022، بالرغم من وجود طفلتهما التي لا يتعدى عمرها الست سنوات: "منذ إصابتي بالبهاق بدأت ألمس تغيّراً في علاقتي مع زوجتي، بدءاً من التواصل اليومي وصولاً إلى العلاقة الحميمية وغيرها".
حاول غسان التحدث مراراً مع زوجته عن الموضوع، إلا أنها أنكرت دائماً وجود أي انزعاج من وضعه: "بدأت المشكلات بشكل كبير في السنتين الماضيتين، لا أرى أن البهاق هو السبب الوحيد، فالأزمة الاقتصادية خلقت مشكلات إضافيةً. أعتقد أن اجتماع هذه العناصر معاً هو ما أوصلنا إلى هنا".
يختصر غسان السنوات الأربع الماضية وحالته الطبية بعبارة "توقعت أن البهاق يؤثر على النساء بصورة أكبر مما هي عند الرجال، وأعتقد أن توقعي لم يُصب".
خلال فترة انفصاله، سمع عبارات وتعليقات جارحةً من أقارب زوجته، مثل: "بحقلها تتركك صراحة"، وتُرجم هذا الكلام في الشهر الماضي بعدما رفضت إحدى السيدات اللقاء به على فنجان قهوة، بعد معرفتها يإصابته بمرض البهاق.
"أتجنب أي مكان تكثر فيه الناس"
تختلف تجربة محمد (24 سنةً)، مع الأمراض الجلدية، وفق ما قال لرصيف22: "في عمر الـ13 سنةً تقريباً، لاحظت ظهور حبّ الشباب. لم أكترث أنا وأهلي للموضوع كونها ستزول كبقية الشباب بعد فترة. اليوم، وبعد أكثر من 10 سنوات، تحوّلت هذه الحبوب إلى حبوب يملأها الالتهاب تغطّي معظم أنحاء وجهي".
وكشف هذا الشاب أن الحبوب كانت السبب خلف رفضه في العديد من الوظائف، خصوصاً تلك التي تتطلّب مظهراً جذاباً كالمبيعات والتصوير وغيرهما من المجالات: "كانت الأمور تتم بشكل جيّد ونتفق على الدخل وأيام العطل وغيرها، لينتهي الأمر بالرفض بعض إجراء المقابلة".
خلال فترة انفصاله، سمع عبارات وتعليقات جارحةً من أقارب زوجته، مثل: "بحقلها تتركك صراحة"، وتُرجم هذا الكلام في الشهر الماضي بعدما رفضت إحدى السيدات اللقاء به على فنجان قهوة، بعد معرفتها يإصابته بمرض البهاق
على عكس البهاق والأمراض الجلدية التي لا تسبب أوجاعاً، يشكو محمد من الآلام التي يسببها حبّ الشباب الملتهب خصوصاً في فصل الصيف: "أشعر أحياناً بأنّ ناراً تشتعل في وجهي".
في هذا الصدد، أشار الدكتور ياسين، إلى أنّ حبّ الشباب من أكثر الأمراض الجلدية انتشاراً في لبنان والعالم العربي والعالم: "يعتقد كُثُر أنّها تصيب من هم في سنّ المراهقة فقط، إلا أنها في الحقيقة قد تمتد إلى سنّ الثلاثين والأربعين"، مشيراً إلى أن أبرز أسبابها هي نوعيّة البشرة الدهنيّة التي تتكاثر الباكتيريا فيها.
وأضاف بالقول: "تختلف تكلفة العلاج من مختلف أنواع الأمراض الجلدية من دولة إلى أخرى، وبحسب نوعيّته. في بعض البلدان، كلبنان مثلاً، تتفاقم مشكلات العلاج من الأمراض الجلدية بمختلف أنواعها نتيجة فقدان السوق لأدوية الحقن المطلوبة وهو ما يحتّم على المريض تأمنيها من الخارج".
الأمراض الجلدية وتاثيراتها النفسية المدمرة
أظهرت العديد من الدراسات وجود علاقة مباشرة بين الأمراض الجلدية وزيادة مخاطر تعاطي المخدرات، لا سيما بين الرجال، ولعلّ الأمر الأكثر إثارةً للقلق هو زيادة حالات التفكير في الانتحار والنوايا الانتحارية لدى المصابين/ ات بأمراض جلدية، خاصةً الحادة منها، كما توجد صلة بين الأمراض الجلدية وضيق النفس، كظهور الإكزيما والصدفية والثعلبة وحب الشباب.
في هذا السياق، قالت الاختصاصية النفسية الدكتورة منى الصايغ، لرصيف22: "للأمراض الجلدية المزمنة تأثير على الصحة الجسدية والنفسية للشخص وهي تؤثر على جميع جوانب الحياة".
تشمل المشكلات النفسية الشائعة المرتبطة بأمراض الجلد، على سبيل المثال لا الحصر، انخفاض الثقة بالنفس وصعوبة تكوين الصداقات ومشاعر التوتر والقلق والغضب والاكتئاب.
وبحسب الصايغ، قد يؤدي ذلك أيضاً إلى حالات من الانسحاب الاجتماعي الذي يتطور إلى رهاب اجتماعي.
أكثر ما يزعج محمد، هي الحلول التي يقدّمها بعض المقربين منه في كل مرة فيها يلتقي بهم، مثل "مياه البحر قد تكون مفيدةً لحب الشباب" أو "استخدم هذا الغسول" أو "تابع مع الطبيب فلان"... بحيث أنه يستذكر القلق الذي كان يعيشه مع كل زيارة كان عليه المشاركة فيها، أو أن يسمع أي "مزحة ثقيلة" من أصدقائه عن الموضوع.
وأضاف ممازحاً: "أجمل شيء حصل هو كورونا والإغلاق العام. خلال تلك الفترة لم أعد أتواجد في الأماكن المزدحمة التي أكرهها، وذلك لأكثر من سنة ونصف".
القليل من الحبوب والبقع كانت كافيةً لقلب حياة العديد من الأشخاص، وذلك ليس بسبب تغيّر شكل جسم الإنسان فقط، بل نتيجة التعليقات السلبية، ولعلّ السبب الرئيسي يكمن في مجتمعاتنا، ذات التركيبة الذكورية، التي ترى أنّ الرجال لا يتأثرون بكلام الناس
تعليقاً على هذه النقطة، أشارت منى الصايغ إلى أن الرجال المصابين بالأمراض الجلدية، قد يجدون صعوبةً في إقامة علاقات شخصية وحميمية والحفاظ عليها: "من الآثار السلبية صعوبة الارتباط بعلاقات عاطفية أو بزواج، وقد تشكل الأمراض الجلدية عاملاً رئيسياً في الانفصال وضعف الأداء الجنسي".
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي آثار الأمراض الجلدية السلبية إلى فقدان الإنتاجية في العمل، وقد يتأثر دخل الفرد المادي بسبب اللجوء إلى الإجازات المرضية والإنفاق على الملابس المتخصصة والكريمات والعلاجات.
إنّ القليل من الحبوب والبقع كانت كافيةً لقلب حياة العديد من الأشخاص، وذلك ليس بسبب تغيّر شكل جسم الإنسان فقط، بل نتيجة التعليقات السلبية والمسيئة، ولعلّ السبب الرئيسي يكمن في مجتمعاتنا، ذات التركيبة الذكورية، التي ترى أنّ الرجال لا يتأثرون بكلام الناس وبألسنتهم الجارحة، والكارثة الأكبر أن غالبيّة هذه المجتمعات، لا تزال تظن أن الأمراض الجلدية معدية وسببها "قلّة النظافة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...