شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
المصري الذي حكم الدولة العثمانية واغتاله

المصري الذي حكم الدولة العثمانية واغتاله "منتقمٌ" أرمني... سعيد حليم باشا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 8 فبراير 202301:21 م

المصري الذي حكم الدولة العثمانية واغتاله "منتقمٌ" أرمني... سعيد حليم باشا

استمع-ـي إلى المقال هنا

خلّده المفكر الباكستاني محمد إقبال شِعراً بوصفه أنه "لم ينجب الشرق أفضل منه"، فهو "جمع بين القلب الجريح الدامي، والفكر المحلق السامي، والروح القلقة والعقل الكبير المستنير". والده الأمير محمد عبد الحليم باشا (1820- 1894)، نجل محمد علي باشا، الذي سبق أن تولّى منصب الوزارة العثمانية. هو الأمير سعيد حليم باشا الذي وُلد في القاهرة وتلقّى تعليماً راقياً في أوروبا، وعُيّن عضواً في "مجلس شورى الدولة" ثم عضواً في مجلس "الأعيان العثماني".

يقول الأمير شكيب أرسلان في كتابه "تاريخ الدولة العثمانية": "كان الأمير حليم باشا يسكن الأستانة وأولاده نشأوا فيها، وانضمَّ كبيرهم الأمير سعيد حليم وأخوه الأمير عباس إلى جمعية الاتحاد والترقي، وكانا من أماثل الرجال، وكان الأمير سعيد واسع العلم، ثابت الجنان، عظيم الحمية".

عام 1913، أصبح الأمير سعيد سكرتيراً عاماً لحزب "الاتحاد والترقي". خلال الحرب العالمية الأولى ارتفعت أسهم ثلاثة من قادة المعسكر الاتحادي وتحكموا في مفاصل الحكم، هم: أنور باشا، جمال باشا، طلعت باشا. وبدعمٍ منهم شكّل الضابط العراقي محمود شوكت باشا حكومتَه العثمانية، التي عُيّن فيها سعيد وزيراً لخارجيتها، وعقب اغتيال شوكت باشا تقلّد الصدارة العُظمى كأول مصري ينال هذا المنصب الرفيع.

حفيد محمد علي صدراً أعظم

مثّلت عملية اغتيال شوكت باشا، الصدر الأعظم الذي سبق سعيد باشا إحراجاً كبيراً له بعدما اتُّهم في تدبيرها السياسيُّ الكردي شريف باشا، سفير الدولة العثمانية الأسبق في السويد، لأنه كان متزوجاً من الأميرة أمينة أخت محمد سعيد حليم باشا.

"لم ينجب الشرق أفضل منه"، فهو "جمع بين القلب الجريح الدامي، والفكر المحلق السامي، والروح القلقة والعقل الكبير المستنير"... الأمير سعيد حليم باشا، حاكم الدولة العثمانية الذي بقي مخلصاً للقومية العثمانية كمرجعية عُليا يجب أن يدور العرب جميعاً في فلكها

لم يتدخّل الصدر الجديد في مسار القضية، ولُوحق زوج أخته قضائياً بالتهم وحُكم عليه بالإعدام، فاضطر شريف باشا أن يعيش بقية حياته في المنفى.

يزعم سعيد الغامدي في دراسته "الغرب الأوروبي وحركة الإصلاح في الدولة العثمانية"، التي نشرتها مجلة المؤرخ العربي، أنه خلال اندلاع حرب العثمانيين مع روسيا عام 1877 اقترح حليم باشا -وقتها كان وزيراً للداخلية- التنازلَ عن قبرص وكريت لبريطانيا، ومصر لفرنسا مقابل مساندة إسطنبول خلال الحرب، وهو المقترح الذي رُفض فوراً.

عام 1913، طلب الصدر الأعظم سعيد باشا من القيصر فيلهلم الثاني ترشيح جنرال متمرس للمساهمة في تطوير أداء الجيش العثماني، فرشّح أوتو ليمان فون ساندرز، قائد الفرقة الـ22 في الجيش الألماني، لأداء هذه المهمة، وهو الأمر الذي أثار غضباً روسيا بسبب رفضها سيطرة ضابط ألماني على أمن مناطق حيوية لمصالحها الإستراتيجية، وكادت أن تشتعل الحرب بين البلدين بسبب هذا الإجراء.

وعقب اندلاع الحرب بين قوى العالم، أكد هشام سوادي في أطروحة الدكتوراه المعنونة بـ"العلاقات الأمريكية العثمانية"، أن حكومة سعيد باشا انتهزت تلك الفرصة وأعلنت في أيلول/سبتمبر 1914 إلغاء نظام الامتيازات الأجنبية، الذي ظفرت به الدول الأجنبية عام 1830، بدعوى أنه "يتعارض مع متطلبات القرن العشرين ومبادئ السيادة القومية"، وأرسلت مذكرة رسمية، حملت توقيع حليم باشا، أكدت أن "علاقة العثمانيين بدول العالم ستتحدد بناءً على القانون الدولي وحده".

خلال تلك الفترة الملتهبة من عُمر الدولة العثمانية كانت حكومة الصدر المصري مسؤولة عن عشرات القرارات المصيرية، أخطرها الحملة العسكرية التي نفّذتها القوات العثمانية على القوقاز، تعرضت خلالها المدن الأرمنية لعمليات إبادة واسعة.

وفي كتابها "الأرمن والدولة العثمانية" تنسب نقيّة حنّا منصور للصدر الأعظم سعيد حليم قولَه في أحد الاجتماعات إن "أفضل حل للمسألة الأرمنية هو استئصال الأرمن، والقضاء عليهم وإزالتهم من الوجود". هذه الحملات كلّفت سعيد باشا غالياً، كما سنبيّن في آخر المقال.

أيضاً في عهده، وقّع سعيد باشا معاهدةً لترسيم الحدود مع الحكومة الفارسية تنازل لها بموجبها عن جزءٍ من شطِّ العرب، وكانت بداية حصول الجارة الإيرانية على جزءٍ من أطماعها في ذلك المجرى المائي الذي يفصل بين الدولتين الكبيرتين آنذاك: الدولة العثمانية والإمبراطورية الفارسية، ليؤسس، دون قصدٍ بالطبع، للمشكلة الأزلية التي نمت بين البلدين الجارين وبسببها اندلعت الحرب الطويلة بينهما.

هل يمنح "الصدر المصري" العرب استقلالهم؟

فرضت أحداث العالم الساخنة على العرب أن يفكّروا في مستقبلهم وفي طبيعة علاقتهم المفترضة بالدولة العثمانية التي تترنّح من فرط الضربات التي تتلقاها؛ وجّهت إيطاليا لطمة شديدة إلى نفوذ العثمانيين في المنطقة بعدما انتزعت منهم حُكم ليبيا، أما الصفعة الأشد فكانت في ظهور العديد من التنظيمات العربية ذات النزعة الاستقلالية مثل جمعية بيروت الإصلاحية، والتي أمر الاتحاديون –ومعهم سعيد باشا- بإغلاقها.

حسبما ذكرت فدوى نصيرات في كتابها "المسيحيون العرب وفكرة القومية العربية"، فإن سعيد باشا وأنور باشا تزعما فريقاً متعاطفاً مع العرب -نسبياً- يدعو لمنحهم استقلالاً ذاتياً تحت السيادة العثمانية، بينما كان هناك فريق آخر يُنادي بأخذ العرب بالشدة وفرض "التتريك" عليهم عنوة، قاده جمال باشا ورئيس مجلس النواب أحمد رضا.

يقول عصمت عبدالقادر في كتابه "دور النواب العرب في مجلس المبعوثان العثماني"، إن عدداً من المثقفين العرب قرّروا إقامة مؤتمر لبحث أوضاع الأمة العربية في باريس. انتهى المؤتمر بإعلان مقترحات ناشدت إسطنبول الإسراع في تنفيذ إصلاحات اقتصادية وسياسية عميقة في البلاد العربية، وكذا الاعتراف باللغة لعربية لغةً رسمية في بلادهم.

بعد جدلٍ كثير، وافقت الحكومة الاتحادية على بعض هذه المطالب في 15 آب/أغسطس 1913، فسافر وفد من الناشطين العرب، من بينهم الشريف علي حدير باشا والشاعر معروف الرصافي ونجيب بك شقير وآخرين، قابلوا الصدر الأعظم المصري وقدّموا له الشُكر على الاستجابة لطلباتهم.

فسّر أنطوان الحكيم هذه الاستجابة في كتابه "من متصرفيّة الجبل إلى دولة لبنان الكبير"، بأن الاتحاديين كانوا يحاولون تهدئة النزعات الانفصالية عند العرب في وقت الحرب، فعيّنوا عربياً في منصب الصدارة العُظمى، وبحسب الكتاب فإن حفيد محمد علي بذل جهوداً كبيراً لتلطيف مطالب العرب ولردم هوة الخلافات بينهم وبين التُرك.

في كتابه "الثورة العربية الكبرى" منحنا أمين سعيد المزيد من تفاصيل اللقاء الذي جمع بين الوفد العربي والصدر الأعظم المصري، إذ خطب فيهم سعيد باشا باللغة التركية، معرباً عن ارتياحه لإزالة سوء التفاهم بين العرب والترك، ومؤكداً أن غاية وزارته هي "إسعاد الشعب العربي الكريم، أخلص الشعوب العثمانية للخلافة العظمى".

"أفضل حل للمسألة الأرمنية هو استئصال الأرمن، والقضاء عليهم وإزالتهم من الوجود"... جملة كلّفت قائلها سعيد حليم باشا حياته 

هنا يجب التأكيد على أن سياسات الصدر المصري لم تتفهّم المطالب العربية بشكلٍ كامل، فظلَّ مخلصاً للقومية العثمانية كمرجعية عُليا يجب أن يدور العرب جميعاً في فلكها مهما حظوا باستقلالٍ نسبي. لذا عارَض سياسات محمد فريد، زعيم الحزب الوطني المصري، إذ نادت بالاستقلال التام عن العرش العثماني.

ووفقاً لما ورد في كتاب "محمد فريد" للمؤرخ عبدالرحمن الرافعي، فإن الصدر الأعظم سعيد حليم باشا بعث برسالة إلى محمد فريد خلال وجوده بالأستانة يؤكد له فيها اعتراضه على مبدأ "مصر للمصريين" الذي كان ينادي به رجال الحزب الوطني، وملخصه أنهم يريدون لبلدهم استقلالاً تاماً لا سُلطان فيه لتركي أو إنكليزي عليهم. إزاء هذا النهج هدّد حليم باشا باتخاذ إجراءات شديدة بحقه لو لم يقلع عن الخوض في هذه الأحاديث.

عرف محمد فريد أن هذه الأفكار ليست أفكار الباشا العلوي وحده، بل أفكار معظم زعماء الاتحاديين. سريعاً تحوّلت التهديدات إلى عمليات تجسس، ثم ملاحقات قضائية، فاستُدعي فريد إلى التحقيق أمام مدير الأمن في شباط/فبراير 1916، بعدها قرّر الزعيم المصري الرحيل إلى ألمانيا، خوفاً من التعرض إلى المزيد من التنكيل.

ما لم يعلمه محمد فريد أن حليم باشا كان يطمع في عرش مصر لنفسه؛ فحسبما أورد عزيز بك مدير الأمن العام داخل السلطنة العثماني في كتابه "سوريا ولبنان في الحرب العالمية"، فإن الاتحاديين أنور وطلعت وخليل وعَدوا الصدر الأعظم حليم باشا بتوليته عرش مصر، وهو ما كان يجهله جمال باشا حين قاد حملة عسكرية على سوريا طمعاً في أن يُلحقها بمصر في دولة واحدة يحكمها بصفته خديوِ مصر. في النهاية، اندحرت الحملة في سيناء وضاعت كافة هذه الأحلام بعدما ظلّت مصر خاضعة للاحتلال الإنكليزي.

في هذه الأثناء، نشطت جمعية سرية عربية في إسطنبول عُرفت بِاسم "جمعية العهد"، تزعّمها البكباشي عزيز علي المصري، انضمَّت عليها نخبة الضباط العرب في الجيش العثماني، حملت آراء استقلالية "أكثر من اللازم".

حين علمت الحكومة الاتحادية بوجود هذه الجمعية عقدت اجتماعاً ترأسه سعيد باشا انتهى بإعلان إلغاء كافة الأحزاب العربية ذات النزعة الانفصالية، والعمل على تعزيز نفوذ جمعية الاتحاد والترقي في المشرق بكل الوسائل، كما أمرت بالقبض على عزيز المصري وإعدامه، وهو القرار الذي تراجعت عنه لاحقاً بسبب الضغوط العنيفة التي مُورست على إسطنبول.

مع الاتحاديين

بحسب كتاب "الإسلام في الدولة القومية الحديثة" لإرفن روزنتال، فإن محمد سعيد باشا كان ينتقد عمليات الإصلاحات للدولة العثمانية التي جرت على الطريقة الغربية، لأنها لم تراعِ الظروف التاريخية والاجتماعية التي سادت الإمبراطورية العثمانية حينها، وأن اللهاث الإصلاحي غرباً خلق حيرة عند الأتراك وقسم الشعب بين الغرب والشرق.

ويضيف: "اعتبر سعيد باشا أن الأفكار والمؤسسات الأجنبية غريبة على التقاليد والأعراف الدينية والاجتماعية التركية، وستؤدي إلى إضعاف قوة المجتمع ومنعه من تحقيق خلاصه بطريقته الخاصة، بل سيظلًّ سنتظر خلاصاً على الطريقة الفرنسية".

وفي معرض انتقاده للدستور العثماني، كان حليم باشا يرى أن قوانين الشريعة الإسلامية تفوق القوانين العربية، كما أنها تتفوّق عليها في أنها ذات صلة عميقة بالظروف الاجتماعية التركية.

هنا كان لِزاماً على الصدر الأعظم المصري أن يصطدم كثيراً بمهندسي كافة هذه الإصلاحات وهم الضباط الاتحاديون الثلاثة الذين امتلكوا زمام كل شيء في الدولة، والذين عيّنوه في منصبه.

عند تشكيلها، كان طبيعياً ألا تخلو حكومة سعيد حليم باشا من الاتحاديين، إذ عُيّن أنور بك ناظراً للحربية وقائداً للقوات المسلحة فيما ظفر طلعت بك بوزارة الداخلية أما جمال باشا فكان ناظراً للبحرية.

وظلّت العقبة الكبيرة أمام حليم باشا هي استئثار الاتحاديين الثلاثة بكل السُلطات، وهو ما دفع فيليب مانسل في كتابه "القسطنطينية: المدينة التي اشتهاها العالم"، إلى القول إن الأمير المصري كان "لعبة في أيدي لجنة الاتحاديين".

ويؤكد قيس العزاوي في كتابه "الدولة العثمانية من الخلافة إلى الانقلابات" أن الصدر المصري لم يكون سوى حاكم صوري، لأن السُلطة الحقيقية كانت بين أيدي الثالوث الحاكم (طلعت، أنور، جمال)، أما بالنسبة للرجل الرابع في الجمعية، خليل منتشي بك، فقد كُلِّف برئاسة "مجلس المبعوثان".

كشف أحمد صدقي شقيرات في كتابه "تاريخ مؤسسة شيوخ الإسلام في العهد العثماني" جانباً من كواليس هذه الأحداث، وقال إنه عقب اشتعال الحرب العالمية الأولى مارس الألمان ضغوطاً كبيرة للقتال في صفها. وفي 25 تشرين الأول/أكتوبر 1914 اجتمع مجلس الحرب العثماني لمناقشة اقتراح أنور باشا بدخول الحرب في صفِّ الألمان وعقب أخذٍ وجذب وافق المجلس على إعلان الحرب.

بعد أربعة أيامٍ من الاجتماع، أبحر الأسطول العثماني إلى البحر الأسود وضرب الموانئ الروسية في ظل حالة تكتم شديدة على هذه التحركات حتى على باقي الوزراء والصدر الأعظم والسُلطان، إذ كان يُفضّل حليم باشا أن تلتزم دولته الحياد التام خلال ذلك القتال، وهو الموقف الذي أعلنه رسمياً، لكن أحداً لم يقتنع به لأن دول الحلفاء كانت تعلم أنه ليس بيده من الأمر شيء، وأن هذا القرار الكبير يحتكر سُلطة اتخاذه الثلاثي الاتحادي.

وبحسب ما أورد شقيرات، فإن الصدر الأعظم بذل جهوداً مكثفة مع سفراء الدول المُحاربة لألمانيا (إنجلترا، فرنسا، روسيا) لإقناعها بعدم مغادرة اسطنبول، وهو القرار الذي يعني إعلان الحرب على إسطنبول. لم ينجح حليم باشا في مساعيه؛ غادر السفراء الثلاثة البلاد في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 1914، وأعلنوا الحرب على العثمانيين.

جمعية "الطاشناق" الأرمنية دبّرت حملة قتل ضد رموز الحُكم الاتحادي، فقتلت أنور باشا في بخارى، وجمال باشا في مدينة تفليس الجورجية في القوقاز، وفي 15 آذار/مارس 1921، أطلق سوغومون تيهليريان، أحد الناجين من الإبادة في إرزنجان، النارَ على طلعت باشا في برلين

وحسبما ذكر جمال باشا في مذكراته، فإن الباشا المصري استقال من منصبه احتجاجاً على دخول الحرب دون عِلمه. رفض الاتحاديون استقالته وأغروه بعرش مصر، فتراجع عن موقفه وبقي قائداً للوزارة الاتحادية.

اغتيال برصاص أرمني

عقب استقالة حليم باشا من الوزارة، قدّم عرضاً إلى عالم الدين الشهير بديع الزمان النورسي بالتنازل له عن عقارٍ يقع على البوسفور لإنشاء جامعة إسلامية داخله، إلا أن النورسي رفض العرض بسبب رغبته في نبذ الدنيا، وبسبب تلك الواقعة كتب قصيدة "اللوحتان"، التي تبدأ بقوله "لا تدعني إلى الدنيا".

يقول الأديب العراقي مير بصري في كتابه "أعلام التركمان"، إنه حين عُقدت الهدنة أواخر عام 1918، فرَّ قادة الحكم المهزوم (أنور باشا، جمال باشا، طلعت باشا) إلى خارج تركيا على متن باخرة ألمانية، فيما قبض الإنكليز –عندما احتلوا إسطنبول- على عددٍ من السياسيين الذين قبلوا التعاون معهم، كان منهم سعيد باشا، الذي حُجز في السجن ثم أُبعد إلى مالطا.

عقب إطلاق سراحه سافر إلى روما، لكنه لم يكتب له العيش بأمان هناك كما تصوّر. يقول يُورجين روغان في كتابه "سقوط العثمانيين" إن جماعة من المتشددين الأرمن التابعين لمنظمة الطاشناك قررت الانتقام من كافة القادة الاتحاديين، فأمرت بتنفيذ سلسلة من عمليات الاغتيال ضمن برنامج انتقام دموي عُرف بِاسم "عملية الانتقام".

وحسبما ذكر أحمد صدقي شقيرات في كتابه "تاريخ مؤسسة شيوخ الإسلام في العهد العثماني" إن جمعية "الطاشناق" الأرمنية دبّرت حملة قتل ضد رموز الحُكم الاتحادي، فقتلت أنور باشا في بخارى، وجمال باشا في مدينة تفليس الجورجية في القوقاز، وفي 15 آذار/مارس 1921، أطلق سوغومون تيهليريان، أحد الناجين من الإبادة في إرزنجان "Erzincan" (مدينة تركية)، النار على طلعت باشا في برلين.

في 5 كانون الأول/ديسمبر من نفس العام شارك أرشافير شيراغيان (21 عاماً، من أهالي اسطنبول) في اغتيال حليم باشا، وبعدها شارك أرشافير في اغتيال جمال عزمي والي طرابزون، ليُسدل الستار على حياة ذلك السياسي الاستثنائي في تاريخ الشرق. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image