شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
لا أخشى تمرّد ابنتي عندما تكبر

لا أخشى تمرّد ابنتي عندما تكبر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن وحرية التعبير

الجمعة 27 يناير 202312:38 م

اتفقت وزوجي، منذ عرفنا بقدوم ابنتنا، ذات الأربع سنوات الآن، ألا نجبرها على شيء، ونعطيها الخيارات المتاحة أمامها بصورة مستمرة، حتى وإن جاء ذلك على حساب راحتنا، ولكن في الحقيقة فوجئنا بكم من العقبات التي وضعها لنا المجتمع، في صورة تقاليد وعادات متعلقة بتربية الإناث.

تمثلت إحدى العقبات في السخرية من قرارنا، ووصل الأمر إلى سخرية إحدى الصديقات من ارتداء ابنتي فستاناً وحذاء من أجل الخروج في مشوار في قريتنا الصغيرة، وقالت متهكمة: "هي اللي لازم تختار؟ أنت أصلاً مدلعاها جداً".

لم تكن تعرف تلك الصديقة أن ابنتي تحب الفساتين كثيراً، وتختار الفساتين ذات اللون الأحمر خاصة، فلقد ابتعت لها فستاناً أحمر في إحدى المناسبات، وبعد فترة اختارت فستاناً أحمر آخر، وشرحت لها أنه بذلك سيكون لديها فستانين من نفس اللون، فكانت إجابتها: "أنا بحبه يا ماما"، وقد أثلجت صدري بهذا الرد، وما كان مني إلا أن أرضخ لما تحب.

وقالت لي إحداهن أيضاً: "إنها يبقى لها رأي كده هتتعبك، لازم تشدي عليها، وتعملي اللي أنت عايزاه، مش اللي هي عايزاه".

بعد تلك الجملة وضعت نفسي مكان ابنتي، ماذا سيكون شعوري إذا ما أجبرني أحد على القيام بشيء لا أرغب فيه؟ تذكرت إحدى المرات التي اضطررت فيها إلى تنفيذ تقرير فرض علي، لقد ظللت يومين حزينة ولا أرغب في الحديث.

كما أخبرتني إحداهن: "بتخلي بنتك تختار كل حاجة كده، ومخلياها لها رأي، كده هتكبر وتتمرّد عليكي".

لا أخشى تمرّد ابنتي عندما تكبر، لأنها تتمرّد وتبدي رفضها لما لا يعجبها من الآن، وهي صاحبة الأربع سنوات، أعتقد أنها عندما تكبر سنجد حلاً سوياً لمناقشة ما نختلف عليه، كما نفعل الآن، فحياتنا نقاشات وحوارات مستمرة وأسئلة وجودية لا تنتهي.

سخرت إحدى الصديقات من ارتداء ابنتي فستاناً وحذاء من أجل الخروج في مشوار في قريتنا الصغيرة، وقالت متهكمة: "هي اللي لازم تختار؟ أنت أصلاً مدلعاها جداً"

في الحقيقة لست أماً مثالية، وأرتكب العديد والعديد من الأخطاء في حق ابنتي، ولكني أرغب دائماً في إعطائها حرية الاختيار، بداية من اختيار الملابس الخاصة بها، وفي بعض الأحيان تختار لي ما سأرتديه أثناء الخروج، وأحياناً يصل الأمر إلى اختيارها وجبات الطعام الأساسية التي سنطهوها.

أؤمن بمقولة "من شب على شيء شاب عليه"، لذلك نحاول أن نربي ابنتينا على اتخاذ القرارات الخاصة بهما، ولكن أرى ووالدهما السخرية من تلك الطريقة، ونسمع دائماً مقولة "اكسر للبنت ضلع يطلع لها أربعة وعشرين".

ولم يكن هذا المثل الوحيد الذي أسمعه باستمرار، فرغم دخولنا في عام 2023 إلا أن هناك العديد والعديد من الأمثال الشعبية التي ما زلت تتردّد للتقليل من شأن الإناث، وتؤكد على عدم أهمية تربيتهن على إبداء الآراء، ففي النهاية النساء لا يؤخذ بآرائهن فهناك مثل شعبي يقول: "شاورها وخالفها".

إن أكثر ما يثير السخرية في الأمر أن تلك الأمثال لا تخرج من أفواه الرجال، ولكنها مترسخة قلباً وقالباً في مفاهيم المجتمع النسائي، وأجد عندهن الإصرار لنقل تلك الأفكار إلى الأجيال القادمة من الإناث والصبيان على حد سواء، رافضات أن يتركن هؤلاء الصغار لخوض تجاربهم الشخصية وتكوين آرائهم الخاصة.

يعتقد الناس أن أبنائنا ملك لنا ويحق لنا اتخاذ القرارات بدلاً عنهم لأنهم صغار، ولكن في الحقيقة هم ليسوا كذلك، فرغم صغرهم إلا أن لهم أحلام وطموحات تختلف كثيراً عما نحلم به، فلهم تصوراتهم الخاصة المملوءة بالخيال والحب الفطري، وليس المنطق والعقلانية التي اكتسبناها نحن الكبار على مدار السنين والتجارب.

أرغب لابنتي في خوض تجاربها الخاصة والتعلم منها، لاكتساب خبرات ومفاهيم خاصة بها وحدها، وليست مفاهيم مفروضة عليها بناء على تجاربي الخاصة أو تجارب أشخاص آخرين، لم يمرّوا بما مرّت به، ولم تكن حياتهم قريبة من حياتها وطباعها.

أرغب لابنتي في خوض تجاربها الخاصة والتعلم منها، لاكتساب خبرات ومفاهيم خاصة بها وحدها، وليست مفاهيم مفروضة عليها بناء على تجاربي الخاصة أو تجارب أشخاص آخرين، لم يمرّوا بما مرّت به

بدأت ابنتي خديجة في تكوين آرائها الخاصة اتجاه بعض الأمور، جاءت الأولى حين ذهبنا إلى المكتبة لشراء بعض القصص، وتجولنا في المكتبة لاختيار ما يناسبها، وبعد محادثة طويلة، كنا سنطرد خلالها من المكتبة، قرّرت ابنتي شراء قصة واحدة تتحدث عن أحد الحيوانات، وأصبحت قصتها المفضلة.

تفرح صغيرتي بتلك الأشياء البسيطة التي تأتي بناء على رغباتها الشخصية، وأرى في عيونها لمعة من الفرح والثقة، تنسيني ووالدها ما نعانيه من أجل استمرارنا في تقديم الخيارات المطروحة أمامها في كثير من الأمور، بدل من تنفيذ ما هو سائد في المجتمع ورغم ما نعانيه من تنمر وسخرية من قبل البعض.

وأعتقد أنني وزوجي رغم العقبات قد نجحنا في ترسيخ مفهوم الاختيار عند خديجة، فهي الآن تقرر العديد من الأشياء لنفسها، ودائماً تقول: "أنا اللي هختار".

وهنا لا أدعو الأمهات إلى عدم وضع قواعد تربوية، وفي الحقيقة هناك بعض القوانين الخاصة بخديجة وأختها، ويجب على الجميع اتباعها، منها عدم تناول الطعام على الفراش، أو اللعب بألعابهما الصغيرة في أماكن النوم، ورغم وجود العديد من تلك القواعد إلا أنها وضعت بالمناقشة مع ابنتي للوصول إلى حل يرضينا معاً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ذرّ الرماد في عيون الحقيقة

ليس نبأً جديداً أنّ معظم الأخبار التي تصلنا من كلّ حدبٍ وصوبٍ في عالمنا العربي، تشوبها نفحةٌ مُسيّسة، هدفها أن تعمينا عن الحقيقة المُجرّدة من المصالح. وهذا لأنّ مختلف وكالات الأنباء في منطقتنا، هي الذراع الأقوى في تضليلنا نحن الشعوب المنكوبة، ومصادرة إرادتنا وقرارنا في التغيير.

Website by WhiteBeard
Popup Image