بين الـ52 وجهةً سياحيةً التي نصحت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، بزيارتها ضمن تقريرها السنوي حول أفضل الوجهات السياحية العالمية،احتلت صحراء الطاسيلي الجزائرية المرتبة الثالثة إفريقياً والـ22 عالمياً، سبقتها كل من مدينة أكرا الغانية التي جاءت في المرتبة الـ9 عالمياً والأولى إفريقياً، وبعدها جاءت صحراء ناميب في جنوب إفريقيا في المركز الـ17 عالمياً والثانية إفريقياً.
رؤية الجزائر في هذه القائمة، فتح المجال للنقاش بين أهل الاختصاص حول التحديات والمعوقات التي تعترض مسار صناعة السياحة في الجنوب الجزائري، وسبل النهوض بهذه الثروة "النائمة".
ما ساعد الجزائر في استعادة سمعتها كوجهة سياحية بعد أكثر من 20 عاماً من الركود، وفق الطيب مشور، وهو ناشط في السياحة الصحراوية وصاحب وكالة سياحية، كانت أساليب الترويج السياحي للمقاصد السياحية التي اعتمدها المؤثرون الأجانب على غرار الرحالة القطري خالد الجابر، وأندرو ستادر، وهو أحد مصوّري الحياة البرية في مجلة ناشيونال جيوغرافيك العالمية، والذي التقط صوراً من أماكن متفرقة من الصحراء الجزائرية مرتدياً زيّ روّاد الفضاء وبعض الرحالة والمستكشفين الفرنسيين والإنكليز.
"كذلك لا يمكن استبعاد رغبة السياح الأجانب في استكشاف خبايا الأهقار والطاسيلي التي تُعدّ أكبر متحف في الهواء الطلق، فهي تحتوي على ما يزيد عن 15 ألف رسم ونقش على جدران الكهوف تعود إلى حقبة ما قبل التاريخ، موزعة على كل من مدينة سيفار (سلسلة جبلية تقع وسط الصحراء في الجنوب الشرقي للبلاد)، وواد جرات الذي يضم 5 آلاف رسمة، وتدرارت الحمراء أو الكوكب الأحمر المحاذية لليبيا والتي تضم تقريباً ما بين 3 آلاف و5 آلاف رسمة ونقش، كما أنها تزخر بـ60 نوعاً من الرمال".
أعلنت الجزائر عن السماح للسائحين بالدخول إلى البلاد من دون الحاجة إلى طلب تأشيرة من السفارات والقنصليات.
انفتاح بعد سنوات من الانغلاق
وما ساعد أيضاً صحراء طاسيلي الجزائرية في حجز المرتبة الثالثة إفريقياً والـ22 عالمياً، يشير الطيب مشور في حديثه لرصيف22، إلى "الانفتاح الذي عاشته المنطقة على المناطق المجاورة والبعيدة بعد إطلاق خطوط جوية جديدة وبأسعار ترويجية على غرار الخط الجوي الجديد للنقل الجوي الذي يربط بين باريس وجانت وهو خط ذو طابع سياحي بالدرجة الأولى".
"ويشكل هذا الخط إضافةً مهمةً للسياحة في الصحراء الجزائرية، فمن شأنه تسهيل تنقّل السياح الأجانب مباشرةً إلى منطقة طاسيلي ناجر من دون اللجوء إلى تغيير الرحلات للوصول إليها، مثلما كان معمولاً به سابقاً".
وتسبب الهجوم الإرهابي الذي نفذته مجموعة إرهابية عام 2013، والذي استهدف منشأة الغاز في "تيقنتورين" في محافظة إيليزي (في أقصى الجنوب الشرقي للبلاد)، في حرمان البلاد من استغلال هذه المناطق السياحية التي بإمكانها درّ أموال معتبرة لصالح خزينة الدولة، إذ منعت السلطات خلال السنوات الماضية الوكالات السياحية من استقطاب السياح الأجانب إلى عمق الصحراء.
ويبدو الطيب مشور متفائلاً من تحقيق ازدهار ملحوظ في السياحة الصحراوية بعد إصدار السلطات الجزائرية قراراً يقضي بتمكين الأجانب الراغبين في القيام برحلات سياحية من الاستفادة من تأشيرة تُمنح لدى بلوغ المطارات الجزائرية تحت مسمى "تأشيرة تسوية".
وفي نهاية كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أعلنت الجزائر عن تخفيف إجراءات الحصول على التأشيرة للسائحين الراغبين في زيارة الصحراء في جنوب البلاد، بحيث فسحت المجال أمامهم للدخول إلى البلاد من دون الحاجة إلى طلب تأشيرة من السفارات والقنصليات.
وقالت الداخلية الجزائرية، في بيان لها، إنه "تقرر تمكين الأجانب الراغبين في القيام برحلات سياحية في جنوب البلاد عن طريق وكالات السياحة والأسفار الوطنية المعتمدة، الاستفادة من تأشيرة التسوية مباشرةً عند وصولهم إلى المنافذ الحدودية، لا سيما المدن الجنوبية (المطارات والمعابر الحدودية عوضاً عن إجراء ترتيبات التأشيرة العادية)، وأشار البيان إلى أن القرار يهدف إلى "ترقية السياحة الصحراوية".
ومن المتوقع أن تصل الجزائر خلال موسم السياحة الصحراوية هذا العام، إلى مليوني سائح في الصحراء، وهي سابقة تُعدّ الأولى من نوعها في السنوات الأخيرة، إذ تم سنة 2021 إحصاء نحو مليون جزائري وأجنبي زائر للصحراء.
الصرافه واشكالية العملات
لكن ما زالت بعض العراقيل والعقبات تعترض مسار السياح الأجانب، وأبرزها عدم توفر مكاتب الصرف في المناطق الأكثر استقطاباً للسياح حتى لا يضطروا إلى قطع مسافات طويلة من أجل تغيير العملة الصعبة إلى الدينار الجزائري، وفقاً للناشط في السياحة الصحراوية الطيب مشور.
وهذا ما يؤكده الخبير في الشؤون الاقتصادية سليمان ناصر، إذ يقول: "لا يمكننا أن نطمح إلى تطوير قطاع السياحة وحتى استقطاب المستثمر الأجنبي في ظل وجود السوق السوداء للعملة الصعبة"، وهنا أشار إلى العراقيل التي اعترضت طريق رحّالة سعودي قدم لاستكشاف الصحراء على دراجته النارية.
وبحسب الخبير في الشؤون الاقتصادية، فإن "الرحالة استغرب تخلّف النظام البنكي إلى درجة أنه لم يستطع سحب الأموال أو الدفع ببطاقة ائتمانه، فذهب إلى مطار إحدى الولايات ليسحب أمواله غير أنه لم يستطع ذلك إلا عند وصوله إلى العاصمة، لذلك لا يمكن أن نشهد تقدّماً اقتصادياً إلا بتطوير النظام المصرفي البنكي وفتح المجال للبنوك العالمية الأجنبية للاستثمار في البلاد".
وحالياً تم فتح مكتب صرف واحد فقط، على مستوى مطار جانت (محافظة إيليزي)، وجاء هذا تزامناً مع فتح خط مباشر بين مطار جانت ومطار شارل ديغول في باريس.
ويصف الخبير الاقتصادي الدكتور بوحوص بوشيخي، هذه المشكلة بـ"العويصة بل تهدد قطاع السياحة العامة وخصوصاً السياحة الصحراوية".
"فالعديد من السياح القادمين من الخليج العربي ومن أوروبا صادفوا مشكلات كثيرةً في تحويل العملة الصعبة بسبب عدم وجود نظام مصرفي فعّال يسهّل عمليات التحويل من الخارج وإليه".
ويخبرنا بوحوص بوشيخي، أن "وزارة السياحة الجزائرية تستهدف تشجيع النشاط السياحي في البلاد لجني أرباح تعوض خسائر السنوات الماضية، فهي تسعى إلى تحصيل 0.5 في المئة من الإنتاج المحلي الإجمالي المقدَّر بـ200 مليار دولار، أي ما يعادل مليار دولار، وهو رقم يمكن تحقيقه في القريب العاجل".
كيف تتطور السياحة في الجزائر ونحن لا يمكننا قضاء ليلة واحدة في فندق التي تعادل نصف راتب المواطن!
التسويق السياحي
ولتحقيق هذا الرقم، اعتمدت الحكومة الجزائرية، ضمن خطتها التي عُرضت على البرلمان الجزائري، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، مجموعةً من الإجراءات لتحسين هذا القطاع وفق متطلبات السياح والمعطيات الاقتصادية الجديدة والتطورات التكنولوجية.
والتزمت الحكومة فيها بتشجيع اللجوء إلى الصيغ التحفيزية للسفر عن طريق رحلات الشارتر، بهدف تعزيز جاذبية الوجهة السياحية للجزائر مع الاعتماد في الوقت ذاته على مساهمة الممثليات الدبلوماسية والقنصلية في الخارج.
ويُعدّ التسويق السياحي عاملاً مهماً في تحقيق التنمية السياحية، ويقول رئيس المنظمة الجزائرية للسياحة، ماهر حمور، في حديثه إلى رصيف22: "ما ينقصنا في الوقت هو الترويج والتعريف بالوجهات السياحية التي تزخر بها البلاد، فالمؤثرون، سواء كانوا محليين أو أجانب، ساهموا بنسبة 80% في تشجيع النشاط السياحي في البلاد عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي".
وأضاف: "كذلك يشكّل غلاء الأسعار في الهياكل السياحية في الجزائر، لا سيما على مستوى الفنادق، أحد أبرز العوامل التي تكبح السياحة الجزائرية لأنها تساهم في نفور السائح المحلي والأجنبي".
ويتساءل ماهر حمور في هذا المضمار قائلاً: "كيف تتطور السياحة ونحن لا يمكننا قضاء ليلة واحدة في فندق، لأنه يعادل نصف راتب المواطن، برغم أن أغلب مناطق الصحراء لا تحتاج إلى الفنادق الفخمة والفاخرة، فهي تحتاج إلى تأهيل تنموي من أجل تشييد مجمعات سياحية".
وخلال إشرافه على انطلاق الطبعة الخامسة للمهرجان الدولي للسياحة الصحراوية، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، قال حمور إن "هذه الأخيرة تسمح بجذب استثمارات وطنية وأجنبية بالنظر إلى الإمكانات السياحية الهائلة التي تتوفر عليها البلاد".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين