شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
ماذا لو كانت جاسيندا أرديرن مسؤولة عربية؟

ماذا لو كانت جاسيندا أرديرن مسؤولة عربية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والنساء

الاثنين 23 يناير 202301:23 م

أعلنت جاسيندا أرديرن عزمها مغادرة منصبيها في رئاسة وزراء نيوزيلندا ورئاسة حزب العمال العام في موعد أقصاه 7 شباط/ فبراير 2023، قائلةً إن ست سنوات من العمل "الشاق" تركتها بدون "ما يكفي من الطاقة" لتقديم المزيد لشعبها. 

لدى انتخابها رئيسة وزراء عام 2017، كانت أرديرن أصغر رئيسة حكومة في العالم إذ لم يكن عمرها ناهز 37 عاماً. لكن شعبيتها ارتبطت بقيادتها الناجحة لنيوزيلندا في أزمات كبرى، بينها حادث إطلاق النار على مسجد كرايستشيرش وجائحة كورونا وثوران بركان وايت آيلاند.

برغم النجاح الساحق لحزبها في انتخابات عام 2020، تراجعت شعبيتها وسط تكهنات بهزيمته في الانتخابات العامة المقررة في 14 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل. أصرّت أرديرن في خطاب الاستقالة على أن الأزمات "الثقيلة" التي واجهتها في الحكم هي السبب وراء نفاد طاقتها وليست مخاوفها من عدم فوز حزبها.

في الأثناء، ضجّت مواقع التواصل العربية بالتعليقات على قرار أدرن، مع غلبة الإشادة بخطوتها وتمني تكرار هذا النموذج في المشهد السياسي بمختلف الدول العربية. 

من التعليقات العربية المادحة لقرار جاسيندا:

"أشناب ما سووها".

"درس جديد في القيادة".

"بيننا أفراد لو أصبح أحدهم رئيس قسم يورث المنصب لعائلته وأقاربه"... إشادة واسعة من المغردين العرب بقرار جاسيندا أرديرن التنحي لأنها لم يعد لديها "ما يكفي من الطاقة". هل كان موقفهم سيتغيّر لو أقدمت مسؤولة عربية على نفس الخطوة؟ 

"ماذا نقول في الديناصورات الجاثمة على صدورنا منذ عقود الذين حولوا بلادنا إلى يباب (أي خراب)!".

"عندنا من العصر الهيروغليفي بالسلطة وإنتاجية مثل كهرباء، وتعطيل وانسحابات وآخر همهم الوطن والشعب، الفرق بالضمير والإحساس والأمانة وأكل مال حلال".

ورأتها الإعلامية اللبنانية ميسون نويهض "مثالاً لنجاح المرأة في القيادة".

واعتبرتها المترجمة والشاعرة المصرية مروة مأمون دليل على أن "النساء لا يتشبثن بالكراسي".

وسأل الإعلامي اللبناني نديم قطيش: "كم سياسي لبناني عليه أن يتعلم هذا الدرس في النبل السياسي وثقافة الخدمة العامة".

غرّد الطبيب السوداني أحمد مقلد: "جاسيندا ولدت عام 1980 ونحن لدينا كهول يمارسون السياسة منذ تاريخ ولادة جاسيندا مع أن طاقتهم وأفكارهم ليست مستنفدة بل منتهية الصلاحية".

وغرّدت الطبيبة والناشطة الصومالية هبة شوكري: "رئيسة وزراء نيوزلندا تستقيل في قمة عطائها لأنها ليس لديها في جعبتها شيئاً جديداً تقدمه. نحن بيننا أفراد لو أصبح رئيس قسم يورث المنصب لعائلته وأقاربه".

وقالت الكاتبة والناشطة النسوية الأردنية أمل الحارثي إنها غادرت المنصب "ببساطة لأنها تعتقد أنه لم يتبق عندها شيء تقدمه للمنصب... لا تمسك بالكرسي ولا ‘أنا‘ متضخمة… هكذا ببساطة… من يتعلم؟".

وعبّرت العمانية شذا المسكرية عن اعتقادها بأن "إذا كان المزيد من القادة شجعاناً مثلها فسيكون العالم مكاناً أفضل للجميع".

وقالت الصحافية والناشطة النسوية اللبنانية سوسن أبو ظهر: "بدنا نندهش شوي قدام جاسيندا أرديرن لأن نحنا ما منعرف سياسيين/ ات بشر، كله يخزي العين كائنات خارقة وتماسيح، مع الاحترام للتماسيح".

"هيدا النموذج مش موجود عنّا"

هذه الإشادة بقرار أرديرن تكررت أيضاً لدى تقاعد أنغيلا ميركل، أول مستشارة في تاريخ ألمانيا، بعد 16 عاماً في الحكم طوعياً. وإعلان رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي أنها لن تسعى إلى إعادة انتخابها لقيادة حزبها الديمقراطي، مع الاستمرار في عضوية المجلس.

في حين أن "مفهوم الـburn out والصحة النفسية بشكل عام ما زالت أموراً غير متفهّمَة عربياً"... هل كانت جاسيندا أرديرن ستواجه بالتعليقات الميزوجينية على غرار: "مش قولنا الست مكانها البيت"؟

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ماذا لو كانت جاسيندا أرديرن - أو ميركل أو بيلوسي - مسؤولة عربية وقررت فعلاً التنحي عن منصبها أو مغادرة الساحة السياسية لأنها "تعبت" ولم تعد قادرة على المواصلة؟ هل كانت ستُقابل بهذا الترحيب والإشادة أم كانت ستواجه التعليقات الميزوجينية على غرار: "مش قولنا الست مكانها البيت".

سؤال آخر يبدو ذا وجاهة في هذا السياق: هل يسمح المشهد السياسي العربي بظهور مثل هذه النماذج النسائية أم أن الأنظمة الدكتاتورية تختار النماذج السياسية التي تلتزم بمعاييرها؟

تقول لرصيف22 الناشطة السياسية اللبنانية ناهدة خليل، عضوة الحركة السياسية "مدينتي"، إن أرديرن أثبتت بتنحيها بعد شعورها أنها غير قادرة على تقديم المزيد لأنها "امرأة وقائدة عظيمة" و"لا تُشبه أبداً نماذج القادة العربي والكثير منهم طغاة ومجرمون يتمسّكون بالمناصب والكراسي على حساب شعوبهم".

وبينما تؤكد أن "هيدا النموذج مش موجود عنّا"، تضيف خليل أننا في الدول العربية "نفتقد أصلاً المفهوم الحقيقي للقائد/ة" وذلك بسبب تشويه الأنظمة والسلطات الحاكمة للمفاهيم بما فيها مفهوم الوطن والمواطنة والديمقراطية. 

وأردفت أن أرديرن "أثبتت جدارة النساء اللاتي يعملن بجديّة ونزاهة وتواضع والتزام بقيادة الدول باعتباره تكليفاً عالي المسؤولية" وقدّمت نموذجاً ينبغي دعمه "لأنسنة القادة بعيداً عن العمل كروبوتات".

لا تعتقد خليل أن بإمكان السياسيّات في المنطقة العربية انتهاج خطوة مماثلة، لافتةً إلى أنهن يسرن على خُطى الأنظمة المنضويات تحت لوائها. تشرح: "في لبنان مثلاً، يكلّفون أرامل السياسيين الراحلين أو زوجات الحاليين أو بناتهم في استكمال للتوريث السياسي القائم. علماً أن هذا النمط لا يوجد في لبنان فقط بل في الدول العربية كافة بدرجات متفاوتة".

"تنفيذيون لا أصحاب قرار"

وتعتقد د. فاطمة خفاجي، عضوة مجلس أمناء الحوار الوطني في مصر، أن تكرار نموذج أرديرن في المنطقة العربية "صعب"، مشيرةً إلى أن قرار الاستمرار في السلطة من عدمه بالنسبة للمناصب الوزارية العليا لا يكون عادةً محكوماً بتوازنات أو قرارات سياسية عُليا. وتقول إن "أي موقف مشابه في دولنا العربية ينبغي أن يُقابل بالتقدير الشديد".

بينما يتمسّك القادة السياسيون في الدول العربية بمناصبهم،  فإن المسؤولات العربيات لا يبدوَن أفضل حالاً. فهن في نهاية المطاف وليدات الأنظمة التي يعملن في إطارها. لكن ناشطات نسويّات يبشّرن بأن "التغيير آتٍ لا محالة" 

وتضيف: "بطبيعة الحال، يرتبط تعيين النساء في المناصب العليا في الدول العربية بمعايير يضعها نظام الحكم بحيث تكون هذه الكوادر النسائية من أنصار سياسات النظام ولا يخرجن عن إطاره". 

وتستشهد خفاجي بعبارة "وفق توجيهات السيد الرئيس" التي تتردد على ألسنة المسؤولين الحكوميين في جميع المناسبات تقريباً، لتدلل على أن "كبار المسؤولين، بمن فيهم النساء، عادةً لا يكون لديهم أي صلاحيات لاتخاذ قرارات هامة، لأنهم يُختارون بالأساس ليكونوا تنفيذيين لا أصحاب قرار".

تتمنى خفاجي أن تُسهم واقعة تنحي أرديرن والإشادة الواسعة في المنطقة العربية في تغيير أفكار بعض الرجال العرب ودفعهم إلى تشجيع ظهور قيادات نسائية عربية على غرار السياسية النيوزيلندية شجاعة منحازة لحقوق الشعوب. لكنها أيضاً تحث المرأة العربية في مواقع اتخاذ القرار على دعم صعود نساء أخريات، مشيرةً إلى أن الوزيرات المصريات على سبيل المثال لا يتخذّن نائبات قويات ويكتفين أحياناً بتعيين بعض "الوكيلات" وهي رتبة أقل مع صلاحيات متواضعة.

"قد يُعتبر ضعفاً أو فشلاً"

أما الناشطة السياسية اللبنانية دارين دندشلي، فترى إشكاليتين أساسيتين في إسقاط ما حدث مع أرديرن على أي قائد/ة سياسي/ة بالمنطقة العربية، أولاهما أن مفهوم الـburn out (الاحتراق الوظيفي) والصحة النفسية بشكل عام ما زالا من الأمور غير المتفهّمَة ليس فقط عربياً، وإنما عالمياً أيضاً، ما يعني أنه إذا قائد استقال بسبب إصابته بالسرطان، يكون هذا القرار مقبولاً جداً، بينما التنحّي بسبب الإرهاق النفسي قد يُعتبر ضعفاً أو فشلاً، على حد قولها.

تلفت في حديثها مع رصيف22 إلى أن هذا ينطبق على النساء والرجال وليس فقط النساء، مستدركةً "في العالم العربي، قد يكون تنحّي رجل بسبب الـ‘burn out‘ مرفوضاً أكثر، لأنه يتنافى مع صفة ‘رجّال‘ أو ‘قوي‘ بالمعنى الذكوري للكلمة".

"ما زلنا بعيدين عن الوعي لقضايا الصحة النفسية، ما زلنا بعيدين عن احترام دور النساء الأساسي في صنع المستقبل، ولذلك ما زالت الأنظمة لا تسمح بظهور نساء يحملن أجندات التغيير الذي يُرعب القادة ‘القبضايات‘!".

وكان من التعليقات الساخرة عبر السوشال ميديا، قالت الصحافية المصرية سها إبراهيم: "لو كل واحدة استقالت عشان الـburnرout وeveryday misogyny (كراهية النساء اليومية) البلد كلها هتنام في الشارع… من وحي استقالة جاسيندا أرديرن".

أما الإشكالية الثانية، في رأي الناشطة دندشلي، فهي تتعلق بأنّ النساء لا تتسنى لهن نفس فرص الوصول إلى المناصب القيادية في الدول العربية، وإذا وصلن إليها، فإن احتمال الإصابة بالـburn out يكون أكبر من الرجال بحكم الأدوار الجندرية وتعدّد الوظائف التي يشغلنها، وتعرّضهن للانتقادات غير المرتبطة بالأداء السياسي بل بنمط الحياة الشخصية والشكل واللبس إلى آخره.

تستطرد: "نشاهد كيف تمرّ فضائح الرجال مرور الكرام بينما أي تصرف من قبل المرأة قد يتحوّل إلى فضيحة وأن يوظّف للتدمير الشخصي".

بناء على ذلك، تعتقد دندشلي أنه إذا قامت مسؤولة سياسية عربية بخطوة مماثلة لما فعلته أرديرن فقد "تنهمر عليها الانتقادات اللاذعة والقاسية"، مشددةً "ما زلنا بعيدين عن الوعي لقضايا الصحة النفسية، ما زلنا بعيدين عن احترام دور النساء الأساسي في صنع المستقبل، ولذلك ما زالت الأنظمة لا تسمح بظهور نساء يحملن أجندات التغيير الذي يُرعب القادة ‘القبضايات‘!".

مع ذلك، تتمسك الناشطة السياسية اللبنانية بالأمل في أن "التغيير آتٍ لا محالة، لأن دور النساء في التحوّل المجتمعي هو دور محوري لا مهرب منه، ومشاركة المرأة قضية محورية لا تتجزأ عن القضايا الأخرى التي تعاني منها المنطقة العربية".

تتفق معها ناهدة خليل إذ تُبشّر بأن جيلاً من النساء العربيات يعمل لفرض وجود نماذج نسائية قادرة على خرق نهج الأنظمة الدكتاتورية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image