"سمعتي روح الفؤاد قبل كده"، جملة عابرة قالها لي صديق فأخدتني في رحلة بحث عن صاحبة الاسم، التي اكتشفت أني أعرف أغنياتها دون أن أعرفها.
فمن منا لم يستمع ذات يوم لأغنية: "سوق بينا يا أسطى على الكورنيش، ناكل درة ونشرب مانجا"، تلك الأغنية التي كانت سبباً في شهرة العديد من نجوم الأغنية الشعبية في مصر.
ولكن قليلين جداً من يعرفون أنها لروح الفؤاد، تلك الفلاحة المصرية التي بدأت رحلتها من أفراح كفر الزيات فوصلت لمسارح لندن وجنيف وباريس.
الريس حفني أحمد حسن، زوج المغنية الريفية روح الفؤاد
هناك جزء بداخلي يميل للغناء الشعبي، أذوب إذا سمعت موالاً لمحمد طه، أو خضرة محمد خضر، فهما من جملة أصوات تذكرني بالريف المصري الأصيل، حيث ولدت وعشت سنوات طويلة من عمري بين حقوله الممتدة وبيوته الطينية العامرة. لذلك لمس صوت روح الفؤاد منطقة ما في روحي، فقررت أن أعرف المزيد عنها، فكانت صدمتي.
سعاد منصور، قيل إنها أخت روح الفؤاد، وقيل ابنة عمها
والنبي على قلبك دلعني
كل ما هو متداول عن روح الفؤاد عبر الشبكة العنكبوتية هو معلومات قليلة لا تزيد عن أسماء بعض أغنياتها، وعملها مع فيفي عبده، وتعاونها مع الموسيقار بليغ حمدي، والملحن هاني مهنى. عدا أنها تزوجت من "الريس حفني أحمد حسن"، وأنجبت منه ولداً وحيداً اسمه عصام، توفي في شبابه، ثم تزوجت بعد انفصالها عن الريس حفني من الشاعر أمين قاعود، الذي كتب ولحن لها العديد من الأغنيات.
كيف لمطربة شعبية نافست نجمات عصرها، وغنت على مسارح كبيرة في عواصم العالم أن تكون مجهولة إلى هذا الحد؟
من أين أتت، وكيف بدأت مشوارها الفني، وكيف أنهته؟
هل هي على قيد الحياة؟ هل لها أبناء غير عصام؟
كيف اشتهرت أغنياتها إلى هذا الحد، بينما ظلت هي مجهولة؟
هذا الغموض الذي يحيط بسيرتها استفزني. فقررت أن أبحث عن معلومة تقودني إليها أو إلى شخص يعرفها.
للأسف، لم أصل إلى شيء في محركات البحث، لذلك قررت أن أغير وجهتي وأستخدم اسم "الريس حفني" زوجها الأول، فحتماً سيقودني إليها بشكل أو بآخر.
أدهشتني سيرة الريس حفني، فما هو متاح عنه من معلومات أثار غيظي. فكم كان سعيد الحظ بتدوين معلومات كثيرة عنه وعن مشواره الطويل، أما هي فلم يهتم شخص واحد بتدوين أية معلومة تخصها، ولو حتى تاريخ ميلادها.
قادتني رحلة البحث في عالم الريس حفني إلى حفيده "الريس على حفني"، 22 عاماً، مطرب سكندري من أصل صعيدي، سألته: "هل تعرف الست روح الفؤاد؟"، فأجابني: "طبعاً، دي كانت مرات جدي".
وبدأ يحكي: "اسمها روحية شبل أحمد منصور، ولدت عام 1954 في مدينة كفر الزيات بمحافظة الغربية، كانت من أسرة فنية، فأخوها إبراهيم كان عازف ناي وأخوها محمد كان طبالاً، وأختها الفنانة سعاد منصور كونت معها ثنائياً باسم "أولاد منصور" الذي اشتهر في الإسكندرية، وسجلتا العديد من الأغنيات، وتترات المسلسلات للإذاعة هناك".
جزء بداخلي يميل للغناء الشعبي، أذوب إذا سمعت موالاً لمحمد طه، أو خضرة محمد خضر، أصوات تذكرني بالريف المصري الأصيل، حيث ولدت وعشت سنوات، لذلك لمس صوت روح الفؤاد روحي، ولكن لماذا سيرتها مجهولة جداً حتى في "غوغل"
وتزوجت من الريس حفني أحمد حسن وأنجبت منه عصام الذي توفي شاباً وكان أيضا مطرباً اشتهر في الثمانينيات، وتوفي في 1986.
عرفت من "الريس علي" أن روح الفؤاد قد انفصلت عن الريس حفني بعد عام ونصف من زواجهما، وهي كانت الزوجة الثانية، وهو الأمر الذي لم ترض عنه زوجته الأولى - جدة علي - فطالبته بتركها، فما كان منه إلا أن طلقها. لكنهما ظلا يعملان معاً في الأفراح "فالشغل مالوش دعوة"، كما أكد علي.
"ما تخدنا دنجا دنجا"
تزوجت روح بعد فترة من الزجال الشهير علي قاعود، الذي ألف لها العديد من أعمالها الفنية، وساهم في شهرتها بشكل كبير. لكنها ظلت تقدم الأغاني في إذاعة الإسكندرية والأفراح فقط، ولم تسجل أسطوانة كغيرها بأمر من الريس حفني كما أكد حفيده: "الريس حفني كان شديد، ومكنش حد يعرف يقف قصاده".
رفض زوجها الأول الريس حفني أن يسجل لها أي أسطوانة، رغم شهرتها مع الزجال الشهير علي قاعود، يقول حفيده: "الريس حفني كان شديد، ومكنش حد يقف قصاده"، فاقتصرت أغانيها على إذاعة الإسكندرية، والأفراح
لم تسجل أغنيات روح الفؤاد إلا بعد رحيله، أنتج لها الموسيقار هاني مهنا ألبومين، ولحن لها الموسيقار بليغ حمدي أغنية "مبروك مبروك" في فيلم "نور العيون" إنتاج عام 1991، الذي لعبت بطولته فيفي عبده.
المغنية الريفية روح الفؤاد
وفقاً لما تعلمته من أساتذتي في شارع الصحافة يجب ألا أعتمد على رواية شخص واحد.
كان علي التأكد مما قاله لي "الريس علي"، فحاولت البحث عن أية معلومة عن أمين قاعود، فكانت صدمتي الثانية، فالمعلومات المتاحة عنه لا تتعدى وجود اسمه على بعض أغنيات روح الفؤاد، وأخباراً تتعلق بضياع مذكراته التي ضاعت معها معلومات مهمة عن مشوارهما الفني.
لم يكن أمامي سوى اللجوء إلى إذاعة إسكندرية، وبالفعل استطعت التواصل مع الأستاذ مجدي فكري كبير المعدين هناك، والذي يعمل بها منذ ثلاثين عاماً، ولكنه صدمني عندما قال لي إنه أول مرة يسمع باسم روح الفؤاد.
بالرغم من ذلك ساعدني في الوصول للأستاذ عصام محمود الملقب بـ "ميكي ماوس إسكندرية" الذي أكد لي أنه كان جار الست روح الفؤاد في حي غبريال بالإسكندرية. وشهد على خطواتها الأولى في مدينة الثغر منذ جاءت من كفر الزيات مع ابنة عمها سعاد منصور، التي كونت معها ثنائياً كان الأشهر في السبعينيات.
هنا استوقني الأمر: هل سعاد كانت أختها كما ذكر لي "علي حفني " أم ابنة عمها كما يؤكد جارها عصام محمود؟
أصر عصام على صحة معلوماته، مدعماً ذلك بأنه عاصرهما بعكس علي حفني. ولكي يبرهن لي على صدقه جعلني أتواصل مع ابن سعاد منصور، أحمد مراد، مطرب بمنطقة الهرم والمهندسين، من مواليد 1963، أي أنه شهد نجاحات الثنائي، ويعرف تفاصيل مشوارهما الفني جيداً.
خالة يا خالة
أكد لي مراد أن سعاد هي ابنة عم روحية، وهما من كفر الزيات بدأتا الغناء في سن صغيرة جداً في الأفراح الشعبية مع والديهما وإخوتهما. وفي فترة الستينيات قامتا بالغناء مع الريس حفني الذي كان ذائع الصيت، وتزوج روحية التي أنجبت منه ابنها الأول عصام، لكنها زيجة لم تستمر طويلاً فسرعان ما انفصلا. وقال: "في تلك الفترة مات جدي ثم أخوه. فقررتا روحية وسعاد أن تتركا كفر الزيات وتنتقلا للإقامة في الإسكندرية في بداية السبعينيات لتبدا رحلة جديدة، ثم تزوجت "خالتي روحية" من الشاعر الكبير أمين قاعود الذي اختار لها اسم "روح الفؤاد" كاسم فني. وقدمت مع أمي "سعاد" ثنائياً سجل العديد من الأغنيات والأعمال الدرامية في إذاعة الإسكندرية كما ظلتا لأكثر من عشر سنوات تحييان احتفالات العيد القومي للمدينة".
"لكن ومع بداية الثمانينيات انفصلتا، وكان عمري وقتها 16 سنة".
وأوضح مراد أن الخلاف الفني وقع بينهما لأن روح الفؤاد كانت جادة في عملها بشكل كبير، عكس سعاد التي كانت لا تلتزم بمواعيد، لذلك قررت روح الفؤاد الانتقال إلى القاهرة بصحبة أمين قاعود.
أقامت روح الفؤاد في منطقة ميت عقبة بالقاهرة لتبدأ مرحلة نجاح جديدة كانت ذروتها عملها مع الفنانة فيفي عبده 12 سنة، فقدمت معها أغنيات فيلمها الشهير "نور العيون"، ثم شاركتها في العديد من حفلاتها في الخارج.
غنت روح الفؤاد على أشهر المسارح في العالم. وبعد عملها مع فيفي عبده عملت مع الراقصة دينا، وهندية، حتى اعتزلت في عام 2008.
أكد مراد أن عصام لم يكن الابن الوحيد لروح الفؤاد كما هو متداول، فقد أنجبت من أمين قاعود ولدين، هما زين الذي عاشت معه حتى وفاتها ثم رحل بعد ذلك، وعلي الذي هاجر مصر قبل سنوات طويلة.
أشار مراد إلى أن الست روح الفؤاد كانت مريضة بـ"المعدة" منذ صغرها، وهو ما تسبب في نحافة جسدها، ولازمها طوال عمرها حتى أصيبت بالقرحة بسبب حزنها على نجلها الأكبر، وهو الأمر الذي أرهقها كثيراً وتسبب في أوجاعها لسنوات طويلة.
بعد اعتزال روح الفؤاد الغناء، عاشت من ريع قطعة أرض كانت تملكها، وظل مراد يقوم بزيارتها للاطمئنان عليها، مؤكداً ان الراقصة دينا وهندية كانتا على اتصال بها دوماً حتى توفيت في عام 2015، وقام هو وابنها زين بدفنها في القاهرة، لينتهي مشوارها وتنتهي رحلتي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...