بالتأكيد لم يدر بخلد أسطورة الكرة الجزائرية "رابح ماجر" أبداً أن يأتي اليوم الذي يكون فيه مجرد ظهور صورته على شاشة ملاعب بلاده، داعياً للتصفير عليه لا التصفيق له!
مشهد لم يتخيل أحد أن يحدث يوماً ما، لكنه حدث! وها هو صاحب الكعب الذهبي يغادر الملعب، لكن تلك المرة لم يغادره محمولاً على الأعناق كما تعود، بعد أن أفسدت السياسة ما صنعه الرجل في الملاعب.
ماجر… الكعب الذهبي
الذين لم يعاصروا الأسطورة رابح ماجر من الصعب أن يدركوا ما نتحدث عنه، الرجل حرفياً ساهم بجهد وافر في صنع تاريخ الجزائر الكروي، ورفع اسمها دولياً باستحقاق.
من منا ينسى هدفه المذهل بالكعب في مرمى بايرن ميونخ في نهائي دوري أبطال أوروبا، والذي حقق فيه لفريقه، بورتو البرتغالي، اللقب عام 1986، أو هدفه الحاسم في نادي بنيارول الأوروغوياني، ليتوّج فريقه بلقب كأس الإنتركونتيننتال (كأس العالم للأندية حالياً) أضف إليهم كأس السوبر الأوروبية، لقب الدوري البرتغالي ثلاث مرات، والكأس مرتين، وكأس السوبر مرتين، فضلاً عن تاريخه مع منتخب بلاده، حيث حمل لقب دورة الألعاب الإفريقية عام 1978، وبرونزية دورة الألعاب العربية عام 1985. كأس أمم إفريقيا 1990 وكأس الأمم الأفرو آسيوية 2000… بإيجاز، نتحدث هنا عن أسطورة كروية ودولاب بطولات متنقل.
ها هو صاحب الكعب الذهبي يغادر الملعب، لكن تلك المرة لم يغادره محمولاً على الأعناق كما تعود، بعد أن أفسدت السياسة ما صنعه الرجل في الملاعب
الفشل والفساد
السؤال هنا: لماذا أهانت الجماهير معشوقها، وكيف تحولت الهتافات إلى لعنات؟
الإجابة عن هذا التساؤل تمر عبر النظر إلى مشوار ماجر بعد الاعتزال كلاعب، وتحوله من المستطيل الأخضر إلى الجلوس على دكة البدلاء.
فماجر الذي نجح في أن يكون لاعباً لا يشق له غبار، فشل على طول الخط كمدرب، خاصة مع المنتخب الجزائري الذي قاده في أربع مناسبات، أعوام 1993 و1999 و2001 و2017، هذه الأخيرة هبت كعاصفة بعثرت صورته الجميلة في ذهن الجماهير.
النتائج الكارثية لم تكن وحدها السبب، فالرجل أصبح محل سخرية وتنمّر على وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدّر مخرجاته الإعلامية الغريبة الترند الجزائري، على غرار دخوله في شجار على المباشر في مؤتمر صحفي مع ممثل الإذاعة الجزائرية الناطقة بالفرنسية، معمر جبور، في حادثة أطلق عليها "تيزي فو" taisez-vous وهي صيغة أمر باللغة الفرنسية تعني "اصمت".
هذا الحادث لم يكن معزولاً، فقد أطلّ مدرب المنتخب الجزائري في تصريح إعلامي آخر على التلفزيون الجزائري، انتشر كالنار في الهشيم مع ملايين التعليقات الساخرة، عندما قال إن فريق بورتو يمكنه تسريح نجم الخضر ياسين براهيمي الذي كان ينشط في النادي البرتغالي حينها، وهي التصريحات المعروفة لدى الجزائريين "Allô Porto".
تصريحات أضيفت إلى أخرى استفزت الجمهور منذ أن أصبح محللاً لدى قناة "الهداف" الرياضية عام 2014، حين كان يتفنّن في انتقاد مزدوجي الجنسية الذين يدافعون عن ألوان المنتخب الوطني.
كما أطلق ماجر تصريحات مستفزّة، تنبأ خلالها بانهيار المنتخب الجزائري بعد رحيله، لكن المنتخب رفقة خلة جمال بلماضي حقق معجزة كروية غير مسبوقة، بسلسلة تاريخية بـ 35 مقابلة دون هزيمة، وفاز بكأس إفريقيا 2019 بمصر، وعاد محملاً بلقب غاب عن خزائن الفريق طيلة ثلاثة عقود.
واللقب الذي قال ماجر إن الفضل يعود إليه في التتويج به، وهو ما فتح عليه أبواب جهنم مع الجمهور العريض الذي يدعم ويحب المدرب الشاب جمال بلماضي، وقد عبّر حينها عن حزنه من الحملة التي استهدفته واستهزأت به كشخص وكمدرب.
الصورة الجميلة التي رُسمت على مدار عقود في مخيال الجزائريين، طارت كورقة خريف في مهب الريح، بعدما تحول ماجر إلى أشد المساندين لعبد العزيز بوتفليقة
مدير حملة بوتفليقة
النتائج السلبية والمشوار السيء، جزء من الأسباب التي أدت لإطلاق الجمهور لصافرات الاستهجان بملعب براقي، لكن السبب الأبرز، حسب كثيرين، هي علاقة الرجل بالنظام السابق الذي سقط بعد مظاهرات مليونية عارمة انطلقت في 22 فبراير 2019، واستمرّت قرابة ثلاث سنوات.
الصورة الجميلة التي رُسمت على مدار عقود في مخيال الجزائريين، طارت كورقة خريف في مهب الريح، بعدما تحول ماجر إلى أشد المساندين للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وساهم في تنشيط حملاته الانتخابية، رفقة الوزير الأول عبد المالك سلال، وقد تحدثت مصادر إعلامية بعد فوز بوتفليقة بالولاية الرابعة رغم مرضه، عن مكافأة ماجر بمقعد في مجلس الأمة على عمله.
ويعد نجم المنتخب الجزائري من بين الرياضيين الأوائل الذين أعلنوا مساندتهم المطلقة لبوتفليقة، إذ تولى منصب مدير الحملة الانتخابية لبوتفليقة في العاصمة القطرية الدوحة، في انتخابات الرئاسة لعام 2009.
"ماجر اللاعب نرفع له القبعة. أما المواطن فقد جنى على نفسه"، هكذا يستهل مدرب كرة القدم، عز الدين بلعيدي، حديثه لرصيف22، ويقول إن رابح ماجر من خيرة اللاعبين الذين أنجبتهم الكرة الجزائرية، لكن الشيء الذي لم يشفع له أمام الجماهير الجزائرية، هو اتجاهه ضد التيار في الحراك الشعبي، وإعلانه جهراً مساندته للعهدات البوتفليقية.
لكن محمد رابح، مدير موقع سبق برس الجزائري، يتحفّظ على ما حدث لماجر ويقول: "الطريقة التي عومل بها ماجر غير مقبولة، إذا نظرنا إليها بعيداً عن سياق سلوك الجماهير وحملات التشويه، وتصبح فعلاً مقزّزاً إذا استحضرنا تاريخه، تحديداً في الكرة وما فعله مع المنتخب الوطني".
امتيازات غير قانونية
من جهة أخرى، علاقة ماجر بما يطلق عليه الشعب الجزائري "العصابة" وضعته أمام طريق ملغّم بشبهات الفساد، كحصوله على عقارات في "متنزه الصابلات" على ضفاف الواجهة البحرية للعاصمة، والتي مُنحت له في عهد بوتفليقة، وسحبت منه في عهد الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، علاوة عن تلقيه أموال دعم الإشهار العمومي (إعلان الجرائد) بقيمة 30 مليار سنتيم في ظرف ثلاث سنوات بين 2016 و2019، رغم توقف جريدتي "البلاغ" و"البلاغ الرياضي" اللتين كان يملكهما.
ولوحق ماجر إثر ذلك، رفقة شريك آخر، بتهم النصب، الاحتيال، التزوير واستعمال المزور، إذ سمح للصحيفة التي كان يديرها، ومقرها وهران غرب العاصمة، بالاستفادة من الإشهار العمومي بطرق غير قانونية.
آسف له وعليه
العرفان ليس جزءاً أصيلاً في ذاكرة جماهير الكرة، حتى وإن كان حاضراً في مناسبات عديدة، لكن سرعان ما يعود النجم لعرش القلوب المحبة للكرة عادة،
وهو ما شهدناه على شبكات التواصل الاجتماعي، قبل ان نراه في الملعب، حيث عاد التركيز على رابح ماجر، صاحب الكعب الذهبي، نجم بورتو وصانع أفراح الجزائريين.
ومن المتوقع جدا أن يحظى رابح ماجر بتكريم خاص من الاتحاد الجزائري لكرة القدم، بناء على تصريحات المتحدث الرسمي باسم الفاف، صالح باي عبود، الذي أكد أن الهيئة الكروية تحضر لمفاجأة، خاصة وأن الفاف نشر صورة على موقعه للدفاع عن لاعبه ومدربه السابق ضد حملات الكراهية التي استهدفته.
مهما بلغ فشله كمدرب، أو تعدت تصريحاته حيز المعقول، أو مهما كانت علاقته بالنظام السابق وارتباط اسمه ببعض قضايا الفساد، كل هذا لا يلغي ولا يحجب مسيرة اللاعب، الذي شُيِّد له تمثال في بورتو وخلّد اسمه في تاريخ الكرة، فحيثما سُجِّل هدف بالكعب، في البرازيل أو إنجلترا أو الصين أو أستراليا أو الولايات المتحدة، أو أي بلد في العالم، سيقولون: "سجّل هدفاً على طريقة ماجر".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يومينوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت