تستضيف مصر هذا العام بطولة الأمم الأفريقيّة 2019، في تغييرٍ واضحٍ لمشاهد المتابعة الجماعيّة للجماهير، حيث لوحظ ارتفاع نسبة تواجد النساء، سواء في المدرّجات أو المقاهي التي خصّصت أماكن مفتوحةً وعائليّة لمتابعه المباريات.
خصّصت الشركات حملاتٍ إعلانيّةً مختلفة لرعاية البطولة، اختلفت في شكلها ومضامينها ولكن اتسمت في مجملها بذكوريّةٍ شديدة، مستخدمة توصيفاً نمطيّاً للرجولة وصوراً محفوظة للنساء.
استهلّت شركة كوكاكولا الموسم الإعلاني بإعلانها المكوّن من مسيرات لألتراس أهمّ خمسة فرق محليّة هم، الأهلي، الزمالك، الاتحاد السكندري، المصري البورسعيدي، والإسماعيلي، تنطلق تلك المسيرات بصوتٍ أجشّ على إيقاع طبول ثابت وكأنها الحرب، ويظهر الممثّلون بملامح العنف والبأس والحماس أثناء تأديتهم أغنية الإعلان بنفس الإيقاع.
وعلى الرغم من ظهور موسيقى "السمسميّة" الرقيقة للحظات، والتي ارتبطت تاريخيّاً بأهمّ أغاني تهجير مدن القناة، خلال فترة العدوان الثلاثي على مصر، إلا أن المخرج أصرَّ على الالتزام باللحن الهتافي، ليظلّ الإعلان محتفظاً بِسِماته الرجوليّة الوحشيّة، وأكّد ذلك غياب النساء عن الإعلان، في هيمنةٍ تامّة للذكور أصحاب الفورمة التي علينا أن نخاف منهم "السنة دي" كما تقول الأغنية.
أمّا شركة أورانج فقد أعدّت إعلاناً اعتمد علي النوستالجيا، وفوز مصر بالبطولة سبع مرّات، واستضافتها للبطولة خمس مرّات، والغريب إن الإعلان أشاد بمشاركة النساء في التشجيع بجملةٍ استهلاكيّةٍ "كعبنا عالي بقالنا سنين" مع ظهورٍ واحدٍ لأمرآة طوال الإعلان.
بعد أن اندلعت التعليقات وانقسمت، حول فعل التحرّش اللفظي للاعب عمرو وردة، والذي عوقب لمدّة يومٍ واحدٍ بقرار مجلس إدارة اتحاد الكرة، باستبعاده بشكل رسمى من صفوف المنتخب فى البطولة 2019، لأسبابٍ سلوكيّة، وبينما تراجع المجلس وحظى وردة بكلِّ الدعم من لاعبي المنتخب من منطلق الستر، وأنه "مش أوّل ولا آخر واحد"، نشرت أورانج على صفحتها الرسميّة بموقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، إعلاناً جديداً بمناسبة فوز المنتخب المصري في الماتشات الأولى، مع حضورٍ أوفر للنساء المشجّعات وحذف مشاهد عمرو وردة وظهور اللاعبين محمود تريزيجيه وطارق حامد، وعلّقت على الفيديو قائلةً :"أبطال أفريقيا عملوها وصعدنا للدور الـ16، مبروك لمصر".
أكّدت داليا عبد الحميد، في دراستها عن الألتراس التي نالت عليها درجة الماجستير من الجامعة الأمريكيّة عام 2015، أنه على الرغم من اتهام مجموعات الألتراس في مصر بأنها أبويّة لأنها مجتمعات يهيمن عليها الذكور، إلا أن النساء اقتحمن تلك المجموعات وأكّدن وجودهن، رغم أحداث العنف التي تعرّضت لها مجموعات الألتراس بعد الثورة، ووصمة المجتمع للمشاركات في اعتصامات الألتراس، والقواعد التي سنّها الذكور لرفيقاتهن في الاعتصام خوفاً عليهن من العنف الجسدي والتشويه الإعلامي.
تستضيف مصر هذا العام بطولة الأمم الأفريقيّة 2019، خصّصت الشركات حملاتٍ إعلانيّةً مختلفة لرعايتها، اختلفت في شكلها ومضامينها ولكن اتسمت في مجملها بذكوريّةٍ شديدة، مستخدمة توصيفاً نمطيّاً للرجولة وصوراً محفوظة للنساء.
استهلّت شركة كوكا-كولا الموسم الإعلاني بإعلانها المكوّن بأهمّ خمسة فرق محليّة تنطلق في المسيرات بصوتٍ أجشّ على إيقاع طبول وكأنها الحرب، تغيب النساء عن الإعلان، في هيمنةٍ تامّة للذكور أصحاب الفورمة التي علينا أن نخاف منهم "السنة دي" كما تقول الأغنية.
أما شركة بيريل، المشروب الشعيري التي حرصت على اعتباره مشروباً للرجال منذ حملتها الأولى "استرجل واشرب بيريل" فقد شنّت حملتها الإعلانيّة عن بطولة الأمم الأفريقيّة بمجموعة إعلانات تحت شعار "عايزين البطولة العبوا برجولة"، كان أوّلها إعلان كارتوني استخدم الرسوم المتحرّكة في تصنيع شخصيات حادّة الملامح، مفتولة العضلات، للمشجّعين الـذين اشتركوا في أغنيةٍ هتافيّة حدّدت ملامح الرجولة، كالصوت العالي والتحكّم والقسوة، مؤكّدةً على العلاقة الوطيدة بين الرجولة وحبّ وتشجيع ولعب كرة القدم:
أنا اللي كل أصحابي زيي مشجّعين
بنحبها من واحنا لسه صغيرين
الكورة ماشية في دمنا زي الرجولة
مستنينكم ترجعولنا بالبطولة
انتو اللي خلصتوا المناهج في الرجولة
واصلت الشركة إعلاناتها بالسخرية من أداء اللاعبين، كهربا ونني وتيريزجيه، في مواقف حياتيّة لأناسٍ عاديين يحملون نفس أسماء اللاعبين سابقي الذكر، انتهت بجملة تعقيبٍ واحـدة "المهم واحد بس ينجز عايزين البطولة العبوا برجولة": بلاش فزلكة... استرجل، "عايزين البطولة؟ العبو برجولة"، وطفل يرفض أن يتجاوب مع طلب والدته ويرمي المنديل وكأنها كرة قدم.
على موسيقي الراب وباستخدام السخرية من أداء اللاعبين، قـدّمت شيبسي إعلانها المكوّن من مجموعات من المشجّعين يقدّمون نصائح للاعبين لتحسين أدائهم، ظهر في الإعلان 6 مشاهد لنساء من أصل 28 مشهد، اشترك كافّة المشاركين في الإعلان في أداء أغنية راب، ولكن لم يظهر بها أيّ صوت نسائي.
استكملت بيبسي الإعلان السابق واختارت تصميم إعلان كأنه ردّ من اللاعبين على نصائح المشجّعين، مقدّمين لهم وعوداً بالالتزام بالنصائح، وطالبين تكثيف الهتافات، وتقليل النقد على وسائل السوشيال ميديا.
وبنفس الأبويّة والسخرية ذاتها، قدّم إعلان إيجي بنك شباب مينت، الرجال العاملين في مجالاتٍ مختلفة، الشرطة والطب والهندسة والخياطة وحتى الإجرام والخطف، وهم يقولون حلولهم الكرويّة للاعبين على لحنٍ هتافي، مع ظهور سيّدة واحدة راقصة ترتدي جلباباً أحمر لامعاً وتقول "هنحسّن خط النصّ ونرقص من غير مانبص "
ومن اللافت للنظر ربط الإعلان للبطولة الأفريقيّة بالسحر الأسود والشعوذة حيث قالت الأغنية:
حرص من السحر الأسود
جاب داغ أودعها فرود
لو عندهم جامايكا
إحنا هنديهم عين
وإمعانا في هذا التنميط انطلقت تعويذة الهباداباديم، التي ظهرت في إعلان الوحوش لشركة اتصالات، بطولة أمير كراره، الـذي غنّى أغنيته المليئة بجمل التهديد والوعيد، على أنغام موسيقى المهرجانات، مع ظهور هامشي لشابات التزمن نفس الملامح العابسة الحادّة، وعلى الرغم من ظهور لاعبة درامز، إلا أنه لم يظهر صوت نسائي واحد في الأغنية.
قد أثار عجب البعض إعلان شركة "وي" الذي اقتبس لحنه من أغنية "اتفضل من غير مطرود" التي ظهرت في فيلم أيام الغضب، للاحتفال بخروج نور الشريف من مستشفى الأمراض العقليّة، فبينما بدأت الأغنية بجملٍ ترحيبيّة لفرق البطولة إلا أنها أكملت بجملٍ تهديديّة، لبعضها إيحاءات جنسيّة، مع ظهورٍ نمطي لسيّدات فلاحات يعددن الطعام وأخريات ينسجن لوحات كرويّة بالخيوط.
أما شركة أورانج فقد أعدّت إعلاناً اعتمد على النوستالجيا وفوز مصر بالبطولة سبع مرّات، واستضافتها للبطولة خمس مرّات، والغريب إن الإعلان أشاد بمشاركة النساء في التشجيع بجملةٍ استهلاكيّة "كعبنا عالي بقالنا سنين" مع ظهورٍ واحدٍ لامرأة طوال الإعلان.
أيضا كانت أغنية "بالحبّ اتجمعنا" للفنان عمرو دياب التي قدّمها لأوّل مرّة في بطولة الأمم الأفريقيّة عام1991، التي أقيمت في مصر، الخلفيّة الموسيقيّة لإعلان فودافون مع حضور غني للنساء المشجّعات في الملاعب ووسط الجماهير وفي الاحتفالات، حيث قدّم رجال ونساء فقراتٍ راقصةً على الأغنية، وكان جميلاً الاستعانة بممثلين ذوي أصولٍ نوبيّة.
هذا وقد صمّمت عدّة حملات لشركات أخرى، أهمها جوجل وكريم وفريسكا، إعلاناتها في غياب متعمّد للنساء، وكأن عملاءهم جميعاً من الرجال.
فضلاً عن إعلان بنك دبي الوطني، الـذي عرض مجموعةً من الرجال يشقّون قمصانهم للكشف عن "T shirt" أحمر ويغنون أغنية صارمة:
انا هلبس أحمر واشجّع من قلبي
علشان الوقت ده هو الراجل بيبان
امتلأت إعلانات بطولة الأمم الأفريقيّة 2019 بمضامين مختلفة اشتركت جميعها، إمّا في بثِّ رسائل التهديد والوعيد بشكلٍ مبالغ فيه من المصريين للفرق المستضافة، أو بالوصايا والسخرية الموجّهة من الجمهور للاعبين، لتعبّر دائماً عن علاقات سلطةٍ هرميّة، ليس فيها ودّ واحترام، اللتان تدّعي الرياضة والرياضيّون تعزيزهما طوال الوقت.
ماهي تلك الرجولة التي تستحقّ وحدها الانفراد بالمساحات الكروية قي اللعب والتشجيع؟ هل تلك الأصوات الصارخة والأجسام المفتولة هي التي ستحمل رايات الانتصار لهذا الوطن في البطولة؟ هل الملاعب مجالات عامّة لازالت محرّمة على النساء؟
هكذا تصرّ الإعلانات الترويجيّة للشركات الراعية لبطولة الأمم الأفريقيّة، على تقديم إجاباتٍ ذكوريّةٍ منحازة، بتكرار صور نمطيّة للرجولة مرتبطة بالعنف والصلادة والاندفاعيّة والخشونة والسخرية من أي نمطٍ مخالف، مع الحرص على إخفاء النساء، أو تقديمهن في أدوار تقليديّة، كطبّاخات أو راقصات أو مشجّعات هامشيات.
واستكمالاً لتلك الأبوية المتجليّة، امتلأت الإعلانات بمضامين مختلفة اشتركت جميعها، إمّا في بثِّ رسائل التهديد والوعيد بشكلٍ مبالغ فيه من المصريين للفرق المستضافة، أو بالوصايا والسخرية الموجّهة من الجمهور للاعبين، لتعبّر دائماً عن علاقات سلطةٍ هرميّة، ليس فيها ودّ واحترام، اللتان تدّعي الرياضة والرياضيّون تعزيزهما طوال الوقت.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يومينوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت